ما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ اعرف الحكمة الإلهية
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إنه قد يتوهم بعض الناس التعارض بين نفاذ القدر والدعاء، فلا ينبغي للمسلم توهم التعارض بين نصوص الشرع الشريف.
وأضاف علي جمعة، في منشور له، أن الشرع جاء بحتمية الإيمان بالقدر، وجاء بالحث على الدعاء، وذلك لأن الدعاء عبادة لها أثرها العظيم، والقضاء أحد أركان الإيمان.
وتابع: وسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدع الدعاء قط, فكم رفعت محنة بالدعاء, وكم من مصيبة أو كارثة كشفها الله بالدعاء، ومن ترك الدعاء فقد سد على نفسه أبوابا كثيرة من الخير.
وقد قال الغزالي في هذا الشأن: "فإن قلت: فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء, فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة, كما أن الترس سبب لرد السهام, والماء سبب لخروج النبات من الأرض, فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان, فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان". وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى ألا يحمل السلاح.
الحكمة من القضاء والقدركشف الدكتور علي جمعة ، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، عن حكمة في القضاء والقدر ، منوها أنه توجد حكمة عالية في قضية القضاء والقدر، وهي حكمة الابتلاء بمسألة الرضا عن الله.
وأضاف علي جمعة، في منشور له ، أن الإنسان لا يعلم ماذا كتب عليه غدًا؛ ولذلك من حقه أن يتمنى، وأن يسعى إلى تحقيق ما هو مباح ومشروع، فعندما لا تتحقق هذه الأماني والأحلام ويختلف ما رتبه المخلوق مع ما أراده الخالق يظهر الإيمان الحقيقي، فإذا كان ما كتبه الخالق أحب إليه مما رتبه لنفسه فذلك المؤمن الصالح، وإن أبى واعترض وسخط فذلك العاصي الجاهل، والذي قد يترتب على عدم رضاه وسخطه الخروج من الملة والعياذ بالله.
وقال علي جمعة ، إن الإيمان بالقدر خيره وشره، هو من أهم مظاهر الإيمان بالله، حيث يعني الرضا بالله ربا وحاكما، وهو كذلك ثمرة الإيمان بالله وحلاوته. ويتمثل دستور الإيمان بالقدر في قوله تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر :49]، وما قاله عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه: «يا بنى إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ،وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، سمعت رسول الله يقول : « إن أول ما خلق الله القلم، فقال له : اكتب. قال : رب وماذا أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ». يا بنى إني سمعت رسول الله يقول : « من مات على غير هذا فليس منى »( أخرجه أحمد ، أبو داود - واللفظ له).
وأورد علي جمعة ، قول النبي لابن عباس رضي الله عنه : « واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف »( أخرجه أحمد، والترمذي).
وذكر أنه ينبغي على المسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأنه لا فعل إلا الله، وأن كل ما يجري في الكون، وكل ما جرى، وكل ما سيجري، هو فعل الله سبحانه وتعالى، وأن الله كتب هذا الفعل من الأزل.
فالإيمان بالقضاء والقدر هو التعبير الفعلي للإيمان بالله، فإن كنت تؤمن بوجود الله وصفات كماله وجلاله وجماله، فيجب أن تؤمن بأثر هذه الصفات وهي أفعاله سبحانه وتعالى، فالإيمان بأفعال الله أن تؤمن بأنه لا فعل إلا لله، وأن ترضى بما يصدر في الكون عن الله حتى تكون عبدًا ربانيًا.
وأشار إلى أنه لا تنافي بين اعتقادك أن الفعل لله وحده، وبين كونك مختارًا مريدًا، فإن اختيار الإنسان وإرادته محسوس لا ينكره عاقل، ومن أنكره كذب بالمحسوس، وكذب بنصوص القرآن، التي أثبتت للإنسان قدرة ومشيئة واختيارًا، قال تعالى : ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾، وقال سبحانه : ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾.
وأكد أن الصواب في تلك المسألة أن تثبت لنفسك فعلًا واختيارًا، وأن تعتقد أن الله هو الفعال وهو صاحب الأمر، ولا يخرج أمر من دائرة قهره سبحانه، فالقدر سر الله في خلقه، ولذا ترى بعض العارفين كأبي العباس الحريثي يقول : "من نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم ، ومن نظر لهم بعين الحقيقة عذرهم". فالعارف مستبصر بسر الله في خلقه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدعاء القضاء علي جمعة الأزهر علی جمعة
إقرأ أيضاً:
(مَا رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)
أحمد المساوى
اليمن، بقيادته، نفسُ الرحمن… ولنا دروسٌ وعبرٌ في غزوات الرسول الأعظم ﷺ.
من بدر إلى البحر الأحمر.. غرورٌ يكابر.. وجنونٌ ينتحر!
كان المشهدُ سرياليًّا: جيشٌ مترفٌ متخمٌ بالكبرياء، يسيرُ مزهوًا كالطاووس! تسبقه القوافلُ المحمّلةُ بالخمور! وأصوات الطبول تُعلن انتصارا مسبقًا! وقادةٌ يتبادلون النكات عن سهولة سحق أُولئك الرعاع! المعركةُ كانت، بالنسبة لهم، حفلةً تنتهي بذبح محمد ﷺ وأصحابه، وتقسيم الغنائم في سهرةٍ صاخبةٍ بمكة.
لكن القدرَ لم يكنْ ضمنَ المدعوين لتلك السهرة، ولا السماءُ في قائمةِ الانتظار.
وما هي إلا لحظاتٌ حتى تدحرجت رؤوسُ جبابرة قريش في التراب! وسقطت راياتُهم كما تسقطُ أوراق الشجر اليابس تحت أقدامِ العاصفة!
في بدر، لم يكن المشهدُ مُجَـرّد معركة، بل كان محكمةً إلهية! تلا فيها التاريخُ حكمَه بالإعدام على كُـلّ طاغيةٍ يظنُّ أن العددَ والعدةَ صنمٌ يُعبد!
جاء أبو جهل بكاملِ عنجهيته! ظانًّا أن الأرض سترتجفُ خوفًا من وقعِ قدميه! لكنه انتهى ممددًا في الرمال، يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ كجرذٍ مذعور!
جلبت قريشُ جبابرتها ليكونوا قرابينَ على مذبحِ الحق! فكانت النتيجةُ أن انهارَ غرورُهم كما ينهارُ قصرٌ كرتوني تحت المطر!
لم تنفعهم ذهبُهم! ولم تحمِهم سيوفُهم! ولم تشفع لهم صلاتُهم الوثنيةُ بأصنام لا تملكُ من أمرها شيئًا!
“بدر” كانت بروفةً مصغّرةً لمصيرِ كُـلّ طاغية، ولكل جيشٍ غبيٍّ يظنُّ أن النصرَ يُشترى بالدنانير ويُستوردُ من أسواق السلاح!
واليوم؟ نفسُ الحماقةِ تتكرّر! في واشنطن، يجلسُ “أبو جهل العصري” في البنتاغون! يخططُ كيف يسحقُ “الرعاع”! ويجلسُ “أبو لهب الجديد” في تل أبيب! يحلمُ بأن يُعيدَ عجلةَ التاريخِ إلى الوراء!
ذاتُ الغرور! ذاتُ الأوهام! وذاتُ المصير!
لكنهم نسوا أن في صنعاء قيادة قرآنية لا تخاف في الله لومت لائم، ورجالًا لم يتلوثوا بالذل! ولم يتدربوا على الانحناء! ولم يضعوا كرامتهم في بورصةِ الدولار!
نسوا أن بدرَ لم تكنْ مُجَـرّد معركة، بل كانت قانونًا إلهيًّا يضعُ الأسيادَ الحقيقيينَ في مواجهةِ عبيدِ المالِ والسلاح! ونسوا أن السماءَ لا تنسى!
ونحن واثقون بالله وبنصره، وبقيادة السيد عبدالملك يحفظه الله، فلا تلتفتوا إلى أقوال مرضى النفوسِ ليشكّكوكم في المصيرِ المحتومِ لليهودِ وصهاينةِ العصر. فالذي قال لمحمد ﷺ في غزوة بدر (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) هو من يقول لنا دائمًا أن النصر على الطغاة ليس بكثرة العدة والعتاد، وإنما بالثقة بالله، والتوكل عليه، وإعداد ما نستطيع من قوة، والباقي عليه والنصر من عنده. فهو القائل: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) والقائل: (وَإِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) والقائل: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ).
(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).