ليس هناك شكّ في أنّ العالم الإسلامي بعد "الطوفان"، يجب أن يكون مخالفًا لما قبله، وذلك بمقياس ضرورة الخروج من التيه والارتقاء لمستوى الحدث، فالحدث جلل والزلزال كبير، وقد حرّك بالفعل جوانب قضايا العالم الإسلامي كافةً، وسلّط الضوء على كل زواياها، وهيأ الجميع بالفعل لتحمل مسؤولياته، في ضوء البوصلة الحقيقية التي شُرعت والخرائط الجديدة التي نُصبت.
كما أنّ جوهر قيمة "طوفان الأقصى"، هو أنّ الأمة اكتشفت الكثير من مكنوناتها، كما اكتشفت الجوانب الخافية والمضمرة في ذاتها، بل وفي محيطها، وعرَفت الكثير عن خصومها، فنحن أمام لحظة كاشفة بكل المعايير وفي كل الاتجاهات، وإذا نجحنا في استثمارها بشكل صحيح، فسنكون أمام واقع جديد، وربما عالم جديد.
ومن هنا فنحن بحاجة لحركة واسعة في كل الاتجاهات، لاستثمار أخطاء الخصوم وارتباكهم على إثر مفاجأة "الطوفان"، ولاستثمار نقاط الضعف التي ظهرت جلية في صفوفهم ومواقفهم، والتي هي بطبيعة الحال أصبحت نقاط قوةٍ وتمركزٍ جديد لقضايانا.
لابد من إعادة نظرتنا للعالم ولقواه الدولية والإقليمية المهمة بمعيار "الطوفان"، بل التسونامي الذي وقع وتوابعه، فمن وقف مع قضيتنا الرئيسة بأي شكل أو رفض الاصطفاف مع خصومها بأي صورة فهو حليفنا، في أي مكان من العالم كان، وتحت أي مظلّة يعمل، فالقضايا الكبرى يجب أن تصنع الاصطفافات الكبرى.
إعادة ترتيب الصفوفولابد لكل مكونات العالم العربي والإسلامي السياسية والثقافية والمجتمعية، بل والاقتصادية، أن تعيد ترتيب صفوفها وأولوياتها في ضوء "الطوفان"، كما يجب أن نعيد النظر في إعلامنا، وفي مناهجنا التعليمية لصالح تغليب ثقافة المقاومة على ثقافة التطبيع التي كُشفت كل أبعادها، وكيف أنَّها لا تعبّر بحال عن قيمنا، ولا عن مصالحنا، إذ إنها كانت مجرد مطية لتحقيق مصالحهم على حساب مصالحنا.
ومن الواجب والضروري إعادة تفعيل أهم معتقداتنا السياسية، حيث الشرعية الرئيسة للحكم في بلادنا هي للقدرة على تحدّي المشروع الصهيوني ـ سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا وعسكريًاـ وليس لمجاراته أو ممالأته أو التحالف معه، كما أراد بعض مختطفي مواقف الشعوب ومصائرها أن يفعل!
كما ينبغي أن نعيد الاعتبار لكل أشكال الاصطفاف والتلاحم داخل مجتمعاتنا على أساس قضايانا الحقيقيَّة، وفي القلب منها قضيتنا المركزية ـ حيث مدافعة المشروع الصهيوني في منطقتناـ وأن يكون معيار الوطنية والإخلاص لشعوبنا هو بالقدر الذي يربطنا بها، ويقرّبنا من تحقيق أهدافها.
كما لابدّ من إعادة رسم خريطة التحالفات الرئيسة داخل مجتمعاتنا، ومحاصرة الخصومات الفارغة، وفي ضوء ذلك، لا بد من ملاحقة المعارك الهامشية والطفيلية التي مزّقت مجتمعاتنا، واستنفدت قدرًا كبيرًا من جهودنا، لصالح القضايا الحقيقية والمسارات الرئيسة التي رسمها "الطوفان".
الحاجة لخطاب جديدكما يجب محاصرة كل مظاهر التواطؤ مع العدوان الصهيوني داخل بلادنا، فلا يليق بمجتمعاتنا أن تعلو فيها أصوات تنتصر للاحتلال، وتصطفّ مع العنصرية، بينما دماؤنا تنزف على أيديها.
ولا بد من تكثيف الجهود لكسر الحصار الظالم وغير القانوني على غزة، فلا يليق بنا أن تتم محاصرة أبنائنا، بل أهم أجزاء جسدنا وأكثر مناطق بلادنا حيوية وأن يكون ذلك بأيدينا، إذ إننا بذلك نحاصر أنفسنا، ونعمل على تعطيل القلب الذي يضخّ الحياة في كل أجزاء جسدنا وأعضاء أمّتنا.
كما يلزم تحضير شعوبنا للقرن الجديد بما يليق بـ "طوفان الأقصى"، الذي وضع الأمّة، وقضاياها على رأس أولويات ساحات الكرامة ومنابر الحقّ في كل مكان في العالم، حيث انتصر لها وتضامن معها كل أحرار العالم، سواء كانوا في الشوارع والميادين أم في قصور الحكم ومنتديات النظام الدولي.
إننا بأمسّ الحاجة لخطاب جديد يعمل على تعبئة الشعوب العربية والإسلامية واستنهاضها للقيام بأهم واجباتها والانتصار لأجَلّ قضاياها.
كما أننا بحاجة لخطاب جديد يتوجّه لشعوب العالم؛ للوقوف معنا صفًا واحدًا في وجه الصهيونية العنصرية، التي لا تمثل خطرًا علينا فحسب، إنما على الإنسانية والسلم الدولي.
ما زالت الفرصة أمامنا متاحة بالتضامن مع شعوب العالم لقطع الأكسجين عن كيان الفصل العنصري في "فلسطين"، كما قطعته في "جنوب أفريقيا".
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الضويني: الأزهر يجدد الدعوة لقادة العالم للاتفاق على مبادئ عظمى تضمن التصدي للتحديات التي تفرضها الأزمات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شارك فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، اليوم الثلاثاء في أعمال «القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ» ، التي انطلقت في مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان تحت عنوان: "الأديان العالمية من أجل كوكب أخضر" برعاية كريمة من إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان، وبحضور السيد علي أسدوف، رئيس وزراء دولة أذربيجان وبمشاركة أكثر من 300 شخصية بارزة من القيادات الدينية العالمية، وممثلي الأديان، وكبار المسئولين، والأكاديميين والخبراء في مجال البيئة.
وألقى وكيل الأزهر، كلمة خلال أعمال الجلسة الافتتاحية للقمة توجه فيها بالشكر لمجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وإدارة مسلمي القوقاز بدولة أذربيجان على تنظيمها لهذا اللقاء المهم؛ الذي يجيء كخطوة عملية نحو التخفيف من آثار التغيرات المناخية.
وأكد الضويني، خلال كلمته على أن التغيرات المناخية تمثل تحديًا مشتركًا يستوجب توحيد جهود البشرية بكل أطيافها، مشيرًا إلى أن الأديان تقدم رؤية متكاملة تحث على حماية الأرض التي ورثها الإنسان، ورعايتها لصالح الأجيال القادمة. وشبه فضيلته البشرية بمنظومة واحدة أو أسرة ممتدة، يتأثر كل فرد فيها بأفعال الآخر؛ فالمناخ ليس قضية تخص دولة أو شعبًا بعينه، بل هي مسألة تمس مصير العالم بأسره، ولا يمكن مواجهتها بفعالية إلا من خلال تعاون عالمي متكامل، يضع أسسًا مشتركة لتحقيق الأمان البيئي ويضمن استدامة الموارد.
وأوضح أن الواجب المتجدد يفرض على قادة الأديان أن يوجهوا أتباعهم إلى فهم أن البيئة نعمة تستوجب الشكر، وأن الشكر لا يكون بإفسادها، وأن من واجبات الخلافة والعمارة أن تكون البيئة صالحة للحياة، معززة لاستمرارها، وأن الإسلام وأحكامه جاء ليصون البيئة ويعمل على حمايتها من أي أذى: بدءًا بتغيير نظرة الإنسان إلى الكون باعتباره خلقًا حيًا مسبحًا لا باعتباره جمادات صماء، ومرورًا بأوامره باحترام مكونات الحياة والمحافظة عليها طاهرة من كل تلويث أو إفساد، سواء في الإنسان نفسه، أو في المكان والمحيط الذي يعيش فيه، أو في الماء الذي يشربه، أو الطعام الذي يأكله، أو في الهواء الذي يتنفسه، مع مراعاة أجيال المستقبل ونصيبهم من الموارد، ومرورًا بالواجب العلمي الذي يعانقه الدين ويدعو إليه ولا يعارضه أو يرفضه.
كما أكد وكيل الأزهر أن دور القادة الدينيين في تصحيح تصورات أتباعهم نحو الكون، وتوجيه سلوكهم في تعاملهم معه لا يُنكر، ولكن ما تزال البشرية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود نحو زيادة الوعي بمفهوم تغير المناخ وآثاره، فبعض الناس ما يزالون ينظرون إلى قضية المناخ على أنها من الرفاهية؛ ولذا فإن التثقيف والتوعية بالمخاطر الحقيقية الواقعية والمحتملة هي التي يمكن أن تقف بقوة في وجه هذه التغيرات، وهي التي تدفع البشرية إلى التعامل مع البيئة ومكوناتها بإحسان، وتبني نمط استهلاكي معتدل حتى يكون الناس أصدقاء حقيقيين للبيئة، وكذلك يجب أن تعزز القيادات الدينية تعاونها مع صناع القرار، وأن تتخذ من رمزيتها قوة مؤثرة موجهة لهم نحو ما فيه خير البشرية.
وشدد على أن قضية التغيرات المناخية ليست أقل خطورة من فيروس كورونا الذي انتفض له العالم بدوله وحكوماته ومنظماته وشعوبه، وليست أقل من الحروب التي نالت آثارها من الجميع رغم البعد الجغرافي عن محيطها؛ ولذا يجب تصعيد العمل حيال التهديد الصادر عن التغير المناخي بدءًا بالأفراد ومرورًا بالمؤسسات وانتهاء بالحكومات، وغني عن الذكر أن دولاً متعددة قامت بجهود كبيرة في هذا الشأن، والتي كان من آخرها مؤتمر (Cop27) الذي عقد بجمهورية مصر العربية، والذي سعى إلى تحويل تعهد الدول المتقدمة بتمويل أضرار التغيرات المناخية إلى حقيقة واقعية، وحث الدول المسببة للتغيرات على الوفاء بالتزاماتها المادية، ومؤتمر (Cop28) الذي عقد بالإمارات العربية المتحدة، والذي تمخض عن «بيان أبو ظبي المشترك من أجل المناخ ..نداء الضمير»، وإعلان جمهورية أذربيجان عام 2024 عام التضامن من أجل السلام الأخضر، إضافة إلى ما قبل هذا وما بعده من مؤتمرات وتوصيات وبيانات ووثائق وأبحاث ودراسات وحملات وغير ذلك.
وتساءل فضيلته: متى التزمت الدول الأكثر إضرارًا بالمناخ بتوصيات المؤتمرات؟ وهل هناك صفقة عادلة بين الدول المسببة للأضرار المناخية والدول المتضررة منها؟ وما هو العمل الحقيقي الذي يعقب المؤتمرات والاجتماعات؟، لذا، فإن حاجة العالم الآن إلى مد جسور التعاون والتلاقي بين الشعوب أكثر من أي وقت مضى، وإن الأزهر الشريف ليجدد الدعوة لقادة العالم وللحكماء إلى أن تتفق على مبادئ عظمى تضمن العمل المشترك للتصدي للتداعيات والتحديات التي تفرضها الأزمات.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأربع توصيات وهي:
أولا: ضرورة تنمية الوعي البيئي بتثقيف الجماهير بصفة عامة، من خلال المؤسسات التربوية والدينية والمنابر التوعوية والإعلامية، والمناهج والكتب الدراسية.
ثانيا: ضرورة التشارك الكوني وتبادل المعلومات والخبرات بين الشعوب والحكومات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية، من خلال برامج علمية تتكاتف فيها الجهود بصورة سريعة ومؤثرة، بعيدًا عن الجوانب الإجرائية والشكلية؛ لاستخدامها في مواجهة أي خطر يهدد الكرة الأرضية.
ثالثا: ضرورة سن القوانين والتشريعات التي تردع محتكري المعلومات والتجارب التي يؤثر حجبها على فاعلية التعامل مع الكوارث والأزمات، وملاحقة ملوثي البيئة.
رابعا: الضغط على الدول الغنية وصناع القرار العالمي لتحمل المسؤولية، والقيام بتغييرات جدية لحماية البيئة، كالطاقة النظيفة، والاستخدام المستدام للأراضي، وغير ذلك، واعتماد التمويل اللازم لدعم الدول الفقيرة للتأقلم مع تغير المناخ.