حرب الطوفان: التحديات الراهنة.. ورؤية استشرافية للحل النهائي
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
بقلم: اللواء د. شوقي صلاح
لعلنا نتفق على أن أهم ما أسفرت عنه نتائج حرب طوفان الأقصى بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر من بدايتها، أن كل الأطراف خاسرة.. فإسرائيل تكبدت خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة منذ نشأتها عام 1948 وحتى الآن، ولم تحقق أي هدف من أهداف الحرب، فلم تقض على قدرات المقاومة، ولم تحرر أسراها ورهائنها بالقوة، وخسرت معركتها الإعلامية على المستويين الدولي والداخلي بامتياز؛ فقد انتفضت شعوب الغرب احتجاجًا على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، كما انتفض جانب كبير من الداخل الإسرائيلي ضد سياسات الحكومة خاصة بالنسبة لملف الرهائن والأسرى، هذا ومن ناحية أخرى، فإن قطاع غزة قد تضرر على المستوى البشري، حيث تجاوز عدد الشهداء -حتى تاريخ كتابة هذه السطور- ما يزيد على الواحد والعشرين ألفًا، ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى، كما تهدمت عشرات الآلاف من المساكن والمستشفيات والمرافق الأساسية الأخرى في القطاع، لذا فإن أطراف الصراع خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنه من الضروري إنهاء هذه الحرب قبل اتساع نطاقها.
– هذا، وساهمت مصر وقطر في التوصل لهدنة مع تبادل للرهائن بالمعتقلين في السجون الإسرائيلية، ثم عادت الحرب مرة أخرى، وتقدمت مصر الآن بمبادرة من ثلاثة مراحل.. تنتهي بإنهاء الحرب وتبادل كامل للمعتقلين والأسرى لدى طرفي الصراع، ومع هذا فإن حل الدولتين الذي بات هدفًا استراتيجيًّا لمنع تجدد هذا الصراع مستقبلًا.. يواجه تعنتا إسرائيليًّا، خاصة في ظل وجود حكومة هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، لذا فلا تتعجب من القول بأن: اتساع دائرة الصراع هو العامل الجوهري المؤثر إيجابًا على خضوع إسرائيل لخطوة حل الدولتين.. .
* رؤية استشرافية لمسار إنهاء الاحتلال وحل الدولتين
– على غرار الاتحاد الأوروبي – الذي تأسس بناء على معاهدة “ماسترخت” التي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 1993- ويضم في عضويته 27 دولة، نطرح في هذا المقام فكرة تأسيس اتحاد دولي جديد، نقترح تسميته بـ: “الاتحاد الإبراهيمي- The “Abrahamic Union نواته الأولى دولتا: إسرائيل وفلسطين، وهو اتحاد سياسي له بعد ديني.
– وجدير بالذكر أن هذا الاتحاد الذي يتأسس بعضوية الدولتين المشار إليهما، يمكن أن يضم في عضويته دولاً أخرى.. ونؤكد في هذا السياق على أن هذا الطرح يختلف عن فكرة سبق تقديمها وتم رفضها من دول في مقدمتها مصر، ألا وهي فكرة استحداث “الديانة الإبراهيمية” التي تجمع الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ففكرة دول الاتحاد الإبراهيمي المشار إليها هو اتحاد سياسي، اقتصادي، عسكري، ثقافي… والبعد الديني يمنحه قوة روحية لا أكثر، ولعل هذا يحقق لإسرائيل هدفًا استراتيجيًّا تسعى جاهدة لتحقيقه، ألا وهو أن تنتهي روح العداء لكل الدول المحيطة بها، فإسرائيل رغم عقدها اتفاقيات للسلام مع دول عربية في محيطها الإقليمي وأهمها مصر، إلا أنه؛ على المستوى الشعبي فإن العداء مازال قائمًا.. لذا فمن مصلحة إسرائيل والعرب تغيير هذا الواقع المرير.
رسالة بايدن للحكومة الإسرائيلية: لن نسمح لكم بتهديد أمننا القومي
– لقد وصل الحال بالرئيس بايدن؛ أن طلب من نتنياهو وحكومته الخروج من سدة الحكم في إسرائيل، حيث يُصر الأخير على ارتكاب المزيد من أعمال الإبادة الجماعية لسكان غزة المدنيين وإطالة أمد الحرب، مما يهدد باتساع نطاقها.. وهو ما يضر باعتبارات الأمن القومي الأمريكي، حيث ستصبح القوات الأمريكية المتمركزة في منطقة الشرق الأوسط ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في بؤرة الاستهداف، كما أن مخازن أسلحتها الاستراتيجية الموجودة في إسرائيل ستصبح غير آمنة بالقدر الكافي.. ناهيك عن الاستنزاف الحاد الذي سيصيب قدرات الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل بشأن الأسلحة والذخائر، خاصة وأن اتساع نطلق الصراع سيطول أمده كثيرًا.. ويبدو من تحليل المشهد العسكري الراهن أن دول المنطقة التي يمكن أن تدخل دائرة الصراع قد أعدت العدة تمامًا لمثل هذه المواجهة الكبرى، ولنا في هذا المقام أن نوجه تساؤلين للحكومة الإسرائيلية:
* حال اتساع نطاق الصراع، هل تضمنون فاعلية القبة الحديدية في منع عشرات الألاف من الصواريخ التي ستستهدف في توقيت زمني محدود، أهم وأخطر الأهداف الاستراتيجية في إسرائيل؟؟؟ هذا، وفي توقيت الاستهداف الصاروخي المشار إليه، ماذا تتوقعون من الملايين من سكان غزة والجنوب اللبناني أن يفعلوا ؟؟؟
– وطالما أن التساؤلين المذكورين موجهان للحكومة الإسرائيلية، فأرجو ألا يندفع أحد بالقول: “إسرائيل تمتلك أسلحة ردع نووية وهي قادرة على استخدامها حال تهديد أمنها القومي”.. فهذا الادعاء فيه تسرع من زاويتين: الأولى: أن بالمنطقة من يمتلك أيضًا ما يكفي من أسلحة الردع، وإن كانت غير نووية.. والثانية: ما يدريك؛ فربما طورت دولة ما قدراتها النووية لمستوى التصنيع العسكري؛ خاصة بعد ما تم من تعاون عسكري واسع النطاق صاحب الحرب الروسية الأوكرانية…
– تدعي إسرائيل بأنها تتفاوض من منطلق الطرف الأقوى، القادر على فرض شروطه التفاوضية، بينما نتائج العمليات البرية – حتى الآن- تؤكد تكبدها خسائر فادحة، ولعل أهم أسباب هذه الخسائر، إنما يرجع لعدم احترافية المقاتل الإسرائيلي، فالمَشَاهد التي عرضتها فصائل المقاومة، أقوى دليل على تدني قدراتهم المقاتل الإسرائيلي في مواجهة فصائل مقاومة محدودة الإمكانات من حيث التسليح والتجهيز.. فالمقاتلون الإسرائيليون الذين تم استدعاؤهم لساحات القتال، مدنيون تعلموا فقط الحد الأدنى من مهارات القتال، لمواجهة عناصر مقاومة عقيدتهم: “النصر أو الشهادة”؛ وهذه العقيدة القتالية استطاعت دحر أكثر العناصر احترافية في لواء جولاني الإسرائيلي، وهذا ما يبرر قيام حكومة الحرب بتسريح عشرات الألاف من جنود الاحتياط.. ليعودوا لأعمالهم، فوجودهم في ساحات القتال بلا فائدة تذكر، بينما الاقتصاد الإسرائيلي ينهار…
– وبهذا، فإن إسرائيل مخيرة بين أمرين – كلاهما مــر-؛ الأول: أن تعاند بالاستمرار في الحرب، ومن المؤكد في هذه الحالة أن نطاق الصراع سيتسع، وعليها أن تتحمل تبعات هذا الأمر، خاصة ما يتعلق بهجرة ملايين المواطنين الإسرائيليين.. ويحضرني في هذا المقام الآية القرآنية الكريمة التي توضح موقف بني إسرائيل من سيدنا موسى عليه السلام عندما طالبهم بالقتال كأمر ألا وهي: “ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ” 24 المائدة.
الثاني: البداية الحقيقية لحل الأزمة الراهنة هو تغيير الحكومة الإسرائيلية، لتأتي أخرى أكثر برجماتية، ولا تحمل على عاتقها أوزار الماضي، لتبدأ في أعمال تفاوض تشتمل على حل عادل للقضية الفلسطينية، بما يضمن أمن إسرائيل. وهناك قادة للمقاومة في السجون الإسرائيلية تستطيع إدارة المرحلة، بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، ولا شك أن الإدارة القادمة لعمليات التفاوض تحتاج لإبداع سياسي، وقادة أقوياء وحكماء...
اللواء د. شوقي صلاح
الخبير الأمني وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية
Tags: أنور الساداتإسرائيلطوفان الأقصىمصر
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: أنور السادات إسرائيل طوفان الأقصى مصر فی هذا
إقرأ أيضاً:
الطيار الإسرائيلي يحكي لحظات الاقلاع واستهداف اليمن (ترجمة خاصة)
كشف طيار في سلاح الجو الإسرائيلي عن غاراته الجوية التي نفذها على اليمن، واستهدفت منشآت حيوية في مناطق سيطرة الحوثيين.
وقال الطيار الرائد د.، 26 عامًا، في تصريحات نقلتها " ynetnews" العبرية وترجمها للعربية "الموقع بوست" إن ضربة اليمن تعد أطول مهمة له، حيث تتطلب حل المشكلات أثناء الطيران، والتركيز الشديد لشن هجوم دقيق على أهداف الحوثيين والعودة الآمنة إلى الوطن بعد العملية عالية المخاطر.
وأضاف متحدثا عن الضربة "بعد إطلاق الذخائر، لن يكون هناك فرصة لأخذها مرة أخرى".
وحسب الصحيفة "هبط الرائد د. في قاعدة رامون الجوية في الساعة 5:30 صباحًا يوم الخميس، تمامًا كما تشرق الشمس، ليكمل أطول رحلة في حياته المهنية.
وقالت كان طيار إف-16 البالغ من العمر 26 عامًا قد أمضى ست ساعات في قمرة القيادة الضيقة، حيث طار لمسافة 2000 كيلومتر (1243 ميلاً) إلى اليمن لضربة دقيقة بينما كان صاروخ باليستي يتجه في الاتجاه المعاكس نحو إسرائيل.
يقول الطيار "لقد قرأت وفهمت وأوافق على اللوائح وسياسة الخصوصية، وأعطي موافقتي أيضًا على تلقي المواد الإعلانية من مجموعة المجلات وفقًا للتفاصيل أعلاه".
كانت طائرته واحدة من 14 طائرة شاركت في العملية التي استهدفت مواقع الحوثيين في اليمن. ولأول مرة، ضربت الضربات العاصمة صنعاء، إلى جانب مدن ساحلية أخرى. وشملت المهمة خمسة أهداف بعشرات المكونات، تم تدميرها بواسطة 80 قنبلة ثقيلة.
استعد د. وسربه للعملية بدقة على مدى أسبوعين. ولتحمل الساعات المرهقة في الجو، أعطى د. الأولوية للراحة، بما في ذلك القيلولة في فترة ما بعد الظهر قبل الرحلة، لضمان استعداده جسديًا لواحدة من أخطر المهام في حياته المهنية.
"الصعوبة الرئيسية هي الأداء في اللحظة الحرجة خلال مثل هذه المهمة الطويلة، الأمر الذي يتطلب مني البقاء متيقظًا ومتنبهًا في جميع الأوقات"، قال د. لصحيفة يديعوت أحرونوت وصحيفة يديعوت أحرونوت الشقيقة. "كانت الرحلة هناك أسهل لأن هناك الكثير مما يجب القيام به - فحص أنظمة الأسلحة، والملاحة في السماء المزدحمة والتزود بالوقود أثناء الرحلة، وهو دائمًا أكثر تحديًا في الظلام. الاقتراب لمسافة 10 أمتار من طائرة التزود بالوقود في الليل ليس بالمهمة السهلة"، أوضح.
وخلال المهمة، واجه د. وملاحه لحظة متوترة عندما أضاء مؤشر عطل خزان الوقود. وبعيدًا عن الأراضي الإسرائيلية، كان عليهم حل المشكلة في الجو لتجنب تأخير العملية. وقال: "نتدرب على العديد من السيناريوهات مسبقًا لأن المشكلات الفنية أو التشغيلية تنشأ غالبًا في مثل هذه الرحلات الطويلة"، مؤكدًا على استعداد الطيارين لمثل هذه الطوارئ.
"اللحظة الحاسمة، "وقت المال"، هي عندما نطلق الذخائر. لا توجد فرصة ثانية. كانت مشاهدة القنبلة تسقط وتضرب زوارق السحب الحوثية تجربة قوية"، كما روى. "عندما رأيت الضوء الساطع الناتج عن الاصطدام، عرفت أنني أصبت الهدف. بعد ذلك، خفت حدة التوتر إلى حد ما، وخلال رحلة العودة، تمكنا من التحدث عن أمور شخصية - سواء مع بعضنا البعض أو مع الطيارين الآخرين".
قال د. إنه والآخرون واجهوا نيرانًا مضادة للطائرات، على الرغم من قيام إيران بتزويد المتمردين بأنظمة صواريخ أرض-جو. وأوضح: "قام ضابط في غرفة حرب القوات الجوية بمزامنة جميع عناصر العملية، من الاستخبارات إلى الاتصالات والتسليح والقيادة الجوية". "هذا النوع من المهام يتطلب تنسيقًا دقيقًا لعشرات العوامل، وكلها مكثفة في بضع ساعات متوترة".
وكان التحدي الآخر هو تجنب الاتصال بالطائرات المدنية. قال د.، مشددًا على تعقيدات العمل في المجال الجوي الدولي: "لم نكن نعرف أن صاروخًا قد أطلق على إسرائيل في نفس الوقت الذي كنا نتجه فيه إلى اليمن".
وقد طرح تقييم تأثير الضربة على منشآت النفط والطاقة عقبات إضافية. وأشار د. إلى أنه "من الصعب تقييم النتائج عندما تكون الأهداف بعيدة للغاية، على عكس الحال في لبنان أو غزة.
وقال "في هذه الحالة، نفذنا الضربة بطريقة فريدة واستخدمنا معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر في صباح اليوم التالي لتأكيد النتائج من خلال التقارير واللقطات من اليمن".
ويظل د. حازماً بشأن المهام المستقبلية. "إذا كانوا يريدون حرب استنزاف، فسوف يحصلون عليها. على الأقل لقد حققنا أهدافنا - ولدينا المزيد في البنك".