شاهد المقال التالي من صحافة العراق عن توقف 80 بالمئة من مشاريع الماء في ذي قار بسبب انخفاض مناسيب الأنهر، أعلنت محافظة ذي قار، السبت، توقف 80 بالمئة من مشاريع الماء في المحافظة؛ بسبب انخفاض منسوب المياه في الانهر والجداول. مدير دائرة الماء .،بحسب ما نشر وكالة وطن للأنباء، تستمر تغطيتنا حيث نتابع معكم تفاصيل ومعلومات توقف 80 بالمئة من مشاريع الماء في ذي قار بسبب انخفاض مناسيب الأنهر، حيث يهتم الكثير بهذا الموضوع والان إلى التفاصيل فتابعونا.

توقف 80 بالمئة من مشاريع الماء في ذي قار بسبب...

أعلنت محافظة ذي قار، السبت، توقف 80 بالمئة من مشاريع الماء في المحافظة؛ بسبب انخفاض منسوب المياه في الانهر والجداول.

مدير دائرة الماء في ذي قار، احمد السعيدي، أشار في بيان، الى توقف العديد من مشاريع تجهيز الماء الصالح للشرب للمواطنين عن العمل بسبب ازمة شح المياه في شط البدعة المغذي الرئيسي لهذه المشاريع.

وأضاف ان 80 بالمئة من مشاريع مياه الشرب بالمحافظة توقفت بسبب الانخفاض غير المسبوق في منسوب الماء بالأنهر والجداول المغذية للمحطات والمشاريع التابعة الى دائرة ماء ذي قار.

وأوضح ان هذه الازمة تتطلب تدخل الحكومة المحلية وممثلي المحافظة في البرلمان ومنظمات المجتمع المدني بشكل عاجل والعمل على ايجاد الحلول السريعة لهذه المشكلة.

المصدر: صحافة العرب

كلمات دلالية: موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم جدول ترتيب حالة الطقس بسبب انخفاض

إقرأ أيضاً:

قصة الوادي الصغير (14)

 

حمد الناصري

تفرّق الناس وهُم في ذهول وحيرة من أمرهم، لا يُسر فيها يُعرف ولا عُسر عنها يُكشف، تتقاذفهم هُموم وحيرة يعجزون عن التعبير عنها، تجثم على صُدورهم ثقيلة كصخور الجبال، ومُربكة تتلاطمها أمواج من فوقها أمواج بصخور الأقدار، تُوشك أن تُهلك الناس في حيرتهم، فيما كان ثابت يتوعّد رجال الوادي سرًّا في نفسه.. بالفوضى والفتن، مُتمتمًا إن لم تكفّوا عن مُطالبتي بالتنحيّ، فسأشعل الوادي بنار الفتنة.. واحذروا فإنها لن تبقي ولن تذر، إنّ مكركم وتجمعكم لا يعنيان أنكم وضعتم حاجزًا بيني وبين غايتي وعزمي أو تتوهمون أنكم جعلتم بيني وبين ما أريد سدًا منيعًا.. وتمتم.. احذر يا عامر النجدي لن تستمر طويلًا وأنا باقٍ في سيح المالح.

مضت أيام غير يسيرة على توعّد ثابت قومه والبلدات المُجاورة وقرية البحر والجبل، وتهديده بإشعال لهيب الفتنة في رمال الوادي الصغير وعينهُ على قريتا التراث والعتيقة وفي داخله وجع ثقيل، وضاقت عليه سُبل الحياة على أرض رمال الوادي، فأسماها بـ"الأيام العسيرة..".

طأطأ برأسه ضيقًا وأسفًا وحُزنًا وتمتم، من ضيّعني في أحلك الظروف الصّعبة، من أدخلني في هذه الدوامة مُجادلاُ الغربيين ومُحاورًا الشرقيين وجعلني مُفرّطًا بين أهلي وجماعتي، منبوذا في مجتمع الوادي الصغير ورماله، واستدرجني لأن أضع كل شيء بعلمه، وباعد بيني وبين ما أريد فعله، ومن يختلف معي، سأجعل حياته جحيمًا لا يُطاق.. لن تُخمد ثورة أقمتها على عدل وفكر يتوق إلى العلياء ولكني مُرغم الآن أن استبدلها بتفريط وغيظ ونُفور، فأشعل في صُدروهم الغيظ والغلّ والبُغض، بنار الفتنة التي لا تنطفي أبدًا، فتنة حتى الزمن لا يستطيع إخمادها، فتنة مُستعرة بخيبات تتدثّر بما وراءها مُنذ الفتنة الأولى وما يحدث الآن من تفرّق وتمزّق، لن يهنأ مُحسن بها ولا استقرار لـعامر على رمالها وأرضها.

مشى ثابت حافي القدمين بعد أن تمزّق نعله، وبرفقته غلام الباشق صاحبه ومُستشاره الأمين الذي أعنته مشقة السفر إلى مُحسن الشيخ ابن الحارة التاسعة وخلفه ثلاثة نفر يمشون بخطوات مُتباعدة وكأنهم لوحدهم، يسيرون الهُوينا، يُراقبون كل شيء بحذر.. لا يستريحون إذا استراح ثابت وغلام الباشق، بل يقفون على حافة الطريق، لا يتخلون عن حذرهم وإن أحسّوا بالتعب والارهاق، فهم جُبلوا على مُواجهة الشدائد، وحين وصل ثابت ومن معه إلى دار مُحسن الشيخ، رحب بهما.. وبيّن له ثابت عن قناعته بالتخلي عن المُتحد وقال:

ـ لا أريد بغيا ولا ظُلما ولن أكون طرفًا في إثارة النعرات والعصبيّات التي من شأنها المساس بوحدة وتماسك أمة الأعراب، ورغم أنّي وقفت وبحزم وصلابة ضد الغُرباء جميعًا وكافحتُ وجاهدتُ لإبقاء العُروبة نقية وقوية وكبيرة على أرض الاعراب، والمُحافظة على الكنوز والثروات الدفينة التي لا يعرفها كثير من الناس والتي يُحاول الغُرباء أن يُخفونها عن رجالنا، ليتقاسمونها تحت ذرائع شتى بينهم، ولا ينالنا منها إلا النزر اليسير وعلى صُورة مُساعدة ومنّة منهم إلينا.. لكن قومنا اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا وضيّعوا ما كنت أنوي إنجازه لهم ولكل أمّتنا.

ولقد جئتكم اليوم أمُد يدي إليكم لأبايعكم زعيمًا وقائدًا لثورة مُتجددة ضد الغُرباء جميعًا، مُتمنيًا عليك بتكثيف الجُهود لتوطيد التقارب مع ذي السحنة الرصاصية، والجوار البحري.. وإني لأعاهدك بالسير خلفك في كل ما تراهُ صوابًا.

فرح محسن الشيخ بكلام ثابت وانفرجت أساريره وأردف قائلا:

ـ حياك الله يا ثابت وأنا مُمتن لك على هذه الجرأة والشجاعة، ولك مني كل الشكر والعرفان بحسن القول والفعل.. وأرغب أن أستفيد من خبرتك في التعامل مع الغُرباء وسائر المجتمعات بحرًا ورمالًا.

اجاب ثابت بنبرة حازمة:

ـ أدعوك لانتهاج نهجًا مُختلفًا عني، بأن تكون قويًا لا تُجامل ولا تُداهن، جبّارًا بعزم الرجال الأوفياء عنيدًا في مُواجهة الخصوم وكسر جبروتهم، ذلك هو طريق الارتقاء والقوة والإيمان.. وتذكّر دومًا أنك سليل عائلة لها عراقة بالشموخ والشجاعة والكرم.

تنحنح مُحسن الشيخ قليلا وكحّ ليُحسّن من صوته وتلاها بسعلة لتنقية ما في صدره:

ـ كل التقدير لك على تجشّمك مشقة السّير إلينا وتقديم النصح لنا، والاخ لأخيه كحزام الظهر، كما يُقال، ولقد تحمّلت وعثاء السفر، فأنت قُدوة حقًا، وحرصك على مجتمعنا لا يُدانيه حرص للوصول إلى الفلاح الذي نطمئن به وأعدك بأني سألتزم بنصيحتك في نهج التحدي والمُواجهة وستسمع بالأخبار التي تُسعدك وتُريح بالك، وأني سأحمل الأمانة التاريخية بثقة وحرص شديدين ولن أسمح لعابث أن يعبث بها أو أن يُعكر صفوها عُنوة أبدًا.

توادَعَا.. وانطلق ثابت في طريقه وإلى جانبه مُستشاره غلام الباشق، وخلفه حُراسه الثلاثة بمسافة غير بعيدة، فتحدث الباشق بدهشة:

ـ قرأت وسمعت كثيرًا عن السّحر واكتشفت أنّ من البيان لسحرًا فقد كان كلامك يطرب الآذان ويلين القلوب كالسحر ولقد سحرت مُحسن الشيخ بكلمات جعلته ينقاد إليك ويستسلم لتوجيهاتك بلا مُقاومة، أيُعقل أن يُسحر سليل المجد بكلمات رقيقة من مدح واستدراج، تلقاها كالظمآن المُنقطع إلى الماء الصافي، وأيقنها الرجل في نفسه، وتخلّى عن حذره وشُكوكه.. ولكني أتساءل تُرى من يكون ذلك العدو الإفتراضي الذي تشجّع لمواجهته مُحسن الشيخ غير المُنافس الكبير على زعامة الوادي الصغير الذي أتخيّل أنه سوف يميل إلى هيمنة القوة التي يُمنّي بها قومه ويعتد بها، فرجال الحارة التاسعة، أشداء وأقوياء ولهم علاقة كبيرة بالجوار البحري ذي العيون السوداء وفارعي الطول، وعاصم الذي اصطفّ معنا ذات مرة ضد الغرباء هو منهم، والجوار البحري مُهيمن على جُزر رمثة وهُبلان، وقيل أنّ الجزيرتين تعودان للحارة الثامنة وهي أصغر الحارات مساحة،مُطوقة بين جبال صلدة، إن شاءت أمطار الوديان جرفتها بغير رجعة أو بقيت في دوّامة الخوف من القادم، وليس للحارة الثامنة منفذًا مُطلًا على  البحر، فساحل البحر طولًا وعرضًا وعُمقًا تحت سيطرة رجال الوادي الصغير، وأغلب الحارات العشر لها تسميات خاصة ترتبط مرجعيتها بالوادي الصغير، وهي كثيرًا ما تصطدم بعلاقاتها بين المرجعيتين وادي الاعراب والجوار البحري، ويعني ذلك أنها لم تكن مُستقلة بذاتها يومًا عن الوادي، فتجدها مُقسّمة بين مرجعية رجال الوادي الصغير، الذين هيمنوا على بحر الأعراب والبحر الكبير والبحر العميق المفتوح وبين ذوي السحنة الرصاصية وكما يبدو أنّ في قبضتهما البحر والرمال وأمّا الجزء الأخر المُنفصل بمساحات بحرية ضحلة فهو تحت هيمنة ذوي العيون السود وفارعي الطول وأولئك الاقوام، يكرهون بعضهم منذ زمن طويل.. وأرض الحارة الثامنة صلبة تنحدر إلى الحارة التاسعة بلا مُستقر لها.

وإني أخشى أن يستبدل عامر النجدي ابن البلدة العتيقة بالوادي الصغير إلى مُتحد، تختلف ألوانه وفق مآلات أقوام الرمال والكثبان، فهم يقولون بأنّهم فخر الرجال ورمالهم منبت الحضارات.

عقّب ثابت وهُو يُحاوره، وبإبتسامة عريضة:

ـ لا تقلق.. واصبر فالفتنة لم تكتمل بعد.. فهي كالملحمة تمامًا، لها شُخوص وعناصر لازمة لا تكتمل إلاّ بهم، ومن ثم ستتفاعل بطريقة محبوكة وبأدوار مُختارة للإمتاع ثم سترى بأم عينيك الأحداث وتفاعلاتها، حين تشتعل النيران من كل جهة، ومن هنا يأتي التغيير بعكس الثوابت التي سارت عليه.. انتظر وسترى آخرها.. فنحن فقط في بداية الفتنة.

ـ إلى أين تذهب الان يا. ث.ا ب.ت، قالها غلام الباشق في نفسه ثم أخرجها إلى أين يا سيدي؟

ـ إلى حيث ترى عيناك، وتستيقن وقتها بأنّ ثابت، اسم عظيم على مُسمى أعظم يُخطئ من يستهين بها.

قرعٌ على الباب بإلحاح لا صبر فيه ولا تأنّي.. رحّب به ابن البلدة العتيقة، وبلدة عين الماء القديمة، فلقد تعوّد مُجتمع البلدة العتيقة بعد الترحيب بالضيف، تقديم ما يُمكن تقديمه، مما لذّ وطاب وما هو متوفر من طعام وشراب لدى أهل الدار مع قُربة من الماء وإبريق للاغتسال وتطييب الجسد من تأثره من أغبرة ومشقة السفر، وبعد الهدوء وتمكين الضيف والراحة النفسية، يُنشدون ضيفهم عن العلوم والاخبار التي جاء بها أو تلقاها خلال سفره.. ثم يبسط ما لديه، وما جاء به من خبر.. ثم تحدّث ثابت إلى مُضيفه عامر النجدي قائلا:

ـ جئتُ إليك وكُلي شوق وشغف للاطلاع على مكنونات تاريخ العائلة النجدية العريقة، فمنذ أن دخلت الرمال وكثبانها العالية، آنستُ سحرًا، قد خبأته أيام خلت لقوم تربطنا بهم وشائج كثيرة وعلاقتنا لم تضعضعها تقادم السنون، ولنا فيها أرحام وجذور، وتُراث جدّنا الكبير.

وكأنّ لكلام ثابت وقعًا مُريحًا وسُرورًا كبيرًا على قلب عامر، وكأنه اكتشف مدخلًا إلى قلب ابن بلدة التراث وعين الماء القديمة.. فيما حرص عامر النجدي على أن يكون الرجل الأصيل في شجاعته ورجولته:

ـ مرحبًا بك يا أبن عمّنا.. نحن كلنا آذانٌ صاغية لما ستقول.

    أطربت تلك الكلمات الترحيبية أذان ثابت فانطلق بعيدًا في مُخيلته وتقافزت بنات أفكاره الطامعة في قيادة الوادي الصغير أمام عينيه وحدّق في عيني مُحدثه وشرع بالقول:

ـ يا سيدي ـ لا أعرف كيف أصف حال الأعراب اليوم واقعًا، واختصرهُ لك وأنت أعلم به مني.. أبطالنا وشُجعاننا في القبور والمُصلحون مُحاصرون بحرس شديد واختفى ذوي البأس من قومنا في ظُلمات اليأس والقنوط، وارتقى الخونة المنابر والمناصب وتضاعفت أعداد الفقراء والمعوزين وجفّت أرض الأعراب حتى قحطت من زاد ومن ماء، والرمال خالية من أية حياة إلّا كثبانها المُلتهبة، ولا غمامة تُبشر بغيث وسمائنا خاوية قاحلة، وكأنّما رمال الاعراب قد أصبحت جذع نخل خاوٍ لا خير فيه ولا نفع يُرتجى منه، ولا أمل في الأفق حتى إن سقطت قطرة عابرة أو تشكّلت سحابة مُنفردة، سرعان ما تفرّقت وتمزّقت فلهيب الرمال تصهرها.. من يموت فيها، يحترق فلا يبقى له أثر، وكأنّ الطبيعة كشفت وجهها الغاضب على وجودنا فأصبحت الحياة بلا روح ولا سُكون غير غياهب من الظلام تُمزّق الأكباد، وعُتمة كاتمة لا يُرى فيها إلاّ الظنون ولا ينتابها إلاّ أفكار الموت السوداوية وأنّ أقرب صفة لها هي" رمال الموت" وقد وجدنا أكثر الناس خارجين عن طاعة أؤلي العزم والمكانة العتيقة.

إنّ ما يعصر قلبي أنّ مُجتمع الوادي والرمال يُتابعون وكأنهم غير مُبالين ممّا يحدث، ويُؤلمني بعمق ما يدور في أروقة مجالسهم، فرغم كل ما حدث وما يُحيط بهم تراهم يتحدثون بحكمة ورُؤية عاقلة، يرعون الاخلاق ويستأثرون بالقيم، يُحافظون على الأمان، يُبصرون ما لا تُراهُ الأعين ويُصوّبون ما تُخفيه الصدور ويتصرفون بثقة وعزم يصعب اختراقهما، كصمّام أمان لحفظ كريم الاخلاق وعزيز القيم من الضياع والاندثار.. تُرى ما بال مُجتمع التراث وأهل العزة العتيقة والكرامة، في صمت وانكسار...؟

توقف فجأة عن الكلام ونكّس رأسه إلى صدره.. ثم أردف، نحن يا إبن البلدة العتيقة نحتاج إلى من يجمع شتاتنا ويجمع كلمتنا، ويفهم صمت أعيننا، ولا حاجة لنا إلى خُطب مُطوّلة ولا استنفار وتحريض ولا حاجة لنا إلى نداءات بلا نفع ولا فائدة، بل نحتاج إلى طريق الصواب والجد نسير به نحو العزة والكرامة، طريق يشق الرمال ويُحولها إلى قوةٍ تهزم الأعداء.

استفزت تلك الكلمات عامر نخوة ومروءة النجدي ومن معه واستثارت فيه غيرة البدوي الاصيل، فالأعراب قوم لا تُغادرهم غيرة الإيثار في السراء والضراء، ويُقدم غيره على نفسه، بسخاء وكرم إنساني فريد ويُظهر منزلة العطاء كفضيلة عظيمة، والعربيّ الأصيل به نخوة وعزة وكرامة، توارثها أبًا عن جد، وإبن الرمال بدويّ غيور لا يرضى بالمذلة ولا يقبل الهوان يعتز بمنبته وأصله وجُذوره، مُتمسك بالعادات والتقاليد من أهم صفاته الشهامة والكرم.. إلتفت عامر النجدي إلى أحد رجاله من بلدة عين الماء القديمة، فانبرى الرجل مُتهللًا، بشوش الوجه، مُرحبًا بالجميع بصوت مسموع وبروح طيبة مُتحدثّا:

ـ نحن أحقّ من أيّ أحدٍ، وبالأخص من أؤلئك الذين يطمعون في المقام والمكانة، حتى أؤلئك الذين اختلفت أفكارهم، بنزعة أو تعصّب أو ساروا إلى المحذور من المُختلف معهم، نقول لهم الوادي الصغير، سيكون كبيرًا بجهدنا وكفاحنا ولن يخضع لسطوة أحد، شرقيًا كان أم غربيًا ومن على شاكلتهم من الاعراب المُتخلفين عن الركب المُتأصّل فينا، فما كان من أهل البلدة القديمة والعتيقة ومن حولهما من بلدات الاعراب، ورجال الرمال والكثبان، أن يخذلوا بعضهم البعض ولا أن يرغبوا بأنفسهم بنصيب زائد، حتى، لو كانوا في مخمصة وجوع، ولكن رجال الرمال تغيروا فأصابتهم نعمة وثراء فانبهروا بها وتغيّرت علاقتهم بالآخر، فنال منهم عدوّهم نيلًا، وحين وطأ أعداؤهم مقامهم داسهم، مُتشدّقًا بسطوته عليهم، واستخدمهم كغطاء لسلب كل ما في رمالهم من ثروات وكنوز ، وجعلهم مُتفرقين، مُمزقين، يسهل التغلّب عليهم، و زيادة في الحذر أقول لك حتى الجوار البحري وذوي السحنة الرصاصية لا مأمن منهم، ناهيك عن ذوي العيون الجاحظة وفارعي الطول وذي الأنوف المُفطحة.

سكت فجأة.. ثم أردف وقد تسمّرت عيناه في عين ثابت:

ـ اسمعوا.. وعُوا، ما أقول.. نحن من البلدة العالية، عبر الأزمان، قديمة التاريخ، أصيلة المنبت، ومنا الجد الأكبر وهو أول من أقام عين الماء في البلدة القديمة وإبنه عبدالاعلى وهو أول من فكّر بتخزين الماء، ليبقى كمصدر جوفي ومخزون احتياطي في الارض وقد أنشأ سالم ابن الجد عبدالاعلى في البلدة القديمة والمعروفة بالبلدة العتيقة جسرًا للماء في فضاء كبير، وأقام على عين الماء مُحيط، يقوم باحتواء الماء، من غير تسرّب للماء الجوفي المُخزّن تحته تُربة صلبة وعلى طبقة صخرية، تمنع تسرب الماء إلى الأسفل أو خارج الجسر.. أجدادنا الاعراب صنعوا أشيائهم بأيديهم ولم يطلبوا من الغُرباء مُساعدة أو عون وإني لأخشى في قادم الازمان الباقية، أن يحدث خلاف عميق ويحتدم صراع كبير حول الماء.

وكما تعلمون أنّ جدي الأكبر هو أول من وضع جدارًا من الصُخور على حوافّ الجسر، لكي يبقى الماء ثابتًا لا يتسرّب لمُدد طويلة، وشاع اسم "السدّ" بين مجتمع الوادي وسيح المالح والحارات وقرية الجبل وقرية البحر، ويُرجح الكثيرون بأنّ كلمة السد منشؤها قرية البحر، حيث أنّ في البحر سدًا يحجب الماء المالح عن الماء العذب.؛ وفي البلدتين العتيقة والتُراث وما جاورهما يُعرف السد، بـ"جسر الماء".

والبلدتان- العتيقة والتُراث- أصلهما واحد، وسُقيا الماء فيهما، عذب لا مُلوحة فيه ونقرأ في التراث " بلدتين أصلهما وفعلهما ومنبتهما مُشترك يُسقيان من منبع واحد وفي روض مكنون." وكما هو مذكور في نص أصول البلدتين، أنهما كانتا بلدة واحدة، وانفصلتا إلى كيانين، أحدهما يُعرف بـ بلدة عين الماء القديمة وتقع أسفل الجبل العظيم الذي خلّد اسمه الجد الأكبر، عبدالأعلى، والطرف الآخر يقع على مسافة غير بعيدة، وهو المكان الذي أقام به، ابن عبدالاعلى جسر الماء، والذي يُعرف بـ البلدة العتيقة وهذه البلدة، هي السُكنى الأولى للجد الاكبر، عبدالاعلى. والبلدتين مُتلاصقتين ويُعرفن قديمًا بالتوأم.. وما أودّ قوله، هو.. إن لم ننتبه إلى إبداعات الأجداد وإرثهم العريق وما تركوا لنا من أعراف وتقاليد منذ آلاف السنين، ونمشي على خُطاهم ونقتدي بأفعالهم ونُطوّر بعضها كما فعلوا، ونُنتج كل احتياجاتنا بأنفسنا كما فعلوا.. بالحكمة وقوة العلاقة بالأرض وبشجاعة وعزم، فإنّ الأغراب جميعهم سوف يطئون رمالكم ولن يخرجوا منها.

أمّا عن تفاصيل حديثكم لدى سيدي عامر النجدي، فإذا كُنتم تُريدون ضمّ القُرى جميعها والحارات جميعها والرمال والكثبان وقرية الجبل وقرية البحر وقرية الأعلى، والبلدتين التُراث والعتيقة وإقامة مُتحد وتحالف لا اشتقاق فيه، باسم " الوادي الصغير " فنحن أوّل المُؤيدين، عقدنا عزمنا ونشُد على أيديكم في إنجاز هذا المُتحد وباسم الوادي الصغير.. وأمّا إذا رأيتم غير ذلك، فلسنا معكم، ولا نؤيد غير تلك الفكرة ولا نرى الصواب إلا بها، فكل مُتسرّع مهزوم وكل مُنفرد مُنكسر وكل مجتمع وله خصوصياته لا يُشبه غيره ونحن لا نتّهم أيّا منكم بوهن الفكر أو سفه الأماني.. لنا عزة وإباءٍ وكرامة عالية، ومن تنزع منه تلك القيم يُداس، وحاشاكم أن تكونوا على ذلك الحال، ولكن لا حياة بلا أثر ولا رواسخ بلا كبرياء.. وكونوا كالذي استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله، عزّ عليه أن تذهب النار بلا بصيرة، فوضع عليها  أكوام حجارة وتركها مُستعرة، لعلّها تنفعه أو تنفع الناس أو يُؤخذ منها جذوة، يستوقد منها غيره ووجود الماء أصل الحياة والبقاء، وفيه تجارة لا يُستخفّ بثقلها في البلاد ولا يُستهان بها لتمكين الإبداعات والعقول التي نذرت نفسها لكي تكون أرضهم في صدارة الحياة تستظل بعزة رجالها وتحتمي بسيوفهم وحكمتهم، لا خوف عليها ولا رهبة ولا خطر يتربّصها إلّا خرافات أخرجتها عقول الغرباء التي وجدت في بعض نماذج  الرجال ضالّتها لأنهم يُشبهونهم في المكر والخداع.

سكت وسمّر عينيه في الجمع المُتحلق حوله.. انصتوا إليّ بإمعان وحرص.. إذا علا السّفلة صدر السّيادة ووهن الحزم فإنّ المُرجفين سينالون غايتهم لأنّ أساس كيانهم مرتبط بالخوف والجُبن، فتبًا للأفكار المُتخبطة والعُقول الضّحلة والنفوس الحاقدة...نفوس غشيت بصيرتها أفكارًا سوداء، فحالت بينها وبين الحق والحكمة وتاهت في حيرة وتيه بين الحقّ والباطل.

تنحنح عامر النجدي الذي قدّمه قومه رجال عين الماء القديمة وأهل البلدة العتيقة، ليكون الخليفة الوحيد لـ "فالع" ولزعامة الوادي الصغير، وأعلن النّجدي والمُجتمعون وقتها، أنهم لا يعترفون بزعامة ثابت أبدًا، وقال بهدوء الواثق:

ـ من يركع مرة للخونة، ويكون عاجزًا أمام مُواجهة الغُرباء، فهو لا يصلح للزعامة ولا شجاعة تُرتجى منه ولا نكترث به أبدًا، وأنا من حيث عرفتموني، ابن حكيم قرية عين الماء القديمة وسيّدها أبًا عن جد، وجدي الاول عبدالاعلى وأنا حفيد السيد سالم الراس القائم على البلدة العتيقة وهو أول من أقام جسر الماء فيها.

وعقّب عامر النجدي متحدثًا:

ـ إنّ مطالبتك بزعامة سيح المالح لا أساس لها، زعامة عرّضت رمال الاعراب ذات العراقة التاريخية إلى فوضى وصل صداها إلى أبعاد من الخيارات، منها مخاض مُجتمعي وحراك سار بهم إلى التفكك،ورمالنا واسعة ومُستقبلها لا يزال غامضًا بسبب ما أوقعتمونا فيه من نزاعات شتى، مُكلفة وقاسية. ولذا يا أخ ثابت، لا نعترف بمطالبتك بزعامة سيح المالح ولن نترك الحبل يفلت أبدًا من قبضتنا طالما رجال القريتين العتيقة والتراث باقيين ولن نقبل بأي زعامة من غير رجال البلدة العتيقة وقرية التراث.

سكت ثم أردف، مُتحدثًا عن زعامة قرية عين الماء القديمة.. كُلًا من قريتنا التوأم العتيقة وقرية التراث، يتشاركان المنبت والأصول ورجال القريتين أقوياء ذوي بأس شديد كانوا في مُقدمة من قاتل الغُرباء بلا تردد ولا هوان، أؤلئك المُعتدين سُرّاق التراث، نهبوا ثروتنا واستولوا على كنوز أرض الأعراب، وأشعلوا الفتن ونشروا الفوضى في أرضنا وهم من جاؤوا بـك إلى زعامة سيح المالح المُتحد، ثم أرادوا أن يُسيدوك على الوادي الصغير وعلى كل القرى والحارات والبلدتين التُراث والعتيقة والرمال والكثبان والساحل الطويل أيضًا.. فاعلم يا ـ ثابت ـ  نحن لم و لن نقبل بذلك مُطلقًا، وإني أدعو كل رجل ذي غيرة وأمانة وشرف وعزّة أن يقف معنا، لتشكيل حلف يجمعنا نحمي به أرضنا واموالنا.

لبَّى الكثيرون النداء والتحقوا بمن اصطفّ من الرجال وتجمعوا تأييدًا لعامر النجدي بكل حماس وهمّة، وأطلقوا على أنفسهم "مسمى عُصبة البلدتين" وكتبوا عهدًا بينهم وجعلوا لهم شعارًا هو "مسعى واحد وسيرة واحدة".

مقالات مشابهة

  • الحكومة تطلق المناظرة الأولى حول الماء
  • زيدان يلتقي محافظ الأنبار لبحث المعوقات القانونية أمام مشاريع الإعمار
  • قصة الوادي الصغير (14)
  • انخفاض كبير في صادرات النفط الخام الروسية بسبب العقوبات الغربية
  • مناقشة مستوى تنفيذ مشاريع المياه والكهرباء في إب
  • بسبب انتقاد الـMTV.. قوى الأمن توقف 3 ناشطات!
  • توقف حركة البواخر في مضيق جبل طارق بسبب سوء أحوال الطقس
  • تقرير: تعثر 46 مشروعا لتوزيع الماء الصالح للشرب بسبب صعوبات استيراد المعدات وغياب التنسيق
  • هل تريد الحفاظ على صحة القلب؟.. أكثر من شرب الماء
  • مقاولو كركوك يشكون عدم وجود سيولة مالية: توقفت اغلب مشاريع المحافظة