قيادي بـ«الاصل».. البرهان منفتح على التفاوض والحوار
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
رصد – نبض السودان
أكد القيادي في حزب “الاتحاد الديمقراطي الأصل”، حاتم السر، أن رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أصبحا حريصين على طي صفحة الحرب الدائرة منذ أبريل/ نيسان الماضي، مشيرًا إلى الاستجابة السريعة للبرهان للقاء حميدتي، والزيارات التي أجراها حميدتي لبعض دول الجوار، خلال الساعات الماضية.
وقال السر، الذي كان مرشحًا سابقًا لسباق رئاسة الجمهورية، خلال مقابلة مع “سبوتنيك”، إن اعتذار حميدتي عن لقاء البرهان في دولة جيبوتي، جاء لأسباب فنية، وهو ما أعلنته وزارة الخارجية السودانية.
وأضاف: “هناك أيضا جولة خارجية لقائد الدعم السريع، وقرأنا أنها تتضمن بعض ملامح جهود إنهاء الحرب، ولكن يجب أن يتم ذلك بسرعة، واعتقد أن البرهان وحميدتي سيجتمعان قريبًا، سواء الاجتماع الذي تنظمه الإيغاد، أو الذي دعا إليه رئيس اللجنة التنسيقية الديمقراطية المدنية (تقدم) عبد الله حمدوك، أو بمبادرة من دول الجوار”.
وأوضح السر أن “الأمر الإيجابي أن البرهان منفتح على التفاوض والحوار، وهذا يمنح الناس على الأرض الأمل، بأن تنطوي هذه الصفحة القبيحة من الحرب، ويبدأ عهد جديد في بلادنا”، ونوّه إلى أنه “يجب ألا نفهم الأمور باستعجال، هناك تأجيل لأسباب فنية حسب بيان وزارة الخارجية الجيبوتية، التي تترأس منظمة إيغاد حاليا، وهناك مبادرات كثيرة يمكن أن تنجح”.
وتابع السر، قائلا: “هناك إشارات كبيرة لتقديم الجميع تنازلات من أجل السلام، والجيش السوداني يمارس أعلى درجات ضبط النفس، ويحاول ألا يدخل في اشتباكات مع قوات الدعم السريع على الأرض، ويفضل اتخاذ مواقع دفاعية، في استراتيجية تسببت في الكثير من الألم، ولكنها يمكن أن تفهم كاستراتيجية للسلام وعدم توسيع دائرة النزاع”.
وقال السياسي السوداني إن الطريقة المثلى لوقف الحرب تكمن في “توحيد منبر التفاوض، وذلك عبر التنسيق وصولًا إلى الدمج بين كل المبادرات الإقليمية والدولية في مبادرة واحدة، وهذا الأمر ممكن وسهل طالما كان هدف المبادرات وقف الحرب وإحلال السلام في ربوع السودان”.
وتوقع السر أن “يحدث اختراقا كبيرا يفضي لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وفتح مسار المساعدات الإنسانية، أما العملية السياسية التي تعقب اتفاق وقف إطلاق النار ووقف الحرب وتخاطب جذور الصراع السياسي وتضع الأسس الدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية للبلاد، فإنها تحتاج إلى عقد مؤتمر قومي دستوري يشارك فيه أهل السودان كافة”.
ورأى السر، أن “علاج الأزمة السودانية لم يعد شأنًا سودانيًا بحتًا، بل أصبح الدور الخارجي على المستويين الإقليمي والدولي أكبر وأهم من الدور الداخلي”، مضيفا أن “دول الجوار السوداني وأميركا والغرب، أصبحت تشعر بقلق من استمرار الحرب وتصاعد أعمال العنف، وتخشى من انعكاسات وتداعيات حرب السودان على المنطقة ومصالح الدول الكبرى، التي باتت تخشى من تأثيرات سلبية متعددة داخل السودان وخارجه”.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: البرهان بـ الاصل قيادي منفتح
إقرأ أيضاً:
الثائر الجيد هو الثائر الميت: التصفيات الجسدية كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة في السودان
في قلب المشهد السياسي السوداني، حيث تتناسل الأزمات كأفاعٍ تتبدل جلودها دون أن تغيّر طبيعتها السامة، لا تزال الجبهة الإسلامية، بروافدها العميقة في الدولة، تمارس طقسها المقدّس في وأد الثورات. لم يكن إسقاط البشير في أبريل 2019 إلا لحظةً في سيرورة طويلة من الصراع بين إرادة التحرر وبين قوى الهيمنة، التي أعادت تشكيل نفسها داخل أجهزة الدولة، متخفيةً خلف قناع جديد، لتستمر في إنتاج الموت كأداةٍ لضبط المجال السياسي وإخضاع الإرادة الشعبية.
منذ اللحظة التي سقط فيها رأس النظام، بدأت الدولة العميقة في إعادة فرض سيطرتها على المشهد، محاولةً تحويل الثورة إلى لحظة خاطفة لا تدوم. لكن الشعب الثائر و شباب المقاومة، الذين واجهوا رصاص المجلس العسكري الانتقالي في مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019، كانوا يعلمون أن معركتهم الحقيقية لم تنتهِ، وأن إسقاط البشير لم يكن إلا الشجرة التي تخفي الغابة.
التقارير وقتها أشارت إلى أن عدد القتلى بلغ 203 شهداء، لكن الأرقام لم تتوقف عند هذا الحد، إذ كشفت لاحقًا المقابر الجماعية وتكدّس الجثث في المشارح عن 2500 شهيد، إضافةً إلى 357 إصابة، وممارسة عنف جنسي ضد 65 متظاهرًا، واغتصاب 31 من المعتصمات، وعشرات المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم. كما تم رمي بعض الجثث في النيل، في تكرار لذات التكتيكات التي استخدمها نظام الجبهة الإسلامية في التسعينيات.
كانت الجبهة الإسلامية، المتخفية في العتمة، تعمل على إعادة فرض سطوتها، مستخدمةً الجيش كأداة، تمامًا كما فعلت منذ أن اختطفت الدولة في 1989 عبر انقلابها على الحكومة المنتخبة، في عملية تفكيكٍ ممنهجةٍ للمؤسسات، وتحويلها إلى أدوات خادمة لأجندتها.
غير أن الدولة العميقة لم تكتفِ بإعادة إنتاج ذاتها سياسيًا، بل لجأت إلى استراتيجية أكثر وحشية، تقوم على تصفية كل من يشكل تهديدًا لاستمرارها. فعندما خرج الشباب في ديسمبر 2018، لم يكونوا يواجهون نظامًا سياسيًا فحسب، بل كانوا يواجهون بنيةً متغلغلةً في الجيش، وفي الاقتصاد، وفي المؤسسات، وفي الوعي العام.
يقول عبد الخالق محجوب: “إن القوى الرجعية لا تقتل مناضلًا، بل تقتل رمزًا، وتدفن معه فكرةً، لكنها تفشل دائمًا، لأن الأفكار تولد من جديد وسط الرماد.”
كانت الدولة العميقة أشبه بكائنٍ طفيلي، لا يموت بسقوط رأسه، بل يتحور ليستمر.
هذه البنية أدركت أن بقاءها مرهونٌ بإنتاج العنف، وأن أنجع طريقة لترميم سلطتها المختلة هي اغتيال الفاعلين الجدد في المشهد.
لكن العنف المادي لم يكن الأداة الوحيدة، فقد استُخدم الاقتصاد كسلاحٍ موازٍ للتصفية الجسدية. كانت الدولة العميقة تدرك أن سحق الثائر لا يكون فقط بالرصاص، بل يمكن أن يكون أيضًا بتجويعه وكسر روحه عبر الإفقار الممنهج.
في 25 أكتوبر 2021، كشف الجيش عن وجهه الحقيقي، عندما نفذ قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان انقلابًا عسكريًا أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، منهياً بذلك أي وهم بأن الجيش قد ينحاز إلى الشعب. لم يكن هذا الانقلاب مجرد تغيير سياسي، بل كان إعلانًا صريحًا بأن الثورة يجب أن تُدفن، وأن أي محاولةٍ لإعادة بناء السودان على أسس ديمقراطية ستُقابل بالحديد والنار.
لكن البرهان لم يكن وحيدًا في هذا الانقلاب، فقد حصل على دعم قوى إقليمية ودولية، وجدت في استمرار الحكم العسكري ضمانًا لمصالحها الاقتصادية في السودان. فالدول التي استفادت من عقود الفساد والنهب لم تكن مستعدة لرؤية تحول ديمقراطي يهدد امتيازاتها.
لقد أصبح السودان ساحةً مفتوحةً للتدخلات الأجنبية، حيث تتصارع الدول الإقليمية على النفوذ، مستغلةً الانقسامات الداخلية لتحقيق مكاسبها. مصر، التي ترى في حكم العسكر في السودان امتدادًا لمنظومتها، دعمت البرهان بصمت، بينما تحركت بعض دول الخليج لضمان بقاء النظام العسكري الذي يحفظ مصالحها الاقتصادية، لا سيما في القطاعات الزراعية والموارد المعدنية. في المقابل، وجدت روسيا، التي تسعى لتعزيز وجودها في أفريقيا، موطئ قدم لها عبر صفقات الذهب وشركات المرتزقة.
في هذه الدوامة من المصالح المتشابكة، ظل البرهان ثابتًا في مكانه، رغم أن كل من حوله قد تغيروا. فقد سقط البشير، وسُجن أعوانه، وتبدلت التحالفات، لكن البرهان بقي متمسكًا بكرسيه، وكأنه يرى في ذلك تحقيقًا لنبوءةٍ قديمة، و هي أن والده حلم ذات ليلة بأن ابنه سيكون له شأن عظيم.
لم يكن البرهان يقرأ السياسة بواقعيتها، بل كان مأسورًا بوهم شخصي، يرى فيه نفسه القائد الذي لا غنى عنه، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بوطن بأكمله.
يقول مهدي عامل: “ليست الهزيمة أن يُقتل الثائر، بل أن يُقتل الأمل في قلوب الجماهير. الطغاة يدركون ذلك جيدًا، ولهذا يحرصون على تحويل الموت إلى سياسة، والاغتيال إلى نظام حكم.”
ومع دخول السودان في أتون الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وجدت الدولة العميقة فرصةً ذهبيةً لتصفية الثوار تحت غطاء الفوضى الأمنية. فجأة، بدأت المليشيات الإسلامية، التي كانت تعمل سابقًا كأذرع خفية في الأجهزة الأمنية، في الظهور مجددًا، ولكن بأسلوب أكثر وحشية.
في الحاج يوسف، تم العثور على جثث خمسة من شباب المقاومة، مقيدة الأيدي، وعليها آثار تعذيب وحشي، وذُكر في تقارير الطب الشرعي أن بعضهم تعرّض للذبح.
وفي الحلفايا، ارتُكبت واحدة من أبشع المجازر، حيث تم إعدام أكثر من 60 شابًا في ميدان عام بدمٍ بارد، في مشهد أعاد للأذهان مجازر الإسلاميين في دارفور وجبال النوبة. كما وثّقت لجان المقاومة عمليات تصفية أخرى في مدني، الجزيرة، سنجة، والدندر، حيث تم إعدام الثوار بالرصاص وقطع الرؤوس، في عمليات موثقة بالفيديو، حيث بثّ القتلة جرائمهم في الميديا لإرهاب البقية.
يقول إدوارد سعيد: “القمع لا يقتل فكرة، بل يمنحها حضورًا مضاعفًا، لأن الفكرة التي تُقمع تتحول إلى ذاكرة جماعية تتناقلها الأجيال.”
في النهاية، قد تكون القاعدة لدى الطغاة أن “الثائر الجيد هو الثائر الميت”، لكن الحقيقة التي يؤكدها التاريخ هي أن الثائر الميت يترك خلفه فكرةً تصبح لعنةً تطارد قاتليه.
فالمعركة لم تكن يومًا بين سلطةٍ وشبابٍ أعزل، بل بين إرادة الحياة ومنظومة الموت، وبين زمنٍ جديدٍ يحاول أن يولد من رحم الخراب القديم.
إن الطغاة يراهنون دائمًا على النسيان، لكن التاريخ لا يُمحى، والأفكار لا تموت، بل تتحول إلى بذور تُزرع في وعي الشعوب، لتُثمر في يومٍ قد يبدو بعيدًا، لكنه حتمي.
zoolsaay@yahoo.com