بوابة الوفد:
2025-02-22@13:41:09 GMT

أسطورة انتهاء ثقافة المركز

تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT

قرأت على موقع جريدة العرب الإماراتية التى تصدر فى لندن، فى 13 نوفمبر الماضى مقالا للاستاذ « كرم نعمة «يتساءل فيه كم عبدالحليم حافظ فى مصر اليوم ؟ وفى سعيه للإجابة عن سؤال مقاله يقول الكاتب بأن السؤال لا ينطبق على على عبدالحليم وحده، الذى أحبه ملايين العرب، بل يمكن أن ينطبق على أى فنان مصرى فى وقت، يقول: «سادت فيه ثقافة المركز، وغابت عنه ثقافة الأطراف بإجحاف تاريخى».

وفسر الكاتب فكرته عن الإجحاف التاريخى، بأن الساحة الغنائية المصرية تتسع لأصوات جميلة كثيرة لكنها لم تحظ بما حظى به عبدالحليم من هالة أغدفها عليه ما يقول بأنه التدفق الإعلامى القسرى للغناء المصرى، الذى كانت الإذعات والتليفزيونات العربية تمارسه على الجمهور، دون وعى بقيمة الغناء العربى غير المصرى. لكن هذا القسر انتهى بعد ما يقول بأنه انتهاء ثقافة المركز على الأطراف، وانفجار الفضاء التكنولوجى المفتوح، حيث لم يعد لزامًا على فنانين عرب كبار المرور من بوابة القاهرة ليحظوا بالذيوع والمكانة، التى يجرى مقارنتها بطبيعة الحال، بالمكانة التى آل إليها عبدالحيم حافظ،وذلك لأنهم كما يقول الكاتب باتوا يعيشون تحت وطأة عدالة إعلامية لم تكن موجودة فى العقود السابقة!

وبداية فإن اصطلاح المركز والأطراف، كما هو معروف،هو اصطلاح اقتصادى بالأساس، ظهر فى كتابات مفكرين غربيين فى القرن التاسع عشر، وأرجع مفكرون عرب أصوله إلى مقدمة ابن خلدون، أى قبل ذلك بنحو أربعة قرون، لاسيما وقد وتُرجمت المقدمة إلى عدة لغات غير عربية، بينها اللاتينية واليونانية. وفى المقدمة التى شكلت مرجعا لعلمى الاجتماع والاقتصاد السياسى، تحدث ابن خلدون عن نشوء الدول وانهيارها، وعن بداوة الأطراف وحضرية المركز -من الحضر - وعن أن العمران البشرى «لا يتوزع بكيفية مماثلة على المركز والأطراف، ففى المركز تتركز الثروات..وعمران البادية ناقص عن عمران الأمصار.. ومن ثم كان أهل البدو بالضرورة مغلوبين لأهل الأمصار.. ويصير المغلوب مولعا بالاقتداء بالغالب فى شعاره ورأيه وعوائده لاعتقاد منه بكمال الغالب».

وجاء عالم الاقتصاد المصرى الدكتور سمير أمين ليطور فى الثلث الأول من القرن العشرين نظرية المركز والأطراف القائمة على تحليله أن المركز الغربى الرأسمالى حقق الهيمنة الاقتصادية عبر تراكم من النهب والعبودية والاستعمار والتفوق التكنولوجى. ولأن تطور الأطراف تمنعه أنظمة التبادل غير المتكافئ الدولية، فلا يمكن لاقتصاديات تلك الأطراف –ويعنى دول جنوب العالم- أن تخرج من الحلقة المفرغة للتبيعة إلا عبر خلق مراكز أخرى، والتوجه نحو أنماط تطور، يكون لها مركزية خاصة بها.

أطلت فى تلك النقطة لكى أقول بأن لجوء الأستاذ نعمة إلى نظرية المركز والأطراف فى هذه الحالة، ينطوى على كثير من المبالغة، أما اللجوء إلى نظرية القسر والفرض التى صنعت نجومية عبدالحليم حافظ، ففيه كثير من التمنى وقليل من الإنصاف وبعض تأسى على مرارة الواقع المصرى لكى يبرر به إمعانه فى قراءة ظاهرة عبدالحليم من خارج واقعها، فضلا عن تعسف عقد المقارنات بينها وبين غيرها من مطربين عرب كبار. وللبرهنة عن خطأ الاستدلال والتحليل، فإن نجومية الفنان الكبير صابر الرباعى لم تزدهر وتنتشر فى ربوع المنطقة وفى عصر الانفجار المدوى لثورة الاتصالات، إلا بعد مشاركته فى مهرجانات الموسيقى العربية فى القاهرة لسنوات متوالية. فضلا عن ظهور مراكز تقافية جديدة بدعم من ثروات عوائد النفط، التى أعادت عقب حرب أكتوبر المجيدة عام 1973موقع القوة الإقليمية، لصالح القدرة المالية والقوة الاقتصادية، وهى مراكز تتكامل مع الدور المصرى ويخطئ من يسعى إلى تصويرها بأنها منافسة له، لأنها ببساطة تقوى وتزدهر بالفن المصرى وبالفنانين المصريين : مطربون وملحنون وشعراء ومخرجون وكتاب، وتراث فنى لا ينضب من كل ألوان الفنون.

أما عبدالحليم حافظ فلم يصنعه القسر والفرض الإعلامى لدولة المركز الناصرية كما ذهب كاتب المقال، فهو صناعة عبدالحليم حافظ الذى عمل على موهبته بجد واجتهاد، وساعده على ذلك الظرف العام الذى بدأ فيه رحلته الغنائية، حيث أنصفته ثورة 23 يوليو هو وغيره من فقراء الوطن، بأن فتحت لهم ابواب الصعود الاجتماعى لكل حسب مواهبه وكفاءته وعمله، فانتمى إليها بكل جوارحه، حبا وامتنانا وليس تملقا، فبات أيقونة للاجتهاد والفنان المبدع صاحب الموقف.

وفى بداية ثورة يوليو،قادت مؤسسة أخبار اليوم ومجلاتها حملة شعواء على عبدالحليم حافظ، وأعلنت عن مسابقة لاكتشاف الأصوات الجديدة للبحث عن منافس لحليم، فاز فيها صوت جميل هو المطرب كمال حسنى. وتولت المؤسسة التبشير ب « صوت جديد يهز مصر « وبدأت حملة التشهير بنشر أخبار وتحقيقات تؤكد أن حليم يخشى صوت منافسه، ويحرض الملحنين على عدم تقديم الحان له، وأنه دبر مؤامرة ضده، قضت على الصوت الذى هز أفئدة المصريين. وتم إنتاج فيلم له مع الفنانة شادية لم يعد أحد يذكره. شاعت هذه التهمة الملفقة بعد ذلك،أن عبدالحليم انتشر وذاع لمساندة السلطة الناصرية له، وأنه يكره ظهور مواهب غنائية شابة جديدة، ويسعى لتحطيمها.

فى مارس القادم تمر الذكرى السابعة والأربعون لرحيل عبدالحليم حافظ. أوشك نصف قرن يمضى على غيابه، ولم تظهر فى الساحة الغنائية المكتظة بالصخب الغنائى موهبة تضاهى موهبته لا فى الغناء ولا فى التمثيل ولا فى الوعى المجتمعى والسياسى برغم أسطورة الانتهاء المزعوم لدولة المركز. فموهبته نمت وأينعت فى ظلال نهضة ثقافية جادة تواجه ثقافة الاستهلاك والعدم، وحركة تحرر وطنى وتقدم اجتماعى فاضت بآثارها على الفضاء العربى، وهى أشياء لا تشترى وتعجز الفضائيات والتمدد التكنولوجى على إنتاجه أوصنعه.

فى قصيدة من أجمل قصائده بعنوان زمن عبدالحليم كتب عبدالرحمن الأبنودى يقول : فينك يا عبدالحليم ؟فين صوتك اللى كان سما ونجوم، اللى طلع من قلبك الشايف، حالف يعيش ويدوم، فى زمن غدره كريم، فينك ياعبدالحليم؟.فينك ياأحلا من يغنى الفراق، تيجى تغنى زحمة الشهداء، والدم فى فلسطين، وفى لبنان، وعلى توب العراق، الموت صبح ساهل، وإحنا اللى نستاهل، ألهّنا على روسنا الذليلة كل شيطان رجيم.

صحيح فينك يا عبدالحليم؟

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: على فكرة مصر الغناء العربى غير المصرى عبدالحلیم حافظ

إقرأ أيضاً:

ليلة القضاء على خُط الصعيد الجديد.. البلاك كوبرا تنهى أسطورة ساحل سليم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في قلب صعيد مصر، وبين الجبال الوعرة التي كانت حصنه المنيع لعقود، سقط محمد محسوب، الذي اشتهر بلقب "خط الصعيد الجديد"، في مواجهة أمنية وصفت بأنها الأكثر ضراوة منذ سنوات، وتزامنًا مع انتشار أخباره والفيديوهات التي كان ينشرها على صفحته بالفيس بوك معتزمًا فيها بجرائمه؛ ومع  تواجد قوات "البلاك كوبرا" والأمن المركزي أثناء عملية الاقتحام، أعادت هذه المشاهد لذاكرتنا فيلم "الجزيرة" بطولة الفنان أحمد السقا،  الذي جسد القصة الحقيقية لعزت حنفي، زعيم عصابة المخدرات الذي فرض سطوته على إحدى قرى الصعيد قبل سقوطه في مواجهة مماثلة مع الشرطة عام 2006.

بين الواقع والسينما

 لم يكن محمد محسوب مجرد اسم عابر في عالم الجرائم، بل كان أسطورة مخيفة في قرية العفادرة بمركز ساحل سليم في محافظة أسيوط، لأكثر من عقدين، بسط نفوذه وفرض سطوته على المنطقة، حتى أصبح رمزا للخروج عن القانون، اسمه تردد كثيرًا في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي عقب إعلان وزارة الداخلية تصفيته، في عملية أمنية وصفها البعض بأنها "معركة مكتملة الأركان".

أحكام بإجمالي 191 سنة 

بحسب التحقيقات، كان محسوب زعيم تشكيل عصابي خطير، ومطلوبا في 44 قضية، شملت القتل، وتجارة المخدرات، والسرقة بالإكراه، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، كما صدرت بحقه أحكام بالسجن المؤبد بإجمالي مدد بلغت 191 عامًا، لكنه ظل هاربا طيلة تلك السنوات، محصنًا داخل قلعته المحاطة بالمتاريس والخنادق.

مطارد بين الجبال 

بدأ محسوب الذي وُلد عام ١٩٧٢ نشاطه الإجرامي عام 2004، حينما تورط في مشاجرة استخدم فيها سلاحا ناريا، ليُحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، لكنه لم يقضِ العقوبة، إذ تمكن من الهرب والاحتماء بمنزله، الذي كان آنذاك أقل تحصينًا مما هو عليه اليوم، ومع مرور الوقت، توسعت إمبراطوريته الإجرامية، مستفيدًا من الطبيعة الجغرافية للمنطقة، ومتسلحًا بولاء أقاربه الذين وفروا له الحماية.

تحول منزله إلى حصن عسكري مجهز بكل وسائل الدفاع، ولجأ إلى المناطق الجبلية، حيث كان يختبئ لفترات طويلة قبل أن يعود إلى معقله المحصن في العفادرة.
ظل طوال سنوات يفرض سيطرته بقوة السلاح، حتى باتت الشرطة تعتبره الهدف الأخطر في الصعيد.

المعركة الأخيرة

هاجس الرعب الذي بثّه "خط الصعيد الجديد" في نفوس الأهالي لم يكن مجرد حكايات تتناقلها الألسنة، بل حقيقة مُرّة عاشتها القرية، حيث بات اسمه كابوسًا يطارد الجميع.

ومع تصاعد جرائمه وتحصنه وسط أتباعه المدججين بالسلاح، أدركت القيادات الأمنية أن المواجهة معه لن تكن تقليدية بالمرة، بل تحتاج إلى قوة خاصة قادرة على اقتلاع جذوره من الأرض. 

البلاك كوبرا تحسم الأمر 

وهنا جاء القرار الحاسم: الاستعانة بوحدات "البلاك كوبرا"، النخبة المدربة على تنفيذ المهام التي تصنف كـ"مستحيلة"، رجال لا يعرفون التراجع ولا تهاب قلوبهم الخطر، يخضعون لبرامج تدريبية استثنائية تمنحهم الأفضلية في أصعب المعارك.

60 ساعة قتال 

مع دخول قوات "البلاك كوبرا" إلى ساحة المواجهة، تغيرت ملامح المعركة، احتشد الأهالي في بيوتهم يراقبون من خلف الأبواب والنوافذ، قلوبهم تنبض بالخوف والرجاء مع كل طلقة رصاص تمزق سكون الليل، 60 ساعة من الاشتباكات العنيفة، وقرية بأكملها تحبس أنفاسها. أصوات الطلقات لم تهدأ، ووهج الانفجارات كان يُضيء سماء الليل كأنها إشارات لملحمة تُسطر بدماء الأبطال.

بدأت المواجهة بحصار  قوات الأمن لمعقل محسوب، حيث كان يتحصن مع رجاله، الذين لم يكن في نيتهم الاستسلام بسهولة، إذ بدأت المعركة بإطلاق كثيف للنيران من قبل العصابة، التي استخدمت ترسانة من الأسلحة الثقيلة، شملت قذائف "آر.بي.جي"، وبنادق آلية، وقنابل يدوية، وحتى أسطوانات الغاز التي فُجِّرت لعرقلة تقدم القوات، دام الاشتباك لأكثر من ٦٠ ساعة، وسط قصف متبادل كثيف.

هدوء ما بعد العاصفة

وفي اللحظة الحاسمة، جاء الصوت الذي انتظرته القرية كلها، صوت أحد القادة الميدانيين وهو يصرخ وسط الدخان والغبار: "الخُط مات يا رجالة!".. انتشر الخبر في أرجاء البلدة كالنار في الهشيم، ليحمل معه بشرى الخلاص، ومعه تنفست القرية الصعداء.

أخيرًا، عاد الأمان، وانتهت أسطورة "محسوب الإجرامية" على يد أبطال الداخلية، وقوات"البلاك كوبرا" الذين أثبتوا أن العدالة قد تتأخر لكنها لا تموت.

إصابة ضابط أمن مركزي 

وخلال هذه المداهمة؛ أُصيب ضابط شرطة من قوات الأمن المركزي في قدمه أثناء تبادل اطلاق النيران، بينما نجحت القوات من اقتحام المعقل بعد القضاء على محسوب وسبعة من رجاله، من بينهم ابنه وشقيقه.

آر بي جي.. چيرنوف.. قنابل F1 .. مضبوطات الخط  

وفق تحريات قطاع الأمن العام بمشاركة أجهزة البحث الجنائى بمديرية أمن أسيوط، أسفرت العملية عن ضبط (كمية كبيرة من المواد المخدرة المتنوعة – وعدد كبير من الأسلحة النارية "أر بى جى – 2 جرينوف – 73 بنادق آلية - رشاش متعدد- 11 بندقية خرطوش – 62 فرد محلى " – 8 قنابل f1 – عدد كبير من الطلقات النارية مختلفة الأعيرة ). تم إتخاذ الإجراءات القانونية.

تمشيط المنطقة وإزالة حصن الخط 

وبعد انتهاء المأمورية مشطت قوات الأمن المنطقة، بينما أزالت الأجهزة التنفيذية في محافظة أسيوط، منزل محمد محسوب، وقبل ذلك، انتهت فرق الحماية المدنية من تفكيك أسطوانات الغاز والعبوات المتفجرة التي حصن بها منزله لمنع وصول قوات الأمن.
وبعد تأمين الموقع، بدأت النيابة العامة تحقيقاتها، حيث انتدبت الطب الشرعي لتشريح جثث المتهمين، وأمرت بدفنهم عقب الانتهاء من الإجراءات.

مقالات مشابهة

  • محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي
  • مسلسل «ظلم المصطبة» يرصد سطوة التقاليد العرفية في الريف
  • «ياسمين»: «لم أفقد الأمل» وأتمنى عدم عودة الهجمات على قطاع غزة
  • طالبات مدرسة ثانوية بقنا يوفرن مصروفهن لشراء هدايا رمزية لمعلم بلغ سن المعاش
  • ليلة القضاء على خُط الصعيد الجديد.. البلاك كوبرا تنهى أسطورة ساحل سليم
  • ماذا يقول التاريخ عن مواجهات الأهلي ضد الهلال السوداني في دوري أبطال إفريقيا؟
  • "ثقافة بئر العبد" يعقد لقاء لنادي شعراء أدب البادية
  • «بوليتيكو»: ملاحقة ترامب لأعدائه السياسيين المفترضين وتقديمهم للمحاكم العسكرية بالونة اختبار
  • مصطفى شعبان.. نجم الدراما المتجدّد
  • مسلسل حكيم باشا.. صراع على «ميراث حرام» من تجارة الآثار