مع ارتفاع وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة، لا تزال الخسائر في الأرواح والأزمة الإنسانية تصرخ أمام ضمير المجتمع الدولي علّها توقظه من سبات صمته الثقيل، خرج صوت من تحت الركام ليسلط الضوء على كارثة ثقافية تمس بالتراث التاريخي والأثري الغني للقطاع المحاصر.

ورصدت دراسة حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام" حجم الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت حتى الآن بأكثر من 100 موقع تاريخي في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

الكشف عن آثار الدمار

رغم مساحته الصغيرة نسبيا، يتميز قطاع غزة بموروث تاريخي ومواقع أثرية ذات قيمة ثقافية ودينية، من مساجد وكنائس تعود إلى آلاف السنين.

دمروا قصر الباشا.. القصر الي كان جزء أساسي في كل رحلات مدرستنا، مزار سياحي عريق وقديم.. بيعود للعصر المملوكي في زمن الظاهر بيبرس دمروه المجرمين كارهين الحضارات وقطاع الطرق الي انحدفوا على بلدنا وحضارتنا وتاريخنا من مزابل التاريخ pic.twitter.com/gnS8b2B9gH

— Saja Eleyan (@sajaeleyan) December 29, 2023

وفي مقدمة تقريرها الذي نشر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، تؤكد مجموعة "التراث من أجل السلام" ـومقرها منطقة كتالونيا الإسبانية ـ أنها تحافظ على "موقف محايد" مشيدة بدور أولئك الناشطين على الأرض في سبيل حماية تراثهم لإنجاز الدراسة.

ومن أهم ضحايا قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد العمري الكبير، وهو أحد أهم وأقدم المساجد في فلسطين التاريخية، وكنيسة القديس برفيريوس التي تُعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، فضلا عن متحف رفح بالجنوب ومقبرة رومانية يبلغ عمرها ألفي سنة شمال غزة تم التنقيب عنها عام 2022.

يقول رئيس المجموعة إسبر صابرين إن "التقرير يبرز تراث غزة ويرصد آثار الدمار منذ بداية الحرب في محاولة لرفع وعي المجتمع الدولي بشأن هذه الكارثة التراثية والثقافية".

وأَضاف في حديثه للجزيرة نت أن أهمية تراث غزة "تتمثل في شموليته لتاريخ الأديان واحتضانه أوائل الكنائس في العالم وآثار بيزنطية وأخرى من الفترة المملوكية، فضلا عن المتاحف".

ويرصد تقرير المجموعة أن مركز المخطوطات والوثائق القديم وكنيسة جباليا البيزنطية وموقع البلاخية (الأنثيدون) تعرضت لتدمير كامل بسبب القصف المباشر، بينما تعرض المسجد العمري في غزة ومتحف دير البلح لأضرار جزئية.

وقد استهدِفت 4 مساجد بشكل مباشر في القطاع و4 أخرى بقصف غير مباشر، فضلا عن وقوع أضرار جزئية في 86 بيت أثري، وفق التقرير.

استهداف متعمد ومباشر

وأوضح صابرين أن الدراسة اعتمدت على "معلومات وصور من خبراء من قطاع غزة تحت القصف والقنابل، بمن فيهم الصديق (فضل العطل) الذي أخبرني أنه حزن على تدمير جامع العمري أكثر من حزنه على تدمير منزله بمخيم الشاطئ في الشمال".

وتابع "لا تحترم إسرائيل القانون الدولي الإنساني وترغب في قطع صلة أهل غزة بأرضهم، مما يدل على أن تدمير الآثار ليس أمرا عبثيا وإنما خطة مدروسة تتبعها دولة الاحتلال".

وعلى الرغم من صعوبة الاتصال مع أهل غزة، تمكنت الجزيرة نت من الوصول إلى الخبير في الآثار (العطل) للحديث عن تجربته الخاصة.

وفي بداية الحوار، أشار العطل إلى أنه يوجد في المكان السادس الذي نزح إليه مع أسرته، مؤكدا مدى اهتمامه بمصير المواقع الأثرية أكثر من منزله "لأن القصف الإسرائيلي متعمد ومقصود ولا يفرق بين الإنسان والحجر والحيوان".

وأضاف "لا يستهدف جيش الاحتلال المواقع الأثرية فقط وإنما لديه نية مسح الماضي والحاضر وغزة القديمة والحديثة من خلال أسلوب الإبادة التي يرتكبها".

وأشار إلى أن المواقع الأثرية في غزة لم تُستهدف في الحروب الماضية بهذا القدر من الدمار "لكن في هذه الحرب تم تدميرها بشكل مباشر مثل المحراب الشمالي وكل القباب الموجودة في التوسعة المعمارية للمسجد العمري منذ آلاف السنين والتي اندثرت كليا".

وحول إمكانية ترميم الأماكن المتضررة بعد انتهاء الحرب، أجاب متشبثا ببعض الأمل "يمكننا إعادة ترميم المواقع المتبقية أو أجزاء منها اندثرت بشكل كلي مثل موقع البلاخية ـوهو أقدم ميناء بحري يعود تاريخه إلى 800 سنة قبل الميلاد- وتم اكتشاف الجدار الروماني الذي دمرته جرافات ودبابات الاحتلال في شقه الغربي".

واسترسل الخبير الغزاوي "لم تسلم المساجد والكنائس والثقافة في قطاع غزة، قائلا إن إعادة ترميم الجامع العمري ممكنة إلا أنها ستكون "عملية طويلة ومكلفة للغاية لأن مساحته شاسعة".

موقف اليونسكو

وفي ظل التساؤلات المشروعة حول مصير هذه المواقع الأثرية، أكد متحدث باسم اليونسكو أن "الأولوية تخصص عادة لحالة الطوارئ الإنسانية، لكن يجب أيضا حماية التراث الثقافي بجميع أشكاله وفقا للقانون الدولي الذي ينص على أن الممتلكات الثقافية هي بنية تحتية مدنية ولا يجوز استهدافها أو استخدامها لأغراض عسكرية".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت "وضعت اليونسكو عملية لرصد الأضرار منذ بداية الحرب بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية والمعلومات المرسلة إليها من أطراف ثالثة، بما في ذلك شركاؤنا والوكالات الشقيقة للأمم المتحدة الموجودة حاليا على الأرض وبالتعاون الوثيق مع مكتبنا في رام الله".

وشدد على أن اليونسكو -على عكس منظمات ووكالات الأمم المتحدة الأخرىـ لا تملك ولاية إنسانية، مما يعني أنها لا تستطيع نشر موظفين بمناطق القتال ويمكنها إجراء مراقبة الأضرار عن بعد فقط.

وفي إطار هذا الرصد، أعربت المنظمة عن قلقها البالغ إزاء وضع آثار دير القديس هيلاريون، المدرج في القائمة الوطنية المؤقتة للتراث العالمي عام 2012، وهي بقايا أحد الأديرة المسيحية الأولى في المنطقة.

تل أم عامر أو دير القديس هيلاريون في غزة (مواقع التواصل)

ولمنع أي تهديد لهذا الموقع، قامت لجنة اليونسكو لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح بمنحه وضع الموقع تحت "الحماية المؤقتة المعززة" وهو أعلى مستوى من الحصانة ضد الهجوم المنصوص عليه في اتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولها الثاني.

وأوضح المتحدث أن "تنفيذ إجراء الحماية هذا أصبح ممكنا، إذ يخضع الموقع اليوم للمراقبة من قبل حراس يخضعون للسلطة المباشرة لوزارة السياحة والآثار في السلطة الفلسطينية".

وختم بالقول إن "المنظمة تعمل على اتخاذ إجراءات طارئة إضافية يمكن تنفيذها الأشهر المقبلة، ومع ذلك فإن الجدول الزمني سيعتمد على تطور الوضع على أرض الواقع".

صمت عالمي

من جانبه، يرى رئيس مجموعة "التراث من أجل السلام" أن اليونسكو منظمة "عقيمة" لأنها تتبع لسياسات الدول تحت عباءة الأمم المتحدة.

ولفت صابرين إلى وجود إعاقة كاملة لتطبيق القوانين الدولية وتجاهل واضح لاتفاقية لاهاي لعام 1954 التي تنص على أن الدول التي تعتدي على أخرى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حماية الممتلكات الثقافية، فضلا عن بروتوكول 1999 بعد حرب يوغسلافيا.

وقد يكون هذه أحد الأسباب التي ساهمت في إنجاز تقرير المجموعة أنها "منظمة مجتمع مدني تستطيع التفاعل بسرعة مع الكوارث والحروب وتمتلك سقفا من الحرية على عكس بعض الجامعات مثلا التي لم تتمكن من إصدار تقارير أو تصريحات خوفا من فقدان التمويلات الحكومية" وفق ذات المتحدث.

واختتم صابرين تصريحاته بالقول إن "من حق أهل غزة العيش مع تراثهم لأن من لا يملك تراثا بالمكان الذي يعيش فيه لا يملك ارتباطا عاطفيا بأرضه، فالتراث ليس حجرا فقط وإنما هو قصص وهوية. ولهذا السبب، هناك فلسطينيون مثل (العطل) كرسوا حياتهم للحفاظ على كنزهم التاريخي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المواقع الأثریة فضلا عن فی غزة على أن

إقرأ أيضاً:

حصاد 2024.. ننشر جهود الأجهزة التنفيذية في صان الحجر بالشرقية

أشاد المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية بمجهودات الأجهزة التنفيذية برئاسة مركز ومدينة صان الحجر خلال عام 2024 م في تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في كافه القطاعات الخدمية من خلال تنفيذ عدد من المشروعات التنموية وتكثيف حملات النظافة والتجميل والتطوير ورفع كفاءة الطرق الداخلية و الإنارة لكسب ثقه المواطنين لنيل رضاهم نحو أداء الجهاز التنفيذى. 

وأكد محافظ الشرقية انه على مدار عام 2024 م قامت الأجهزة التنفيذية برئاسة مركز ومدينة صان الحجر بتكثيف الجهود المبذولة على كافة المستويات لتحسين جودة الخدمات المؤداه للمواطنين.

ولإعادة الإنضباط بالشوارع والحفاظ على السيولة المرورية بالشوارع قامت رئاسة مركز ومدينة صان الحجر بشن حملات يومية لرفع الإشغالات من الشوارع ، حيث تم تنفيذ 90 حملة لرفع كافة الإشغالات بنطاق رئاسة المركز والوحدات المحلية التابعة له ، أسفرت تلك الحملات عن تحرير 26 محضر إشغال وإزالتها ، و إستخراج 40 رخصة إشغال و 72 تجديد رخصة إشغال للحفاظ على الوجه الحضارى، كما تم إزالة 120 إعلان مخالف وترخيص 108 إعلان وفقاً للإشتراطات القانونية المحددة. 

وللحفاظ على جو بيئي صحي ونقي للمواطنين شنت رئاسة مركز ومدينة صان الحجر حملات يومية على مدار ثلاث ورديات لإزالة تراكمات القمامة من الشوارع والطرق العامه بنطاق المدينة والوحدات المحلية القروية التابعه لها ، بواقع 12طن قمامه ومخلفات صلبة يومياً بإجمالى ( 3456 ألف طن) على مدار العام.

كما قامت رئاسة مركز ومدينة صان الحجر بالرد على شكاوى المواطنين الواردة عبر منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة بشكل فورى ، حيث تم إستقبال 101 شكوي وتم الرد عليهم بنسبة انجاز 100 % لنيل رضا المواطنين وكسب ثقتهم نحو أداء الجهاز التنفيذى. 

كما إستقبل المركز التكنولوجي برئاسة مركز ومدينة صان الحجر طلبات التصالح من المواطنين لتقنين أوضاعهم غير القانونية ، وتم إستلام الطلبات الخاصة بقانون التصالح على القانون رقم 17 لسنة 2019 وتقديم طلبات علي قانون التصالح الجديد رقم 187 لسنة 2023 ، بإجمالى 346 طلب تصالح من المواطنين مابين 160طلب تم البت و 86 رفض من لجنة الفحص وتم إستخراج عدد 5 نموذج رقم 8 معدل و 35 نموذج 8 وعدد 70 نموذج 7 مؤقت و عدد 3 نموذج 7 و جاري الإنتهاء من 178 طلب .

كما قامت رئاسة مركز ومدينة صان الحجر بتنفيذ مشروعات التجميل والتطوير بنطاق رئاسة المدينة، حيث تم تجميل مدخل المدينة من جهة المسلمية وعمل بلدورات بوسط الطريق وتم تطوير سور الاثار بأطوال 503 متر..

هذا وقد عملت رئاسة مركز ومدينة صان الحجر على إنجاز عدد من المشروعات التنموية والخدمية ففي قطاع الصرف الصحي تم تركيب خطوط الشبكه الفرعية وتوصيل المنازل وربطها بمحطة الفشاشة وبدأ التشغيل التجريبى للمحطة. 

وفي قطاع مياه الشرب تم توصيل خط مياة الشرب لمبنى الإدارة التعليمية وجارى تركيب عدد 4 حنفيات حريق بأنحاء المدينة.

وفي قطاع الصحة تم الإنتهاء من إنشاء مبنى وحدة طب الأسرة وجاهز للإفتتاح. 

وفي قطاع الأمن والمرور والإطفاء تم الإنتهاء من إنشاء مبنى وحدة مرور صان الحجر والسور الخارجي وغرفة الحراسة وأبراج المراقبة وتركيب خط مياة الشرب وتوصيل الإنارة للمبنى. 

وفي قطاع الغاز الطبيعي تم تركيب الخطوط الرئيسية والشوارع الفرعية ويتم الآن إستقبال طلبات الإشتراك في الخدمة من قِبل المواطنين.

مقالات مشابهة

  • فضل الله برمة لـ «التغيير»: الحكومة المدنية تسعى لوقف الحرب ولا شرعية لحكومة بورتسودان التي ترفع شعارات التقسيم وتقتل الناس على أساس الهوية
  • مشروع قانون المسؤولية الطبية يحدد شروط التصالح وآثار وقف العقوبة
  • الصحة الفلسطينية تناشد المجتمع الدولي بالتدخل وحماية المرضى والطواقم الطبية في قطاع غزة
  • بمساعدة الذكاء الاصطناعي.. شاهد ثلوج تكسو أبرز معالم دبي في الإمارات
  • رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
  • حصاد 2024.. ننشر جهود الأجهزة التنفيذية في صان الحجر بالشرقية
  • التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي
  • عيد الميلاد في غزة: صلوات وقداس هادئ وسط أصوات الطائرات واستمرار القصف الإسرائيلي
  • ○ من الذي خدع حميدتي ؟
  • تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)