أزهار شهاب تكتب: إلى ستّي.. كاذبون مَن قالوا رحلتِ
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
بعيداً عن البيت ببضعة أمتار طلبت من السائق أن يوقف سيارة الأجرة.. كان الزحام شديداً وكان شوقى لبيتى أشد منه.. شهران طويلان غبتهما ولم يعد بمقدورى الانتظار أكثر ولو لدقائق.. ترجلت من السيارة مسرعة، وصوبت نظرى نحو بيتى، فوجدته هو بالذات مصدر الزحام، الناس تلتف حوله، وعلى يمينه شىء يشبه الخيمة ولكنه أكبر حجماً.
تجسدت الفكرة.. الفكرة البغيضة نفسها.. فى كل شىء حولى.. فى نظرات الناس المصوبة نحوى، والمملوءة بالألم والحسرة.. فى الشارع الذى خلا فجأة من المارة.. والبيوت التى اتشحت بالسواد.. والشمس التى انسحبت من المشهد بهدوء.. وفى أمى التى تحترق من البكاء.. وأبى الذى يغالب دموعه فتغلبه.. ونظرات إخوتى المملوءة بالاستسلام.. كل شىء يُنبئ برحيلك!.
رحلت «ستك» والخيمة البيضاء من أجل عزائها.. لم أصدقهم يا ستى.. أنت لا تفعلين هذا بى.. والموت لا يجرؤ على الاقتراب منكِ وهو يعلم كم أحبك.. رُحت أبحث عنك فى كل مكان.. أتذكرين العطلة الماضية عندما أخبرتنى بأن حذاءك لا يشبهك فى طول العمر، وأنكِ تحتاجين لإصلاحه، وقتها ابتسمت ودعوت الله أن يحفظك ويطيل عمرك، وها أنا الآن أحمل حذاءك الجديد بين يدى، فأين أنتِ الآن لترتديه؟!
أحقاً شمسك غابت عن سمائى؟.. وغشى الظلام الكون كلّه.. وخلا العالم كله من الألوان.. ولكن صوتك يا ستى ما زال يرنّ فى أذنى.. ووجهك لم يغب لحظة عن بالى، لم أعد أتذكّر إلا صورتك ونظرات عينيك، كيف ترحلين وأنتِ تستوطنين كيانى؟
أيها الموت سيئ الطباع لمَ لا تعيدها لى ولو لدقيقة؟.. لمَ لا تنتظر حتى تعطينى رأيها فى الحذاء الجديد؟.. أيها الشبح الأسود لمَ كانت خطواتك أسرع منى إليها؟.. أيها الموت هتفت للوحشة لتستوطن قلبى.. لماذا؟ لو تعلم ما فى قلبى من غصة لأعدتها إلىّ.
«ستى» أتعلمين ماذا فعل رحيلك بى؟.. مع مَن سأتقاسم سريرى، ومن سيسهر معى حتى الصباح، على من سأطلق نكاتى؟.. آه يا «ستى» لو تعلمين كما تمنيت أن أكون ساحرة لأبقيك على قيد الحياة حتى قيام الساعة، أو عالمة كيمياء لأخترع دواءً يُبقيكِ حتى ألفظ أنفاسى.. أوصيتك أن تخبرينى عندما يشتد عليكِ المرض.. ألومك وتسمعيننى أعرف.
وها أنا الآن أجلس فى غرفتنا المشتركة، الغرفة ذاتها التى كانت شاهدةً على كلامنا معاً، ضحكاتنا ودموعنا، على راحة البال وطمأنة القلب التى كان يضفيها حضورك فى حياتى، ولكنها الآن أصبحت شاهدةً على غيابك، وعلى قلبى الممزق، ودموعى التى تنهمر بلا حساب، وموجات الألم والحسرة التى تعصف بى من وقت لآخر.. كيف بالله يا ستى رحلتِ دون كلمة وداع واحدة؟ وكيف يمكن للقلب أن يتحمل رحيلك؟ وكيف أناديك ولا تُجيبينى؟!
هذه المرة لم يكن كابوساً وأستفيق منه عندما يدق هاتفى المحمول وأضعه على أذنى وأسمع صوتك وأنتِ توبخيننى قائلة: «بقينا الضحى وإنتى لسه نايمة».
ثلاثة أشهر وأنا أنتظرك لتوبخينى، كاذبون من قالوا إنك رحلتِ، كاذبون من قالوا لى ستعتادين غيابها، هل تعلمين.. أمس وجدت إحدى القنوات تبث ابتهالات ومدحاً فى سيدنا النبى، التى طالما كنا نرددها سوياً عندما نستمع إليها على هاتفى، اتصلت مسرعة بأمى لتفتح التلفاز لكِ، هل شاهدتِها؟
أنا أرددها الآن، هل ترددينها أيضاً؟، مَن قال إنك ذهبتِ؟ عُكازك هنا، وثيابك فى مكانها، وأكواب الشاى التى احتسيناها ما زالت فى غرفتنا.. أنتِ لا تفارقين خيالى.. إذن لماذا يقولون «ستك» رحلت مثل كثيرين، أنت لا تشبهين أحداً.. أنت تستوطنين كيانى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الظلام الدامس
إقرأ أيضاً:
مفيد شهاب: مصر بذلت جهودا كبيرة في تحرير سيناء بالحرب والسلام
قال الدكتور مفيد شهاب، استاذ القانون الدولى وعضو اللجنة القومية للدفاع عن طابا، إنه لا يكفي أن تكون صاحب حق ولكن لابد أن تكون قادرا على إقناع الآخرين بهذا الحق.
وأضاف شهاب خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “مساء dmc” المذاع على قناة “dmc” الفضائية، أن الأزمات الكبرى مثل تحرير الأرض لا تحل بالعواطف والأمنيات لكنها تحل عن طريق المتخصصين والخبراء.
وتابع أستاذ القانون الدولى وعضو اللجنة القومية للدفاع عن طابا، أن مصر بذلت جهودا كبيرة في تحرير سيناء عن طريق الحرب والسلام تأكيدا على أن تراب الوطن غالٍ ولا يقدر بثمن.