في عالم باتت تحكمه الخوارزميات، يتوقف الباحث السعودي يوسف الديني للحديث عن سردية مضادة تقودها التقنية، في محاضرة بعنوان «الإعلام المؤنسن والخوارزميات»، قدمها ضمن الموسم الثقافي لـ«مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث»، مساء الاثنين (19 ديسمبر 2023)، في «بيت عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحفي». وانطلق الديني، الذي قدمه الكاتب غسان الشهابي، بالإشارة إلى مشروع الشيخة مي آل خليفة رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم، مشيدًا بإحيائها الهوية البحرينية التي شكلت نقطة إلهام له شخصيًا، عندما زار المشروع قبل عام للكتابة عنه وتوثيقه، ومحاولة نقله لمناطق أخرى في الخليج العربي، إذ أكد أننا «نعيش استيقاظ الهويات، حيث أدى طغيان العولمة، والمواطنة العالمية، لاستيقاظ الهويات الصغيرة التي أضحى أناسها يبحثون عن جذورهم الثقافية، ويعودون إليها»، وهو الأمر الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بموضوع حديثه، المتصل بعالم الإنترنت والخوارزميات.


ويلفت الديني إلى أنه في أثناء عمله في «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)»، أدرك أن واحدةً من أكثر الجماعات تطرفًا وعنفًا «هي أكثر العقول معرفةً بالأمن السيبراني، والاختراق، والحملات التسويقية عبر المنصات»، ليكشف عن مفارقةً مفادها أن «هذه الجماعات المتطرفة والمرتبطة بالماضي هي أكثر الجماعات ما بعد حداثية على مستوى التقنية!»، من هذا المنطلق يثير الديني سؤالاً حول المحتوى وصناعة المواد الإعلامية في الفضاء الرقمي، ليصل في ختام محاضرته للحديث عن الإعلام المؤنسن كما يراه.
يشير الديني إلى أن المحتوى اليوم هو كل شيء؛ «نحن نعيش المحتوى يقظةً ومنامةً، فقد أصبحنا كائنات تقنية، وفقدنا الطابع الإنساني في حياتنا»، وهذا التحول قادنا لنكون أسرى لـ«أنبياء الخوارزميات الجدد»، كما يسمّيهم، وهم القابعون في (سيليكون فالي)، أو شركات التقنية الكبرى، الذين أضحوا واعين بهذا التحول، فباتت «لديهم أساليب لتقنية أنفسهم، والتخلص من سموم الرقمنة، فيما نحن لا نزال قابعين في غياهبها، على مستوى الأفراد والمؤسسات».
أدى هذا الإغراق بالتقنية إلى انتقاله إلى مفهوم الإعلام، من إعلام بسيط قائم على (مرسل، ووسيط، ورسالة) إلى اندماج بين هذه العناصر الثلاثة. ولهذا يؤكد الديني على ضرورة إيجاد نظرية جديدة في التواصلية، لتفكيك العلاقة بين هذه العناصر، خاصة أننا أضحينا في عالم حروبه رقمية بين الجماعات والأفراد، إذ يوضح الديني أن إنتاج المحتوى المزيّف والتضليلي أضحى أسلوبًا مؤثرًا في هذه الحروب التي تؤدي إلى «خلق فوضى من المحتوى»، وبالتالي أضحت صناعة المحتوى لا ترتبط بالحقيقة والمعرفة والمبادئ...، وإنما بمديات الانتشار وتحقيق الأهداف المبتغاة، وهذا ينطبق على الجهات الكبرى، والأفراد الذين يبتغون الانتشار والتكسب من وراء شهرتهم.
أما دور شركات التقنية، فنحن بالنسبة لها، كما يبيّن الديني، «مجرد أرقام»، ولهذا أضحى الإنسان المعاصر أسير دوامة الخوارزميات، دون أن يستطيع فكاكًا منها، وهو ما يطلق عليه الديني «سردية مضادة»، حيث يعيش الفرد حياةً رقميةً زائفةً، ربما يصعب عليه الوعي بجوانبها، «لست ضد التقنية، لكني ضد عدم الوعي بها، فالمحتوى أضحى مهددًا للاستقرار الوطني، والأسري، ومهددًا للفرد»، وهذا المحتوى، يصنع في غالب الأحيان بناءً على عدد المتابعين، لا على معايير معرفية وجوهرية.
في ظل هذه الفوضى، يؤكد الديني على ضرورة «الإعلام المؤنسن»، الذي يعتقد أنه مسؤولية الأفراد قبل أن يكون مسؤولية الحكومات، إذ إن الفرد مسؤول بوعيه في الوقوف أمام هذه الفوضى، كما ينبغي له أن يمتلك الآليات التي تمكنه من تفكيك التوجيه الذي تبتغيه شركات التقنيات الكبرى التي تفرض أجندتها وقيمها، وتتعامل مع من يعترض على سلطتها كـ«مارق». مشيرًا إلى أن هذه الشركات استطاعت أن تتفلت من مسؤولياتها تحت حجة «تقديم المحتوى لا صنعه»، ما أدى بنا إلى الانتقال إلى مرحلة يسمّيها الديني «البوهيمية السياسية».
في ظل هذه البوهيمية، يعتقد الديني أننا أمام تأثير يؤثر في الأيديولوجيات، والأفكار، ويصنع النخب... كما يترك تأثيرًا في اللغة، والثقافة، والسلوكيات اليومية، إذ يلفت إلى أن الشركات الكبرى «تتحكم في المحتوى بناءً على أجنداتها، كما أضحت تتحكم في الأزمات العربية، كالإرهاب، وتهديد الوحدة الوطنية، وغيرها من الأمور التي تتم تحت دواعي حقوق الإنسان»، بيد أنه يشير إلى أن الكثير من هذه القيم أضحت على المحك في ظل الحرب على غزة، إذ قامت العديد من الشركات بحجب المحتوى، في تناقض صارخ مع ما تدعيه من حرية وحقوق... لافتًا إلى النقص الذي نعانيه كأمة عربية في هذا السياق، إذ يقول الديني: «في عالم اليوم، نحن نخاطب بعضنا بعضًا كعرب، ونتألم في منصات غيرنا، وهذه إشكالية كبرى، إذ يمنعنا هذا الغير من أن نبوح بما في دواخلنا»، مؤكدًا على ضرورة إيجاد منصات بديلة، وأن نطور نحن منصاتنا وخوارزمياتنا.
كما يلفت الديني إلى أهمية العمل على الإعلام المؤنسن، إذ يتمثل التحدي الحالي «في العودة إلى المصادر الأساس، كالوكالات الوطنية التي ينبغي أن تدعم، وتعزز أدوارها، بالإضافة لدعم الصحفيين الذين ينتجون المواد، حيث أضحى الكثير من الأخبار والمواد تكتب عبر الذكاء الاصطناعي».

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا إلى أن

إقرأ أيضاً:

ناسا ومايكروسوفت تطلقان أداة مساعد الأرض لتحليل البيانات بذكاء وسهولة

أطلقت ناسا بالتعاون مع مايكروسوفت أداة جديدة تسمى "مساعد الأرض" (Earth Copilot)، المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى تسهيل الوصول إلى البيانات المعقدة التي تجمعها الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأميركية.

 

مساعد الأرض.. الأداة المدعومة بالذكاء الاصطناعي


هذه الأداة، التي تستفيد من خدمات Azure OpenAI، ستساعد المستخدمين على استكشاف وتحليل البيانات الجغرافية للأرض باستخدام لغة بسيطة، مما يسهل على العلماء وصناع القرار وحتى الجمهور العام الوصول إلى هذه البيانات المهمة.

 

أقرأ أيضاً.. مسبار "فوياجر 1" التابع لناسا يعود للحياة


تبسيط الاستفسارات المعقدة

 

تجمع ناسا يوميًا كميات هائلة من البيانات من خلال أقمارها الصناعية، التي تشمل معلومات عن تغير المناخ، ومراقبة الحرائق، وحالة المحيطات، وغير ذلك.

ومع ذلك، فإن حجم هذه البيانات المعقدة يتطلب خبرة فنية متقدمة لفهمها، مما يجعل الوصول إليها محدودًا لعدد قليل من المتخصصين.

تهدف ناسا إلى التغلب على هذه المشكلة من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في أدواتها الحالية لجعل البيانات أكثر سهولة ويسرًا للمستخدمين من مختلف الخلفيات.


 

أخبار ذات صلة مسبار باركر.. اكتشافات جديدة تضيء أسرار الشمس الغامضة "قمة المعرفة 2024" تستشرف مستقبل المهارات واقتصاد الذكاء الاصطناعي

تحليل البيانات بسهولة ودقة


مساعد الأرض يتيح للمستخدمين طرح أسئلة بلغة بسيطة مثل "ما هو تأثير إعصار إيان على جزيرة سانيبيل؟" أو "كيف أثرت جائحة كوفيد-19 على جودة الهواء في الولايات المتحدة؟" وبناءً على هذه الأسئلة، يقوم النظام بتحديد البيانات ذات الصلة وتقديمها للمستخدم بسرعة وسهولة. هذه التقنية تستخدم إمكانيات Azure، التي تشمل التعلم الآلي وتحليل البيانات والبنية التحتية السحابية القابلة للتوسع، مما يسمح للمستخدمين بإجراء استفسارات معقدة دون الحاجة إلى مهارات فنية متخصصة.

أقرأ أيضاً.. "ناسا" تكشف عن تلسكوب ذهبي لرصد موجات الجاذبية

 

 

 

 

ديمقراطية الوصول إلى البيانات


من خلال هذا التعاون، تسعى ناسا ومايكروسوفت إلى "ديمقراطية الوصول إلى البيانات" من خلال إزالة الحواجز الفنية التي تمنع العديد من المستخدمين من الاستفادة من هذه البيانات. سيكون لهذا التأثير الكبير على المجتمع العلمي، حيث يمكن للباحثين الحصول على البيانات بسرعة وتحليلها بشكل فعال، مما يسرع من اكتشافات جديدة في مجالات مثل تغير المناخ والزراعة والتخطيط الحضري.


 

 

 

التوسع المستقبلي


الخطوة التالية تشمل توسيع نطاق الأداة لتشمل مزيد من المستخدمين من خلال دمج هذه التقنية في منصة VEDA الخاصة بناسا. يهدف هذا المشروع إلى تيسير الوصول إلى البيانات الفضائية ويعكس التزام ناسا بمبادرة "العلم المفتوح" التي تهدف إلى جعل الأبحاث العلمية أكثر شفافية وتعاونًا.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • الهيئة الألمانية للتبادل العلمي تقدم منحة ثنائية للجامعة الألمانية بالقاهرة وميونيخ التقنية
  • شراكة بين “طويق” و”مسك” لتمكين قدرات الشباب التقنية
  • سالم القاسمي: الثقافة أداة للتصدي للتغير المناخي
  • التدريب التقني تنفذ برامج لتعزيز ريادة الأعمال بالكليات التقنية والمعاهد
  • محمد أبو هاشم: الصلاة تغير سلوك الإنسان وتؤثر في حياته بشكل عميق
  • نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الصلاة تُغير سلوك الإنسان وتؤثر في حياته
  • علماء يحّولون بكتريا السلامونيلا إلى أداة تحارب السرطان
  • ناسا ومايكروسوفت تطلقان أداة مساعد الأرض لتحليل البيانات بذكاء وسهولة
  • امسك مزيف.. أداة جديدة من «الأعلى للإعلام» لمواجهة الشائعات على الإنترنت
  • نستمع لكافة الآراء.. جبالي يطمئن النواب بشأن مناقشات مشروع قانون الإجراءات الجنائية