ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور عبدالفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول "ميزان التفاضل فى الإسلام".

وقال د. عبد الفتاح العواري: إن شريعة الإسلام وضعت ميزاناً دقيقاً ومعياراً محدداً لا يختل فى التفاضل بين بني البشر، ونظرت بنصوصها القاطعة نظرة إنصاف وإجلال واحترام، نظرة تقدير لهذا الإنسان الذى كرمه ربه، فلا تلتفت الشريعة بموازينها المُحكمة إلى أى أمر يبعد الإنسان عما أراده الله أن يراه عليه، وإذا كانت البشرية قد ورثت إرثاً من العنصرية والعنجهية والكِبر والغرور والتعالي وغير ذلك، فإن الإسلام بشريعته أبطل كل ذلك وجعل التفاضل بين الناس بما قرره رب الناس قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾.

وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أن هناك فرقًا كبير ًا بين أن يجعل الله البشرية شعوباً وقبائل للتعارف، وأن يجعلها للتعالي والترفع والتعصب، فما قَصد رب الناس بذلك إلا التعارف الذى يحقق التعايش السلمى بين أفراد المجتمع. من هنا برز ميزان التفاضل قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، فالإنسان ولَدُ آدم، وآدم خلق من تراب، فأي عنصرية يريد أن ينتسب إليها مادام ابن آدم؟! إذا كان يريد ذلك، فليعلم أنه سائر فى طريق بعيد كل البعد عن منهج الله ورسوله ﷺ وليبحث له عن أسوة أو قدوة ولن يجدها إلا فى إبليس الذى قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾. تعالي إبليس بعنصر النار على عنصر الطين فكان جزاؤه الطرد واللعنة والإبعاد عن رحمة الله.

وأشار د. العواري ، إلى أنه ينبغي على الإنسان أن يختار لنفسه ما يحلو لها، إما أن يكون حبيباً لله، أو يكون تابعاً للشيطان، وقد طبق النبى ﷺ  ذلك تطبيقاً عملياً ولم يترك الأمة حائرة لتتعالى وتتعصب لمناصبها وعرقها، وجنسها ولونها، قال ﷺ (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ)، وجاء في صحيح البخاري "أن رجلين من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَالَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَالَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه ﷺ فَقَالَ: مَابَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ. 

قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ*وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ*يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ*وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾، فهذا هو الإسلام الذى لم يلتفت إلى عرق أو لون أو جنس، إنما التفت إلى مرجع واحد ينطوي تحته الكل وهو (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) فانصهرت في بوتقته سائر الأعراق والأجناس صهيب الرومي، بلال الحبشي، سلمان الفارسي وعلى القرشي، كلهم أخوة فى الله يظلهم قول الله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

ولفت د. العواري، إلى أن الأمة الإسلامية فى حاجة ماسة إلى أن تطبق هذا وأن تعرف أن التفاضل عند الله بالتقوى وليس يغير ذلك. قال ﷺ (يا مَعْشَرَ قريشٍ اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا بني عبدِ مَنَافٍ اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا، يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا). وأن تنتبه لقول المولى عزّ وجلَّ: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾. فلتنتبه قبل فوات الأوان، فما أحوج الأمة الإسلامية إلى أن تطبق مبدأ التفاضل كما أراده الله بميزان التقوى فهذا هو الشرف والتفاضل.

وأوضح أنه حرى بأمة الإسلام أن تنتبه لما يحاك لها من قبل أعداء الإسلام من خلال التعصب باللون أو الجنس أو الطائفية، ليفرقوها ويمزقوا صفوفها، ويشتتوا شملها ووحدتها، وعندها تصبح لقمة سائغة سهلة القضم من قبل الأعداء. قال ﷺ (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت). 

وأشار إلى أن إغفال المبدأ الإلهى الذى جعله الله ميزاناً للتفاضل حمل فئة من البشر على الحقد والكراهية، والضغينة والبغضاء، فاستحلت سفك الدماء وبررت اغتصاب الأرض، فقتلت النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق، هتكت الأعراض، دمرت البيوت، هدمت المساجد والكنائس، خربت المزارع والمصانع والبيوت على من فيها، قتلت الركع السجود، والشيوخ والنساء والأطفال، لأنها عنصرية آمنت بها فزعموا أنهم شعب الله المختار، وقالوا نحن أبناء الله، وقالوا لن تمسنا النار، وقالوا يد الله مغلولة، وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء، ورد الله عزّ وجلَّ عليهم فى كل ذلك. تلك العنصرية التى تأبى على أنفس هؤلاء أن يعيشوا فى سلام مع أمة فتحت ديارها لهم، لكنهم أرادوا أن يكونوا أسياداً وغيرهم عبيداً. فأمة الإسلام أمة كرمها الله وأحبها، ولن تفرط قيد أنملة فى حقوقها وأرضها، ونحن جميعاً فداء لها بأجسادنا وأرواحنا، ولن نسمح لأحفاد القردة والخنازير بتحقيق حلمهم نحو دولتهم المزعومة من النيل إلى الفرات.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: لا أ غ ن ی من الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

الأخوة الإنسانية جزء أساسي من رسالة الإسلام وتعزز التعايش السلمي بين الأديان

نظم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، اليوم الثلاثاء، ندوة بعنوان " احتفالية الأزهر باليوم العالمي للأخوة الإنسانية"، شاركت فيها الدكتورة نهلة الصعيدي، رئيس مركز تعليم الطلاب الوافدين، ومستشار شيخ الأزهر لشئون الوافدين،الأنبا إرميا، ‎الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، وأدار الندوة الدكتور محمد البحراوي  أستاذ الصحافة بإعلام الأزهر.

لوحات وأعمال فنية متميزة لطلاب ومعلمي المعاهد تخطف أنظار رواد جناح الأزهر

قالت الأستاذة الدكتورة نهلة الصعيدي، إن العالم بحاجة إلى تعزيز مفاهيم الأخوة والسلام، وبحاجة إلى فهم الآخر لأن ذلك يساعد في حل المشكلات،  وأكدت على أهمية تطبيق مبادئ الأخوة الإنسانية حيث أنها تعد جزءًا أساسيًا من رسالة الإسلام،  نظرًا لأن الدين الإسلامي حثَّ على تعزيز قيم التعاون والمساواة بين البشر جميعًا، وجاء الخطاب القرآني ليؤكد على أن الناس خلقوا ليتعارفوا ويتعاونوا، لا ليتصارعوا، وأضافت أن الإسلام يعتبر التنوع في البشر مصدرًا للغنى الحضاري، ويعزز من مبدأ السلام والتعايش بين مختلف الأديان والثقافات.

وأشارت الصعيدي إلى أن وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر مع بابا الفاتيكان تعتبر تطبيقًا عمليًا لتعاليم الدين الإسلامي، وتلخيصًا مهمًا لما جاءت به كل الأديان السماوية حيث جاءت كافية وشافية وشاملة لكل الفئات والأطياف والأديان، حيث أكدت على ضرورة التعايش السلمي واحترام الآخر، واهتمت بالمرأة  وأهمية تكريمها، وجعلت العمل الصالح هو أساس التكريم وليس اللون أو النوع، وبيَّنت الصعيدي أن المبادئ  والقيم التي جاءت بها وثيقة الأخوة  الإنسانية دعت إلى نبذ الكراهية والعنف، والعمل من أجل السلام العالمي، كما  شجعت على التفاهم والاحترام والفهم  المتبادل بين جميع الناس بغض النظر عن معتقداتهم أو ثقافاتهم. وعن دور الأزهر ورسالته، أكدت الصعيدي أنها رسالة عالمية منبثقة من رسالة الإسلام وهدي نبيه الذي دعا للسلام والتسامح، حيث عقد الأزهر الشريف  ملتقى الأخوة الإنسانية وملتقى الطلاب الوافدين للتأكيد على أهمية لغة الحوار وتعزيز قيم فهم الآخر، كما عززت مناهج الأزهر من القيم  الإنسانية الراقية، ولقد خلق الله الناس جميعا من نفس واحدة على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم المختلفة، تربطهم صلة واحدة هي صلة الأخوة والإنسانية.

من جانبه  أوضح الأنبا إرميا، ‎الأسقف العام - رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، أن احترام الآخر يعد من أصول الأديان كافة، حيث يُعتبر الإنسان أكرم مخلوقات الله وله مكانة عظيمة في جميع الأديان، مؤكدًا أن وثيقة الأخوة الإنسانية جاءت لتسليط الضوء على حقوق الإنسان وحمايتها، مشيرًا إلى أن دور علماء الدين لا يقتصر على التفسير الديني فقط، بل يشمل التطبيق الفعلي لهذه المبادئ في حياتنا اليومية، كما أشار إلى جهود الأزهر في تأسيس "بيت العائلة المصرية" الذي يعزز التعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر ويعمل على تعزيز روح الأخوة والتسامح بين أفراد المجتمع، مؤكدًا  أن بيت العائلة ليس فقط مؤسسة دينية، بل هو أيضًا منصة للحوار والتفاهم بين مختلف الأديان والثقافات، ويُسهم بشكل كبير في حل القضايا الاجتماعية والدينية بطريقة متوازنة وعادلة، ويمثل نموذجًا حقيقيًا للوحدة الوطنية والحوار بين الأديان.

وأشار الأنبا أرميا إلى أن الأديان السماوية جميعها تدعو إلى التسامح والتعايش المشترك والسلام، موضحًا أن القرآن الكريم جاء بالسلام وخاطب الناس جميعًا باختلاف ثقافاتهم وطالبهم أن يتعارفوا على المودة والمحبة والسلام، مؤكدًا أنه يجب على علماء الدين أن يكونوا قدوة في نشر قيم المحبة والتفاهم بين الناس، كما أنهم على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم يتحملون مسؤولية كبيرة في تعزيز الوحدة بين البشر من خلال الحوار البنَّاء والتعاون في خدمة المجتمع، وأشار إلى أن الأخوة الإنسانية تقتضي احترام التنوع الثقافي والديني، والعمل معًا من أجل نشر السلام وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يجب أن يسعى إليه كل عالم دين مخلص لرسالته، داعيًا الجميع إلى تعزيز الاحترام المتبادل والعمل سويًا من أجل إرساء دعائم السلام حول العالم.

مقالات مشابهة

  • مدير الجامع الأزهر يتفقد اختبارات أروقة الصعيد ويؤكد على أهميتها
  • الجامع الأزهر يعقد الملتقى اليومي للقراءات العشر.. اليوم وغدًا
  • وكيل الأزهر يلتقي رئيس الشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتي لبحث تعزيز التعاون
  • الجامع الأزهر يواصل اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية
  • معدة كتاب «الأطفال يسألون الإمام» لـ"البوابة نيوز": شيخ الأزهر أوضح مفهوم حقوق الإنسان الصحيح فى الإسلام
  • ملتقى الجامع الأزهر: شهر شعبان شهد تحويل القبلة‏ وفيه ترفع الأعمال إلى الله
  • عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى: ترك ما لا يعنيك فضيلة حث عليها الإسلام
  • الأخوة الإنسانية جزء أساسي من رسالة الإسلام وتعزز التعايش السلمي بين الأديان
  • محاضرةحول أسس بناء الأسرة في الإسلام لخريجي الأزهر بالغربية
  • «أسس بناء الأسرة في الإسلام».. ندوة لقافلة خريجي الأزهر بالأقصر