لماذا اكتفت تونس بخطابات جوفاء ولم تطلب تحقيقا بجرائم حرب في غزة لدى الجنائية؟
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
سلط موقع "جاستس أنفو" السويسري الضوء على الأسباب التي تقف وراء عدم انضمام تونس إلى الدول الخمس التي طلبت من المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بشأن جرائم الاحتلال في غزة، رغم كونها دولة عضوا فيها.
ونقل الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، عن عالم الرياضيات التونسي الشهير أحمد عباس أن تونس "تبرز من بين الدول العربية باعتبارها الدولة القادرة على تقديم دعم حقيقي لفلسطين بدلا من مجرد الاكتفاء بالخطابات الجوفاء.
وكانت تونس من بين الدول العربية القليلة إلى جانب فلسطين والأردن التي وقّعت على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. لذلك كان من الممكن أن تنضم إلى جنوب أفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي في طلبها إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر لفتح تحقيق في الجرائم الإسرائيلية في غزة". ومن خلال هذا المنشور الذي شاركه على حسابه على فيسبوك يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، عبّر عباس عن عدم فهمه لموقف تونس فيما يتعلق بالحرب في غزة.
وذكر الموقع أن عباس، وهو مدير أبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي بباريس، يعرف بنشاطه الداعم للقضية الفلسطينية. وهو يشغل منصب أمين "جمعية الأكاديميين من أجل احترام القانون الدولي في فلسطين"، التي يقع مقرها في فرنسا.
وأوضح الباحث موقفه قائلا: "منذ حرب الجزائر، كانت هناك دائما نواة صلبة من علماء الرياضيات الفرنسيين الملتزمين بالقضايا العادلة، وبقضية فلسطين على وجه الخصوص، وهناك العديد من نقاط التقاطع بين القانون والرياضيات: وهي العقلانية ونهج وطريقة الجدال".
الحكومة تلتزم الصمت
وأشار الموقع إلى أن منشور عبّاس سرعان ما تحوّل إلى عريضة مع اشتداد قصف الجيش الإسرائيلي لغزة.
وحشدت هذه العريضة مجموعة من الأكاديميين في تونس الذين وزعوها على الشخصيات العامة والمنظمات غير الحكومية. ويدعو نص العريضة المكتوب باللغة العربية السلطات إلى "إحالة المسألة رسميا إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وطلب فتح تحقيق في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ارتكبها المستوطنون الإسرائيليون على مدار الـ 75 عاما الماضية. وقد تزايدت هذه الجرائم بشكل كبير منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023".
ورغم ترحيب السفير الفلسطيني في تونس هائل الفاهوم بهذه المبادرة في 13 كانون الأول/ ديسمبر، إلا أنها لم تثِر أي رد فعل من الحكومة التونسية. فقد التزمت السلطات الصمت تجاه تصرفات واحتجاجات وطلبات المنظمات غير الحكومية المحلية، التي سبق أن وُصفت بـ "الفاسدة" و"العميلة للأجانب" وحتى "المقرّبة من الحركة الصهيونية" منذ الانقلاب العسكري الذي دبّره الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 واستحواذه على كامل السلط.
"الدعم الكامل" للقضية الفلسطينية
أورد الموقع أن سعيّد أعرب منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر خلال مناسبات عدة في خطابات نارية عن دعم بلاده الكامل وغير المشروط للمقاومة الفلسطينية، وذهب إلى حد القطع مع "حلّ الدولتين" الذي غالبا ما يؤيّده السياسيون في تونس. ولم يحدث من قبل أن أدلى وزير الخارجية نبيل عمّار بهذا العدد الكبير من التصريحات في جميع أنحاء العالم، قمة تلو الأخرى، تأكيدا لـ "موقف تونس الصارم والثابت بشأن الحقوق المشروعة وغير القابلة للتغيير للشعب الفلسطيني".
لكن بعد مرور شهرين ونصف على اندلاع هذه الحرب، وبينما تظهر الصور حالة الخراب في غزة، لم تغتنم تونس بعد الفرصة التي أتاحتها المحكمة الجنائية الدولية لتقديم الدعم الرمزي "للشعب الشقيق والصديق" لتطبيق تعهداتها. وهذا أمر "غير مفهوم" لعباس، الذي يواصل متابعة التقدم المحرز في العريضة من بعيد. وقد حظيت العريضة حتى اللحظة الراهنة بتأييد 101 شخصية بارزة وعشرات المنظمات غير الحكومية.
وتساءل الموقع عما إذا كانت تونس لا تثق بالمحكمة الجنائية الدولية التي تتهمها العديد من الدول النامية باستخدام "معايير مزدوجة" في محاكمة مجرمي الحرب من الدول الأفريقية وتجاهل أولئك القادمين من الشمال؟ ولا تبدو هذه الفرضية صحيحة بالنظر إلى الطريقة التي احتشدت بها دبلوماسية سعيّد من أجل انتخاب القاضي التونسي هيكل بن محفوظ لعضوية المحكمة في لاهاي. وبعد انعقاد جمعية الدول الأطراف في نيويورك، أصبح بن محفوظ أول قاض عربي ينضم إلى تشكيلة المحكمة الجنائية الدولية.
ورد في بيان وزارة الخارجية التونسية بتاريخ السادس من كانون الأول/ ديسمبر: "يعتبر هذا النجاح اعترافا بالمكانة رفيعة المستوى التي يتمتع بها المرشح التونسي. وهو أيضا ثمرة حملة انتخابية استمرت عدة أشهر في تونس وخارجها، وكرّست لها وزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية والدائمة بالخارج كل جهودها بتوجيه من السلطات العليا في البلاد".
واستدرك الموقع أن هذا التناقض يبدو جليا في ردود الفعل الرسميّة على الحرب المستمرة في غزة. في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، وعلى عكس كل التوقعات، امتنعت تونس عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، لتغيّر موقفها في 12 كانون الأول/ ديسمبر وتصوّت هذه المرة لصالح الدعوة ذاتها لوقف إطلاق النار.
وفي الوقت نفسه، أعربت تونس في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر عن تحفظاتها على معظم البنود الواردة في قرار القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المنعقدة في الرياض لدعم فلسطين - بما في ذلك القرار الذي يدعو إلى اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.
من جانبه قال مدير الدبلوماسية العامة والإعلام بوزارة الخارجية محمد الطرابلسي ردا على سؤال عن أسباب هذا التردّد: "نحن لا نستبعد أي خيار من شأنه تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه".
وأضاف: "أولويتنا الحالية هي وقف فوري لإطلاق النار. ونحن نعمل على تحقيق هذا الهدف من خلال قنواتنا الدبلوماسية والسياسية. تحقيقا لهذه الغاية، يواصل وزير الخارجية إجراء المحادثات الثنائية مع رؤساء الدبلوماسية في الدول الشقيقة والصديقة. ثانيا، يشكل التواصل جزءا أساسيا من استراتيجيتنا: وعلينا أن نركز على السبب الحقيقي للصراع. إنه احتلال ندينه ونجرّمه".
وتجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد التونسي غارق في الديون ويعتمد على كتل تعتبر حليفة لإسرائيل، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، لسدادها. وحسب بعض المحللين، قد تكون هشاشة الوضع الاقتصادي لتونس السبب وراء عدم لجوء السلطات إلى العدالة الجنائية الدولية. ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة تونس المنار حاتم مراد أن "هذا قد يعتبر عملا وقحا".
وأوضح الموقع أنه بينما يماطل الدبلوماسيون من المحتمل أن يكون الخطاب الرسمي الحماسي لسعيّد موجها أكثر "للاستهلاك المحليّ"، وذلك على حد تعبير وزير خارجية سابق طلب عدم الكشف عن هويته في ظل حملة اعتقال منتقدي الحكومة منذ السنة الماضية. وينسجم هذا الخطاب مع مشاعر وعواطف الحشود التي خرجت إلى الشوارع بمجرد بدء قصف غزة.
ورافق ذلك إرسال تونس عدة شاحنات مساعدات إنسانية واستقبال بعض الجرحى في المستشفيات التونسية. وقد لا يكون موقف تونس بشأن إحالة قضية غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية حاسما. وحسب شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق الفلسطينية التي تُعنى بحقوق الإنسان: "تستعد مجموعة جديدة من الدول لإحالة قضية فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية. ونود أن تنضم تونس إليهم".
وأضاف الموقع أن العميد السابق للهيئة الوطنية للمحامين بتونس شوقي طبيب قال في السادس من كانون الأول/ ديسمبر، في منشور شاركه على فيسبوك، إنه قام بتكليف من نقابة المحامين الفلسطينيين بإيداع شكاية لدى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. وقد قدّم بلاغا إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب مزعومة ارتكبها 19 مسؤولا سياسيا وأمنيا إسرائيليا.
وأشار شوقي طبيب إلى أنه بموجب المادة 13 من نظام روما الأساسي (المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية)، يجوز فقط للدول الأطراف (الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية) أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "إحالة" القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية. لكن بالنسبة للمجموعة التي يمثلها، فإن هذه الشكاية تمثّل ما يُمليه "الضمير".
وصرّح شوقي طبيب في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر عبر إذاعة صوت فلسطين الفلسطينية: "نريد أن نواجه المحكمة في لاهاي بمسؤولياتها القانونية والأخلاقية والسياسية، حتى لا نتعرض في يوم من الأيام، كعرب وفلسطينيين، إلى اللوم على التزامنا الصمت وعدم النظر في هذا البديل القانوني لمأساة إنسانية لا تزال تتكشف أمام أعيننا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية تونس الجنائية الدولية الاحتلال غزة تونس غزة الاحتلال الجنائية الدولية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى المحکمة الجنائیة الدولیة للمحکمة الجنائیة الدولیة کانون الأول الموقع أن فی تونس فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما تداعيات قرار الجنائية الدولية برفض تعليق مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت؟
رفضت المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس طلبا تقدمت به إسرائيل لتعليق تنفيذ مذكرتي توقيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، المطلوبَيْن للعدالة لارتكابهما جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وكانت إسرائيل تقدمت بطلب لتعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف الصادرتين ضد نتنياهو وغالانت، على خلفية الطعن في اختصاص المحكمة، إلا أن غرفة الاستئناف بالمحكمة اعتبرت أن هذا الطلب لا جدوى منه، لانتفاء الأساس القانوني لتقديمه، وبالتالي رفضته، وفق بيان نشرته المحكمة على موقعها الإلكتروني.
وقالت المحكمة -في بيان لها- "رفضت غرفة الاستئناف، لانتفاء الجدوى، طلب إسرائيل تعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف وأي إجراءات قانونية أخرى اتخذتها المحكمة بناءً على ذلك".
وأضافت أن "غرفة الاستئناف قررت إلغاء القرار المطعون فيه وأعادت القضية إلى الدائرة التمهيدية لإصدار حكم جديد بشأن اعتراض إسرائيل على الاختصاص".
خطوة مهمةويُعدّ قرار الرفض خطوة مهمة في مسار القضية، حيث يسلط الضوء على إصرار المحكمة على المضي قدما في الإجراءات القانونية المرتبطة بالقضية رغم الطعون التي رفعتها إسرائيل.
إعلانوفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين في غزة.
واعتبر قانونيان فلسطينيان أنه لا يمكن إلغاء مذكرتي الاعتقال، لأن الجريمة لا تزال مستمرة، والأدلة لم تسقط.
وقال باسل منصور، أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح بنابلس شمالي الضفة الغربية، إن الجنائية الدولية قامت بإجراءاتها لتؤكد على سير إجراءات العدالة الدولية، لكن طلب مذكرة الإحضار لا يمكن إلغاؤه.
وأضاف منصور أن "إلغاء مذكرة الإحضار لنتنياهو وغالانت غير جائز من ناحية قانونية، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".
وأردف أنه "وفقا للمادة 58 من اتفاقية روما، لا يوجد هناك ما يبرر رفع مذكرة الإحضار كون الجريمة مستمرة والأدلة لم تسقط".
وأشار منصور إلى أنه "لا إمكانية لإسرائيل بتقديم طعون في قرار مذكرات الاعتقال، لأنه ليس لديها مسوغات قانونية ترتكز عليها حتى تتراجع المحكمة".
كما شدد على أن قرار الجنائية برفض طلب إسرائيل يضع على عاتق 123 دولة تنفيذ قرار توقيف أي مطلوب يطأ أراضيها.
واعتبر أن امتناع أو ضعف التنفيذ ليس خللا قانونيا، بقدر ما هو متعلق باعتبارات سياسية، ومحاولة بعض الدول استرضاء إسرائيل.
قضية الاختصاصبدوره، أوضح الخبير القانوني حسن بريجية، أن القرار الجديد لا يلغي أوامر الاعتقال، إلا أنه يفتح بابا قانونيا أمام الدول الموقعة على نظام روما، للاعتماد عليه كمبرر إجرائي لعدم تنفيذ الأوامر على الأقل حتى صدور قرار جديد بشأن مسألة الاختصاص (في إشارة إلى قرار المحكمة إعادة القضية إلى الدائرة التمهيدية لإصدار حكم جديد بشأن اعتراض إسرائيل على الاختصاص).
وقال بريجية إن "المحكمة ما زالت تعتبر أن الجرائم التي وقعت هي ضمن اختصاصها، والخلاف الآن هو ما إذا كانت الظروف القانونية ما تزال تسمح بممارسة هذا الاختصاص، وفي حال أُعيد تأكيد الاختصاص، قد تُفعّل الأوامر مجددًا بقوة أكبر".
إعلانوأضاف "لا يمكن إلغاء أوامر الاعتقال، لكنها تبقى معلقة التنفيذ سياسيا في بعض الدول إلى حين صدور قرار نهائي".
ويعتقد بريجية أن قرار المحكمة إعادة قضية الاختصاص إلى الدائرة التمهيدية لإصدار حكم جديد بشأن اعتراض إسرائيل عليها، قد يمثل فرصة لإسرائيل لإعادة الطعن من هذه البوابة، رغم أن المحكمة مسبقًا أقرت في 2021 بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولفت الخبير القانوني، إلى أن الخطوة اللاحقة للمحكمة تكمن في أن المحكمة الابتدائية ستُجري جلسات لإعادة النظر في مسألة الاختصاص، وإسرائيل قد تُشارك بشكل غير رسمي أو عبر أطراف ثالثة لتقديم مذكرات قانونية، لكن إذا أكدت المحكمة اختصاصها، يُتوقع استئناف القرار مجددًا أمام الدائرة الاستئنافية.
كما توقع "تصعيدا سياسيا ودبلوماسيا" من قبل إسرائيل للضغط على الدول الأعضاء بعدم التعاون.