(عدن الغد)خاص:

تقرير/ ناصر الزيدي:

"ظروف الحياة الصعبة قادتني للبحث عمّا أسد به رمق جوع أطفالي من أكوام القمامة المركومة في بعض الأحياء السكنية وقارعة الطرقات بمحافظة عدن"؛ بهذه الكلمات الموجعة يصف أكرم علي (26 عامًا)، معاناته اليومية مع جمع "العُلب البلاستيكية" بعد أن تقطعت به السُّبل ولم يجد أي فرصة عمل أخرى لإعالة أسرته المكونة من خمسة أفراد.

ابتلع أكرم ريقه الجاف، وقال بصوتٍ خافت لـ"خيوط": "أخرج من منزلي الكائن في مديرية دار سعد بشكلٍ يوميّ مع بزوغ أول خيط من أشعة الشمس، باحثًا في أكياس وبراميل القمامة عن العُلب البلاستيكية لأجمعها في كيس أحمله على ظهري حتى أوصله مشيًا على الأقدام إلى موقع تجمع "العُلب" في مدينة التقنية الذي يبعد عن منزلي نحو 4 كيلو مترات".

ويضيف أكرم: "ساعات طويلة أظلّ أبحث في براميل القمامة عن العُلب البلاستيكية من مكان إلى آخر في عز النهار وحرارة الشمس لكسب دخل زهيد، ولكن هذا رزقي ولله الحمد".

يرتشف أكرم قليلًا من الماء ثم يستلقي على ظهره ليرتاح، ليعاود لاحقًا حديثه قائلًا: "أقضي معظم أوقاتي خارج المنزل من الصباح وحتى آخر الليل مجبرًا على البحث عن كميات كبيرة من "العُلب البلاستيكية"، لكي أستطيع شراء الوجبات الرئيسية الثلاث لأطفالي (فطور وغداء وعشاء)".

دموع الألم

عينا أكرم لم تُخفيا المعاناة الصعبة التي يُمرّ بها وأسرته في الوضع الراهن، وبدأتا تذرفان الدموع بطريقة مؤلمة ومؤثرة، ليواصل حديثه قائلًا: "بعض الأحيان لا أحصل على مبلغ جمع "العُلب البلاستيكية" مباشرةً من مالك "موقع تجمع العُلب"، بل يتم تأجيله إلى يوم آخر بحجة عدم وجود فلوس (مال)، حينها أضطر للعمل في أماكن أخرى لتوفير احتياجات أطفالي اليومية، مثل تنظيف المنازل، وأعمال أخرى شاقة جدًّا، يصعب على الكثير العمل فيها".

بملامح تملؤها مشقة التعب والمعاناة، يقول مالك موقع تجميع "العُلب البلاستيكية" في منطقة التقنية بعدن: "الحرب ووضع البلاد السيئ دفعاني وأسرتي للنزوح من محافظة الحديدة (غرب اليمن) إلى محافظة عدن (جنوبًا)، والعمل في مجال بيع وشراء "العُلب البلاستيكية" لمقاومة ظروف الحياة الصعبة".

يُعدّ أكرم واحدًا من الشباب اليمنيين الذين عصفت بهم الحياة، وأجبرتهم على العمل في أعمال شاقة ومتعِبة نظرًا للظروف الصعبة والحرجة، لا سيما مع حصر فرص العمل على فئات معينة، وفقًا لـ"أكرم"، الذي أكّد أنّه حاول مرات عديدة إيجاد عمل آخر، ولكن الحياة لم تبتسم له، ليصارع وحيدًا من أجل البقاء لإعالة أسرته التي باتت قنينات الماء الفارغة مصدر رزقهم الأساسي والوحيد.

أحمد صالح (30 عامًا)، متزوج وأب لثلاثة أطفال، صال وجال في أماكن عديدة بمحافظة عدن، باحثًا عن عمل يقتات منه، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، ما اضطره إلى اللجوء إلى مهنة جمع العُلب البلاستيكية في مخلفات القمامة لسد رمق جوع أطفاله.

يقول أحمد، بعد أن مرت سنة ونصف على عمله في هذا المجال، إنه يحصل على مبلغ ضئيل جدًّا مقابل العُلب التي يقضي وقتًا طويلًا في جمعها رفقة مجموعة من الشباب يمرون بنفس الوضع الذي يعيشه.

ارتسمت ملامح الحزن والأسى على وجه أحمد وهو يصف الوضع الصعب الذي وصل إليه، قائلًا: "المبالغ التي نتحصل عليها مقابل جمع العُلب البلاستيكية أصبحت لا قيمة لها، لا تسمن ولا تغني من جوع في الوضع الحالي، ولم تعد كافية لشراء أبسط احتياجات أسرنا جراء الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية".

الحرب ومعاناة العمل

بملامح تملؤها مشقة التعب والمعاناة، يقول محمد علي - مالك موقع تجميع "العُلب البلاستيكية"، في منطقة التقنية بعدن: "الحرب ووضع البلاد السيئ دفعاني وأسرتي للنزوح من محافظة الحديدة (غرب اليمن) إلى محافظة عدن (جنوبًا)، والعمل في مجال بيع وشراء "العُلب البلاستيكية" لمقاومة ظروف الحياة الصعبة".

يقطع العم محمد الحوارَ بشكل مفاجئ ليتجه مسرعًا فور بوابة الحوش (موقع التجمع) لاستقبال مجموعة من الشبان بينهم "أكرم" و"أحمد"، يحملون على ظهورهم أكياسًا مليئة بـ"العُلب البلاستيكية"، ليخبرهم بوضعها جانب الميزان، ليعود مرةً أخرى لشرح معاناته وبقيةِ الشبان جراء ما آلت إليه أوضاعهم في الوضع الراهن الذي تمر به البلاد، ويؤكّد أن هناك الكثير من الأُسَر التي لم يجد أربابها عملًا آخر، وباتت تعتمد وبشكلٍ أساسي على دخلها اليومي من خلال جمع "العُلب البلاستيكية" للتغلب على ظروف الحياة الصعبة التي وصلت إليها جراء تدهور الأوضاع المعيشية.

انتهى الحال بالعم محمد، الذي كان وأسرته في حياة مليئة بتفاصيل جميلة، إلى العمل في مجال بيع وشراء "العُلب البلاستيكية"، باحثًا عن حياة كريمة، وساعيًا للتغلب على ظروف الحياة الصعبة التي أجبرته على العمل بهذه المهنة.

تحديات الحصول على الغذاء والمياه

وفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإنّ ملايين اليمنيين باتوا في المرحلة الحالية يواجهون تحدّيًا يوميًّا في الحصول على الغذاء والمياه، في إشارة إلى صعوبة ظروفهم المعيشية وارتفاع الأسعار نتيجة انهيار العملة الوطنية التي تهاوت بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة.

وفي هذا الصدد، حذرت شبكة دولية متخصصة في تتبع المجاعة في العالم من تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن، وأكّدت أنّ الأزمة ستكون "حادة" خلال الأشهر القليلة القادمة.

وتوقّعت "شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET)"، في تقرير حديث صادر عنها، أن تكون نسبة السكان في اليمن الذين سيحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة ما بين 50% و55%، وذلك في شهر فبراير 2024؛ أي أكثر من 17 مليونًا.

وأفادت أنّ اليمن سيشهد مطلع العام القادم انتشارًا واسعًا لانعدام الأمن الغذائي (وفق المرحلة الثالثة من التصنيف المتكامل)، وهي مرحلة "الأزمة"، التي تعاني فيها الأُسَر من فجوات في استهلاك الغذاء وزيادة في سوء التغذية الحاد عن المعتاد.

ويعيش ملايين اليمنيين في المرحلة الحالية، ظروفًا إنسانية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ الأمر الذي ساهم في صعوبة الوصول إلى الاحتياجات الأساسية لدى مجموعة كبيرة من الأسر الفقيرة.



 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: محافظة عدن العمل فی ظروف ا

إقرأ أيضاً:

مواقع النفايات.. ملاذ آمن للكلاب السائبة و حملات المكافحة.. بدائية

30 يونيو، 2024

بغداد/المسلة الحدث: في حادثة مؤلمة، توفي طفل يبلغ من العمر 4 سنوات إثر تعرضه لعضات كلب مسعور في منطقة حي الحكيم ضمن مناطق قضاء سفوان جنوب غربي البصرة. هذه الظاهرة أصبحت مرعبة للأهالي في عموم العراق، حيث يعاني السكان من انتشار الكلاب السائبة التي تشكل خطراً على حياتهم وحياة أطفالهم.

والد الطفل المتوفى، عباس نصيف، أوضح أن ابنه “علي” تعرض لهجوم من مجموعة كلاب سائبة مساء يوم الخميس الماضي. الحادث وقع عندما خرج الطفل أمام منزله، حيث هاجمته الكلاب وحاولت سحبه إلى موقع للنفايات. هذه الحادثة أثارت حالة من الذعر بين الأهالي وزادت من مخاوفهم بشأن سلامة أطفالهم.

ورغم استمرار حملات مكافحة الكلاب السائبة، إلا أن هذه الحملات تعتبر متخلفة وبدائية وتعتمد بشكل أساسي على القتل.

الطبيب البيطري، علي العوادي يقول ان انتشار الكلاب السائبة في مدن العراق يمثل مشكلة متفاقمة تؤرق السكان وتثير مخاوفهم مشيرا الى ان انتشار هذه الكلاب يعود إلى عدة عوامل، منها الطبيعة الجغرافية للمدن العراقية التي تحتوي على مساحات واسعة من الأراضي المفتوحة والمزارع، مما يوفر بيئة مناسبة لتكاثر الكلاب. بالإضافة إلى ذلك، تتجمع الكلاب السائبة حول مواقع النفايات وبقايا الطعام، مما يزيد من أعدادها في المناطق السكنية.

والسلطات المحلية تواجه تحديات كبيرة في مكافحة هذه الظاهرة فيما  الحملات الحالية لا تستطيع مواكبة سرعة تكاثر الكلاب، مما يجعل المشكلة مستمرة. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذ حملات أكثر فعالية وإنسانية، مثل إيواء الكلاب في محميات خاصة أو تعقيمها لمنع تكاثرها.

يتابع: الكلاب السائبة تشكل خطراً صحياً كبيراً، حيث يمكن أن تنقل أمراضاً مثل داء الكلب.

وزارة الصحة العراقية أطلقت تحذيرات بشأن زيادة حالات الإصابة بهذا المرض نتيجة لعضات الكلاب السائبة.

وهذا الوضع يتطلب تدخلاً حكومياً عاجلاً لوضع حلول مستدامة، مثل تعزيز برامج التوعية المجتمعية حول كيفية التعامل مع الكلاب السائبة وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ حملات تعقيم وإيواء فعالة.

وهناك عدة دول نجحت في التصدي لانتشار الكلاب السائبة بطرق فعالة وإنسانية. على سبيل المثال، هولندا تعتبر من الدول الرائدة في هذا المجال بعد أن تمكنت من القضاء على ظاهرة الكلاب السائبة تماماً من خلال تنفيذ برنامج شامل لرعاية الحيوانات ويشمل تعقيم الكلاب وتوفير ملاجئ لها، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة تبني الحيوانات بدلاً من شرائها من مربي الحيوانات .

وفي الصين، بدأت بعض المدن مثل شنغهاي وسنغافورة في بناء ملاجئ للكلاب السائبة وتطبيق برامج التعقيم والإطلاق (TNR) التي تتضمن صيد الكلاب، تعقيمها، ثم إطلاقها مجدداً في بيئتها الأصلية. هذه البرامج تهدف إلى السيطرة على أعداد الكلاب السائبة بطرق إنسانية وتقليل مخاطر الأمراض التي قد تنقلها².

والهند وتايلاند وفيتنام أيضاً بدأت في تنفيذ برامج إنسانية للسيطرة على الكلاب السائبة، مما ساهم في تحسين جودة الحياة لكل من البشر والحيوانات في تلك المناطق .

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

مقالات مشابهة

  • حكاية وعاء الديمقراطية الفارغة / هبة عمران طوالبة
  • كيف ساهم التحالف الوطني في إنقاذ حياة مرضى الكلى بالدقهلية؟
  • الطائف.. رفع 35 ألف طن نفايات ودعم المواقع السياحية بفرق وآليات
  • اعتقلوه ظناً منهم أنه يحيى السنوار .. أسير محرر يروي تفاصيل التعذيب الوحشي الذي تعرض له
  • مواقع النفايات.. ملاذ آمن للكلاب السائبة و حملات المكافحة.. بدائية
  • نيجيريا.. مقتل 18 بتفجيرات منسقة بواسطة انتحاريات
  • الحياة بعد الستين
  • الاختبار الطبي يحسم موقف ثلاثي الأهلي من المشاركة في مواجهة طلائع الجيش
  • غداً.. بدء تطبيق قرار حظر استخدام أكياس التسوق البلاستيكية
  • مختص : لا كرامة في الحياة الزوجية ويجوز للزوجة ضرب الزوج .. فيديو