"إعلام الكراهية".. كتاب جديد لـ مايكل فارس يرصد أخطاء الصحف في قضايا الأديان
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
صدر حديثا عن دار العربي للنشر والتوزيع كتاب جديد بعنوان "إعلام الكراهية.. آليات تغطية نزاعات الهويّة" للكاتب الصحفي مايكل فارس.
ويقول المؤلف في غلاف كتابه الجديد، والذى صدر بالتعاون مع المركز العالمي للحوار "كايسيد"، إن المؤَلَف محاولة علمية وعملية لإنشاء خريطة إدراكية متكاملة لتغطية نزاعات الهُوِيَّة الدينية والعرقية والإثنية، بإدخال علوم المنطق والفلسفة وعلم النفس، كمداخل جديدة لفهم العمل الصحفي، ودمج الممارسات العملية مع المفاهيم والدراسات الأكاديمية، وذلك عبر 8 فصول رئيسية تكمل كل منها الأخرى، تم خلالها تصميم أدوات جديدة مبنية على دراسات علمية ونماذج واقعية، يُمكن تطبيقها في فهم وتحليل وتغطية نزعات الهُوِيَّة عطفا على تطبيقات تفاعلية تُمكن القارئ من التفاعل مباشرة مع تلك الأدوات.
وتسعى فصول الكتاب، لتفهم وإدراك الأخطاء التي نقع بها خلال تغطية الأزمات عمومًا والنزعات المبنية على الهُوِيَّة خصوصا، سواء الدينية أو العرقية أو الإثنية في إعلام الدول العربية، فمن يتأمل المشهد الإعلامي يكتشف جليا مدى الارتباك في تناول الأزمات حين تتصدر الساحة، خاصة تلك التي تقودها وسائل التواصل الاجتماعي، ليقع الإعلام بين مطرقة "انتشار السوشيال" وسندان سياستها التحريرية، لتخرج صورة مشوهة منقوصة للأحداث.
قمن أهم الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، التوترات الطائفية والعرقية والإثنية والمناطقية، ولكن العقبة الأساسية والمستمرة، هي كيفية تناول الحدث، سواء إعلام حكومي أو خاص، كلاهما يبتعد جزئيًا عن الموضوعيَّة في نقله لعدة أسباب منها إما أن الوسيلة الإعلامية ترفع شعارات مثل الوحدة الوطنية والسلام المجتمعي فتنقل الحدث بشكل مجزأ منقوص أو دون سياق كافٍ، أو بسبب التوجيهات الأمنية لتلك الوسائل، أو أن القائمين بالاتصال يعانون بشكل أو بأخر من انحياز واعي، أو لا واعي محملًا بأفكار مسبقة تجاه إحدى الأطراف، ينتج عنه تعصب فكري أو ديني يمنعهم من تحقيق الموضوعيَّة أو حتى المسؤولية الاجتماعية تجاه الجماهير، أو جهل بالأدوات والمعايير الصحيحة التي يجب اتباعها لتناول الأحداث بشكل يعرض الأحداث دون خلل وانحياز، فالبعض يجهلها والآخر قد يتجاهلها، إما لانحياز أو أيديولوجية.
لذا فالكتاب بمثابة "دستور" يضم قواعد وأدوات محددة يستطيع كل من هو معنى بتغطية تلك الأحداث خصوصًا، ومختلف الملفات عمومًا السير على دربها، مدمجًا في ذلك نظريات علمية وتطبيقات عملية وتفاعلية بتقنية الـ QR، ونماذج واقعية، يمكن استخدامها في كل الوسائل الإعلامية الناطقة باللغة العربية، والكتاب يتضمن 8 فصول تتكامل مع بعضها البعض لتُشكل خريطة إدراكية لآليات تغطية النّزاعات.
الفصل الأول بعنوان "أُخْطُبوط النزاع وذراع الطائفية"، ويناقش مفاهيم الهُوِيَّة والنزاع والصراع، والطائفية كأحد أذرع النّزاعات المبنية على الهُوِيَّة، وأسباب نشؤها وطرق معالجتها إعلاميا.
الفصل الثاني بعنوان "الصِّحافة الحساسة للنزاعات"، ويتناول معنى الصِّحافة الحساسة للنزاعات وآليات التغطية الإعلامية وفق هذا المفهوم، وعدة محاور مثل الفرق بين الموضوعيَّة والمسؤولية، وهو ما يطلق عليه صراع الالتزامات في تناول نزاعات الهُوِيَّة خاصة الدين بين الأفراد والجماعات، مع وضع أمثلة من مواقع خبرية لشرح الأخطاء وآليات علاجها وتداركها.
والفصل الثالث بعنوان "سيكولوجيا الانحياز وأنماط التجسد"، ويتناول فهما معمقًا لأهم الانحيازات الواعية التي تسمى أيديولوجية وهي المُدركة ونمارسها بوعي عن طريق إجراءات واضحة، والانحيازات المعرفيَّة اللاواعية التي نمارسها عن جهل دون إدراك، نتيجة أفكارنا المسبقة العالقة في أذهاننا، مع شرح لطريقة تشكيل الأفكار والانحياز في عقل الإنسان عن طريق نظرية تجهيز المعلومات الاجتماعية، التي تعتمد على قاعدة هامة وهي أن الانحياز المعرفي هو خطأ في التفكير يحدث نتيجة معالجة أو تفسير معلومة معينة بشكل خاطئ وإذا كانت قاعدة بيانات المرء بها تحيز فهذا يعني على الأرجح أن الحكم على ما هو صواب أو خطأ سيكون غير دقيق، كما يتناول الباب أهم التحيزات المعرفيَّة التي تتشكل في ذهنية القائم بالاتصال كإنسان، التي تنعكس مباشرة على عمله، مع عرض لـ 7 تحيزات أهمها "الانحياز التأكيدي"، وتحيز خطأ الإسناد، وتحيز تأثير الهالة، وأخطرها تحيز النقطة العمياء، وكذلك تحيز "عقدة الإله."
والفصل الرابع بعنوان "ألفاظ الاستهلال وقواعد التنصل" ويناقش أهم قواعد استخدام ألفاظ الاستهلال في الأخبار والتقارير، خاصة المٌفخخ والمشحون منها، والفروق بين استخداماتها ودلاله كل منها، وكذلك قواعد التنصل خاصة خلال النّزاعات، وأهم الفروق في استخدامات بعض المصطلحات مثل إرهابي، ضحية، شهيد، قتيل.
والفصل الخامس بعنوان "ملائكة وشياطين المصادر"، ويعرض الفروق بين أنواع المصادر سواء الرسمية والغير رسمية وشهود العيان وطرق التعامل معها عمومًا وخلال تغطية النّزاعات خصوصا، وصممت فيه أداة باسم FACT لاكتشاف دوافع المصادر خاصة المُجهلة منها، حال رغبتهم في تسريب معلومات معينة أو رغبتهم في عدم الإفصاح عن هويتهم، مع أنموذجات عملية من المواقع الخبرية، وكذلك أداة Be Smart، للتحقق مع مدى مصداقية المصدر وصلاحيه المعلومات للنشر في ضوء الصحافة الحساسة للنزاعات، كما يتناول الباب طبيعة عِلاقة الصحفي بالمصدر في إطار نموذج FXTH والذي يحدد 4 أنواع تُشكل العِلاقة بينهما.
والفصل السادس بعنوان "خطاب الكراهيَة في الإعلام" ويناقش آليات عملية لمواجهة ذلك الخطاب في الإعلام عمومًا والصحافة خصوصا، وتوضيح الفرق بينه وبين حرية التعبير، مع تطبيق عملي لـ "اختبار المعايير" الذي وضعته "الأمم المتحدة" لتحديد هل الخطاب محرضًا على الكراهيَة أم لا؟، إضافة لاختبار تفاعلي يمكن للقارئ تطبيقه مباشرة، مع وضع معايير لأهم قواعد التغطية الصحفية، مثل متي يجب ذكر الهُوِيَّة الدينية أو العرقية أو الإثنية في العناوين والمتون؟ مرفقة بأمثلة ونماذج واقعية، كما يتطرق الفصل لـ 7 قواعد هامة لاختيار اللغة وضبط المصطلحات خلال كتابة الأخبار أو التقارير أو التحقيقات لتجنب خطاب الكراهيَة ، مع إرفاق أمثلة عملية لكل قاعدة.
والفصل السابع، بعنوان "أدوات تحليل النزاع"، ويناقش آليات التعامل مع أطراف النّزاعات، وطرق وأدوات تحليل النزاع، وعرض لأداة WANTS التي صممتها لتضم 5 معايير هامة لفهم النزاع وتحليله، إضافة لنموذج البصلة، ونموذج saves الذي دشنته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لتشكل تلك الأدوات الثلاث خريطة متكاملة يمكن على ضوئها فهم جوانب النزاع كاملة، مع وضح اختبار تفاعلي لتطبيق الأنموذجات عليه.
والفصل الثامن بعنوان "المغالطات المنطقية في التغطية الصحفية"، ويتناول هذا العلم كمدخل جديد وهام لفهم الأخطاء التي نقع بها خلال التغطية الإعلامية والصحفية على حد سواء، حتى لا نقع بها من جهة وألا نقع في شباكها حين تُمارس ضدنا من جهة أخرى، مع شرحها بنماذج وأمثلة من أخطاء العناوين والمتون في المواقع الصحفية، واخترت فيه أهم 11 مغالطة من المغالطات المنطقية غير الصورية، من أبرزها مغالطة سرير بروكرست ورجل القش، والإحراج الزائف، وتجاهل المقيدات، والتفكير الرغبوي.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
أوقفوا خطاب الكراهية، وكفَوا عنه
صديق عبد الهادي*
الآن، وبعد أن أخرجت أثقالها، صعدتْ حرب السودان مدارج عُلا في القبح والانفلات. وقد وقف التوثيق المنجز، حتى الآن، لذلك التصعيد شاهداً واضحاً وفاضحاً. ولكن من بين كل الشواهد يبقى الأبرز هو ذلك الخطاب الذي نشرته حكومة الانقلاب والأمر الواقع في محاولتها النأي بنفسها عما جرى وما زال يجري في منطقة الجزيرة. إن الأمر المهم الذي يكشف عنه ذلك الخطاب هو ليس محاولة السلطة تبرئة نفسها، وإنما الأهم هو إشارته الضمنية وكشفه للمدى الحقيقي لتلك الفظاعات والتجاوزات التي يمكن أن تكون قد حدثت وبما هو أفظع مما جاء في التوثيقات التي نشرها السودانيون، أنفسهم. وذلك لأن قيادة الجيش، والمليشيات التي حولها، والقوى التي تقف من ورائها لم يُعرف عنهم أبداً، وفيما سبق، بذل الإدانة أو الاعتذار عن ارتكاب أي جرم من الجرائم، لأنهم في الأصل لا يرون في الاعتذار فضيلة أو شيمة من شيم الشجاعة بقدر ما أنه نقيصةٌ! ولذلك فما دفعهم لكتابة ذلك الخطاب، وفي تلك العجلة إنما هو أمر جلل، وبكل تأكيد، سيقف الرأي العام على حقيقته عما قريب.
فالحرب هي الحرب، ولكن أمقتها تلك التي وقودها الكراهية؛ لأنها تجعل من الإنسان حيواناً متفلتاً غير عاقل، بل وآلة عمياء لنشر الموت والدم والدمار ودونما تمييز! هناك حقائق لا بد من إبرازها في شأن هذه الحرب الدائرة الآن وهي أن الكراهية الحادثة الآن، ومهما علا صوتها، فإن من يقومون ببثها ما هم إلا فئة قليلة لا تمثل السودانيين بأي حالٍ من الأحوال!، وأما الحقيقة الأخرى فهي أن منْ هم مستهدفون بتلك الكراهية ليس أهل الكنابي وحدهم، وإن وقع ثقل نتاجها عليهم، وإنما الاستهداف يشمل كل منْ نادى، وينادي بالتعايش السلمي، وبهذه الصفة يضحى السودانيون وبجمعهم هم الهدف المشروع والأساس لتلك الكراهية!.
يعتقد ممارسو الكراهية بأن أهل الكنابي هم الحلقة الأضعف في منطقة الجزيرة، فلذلك يجب البدء بهم؛ ومن ثم الانتقال إلى الأقل ضعفاً، وتسير هكذا رحلة صعود وحش الإرهاب في سبيل التهام الجميع بمن فيهم أولئك الواهمون الذين يعتقدون بأنهم في مأمن منه طالما كانوا في حرز “القبيلة”! أو كما هم يزعمون!.
إن الإرهاب لا يعرف الحدود، لأنه كلما صعد في سلم التوحش كلما تدنى وانحدر في درج الأخلاق وتسفَّل. فاليوم أهل الكنابي، وغداً قوى الثورة، وبعدها شباب المقاومة، هذا إن لم يكن قد ولغ في دمائهم ومنذ الأمس!.
إن أهل الكنابي لا يحتاجون تزكية من أحد، فقد اندمج الغالب الأعظم منهم في حياة الناس في الجزيرة لأكثر من مئة عام، أي بقدر حياة المشروع، وساهموا في تعضيد التنوع والتعايش السلمي الناتج عن ذلك التنوع. ومثلهم وأي مجموعة أخرى من أهل الجزيرة، فمنهم من دخل الحركة الإسلامية، ومنهم دخل الأجهزة الأمنية، بل ومنهم منْ مارس التعذيب تحت إمرة الحركة الإسلامية، ومنهم منْ عاضد الحركات المسلحة، ومنهم منْ انتمى إلى الجنجويد، وكذلك منهم من انتمى إلى الثورة، ونافح عن شعاراتها، فإذا كان هناك من مجموعةٍ إثنية، ولو واحدة، لم تشهد هذه الانتماءات، ولم تعرفها بين أبنائها وبناتها، فلترم ِ أهل الكنابي بحجر!.
لا أحد يدافع عن مجرم، ولكن الثأر خارج إطار القانون ينطوي على خطورة بائنة، وذلك مما يجعله مرفوضاً ومذموماً في آنٍ معاً، كما، وإن توسل جرائم الأفراد، وبالنتيجة، في سبيل النيل من الجماعة لا يفضي إلى غير أن يكون استهدافاً عنصرياً، وكما هو حادث الآن تجاه أهل الكنابي في الجزيرة.
من سخريات الأقدار التي يشكل سداتها ولحمتها التحامل العنصري أن استبقى الإسلاميون أهل الكنابي عنوة بين شقي الرحى، فحينما كان الجنجويد أصدقاء لنظام الإسلاميين لاحق الإسلاميين أهل الكنابي بفرية الانتماء الجماعي للحركات المسلحة، ودفعوهم الثمن غالياً، وحين تغلَّب صراع المصالح، وأفضى لإعادة الاصطفاف من خلال الحرب والدم، وأصبحت الحركات المسلحة صديقة وقوات الجنجويد عدوة تمَّ الإلحاق الجمعي لأهل الكنابي بالجنجويد وبجريرة “التعاون”! ومن ثمَّ كان العقاب الجماعي لا الفردي، بالإهانة والإذلال والحرائق، بل وبالذبح!
إن تقلُّب أحوال أهل الكنابي المأساوي في جحيم التصنيف الجزافي المستمر لم يكن واقعاً محتوماً وفقاً للأقدار بقدر ما أنه كان واقعاً مصنوعاً عن سبق الإصرار، بل ومختلقاً بفعل الكراهية!
إن منطقة الجزيرة هي منطقة إنتاج، وقد قامت بذلك الدور وعن كفاءة لمدة سبعين عاماً إلى أن جاءت سلطة الإسلاميين، وتراجعت الجزيرة عن أداء ذلك الدور خلال الثلاثين عاماً من حكمهم. وقد انحط الإنتاج، وانحطت كذلك حياة الناس فيها. كان أهل الكنابي جزءاً من تلك المسيرة في ازدهارها وانحطاطها. إن القاعدة الأساس التي أثبتها مشروع الجزيرة هي أن أحد أهم شروط الإنتاج والاستقرار فيه، والتي بُني عليها تأسيسه بدءاً هي قاعدة التنوع، فلقد كان أهل الكنابي جزءاً من كل ذلك، أي كانوا منتجين. ولكن خطاب الكراهية لا ينظر إلى مثل هذه الحقائق، بل ويتغاضاها العنصريون عن عمد.
إن طرفي الحرب هما المسؤولان عن كل تلك الجرائم الوحشية التي يندى لها الجبين، والتي حدثت في منطقة الجزيرة بشكل عام، واستهدفت أهل الكنابي بشكل خاص.
إنه، وكما قالوها من قبل لأهل دارفور “لن تكونوا وحدكم”، يقولها أهل السودان الآن ومرة أخرى لأهل الجزيرة وبمنْ فيهم أهل الكنابي “لن تكونوا وحدكم” في مواجهة هذه الكراهية.
إن وقف حملة الكراهية التي تستعر الآن مرتبط ولحد كبير بالعمل لأجل وقف هذه الحرب الظالمة التي لم توفر شيئاً لم تمتحن الناس فيه. إنها حربٌ مزرية، وليس هناك من سبيل لاجتيازها بغير رفض خطاب الكراهية الذي تحاول كل القوى المستفيدة من استمرارها تسويقه. إن رفض هذا الخطاب يمثل ضرورة، لأنه سيجرد أعمال العنف المتفشية الآن من أحد أهم مسوغاتها. فلننتظم جميعاً كسودانيين في التصدي لكل ما شأنه مغذياً للكراهية ومعضداً لها.
إحالةفي مواجهة هذه الموجة من الانفلات آل بعض الكُتَّاب الوطنيين على أنفسهم القيام بمجهودات تنويرية رصينة لأجل نشر الوعي، وللتعريف بأهل الكنابي، إذ عرضوا لتاريخ وجودهم وكذلك لأسباب استهدافهم غير المقبول، وذلك ليس لدفع الظلم عنهم وحسب، وإنما لقطع الطريق أمام أي استهداف آخر قد يهدد حياة مواطنين آخرين من أهل السودان.
ومساهمة في تلك الحملة التي تلقي الضوء على بعض قضايانا الوطنية ارفق للقارئ رابطاً لكتاب “بعض قضايا الاقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة”، الذي عالج بعضاً من تلك القضايا المهمة.
رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، السابق
الوسومصديق عبدالهادي