في ذكراه 68 وقف الحرب واتقاد جذوة الثورة
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
في ذكراه 68 وقف الحرب واتقاد جذوة الثورة
تاج السر عثمان بابو
1
تهل علينا الذكرى 68 لإعلان استقلال السودان رسمياً في 1/ يناير/ 1956، والبلاد تشهد حرباً لعينة تهدد وحدة وسيادة واستقلال البلاد، فضلاً عن المأساة الإنسانية التي خلفتها والدمار في البنية التحتية، فقد نزح أكثر من 7 ملايين شخص داخل وخارج البلاد، وقتل أكثر من 12 ألف شخص جلهم من المدنيين، مع تزايد المطالبة بوقف الحرب وعدم إطالة أمدها، رفض الدعاوى لتسليح المواطنين حتى لا ننزلق للحرب الأهلية التي تمزق وحدة البلاد، وتهدد أمن المنطقة والأمن الإقليمي والدولي.
2
لم بكن انتزاع استقلال السودان أمراً سهلاً، بل جاء نتاجاً لتراكم نضالي طويل خاضه الشعب السوداني، فمنذ إعادة احتلال السودان على يد الاستعمار الإنجليزي– المصري 1898، تم الآتي:
– بدأت المقاومة القبلية ضد المحتل الأجنبي.
– مع تطور الوعي وظهور حركة الصحف والمسرح وقيام نادي الخريجين 1918، وحركة الوعي التي أدخلها الجنود العائدون من الحرب العالمية الأولى، وقيام تنظيمات الاتحاد السوداني واللواء الأبيض حتى أدى ذلك لانفجار ثورة 1924.
– بعد هزيمة ثورة 1924 أخذت المقاومة أشكالاً مختلفة تمثلت في قيام الجمعيات الثقافية والقراءة والمسرح، وظهور الصحافة الوطنية (مجلة النهضة السودانية، الفجر. إلخ).
– قام إضراب طلاب كلية غردون 1931 احتجاجاً على تخفيض رواتب الخريجين بعد الأزمة الاقتصادية في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي الذي كان أول مقاومة جماهيرية علنية بعد المجازر التي نصبت لثوار 1924 ونفيهم حتى الموت.
– بعد ذلك تطورت الحركة الوطنية وقام مؤتمر الخريجين 1938، ومع الحرب العالمية الثانية، رفع المؤتمر مذكرته الشهير لتطالب بحق تقرير المصير بعد الحرب.
– تطورت الأحداث حتى النهوض الجماهيري الواسع بعد الحرب العالمية الثانية المطالب بالاستقلال وتقرير المصير، حتى قيام الأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات بعد الحرب العالمية الثانية، التي وقفت ترياقاً في وجه مخطط الاستعمار لفصل الجنوب، وكان مؤتمر جوبا عام 1947م الذي أكد على وحدة السودان.
– قاومت الحركة الوطنية والجماهيرية محاولات الاستعمار لامتصاص المد الجماهيري بإحداث إصلاحات دستورية وتغييرات شكلية تبقي على جوهر النظام الاستعماري والسلطات المطلقة للحاكم العام مثل: المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943، والجمعية التشريعية عام 1948، ومحاولات تكوين “لجان العمل” في الورش لتفتيت وحدة العمال في السكة الحديد التي رفضها العمال وطرحوا البديل عنها “النقابة” التي توحد العمال والفنيين.
3
هذا التراكم النضالي أدى في النهاية لتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953 التي كانت نتاجاً لنضال الشعب السوداني، ونتج عنها تكوين أول برلمان سوداني في نهاية عام 1953، مما فتح الطريق لتوسيع النضال الجماهيري من أجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل: قانون النشاط الهدام الذي تم إلغاؤه في جلسة مجلس النواب المنعقدة مساء الثلاثاء 30/ 3/ 1954، والتمسك بوحدة البلاد والتنمية المتوازنة، وتوسيع التعليم وزيادة ميزانيته، وتمّ تكوين الجبهة الاستقلالية من مندوبي حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للاستعمار وشخصيات مستقلة وعمالية التي اتفقت على الاستقلال التام، وكفالة الحريات وعدم ربط البلاد بالأحلاف العسكرية ومعونات الدول التي تؤثر على سيادتنا.
تواصل النضال حتى كانت الجلسة التاريخية التي أعلن فيها الاستقلال من داخل البرلمان وتم تكوين أوسع جبهة من أجل استقلال السودان وبقاءه موحداً، حتى تم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953م وما نتج عنها من ترتيبات دستورية انتقالية وانتخابات حرة نزيهة وتحت رقابة داخلية ودولية ودستور انتقالي كفل الحقوق والحريات الأساسية، وتم إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، وإعلان الاستقلال رسمياً في أول يناير 1956م، وكان استقلالاً حقيقياً بعيداً عن أي أحلاف عسكرية وتكتلات دولية.
4
وبعد الاستقلال كانت القضية الأساسية هي:
– استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية لا الانقلاب عليها.
– إنجاز التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي أوالفلسفي، ولكن ذلك لم يتم ودخلت البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية أخذت 58 عاماً من عمر الاستقلال البالغ 68 أسوأها نظام الإنقاذ الذي أورث البلد الخراب والدمار، وأسهمت تلك الأنظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب حتى تم انفصاله، وانفجار قضايا المناطق المهمشة، والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتى بلغت ديون السودان أكثر من 60 مليار دولار.
5
تواصل التراكم النضالي الجماهيري حتى انفجار ثورة ديسمبر 2018 التي ما زالت جذوتها مشتعلة حتى الآن كما وجود الجماهير في الشارع وفي ساحات الاعتصام ومسيرة 30 يونيو التي تصدت لمجزرة فض الاعتصام التي أكدت على ضرورة تحقيق أهداف الثورة والقصاص للشهداء ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية وضد الإنسانية، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإصدار قانون النقابات الذي يؤكد استقلالية الحركة النقابية، وقيام المجلس التشريعي وتكوين المفوضيات، وإصلاح النظام العدلي والقانوني وقيام المحكمة الدستورية، وعودة كل المفصولين العسكريين والمدنيين للعمل، وحل كل المليشيات (دعم سريع، كيزان من، وكتائب الظل والدفاع الشعبي، وجيوش الحركات. إلخ)، وقيام جيش قومي مهني موحد، وتحقيق السلام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة بعد أن اتضح اكذوبة سلام جوبا الذي تحول لطمع في مناصب محاصصات وسكن في فنادق، دون اهتمام بجماهير مناطقهم، والإسراع في القصاص من منفذي جرائم الحرب ومجزرة فض الاعتصام وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، وتحسين الأوضاع المعيشية، ووقف سياسة رفع الدعم وشروط صندوق النقد الدولي، وتفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وتسليم شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والاتصالات والمحاصيل النقدية والماشية للمالية، وإصلاح النظام العدلي والقانوني، وخروج البلاد من حلف حرب اليمن وكل الأحلاف العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية، واستعادة أراضي السودان المحتلة (الفشقة ودعم كل الجنود السودانيين الذين يقاتلون لاستعادتها، إضافة لحلايب وشلاتين. إلخ).
ليكن الاحتفال بالذكرى 68 لاستقلال السودان من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة واتقاد جذوة الثورة، واستكمال السيادة الوطنية وتحقيق السلام الشامل وتحسين الأحوال المعيشية، وقيام أوسع حراك جماهيري لوقف الحرب ولتحقيق أهداف الثورة.
الوسومإعلان الاستقلال من داخل البرلمان الأمن الشعبي الانقلابات الدعم السريع السودان المليشيات تاج السر عثمان بابو ثورة ديسمبر ذكرى استقلال السودان نظام الإنقاذالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمن الشعبي الانقلابات الدعم السريع السودان المليشيات ثورة ديسمبر نظام الإنقاذ الحرب العالمیة
إقرأ أيضاً:
السودان بعد الحرب.. هل تستمر لعبة العسكر؟
ظلّ النظام السياسي في السودان ومنذ الاستقلال قبل نحو سبعة عقود يراوح ما بين الحكم العسكري، والحكم الديمقراطي بنمط تبادلي، نظام ديمقراطي يعقبه نظام عسكري، فيما يمكن تسميته بـ "لعبة عسكر وديمقراطية"!
ونتج عن هذا النمط التبادلي فكر سياسي في أوساط النخبة السودانية قوامه جدل بيزنطي استمر طوال العقود السبعة ما بين دعاة الحكم الديمقراطي بصيغته الليبرالية، وأولئك الذين يرون وجوب تطوير نظام للتداول السلمي للسلطة يتناسب مع البيئة السودانية بما تتضمنه من تنوع إثني وعقدي وثقافي وما يسود فيه من تقاليد مرتبطة بالتركيبة المجتمعية المحلية السائدة.
بعبارة مختصرة ظل الصراع محتدمًا بين دعاة الأخذ بالصيغة الليبرالية للنظام الديمقراطي، وبين دعاة (سَودَنَة) نظام يضمن تداولًا سلميًا للسلطة يراعي خصوصية المجتمع السوداني، بمعنى أن كل القوى السياسية السودانية متفقة على مبدأ التداول السلمي للسلطة، ولكنها مختلفة حول ماهية الصيغة الأنسب التي ينبغي الأخذ بها .
صراع اليمين واليساردعاة الأخذ بالصيغة الليبرالية هم أولئك الذين تأثروا بشكل أو بآخر بالثقافة الأوروبية عمومًا، والإنجليزية بالخصوص، بسبب وقوع السودان تحت طائلة الاستعمار البريطاني، وبالتالي كان لديهم انبهار بالنظام الديمقراطي في صيغته الليبرالية التي كانت مطبقة في بريطانيا وفي العديد من الدول الأوروبية.
إعلانهذه الفئة نجحت في فرض رؤيتها لأسباب عديدة، لكن أهمها وأبرزها أنها كانت لها علاقات وطيدة ووثيقة بدوائر الحكم في بريطانيا، وتركيا، ومصر، كما أن رموز هذه الفئة وجدوا حاضنة قوية جدًا في طائفتي الأنصار والختمية اللتين كان لزعيميهما علاقة عضوية بالمستعمر البريطاني، يضاف إلى ذلك نجاح هذه الفئة في الإعلان عن استقلال السودان من داخل البرلمان في 19 ديسمبر/ كانون الأول من العام 1955.
وبالتالي فقد كان الطريق ممهدًا لهذه القوى لوراثة الحكم بعد الاستقلال، فتبنت النظام البرلماني على غرار النظام في بريطانيا، وبالطبع لم يكن هناك مَلِك، ولكن تم تشكيل مجلس سيادة بصلاحيات محددة هي شرفية أكثر منها حُكْمية..
هذه الفئة تضم في داخلها القوى السياسية اليمينية، مع بعض المستقلين وقليلٍ جدًا من القوى الإسلامية الحديثة التي كانت لها رؤى مغايرة لكنها لم يكن لها ثقل جماهيري كبير، فارتضت أن تكون ضمن هذه الفئة تجنبًا للانضمام إلى الفئة الأخرى التي كان يقودها اليسار بكل تشكيلاته الحزبية.
وكان التيار اليساري بقيادة الحزب الشيوعي في أوج افتتانه بالتجربة الستالينية، ومنخرطًا في الحرب الباردة إلى جانب المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي ضد المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وكان يرى في النظام الديمقراطي الليبرالي نظامًا غربيًا رأسماليًا وامتدادًا للاستعمار البريطاني.
وانعكس هذا الموقف اليساري المناوئ لموقف القوى اليمينية سلبًا على الحياة السياسية غداة الاستقلال، واحتدم الخلاف بينهما مما كانت نتيجته تسليم رئيس الوزراء المنتخب عبدالله خليل السلطة لقائد الجيش الفريق إبراهيم عبود لتبدأ أول دورة للحكم العسكري في السودان.
نتائج الممارسات الشائهةوقد ألقى هذا الخلاف بين اليمين واليسار بظلال سالبة على الحياة السياسية في السودان، وشكل فيما بعد وحتى اليوم عقبات ظلت تعرقل مسار الحياة السياسية ووسمتها بالاضطراب المستمر والمتكرر مما كانت نتيجته حالة عدم الاستقرار وتعثُّر عملية انتقال وتداول السلطة.
إعلانتمظهرت هذه الحالة في تكرار عمليات سحب الثقة من الحكومات، ووقوع عدد من المحاولات الانقلابية الفاشلة في فترات الحكم الديمقراطي الثلاث التي شهدها السودان، هذا فضلًا عن طول فترات الحكم العسكري: (إبراهيم عبود 6 أعوام – جعفر نميري 16 عامًا – عمر البشير 30 عامًا)، وقصر فترات الحكم الديمقراطي: (الفترة الأولى عامان – الفترة الثانية 5 أعوام – الفترة الثالثة 3 أعوام).
وفوق هذا وذاك، كانت لحرب الجنوب الأثر الأكبر في اضطراب الحياة السياسية والتي بدأت في العام 1955، وانتهت في العام 2005، وتلتها في التأثير الحرب في دارفور التي اندلعت في العام 2003.
لكن الحقيقة أن الأثر الأكبر الذي أدى إلى اضطراب الحياة السياسية في السودان، كان يتمثل في سلوك الأحزاب والقوى السياسية نفسها بممارساتها الشائهة للعمل السياسي إبان فترات الحكم الديمقراطي.
وكانت هذه الممارسات الشائهة السبب المباشر وراء انهيار الحكم الديمقراطي في التجارب الثلاث، فكل الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات الديمقراطية المنتخبة كانت بتدبير من أحزاب سياسية؛ (انقلاب إبراهيم عبود كان وراءه حزب الأمة القومي، وانقلاب جعفر نميري كان وراءه الحزب الشيوعي السوداني، وانقلاب عمر البشير كان وراءه حزب الجبهة الإسلامية القومية).
أيضًا، يضاف إلى ذلك أن فترات الحكم الديمقراطي كانت السمة المشتركة فيها هو فشل حكوماتها في مجالين مهمين هما؛ الاقتصاد والأمن، إضافة إلى مشكلات أخرى متعلقة بالسياسة الخارجية.
في مقابل ذلك، شهدت فترات الحكم العسكري تطورًا ملموسًا في هذين المجالين، فمعظم مشروعات التنمية الاقتصادية ذات الأثر الإيجابي على الاقتصاد الكلي أنشأتها حكومات تحت مظلة الحكم العسكري، كذلك شهدت فترات الحكم العسكري استقرارًا نسبيًا في الجانب الأمني، ومزيدًا من الانفتاح في السياسة الخارجية للسودان.
إعلانوألقى هذا الواقع بأثره على تفضيلات الغالبية العظمى للشعب السوداني الذي أظهر ميلًا واضحًا نحو تأييد الحكم العسكري لشعوره باستقرار الحياة المعيشية، واستتباب الأمن وتزايد هيبة الدولة داخليًا وخارجيًا في ظل هذه الأنظمة، ومن ثم وقر في العقل والضمير الجمعي الشعبي أن الحكم العسكري أفضل وأنسب للسودان من الحكم الديمقراطي.
وهي حقيقة يصعب إنكارها، وبعض الشواهد تدلل عليها، فطول مدة الحكم العسكري شاهد على ذلك، فالفترة الأولى كانت مدتها ست سنوات، زادت في الفترة الثانية وبلغت 16 عامًا، ثم زادت في الفترة الثالثة فبلغت 30 عامًا، وهو مؤشر لا يمكن تجاهله بالنظر إلى ولع السودانيين بالتغيير وصنع الثورات.
وتعتبر فترتا الحكم العسكري؛ الثانية والثالثة أكثر الفترات التي شهدت طفرات اقتصادية واستغلالًا كبيرًا للموارد الاقتصادية، وطفرات كبرى في البنى التحتية والتطور العمراني، وفي المستوى المعيشي، خاصة في فترة حكم الرئيس البشير، رغم الضوائق التي كانت تطل بين فترة وأخرى؛ بسبب العقوبات الأميركية، لكن حدثت في هذه الفترة نقلات نوعية في قطاعي النفط والتعدين، تمكنت فيها الدولة من إحداث نهضة صناعية وعمرانية وإرساء بنية تحتية معتبرة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الثورة التي أطاحت بحكم البشير كانت مختلفة تمامًا عن ثورتي أكتوبر/ تشرين الأول 1964، وثورة أبريل/ نيسان 1985، فكلتا الثورتين كانتا وطنيتين خالصتين غير مدعومتين من الخارج، بينما كانت ثورة أبريل/ نيسان 2019 مصنوعة ومدعومة من الخارج، وكان داعموها الأجانب يهدفون من ورائها استبدال حكم البشير بآخر يدين لهم بالولاء: (تحالف مكون من عدد من القوى السياسية ومنظمات مجتمع مدني ومليشيا الدعم السريع)، والهدف هو استغلال الثروات المعدنية والزراعية والحيوانية الهائلة، والسيطرة على ساحل بطول 750 كيلو مترًا على البحر الأحمر. وهو ذات التحالف الذي أشعل الحرب الدائرة الآن بمحاولته الاستيلاء على السلطة في 15 أبريل/ نيسان 2023.
إعلان البرهان والمستقبلومع طول أمد الحرب وما حدث فيها من فظائع وجرائم غير مسبوقة في تاريخ السودان القديم والحديث ارتكبتها مليشيا الدعم السريع والتي كانت كلها منصبة بشكل أساسي على المواطنين وعلى المنشآت والمؤسسات والأعيان المدنية، وخطاب الكراهية العنصري الصادر من قيادات مليشيا الدعم السريع تجاه الشعب السوداني، والكشف عن مشاركة مقاتلين مرتزِقة مع المليشيا، ووضوح مصادر الدعم اللوجيستي للمليشيا، ترسخ لدى الشعب السوداني اعتقاد جازم بأن الدولة السودانية بشعبها وأرضها ومواردها وسيادتها هي المستهدفة، وهذا نتج عنه التفاف شعبي كبير غير مسبوق حول الجيش والحكومة القائمة ضد هذا المشروع الأجنبي.
ووجد البرهان تأييدًا واسعًا وشعبية كبيرة ودعمًا غير مسبوق من جل قطاعات الشعب السوداني، وهو يقود الدولة سياسيًا وعسكريًا في أخطر مرحلة تمر بها، محققًا انتصارات باهرة في جبهة الحرب، وفي جبهة الدبلوماسية، وإدارة علاقات السودان الخارجية بحنكة، ورسم أولويات السياسة الخارجية، وفوق هذا وذاك تسيير أعمال الدولة السيادية والتنفيذية دون حدوث اختلالات مما تحدث عادة إبان الأزمات والحروب.
أصبح البرهان أسطورة ومحط إعجاب السودانيين، ينظر إليه كقائد (ملهم) شجاع مقدام ذكي صبور، قاد جيشه إلى نصر كبير وصد عدوانًا كبيرًا مباغتًا مدعومًا من قوى داخلية وإقليمية ودولية بعدد كبير وعتاد ضخم حديث ما كان أحد من المراقبين الأكثر تفاؤلًا يتوقعه.
وهذا الوضع الذي تبوَّأه البرهان ومن معه في كابينة القيادة من العسكريين والمدنيين ومن شركاء الجيش في حركات الكفاح المسلح ربما أماط اللثام بشكل كلي عن مستقبل الحكم في سودان ما بعد الحرب.
فالوضع الحالي يعطي صورة هي الأكثر قربًا من الحقيقة لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية في السودان، ومقياس رسم للمشهد السياسي القادم.
إعلانفمما هو مؤكد أن مليشيا الدعم السريع والقوى السياسية التي تحالفت معها وخططت معها للاستيلاء على السلطة لن يكون لهما موطئ قدم في الحكم والساحة السياسية بعد الحرب.
فهذه القوى والمليشيا فقدتا كل مظان التأييد والمساندة من قطاعات الشعب السوداني في كل أقاليم البلاد. بل أصبح هؤلاء مطلوبين للعدالة مما يغلق الباب في وجه أي احتمال لعودتهم للبلاد من منافيهم الاختيارية.
يضاف إلى ذلك أن هذا التحالف الذي أشعل الحرب وقع في خطأ قاتل بادعائه أنه فعل ذلك من أجل جلب الديمقراطية والحكم المدني، وإنهاء ما سماه سيطرة الجيش والإسلاميين على الحكم، حيث لم يعد أحد يصدق هذا الادعاء بالنظر إلى الممارسات الفظيعة المنافية للإنسانية وأبسط قواعد الحقوق المدنية وحقوق الإنسان التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بمناصرة ودعم من القوى الحليفة لها.
وساعد على ترسيخ هذا اليقين بزيف هذا الادعاء تذبذب المليشيا وحليفها المدني في تبرير إشعالهما للحرب، فمرة من أجل الديمقراطية، وتارة من أجل نصرة (المهمشين)، ومرة من أجل إنهاء سيطرة سكان شمال السودان على السلطة والثروة، ووصل الحد إلى أن أعلنت مليشيا الدعم السريع على لسان قائدها حميدتي أنهم يستهدفون القضاء على قبيلة بعينها في شمال السودان!
ومن كل ذلك مضافًا إليه موقف الأحزاب السياسية السالب من الحرب وانقسامها ما بين منخرط في صف المليشيا، وما بين منزوٍ متلحف بثوب الحياد، ويستثنى في ذلك التيار الإسلامي الذي انخرط كلية في صف الجيش ضد المليشيا بكتيبة مقاتلة وبثقله السياسي والإعلامي، فإن مستقبل الحكم الديمقراطي في السودان يبدو ضبابيًا ويكتنفه الغموض، وتتضاءل احتمالات التوجه نحو الأخذ به بعد الحرب.
وبالمقابل تتزايد اتجاهات واحتمالات أن يبرز إجماع شعبي يضع ثقته في كابينة القيادة الحالية بالدولة بكل طيفها الوطني لتستمر في قيادة الدولة في وقت السلام بعد أن قادته إلى بر الأمان في وقت الحرب.
إعلانوينظر السودانيون إلى مرحلة ما بعد الحرب باعتبارها الأكثر صعوبة وتحتاج إلى وحدة الكلمة والصف لا فرقة وخلاف الأحزاب السياسية، وأنها معركة بناء وإعمار لا تقل أهمية عن معركة صد العدوان وحفظ سيادة الدولة، وأنها ستأخذ وقتًا أطول مما أخذته الحرب، وأنه بعد الإعمار يحتاج الأمر أوقاتًا أطول للحفاظ على ما تم إعماره، وأنه من غير المرجح أن تتم المخاطرة به ليكون في عُهْدة الأحزاب السياسية مرة أخرى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline