مع ساعات الفجر الأولى، يستيقظ الأسير في سجون الاحتلال على صوت حنجرة أحد الجنود الإسرائيليين المشرفين على السجن، يطلب منهم من خلال الميكروفون الاستيقاظ، لا يحتاج الأسير الفلسطيني إلا ثوان معدودة حتى يفتح جفن عينيه، فأقل صوت يجعله ينتفض فزعًا من نومه.

8000 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي

هكذا يستيقظ أكثر من 8 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال خلال الفترة الحالية، حيث زادت الاعتقالات منذ أحداث السابع من أكتوبر بعد عمليتي طوفان الأقصى من الجانب الفلسطيني والسيوف الحديدية من الجانب الإسرائيلي، ومنذ عام 1976 اعتقل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مليون فلسطيني، بحسب الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية، ويعد سجن جلبوع وعوفر ونفحة، أشهر السجون الإسرائيلية وأكثرها كثافة من حيث عدد الأسرى.

توجد سجون الاحتلال الإسرائيلي في مكان أسفل الأرض يمتد لعدة أمتار، ويعيشون داخل صالة كبيرة أشبه بساحة رئيسية تسمى «قِسم»، هذا القسم يشمل عددًا من السجون يطلق عليها زنزانة أو عنبر، وبداخلها ما يزيد عن 8 أسرى، ومع زيادة عدد الأسرى يزداد ازدحام الغرف، ويمكن أن يصل إلى 40 أسيرًا في بعض السجون التي تصل مساحتها إلى 45 مترًا.

عملية تفتيش خلال ساعات الفجر

يستيقظ الأسرى من نومهم، ويبدأون واحدًا تلو الآخر في الخروج من غرفة السجن إلى الساحة الرئيسية، يقفون منتظرين دخول قوات الاحتلال لتفتيش الزنازين بحثًا عن أي محاولات حفر في أرضية السجن أو اختراق وقطع لحديد النوافذ لتنفيذ عملية هروب، تستمر عملية التفتيش لساعة أو ساعة ونصف، ينتظر الأسرى في الساحة، ومع خروج الحراس، يعودون إلى عنابرهم مرة أخرى.

تقول الأسيرة المحررة عالية العباسي، والمعروفة بـ«أم الأسيرات»، وعدد من الأسرى الذين تحدثوا لـ«الوطن»، إنه خلال أوقات التفتيش الصباحية تُفتح جميع العنابر، وينتظر الأسرى في الساحة الرئيسية، يُصلّون الفجر ويقرأ عددٌ منهم القرآن، ثم ينتظرون صامتين.

تلفزيون وراديو في بعض الزنازين داخل سجون الاحتلال

يعود الأسرى إلى زنازينهم بعد انتهاء التفتيش، منهم من يستكمل نومه وآخرون يتحدثون مع زملائهم، وفي فترات الجلوس داخل الزنزانة، تكون أغلب الساعات عبارة عن حديث مع بعضهم، كما يمتلك العديد راديو صغير خاص به يتابع فيه الأخبار يوميًا، وهناك زنازين يوجد بها تلفزيون صغير.

يضع الأسير الراديو إلى جانب أذنه أثناء الجلوس داخل الزنزانة، ينتظر خبرًا يثلج صدره يتعلق بعملية عسكرية للفصائل الفلسطينية، أو الإفراج عن أسير في سجن آخر يعرفه، سواء من أقاربه أو من أصدقائه، بينما يتابع ما يحدث في العالم من أخبار وأحداث وحروب، وفي أوقات أخرى يتابع مسلسلا إذاعيا للترفيه عن نفسه.

مع دقات الساعة العاشرة أو الحادية عشر صباحًا، تُفتح أبواب الزنازين مرة أخرى، ويُطلب من الأسرى الخروج إلى الساحة الرئيسية، هذه الساحة لا يرون فيها السماء، فهي مسقوفة بشبكة من الأعلى، وتوجد مساحة صغيرة بها تدخل من خلالها أشعة الشمس، تقول «عالية»: «هذه المساحة الصغيرة نتكدس فيها جميعًا للحصول على نور الشمس، نريد للشمس أن تزور أجسادنا».

الغداء.. خضار وأرز ويوم الجمعة قطعة دجاج

تحصل كل زنزانة في سجون الاحتلال على وجبتي إفطار وعشاء مكونة من علبة حليب وبعض البيض وخبز وخضراوات، بينما وجبة الغداء تكون عبارة عن أرز وخضار كالبازلاء والفاصوليا وغيرهما، ويحصل الأسرى على قطعة دجاج مرة واحدة في الأسبوع وغالبًا تكون يوم الجمعة.

ويحصل الأسرى أحيانًا على اللحوم، لكن لا يأكلونها خوفًا من أن تكون عبارة عن لحم خنزير أو غيره، فلا يعرفون مصدرها، والدجاج يأتي ممتلًأ بالدماء، والجلد يكسوه الريش، يقول أحد الأسرى لـ«الوطن»: «نشيل الجلد من الدجاج ونغسله من الدماء ونبدأ معًا في طهيه، لكن اللحوم لا نأكلها، نرميها ونأكل الطبيخ فقط».

بلاط حراري كهربائي.. يعيد الأسرى فيه طهي الطعام

يبدأ الأسرى في إعادة طهي الدجاج والطبيخ، يساعدون بعضهم في إعداده، ويشترون طعامًا آخر أيضًا من كانتين أو مقصف موجود في كل قِسم، يحتوي على العديد من المواد الغذائية المتنوعة، وكل زنزانة بها بلاط حراري كهربائي يجمعونه ويطهون عليه الطعام، بحسب حديث سلطان سامر، أسير فلسطيني محرر.

أوقات إعداد الطعام وطهيه من أفضل لحظات اليوم بالنسبة للأسرى داخل السجن، فهي ضمن اللحظات التي لا يُفكر فيها الأسير في حياته وأسرته وأرضه، يضع كل منهم تركيزه في إعداد الطعام بالتناوب فيما بينهم، وفي بعض السجون هناك مختصون بإعادة طهي الطعام لباقي الأسرى داخل السجن.

أنواع الأسرى داخل سجون الاحتلال

يوجد 4 أنواع من الأسرى داخل سجون الاحتلال، وهم السجناء الجنائيين والأمنيين والمدنيين، والموقوفين، والمعتقلين الإداريين، والمقاتلين غير القانونيين، والأخير، يسري عليه ضوابط وإجراءات انضباطية مختلفة عن البقية، وفقًا للموقع الرسمي لمصلحة السجون الإسرائيلية.

الاحتلال الإسرائيلي يزعم: نحتجز السجناء في ظروف آمنة ولائقة

ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أنه يحتجز السجناء والمعتقلين في ظروف آمنة ولائقة، مع توفير احتياجاتهم الأساسية والحفاظ على كرامتهم ومع توفير كافة الإمكانيات لهم من أجل تحسين قدرتهم على الاندماج في المجتمع مع إطلاق سراحهم، كما تنص المادة 11 من قانون السجون، على أن يكون لكل سجين سرير وفراش وبطانيات لاستخدامه الشخصي، بحسب مصلحة السجون الإسرائيلية.

مكتبة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي

لحظة أخرى يعيشها الأسير داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي يشعر خلالها ببعض الحرية، وهي أوقات القراءة والتعلم، إذ توجد مكتبة بها العديد من الكتب المختلفة، يمكن للأسرى استعارتها خلال الساعات التي يُسمح لهم فيها بالخروج، منها كتب لتعليم اللغة الإنجليزية والعبرية، لكن هناك كتب لا يمكن استعارتها، فهي مخصصة فقط لحراس السجن ولا يمكن للأسير قراءتها، ولم يكشف الأسرى لـ«الوطن» عن تفاصيل هذه الكتب.

وداخل السجون، يمكن لبعض الأسرى مساعدة بعضهم في تعلم لغة جديدة، أو قراءة كتاب جديد، ولكل زنزانة دورة مياه واحدة مشتركة، لا تحتوي على باب، فيضعون بأنفسهم ستارة صغيرة للخصوصية فيما بينهم.

غسيل الملابس داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.. كيف تكون؟

يجهز الأسير دلوا صغيرا يضع فيه المياه اللازمة لغسيل ملابسه، ثم يضع مسحوقًا للغسيل يشتريه من الكانتين، وبيديه ينظف ملابسه، ثم يشطفها ويبدأ في نشرها على حبال أعدها الأسرى بأنفسهم داخل الزنزانة أو في الساحة الرئيسية، ويُسمح للأسرى بالغسيل خلال ساعات الخروج الرسمية فقط، ولتكون هناك مساحة كافية لنشر الملابس على الحبال، يقسم الأسرى مواعيد غسل الملابس على أيام الأسبوع.

يمنع أي أسير من حمل نقود في جيبه أثناء مدة احتجازه

يحصل الأسير على الأموال داخل السجن عن طريق البريد، حيث تودع أسرته مبلغًا من المال أقصاه 1500 شيكل، أي نحو 415 دولار، يرسله البريد إلى السجن ثم يودع في الكانتين، يمكن من خلاله شراء ما يريد، ويمنع أي أسير من حمل أي نقود في جيبه خلال فترة حبسه، وفقًا لما أكده الأسرى لـ«الوطن».

الزيارات.. مرة واحدة كل شهر لأسير الضفة والقدس ومرتين لأسير غزة

مرة واحدة كل شهر، يمكن لأسرة أي أسير فلسطيني من الضفة أو القدس أن تأتي لزيارته، بينما الأسير من قطاع غزة، فيمكن لأسرته زيارته مرة واحدة كل شهرين، وتختلف المواعيد إذا كان الأسير متزوجا ولديه أطفال، ويمنع الاتصال الجسدي بينهم، فيتحدثون من خلف زجاج شفاف عن طريق سماعة، وكل أسير يقف إلى جانبه حارس ليسمع كل ما يدور بينهم، بينما الحوار بين الأسير والمحامي فيكون على انفراد.

اقتحامات خلال ساعات الليل

ومع دقات الخامسة مساءً يعود كل أسير إلى زنزانته وتغلق الأبواب، ويظل بداخلها حتى ساعات الفجر، لكن أحيانًا تقتحم قوات الاحتلال الزنزانة مرة دون أي سبب، حيث يلقون الشاي والسكر والقهوة على الأرض، ويضربون أي أسير يعترض طريقهم، أو للتفتيش أو لوجود ضيف جديد عليهم تم اعتقاله حديثًا، وبحسب ما أكده بعض الأسرى، فكل يوم يدخل عليهم أسير جديد.

عند دخول أسير جديد يبدأ القديم في الحديث معه، لتقديم النصح إليه ومعرفة تفاصيل اليوم داخل السجن، وكيف يعيشون، للتهوين عليه ومساعدته للتأقلم على الحياة في السجن، حتى حصوله على الحرية.

منذ عملية طوفان الأقصى.. تغيرت الحياة داخل سجون الاحتلال

كل هذه الروايات والحياة داخل سجون الاحتلال والتي تحدث بها الأسرى المفرج عنهم لـ«الوطن»، تغيرت بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث شنت الفصائل عملية «طوفان الأقصى» التي أدت إلى مقتل نحو 1200 شخص وإصابة آخرين، واقتياد نحو 240 محتجزًا إلى قطاع غزة، وأعلن بعدها الاحتلال العدوان على غزة.

تغيرت معاملة الأسرى داخل سجون الاحتلال مرات عديدة، ففي كل مرة تقوم فيها الفصائل بعملية عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، يبدأون سلسلة انتهاكات ضد الأسرى، بداية من مصادرة الراديو والتلفاز والبلاط الكهربائي، إلى أدوات الطبخ وإغلاق الكانتين، وتقليص الوجبات من إدارة السجون من ثلاث إلى وجبتين فقط، بينما الطعام يأتي غير ناضج وله رائحة كريهة، كما قُطعت الكهرباء والماء، وسحبوا جميع الملابس، بحسب حديث الأسيرة نهاية صوان.

نهاية اليوم داخل سجون الاحتلال

وفي نهاية اليوم، ينام كل أسير على سرير خاص به، لكن مع زيادة عدد الأسرى داخل الزنزانة، يمكن أن ينام اثنان أو ثلاثة على سرير واحد، أو يتخذ الأسير من الأرض مكانًا للنوم، ينظر الأسير إلى سقف الزنزانة منتظرًا اللحظة التي يضرب فيها الهواء جسده، وتفرج عنه سلطات الاحتلال رسميًا، لكنه يراها حرية منقوصة، في انتظار حرية مكتملة، وهي عودة أرض فلسطين.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: سجون الاحتلال الاحتلال الإسرائيلي الأسرى أسرى فلسطين سجون الاحتلال الإسرائیلی داخل سجون الاحتلال فی سجون الاحتلال الساحة الرئیسیة أسیر فلسطینی الأسرى داخل داخل السجن مرة واحدة الأسرى فی لـ الوطن أی أسیر أسیر من أسیر ا

إقرأ أيضاً:

بريطانيا.. سجينات ينتقمن من امرأة عذبت ابنها حتى بتر ساقه

تعرضت سجينة بريطانية تدعى جودي سيمبسون، لاعتداء داخل زنزانتها، إضافة إلى تنمر مستمر من السجينات، وذلك بعد أن تم إعادتها إلى السجن مرة أخرى، بعد إدانتها بتعذيب رضيعها حتى بُترت ساقه.

التاريخ الأسود للجريمة

ووفقاً لصحيفة "ذا صن" فإن بداية القصة تعود إلى عام 2018، تلقت سيمبسون، البالغة من العمر 31 عاماً، وشريكها أنتوني سميث حكماً بالسجن 10 سنوات، بعد أن قاما بتعذيب طفلهما الرضيع توني عندما كان يبلغ 6 أسابيع فقط.
وأدى العنف الذي تعرض له الطفل إلى إصابات بالغة تسببت في بتر ساقيه، ليصبح لاحقاً رمزاً للإصرار والأمل في بريطانيا بعد أن تحدى إعاقته، وقاد حملات تبرع ضخمة لصالح الجمعيات الخيرية.

وفي فبراير (شباط) 2024، أُطلق سراح سيمبسون بشكل مشروط، لكنها سرعان ما عادت إلى السجن في يونيو 2024 بعد كسرها لشروط الإفراج وتورطها في علاقة مع شخص مدان في قضايا أخلاقية.
هذا الانتهاك أدى إلى إعادة تقييم وضعها القانوني، حيث قُدّم طلب لعقد جلسة استماع علنية لمراجعة الإفراج المستقبلي عنها، إلا أن المحكمة رفضت ذلك، مشيرةً إلى أن نشر تفاصيل الجلسة قد يعرضها لمزيد من التهديدات داخل السجن.

تعذيب خلف القضبان

وكشفت وثائق مجلس الإفراج المشروط أن سيمبسون تعاني من تنمر مستمر من قبل النزيلات، اللواتي يعرفن مدى بشاعة جريمتها، ما جعلها هدفاً للتهديدات والهجمات الجسدية.
وأكد التقرير أن سيمبسون تعرضت لاعتداء جسدي داخل زنزانتها، كما تلقت تهديدات متكررة بالانتقام بسبب بشاعة الجريمة التي ارتكبتها.
وأشار إلى أنها تحاول البقاء بعيدة عن المشاحنات، لكنها تدرك أن حياتها داخل السجن ليست آمنة، وأن بعض السجينات قد ينفذن تهديداتهن بقتلها.
أما بالنسبة لأنتوني سميث، شريك سيمبسون في الجريمة، فقد كشفت تقارير أنه تعرض أيضاً لاعتداءات داخل السجن، حيث قيل إنه هُوجم بـجورب مليء بعلب التونة من قبل نزلاء آخرين عام 2018، وتماماً مثل سيمبسون، سيخضع لجلسة استماع خاصة لمراجعة الإفراج عنه.

مصير الطفل

على الجانب الآخر، استطاع توني هودجيل، الذي يبلغ من العمر 10 سنوات الآن، تحويل معاناته إلى حملة إنسانية ضخمة، حيث نجح في جمع 1.8 مليون جنيه إسترليني لصالح الجمعيات الخيرية خلال جائحة كورونا، من خلال السير 10 كيلومترات باستخدام ساقيه الاصطناعيتين.
وحصل توني على عدة جوائز تكريمية، من بينها وسام الإمبراطورية البريطانية، تقديراً لجهوده في التوعية والدعم الخيري، كما أن والديه بالتبني قادا حملة ضغط لتعديل القوانين البريطانية، مما أدى إلى إقرار "قانون توني"، الذي شدد عقوبات الإساءة للأطفال.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يجبر أكثر من 80 عائلة فلسطينية على ترك منازلها بمخيم العين غرب نابلس بالضفة
  • الاحتلال الإسرائيلي يخطط لعملية برية واسعة في غزة
  • استشهاد أسير محرر في بيت لحم بعد إصابته منذ أكثر من عام
  • استشهاد أسير محرر متأثرا بجروحه برصاص الاحتلال في بيت لحم
  • بريطانيا.. سجينات ينتقمن من امرأة عذبت ابنها حتى بتر ساقه
  • مقتل أسير إسرائيلي وإصابة اثنين جراء القصف على غزة
  • مقتل أسير في غزة.. وأهالي الأسرى يطالبون نتنياهو بالتوقف عن الحرب
  • “إعلام الأسرى”: فيروس خطير يتفشّى في سجن “مجيدو”.. والاحتلال يتعمّد إهمال الأسرى طبيًا
  • تصاعد عمليات القمع بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو
  • نادي الأسير: ارتفاع عدد الأسيرات إلى 26 وأغلبيتهن اعتُقلن بحجة "التحريض"