"ما بعد غزة. ما بعد حماس. ما بعد الحرب." عبارات لا تضعنا في صورة الحل الذي يمكن أن ينهي مأساة شعب يتعرض للإبادة لأنه يقيم على أرضه، وبشبهة انتمائه، أو تأييده لحركة حماس.
فكل ما يتم تداوله من اقتراحات لا يقترب من الهدف الذي ترغب إسرائيل في أن يكون بعيداً. ما صار معروفاً أن كل التفاهمات الممكنة والمستندة إلى القانون الدولي فات أوانها وصارت جزءاً من الماضي.
ربما أيضاً أفسدت العقائد قضيتهم فلم يعد في الإمكان العثور بيسر على العامل الوطني المشترك من غير الدخول في تفاصيل تصغر أمامها القضية. هناك فشل في التعاطي مع منطلقات القضية التي يتوزع الكثيرون في محاور عديدة وهم يسعون إلى تفسير ارتباطهم بها.
ولكن إسرائيل من جهتها لم تسع إلى أن تضع حلا لمشكلتها. صنعت تلك المشكلة بنفسها وصارت أسيرة لها. لم تتعلم الدولة العبرية من الشعب الذي اغتصبت أرضه شيئاً. فشلت كل محاولاتها في إنهاء تفكير الفلسطيني في مستقبله الوطني، على أرضه وبين شعبه.
صحيح أن أكثر من سبعين سنة من اللجوء والتشرد والشتات قد أنهى أجيالاً من الفلسطينيين كان حلم العودة عنوان حياتهم المؤجلة، غير أن الصحيح أيضاً أن ذلك الحلم لم يأفل ولم يتفتت، بل صار أكثر سطوعاً مع الزمن وأشد قوة. لم تنجح إسرائيل في تحويل الفلسطينيين إلى نوع من الهنود الحمر، ذلك لأن الفلسطيني لم يكتف بالحد الأدنى من سبل العيش الذي تفرضه حياة اللجوء. لقد فرض الشعب الفلسطيني شخصيته على العالم من خلال هوية سياسية، وثقافية، واجتماعية أكثر وضوحاً وتميزاً من هويات شعوب لم تتعرض لما تعرض له من محن، ومآس. مقاومته كانت هي الأساس وهي أيضا الطريق التي مشى عليها وصولا إلى هدفهم.
ولكن ألا يزال ذلك الهدف واضحا؟
في الخطوط العامة يمكن الإجابة بـ"نعم" ولكن التفاصيل تحمل ألغاماً من شأنها أن تفجر كل القناعات. فشلت إسرائيل في محاولتها محو الشخصية والهوية الفلسطينية، ولكنها نجحت في تمزيق المسار، وتشتيت وحدة الصف، وقطع الخيوط التي تصل بين الفلسطيني وقضيته في جوهرها من جهة، ومن جهة أخرى في إرباك علاقة العرب بالقضية الفلسطينية. فإذا كان بعض العرب في حاجة إلى حدود مستقرة مع الدولة العبرية،فإن التطبيع معها ظل غائماً وضبابياً بالنسبة للكثيرين ممَن لا تشكل إسرائيل خطراً مباشراً على استقرارهم.
لقد أعطى العرب إسرائيل أكثر مما تستحقه. فهي ليست دولة مركزية في الشرق الأوسط وهي لا تملك مشروعاً لبناء علاقات ايجابية مع محيطها، وهي أخيراً غير راغبة في إقامة سلام عادل يستند إلى القانون الدولي الذي لم تنفذ فقرة منه. لا تزال إسرائيل دولة عدوانية توسعية، يشكل الاستيطان هاجسها الدائم، وهي لا ترى في الفلسطينيين شعباً يستحق التفاوض. لطالما عملت على استضعاف السلطة الفلسطينية التي قدمت الكثير من التنازلات مقابل لا شيء.
في حربها الهمجية على غزة، كشفت إسرائيل عن مضيها في مشروعها العدواني القائم على نظرتها غير الإنسانية للشعب الفلسطيني. صار واضحاً أن جنونها الذي اشتعل بعد ما جرى في السابع من أكتوبر الماضي، ليس رد فعل مؤقتا بل هو برنامج وجد له مناسبة لإعادة التحديث من خلال حرب، لا نهاية لها، إلا حين يحين موعد اليوم التالي.
واليوم التالي هو فكرة إسرائيلية لا تنطوي على التخلص مما يُسمى بشرور حماس بل وأيضا من التربية الوطنية الفلسطينية التي تحث على أن فلسطين وطن قائم، وأن دولة فلسطينية ينبغي أن تحل بحدودها المعترف بها على خرائط العالم. ما يفكر به نتاياهو اليوم هو استعادة لمنهج إسرائيلي قديم أثبت الزمن خطأه.
لا يمكن لإسرائيل أن تحل مشكلتها ما لم تتفهم مشكلة الفلسطينيين. ليس المطلوب منها أن تخرج الفلسطينيين من خلافاتهم غير أن في إمكانها أن تحمي نفسها من خلال عدم التدخل في شؤونهم، وخلق بيئة، يكون فيها الحوار معهم نافعاً لها. لا ينفع إسرائيل أن تستمر في حرب إبادة. فاليوم التالي سيحل غير أنه سيكون أسوأ من أيامها الماضية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
جمال شقرة: إسرائيل تستغل أحداث غزة لتنفيذ مخطط الدولة الواحدة على جثث الفلسطينيين
قال جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، إن كتابة التاريخ ليست مبنية على الأحداث في الماضي فقط، بل يجب وضع حسابات الحاضر والمستقبل.
وأضاف خلال لقائه مع الإعلامية فاتن عبد المعبود ببرنامج «صالة التحرير» المذاع على قناة صدى البلد، أن كاتب التاريخ هو باحث مدرب ومحترف، درس جميع مناهج التاريخ ونظريات التفسير العلمي في علوم التاريخ القديم.
وتابع أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر: التاريخ لا يعيد نفسه، لكن تشابه الأحداث هو الذي يوحي بأنها مُعادة، كما أن الأحداث لا تقع مصادفة؛ لأن هناك قوانين تحكم المسألة.
وحول ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، قال جمال شقرة: إن هذه المرحلة هي مرحلة استثنائية، والتاريخ مليء بالشواهد عن الصراع بين دول الاتحاد الأوروبي وتفكك الاتحاد السوفيتي وإعلان روسيا الاتحادية.
وأكمل جمال شقرة: الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب؛ جاي عشان ينهي فترة الحرب المشتعلة في المنطقة، ومن الممكن أن نرى الحرب في المنطقة هي حرب دبلوماسية فقط، ومن ثم تُشكل خريطة جديدة للعالم.
وأشار أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إلى أن أحداث الصراع الجارية في قطاع غزة حاليًا؛ تأتي ضمن المخططات الإسرائيلية، معقبًا: «إسرائيل استغلت الفرصة لإبادة غزة بالكامل وإقامة دولة خاصة بها».