الحرب في غزة تضرب الإقتصاد الإسرائيلي
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
سرايا - ألحقت الحرب على غزة خسائر فادحة بالاقتصاد الإسرائيلي وعطلت سوق العمل بشكل كبير، وكما هو الحال دائما في حالات الطوارئ، فإن فلسطينيي الـ48 يعدون الأكثر تضررا سواء على المستوى الاجتماعي الاقتصادي، وهم الحلقة الأضعف بشأن ارتفاع معدلات البطالة ونسبة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وبعيدا عن حقيقة أن كثيرا من الإسرائيليين ينظرون إلى فلسطينيي الـ48 على أنهم "طابور خامس"، ويخضعونهم دائما لاختبارات "الولاء"، ويتم مضايقتهم والتمييز ضدهم في مختلف مناحي الحياة، فقد تبين أنهم معرضون لأزمة التوظيف، خلال فترة الحرب، كما يظهر من المسح والتحليل الذي أجري من قبل قسم الأبحاث في بنك إسرائيل.
ويظهر الفحص الذي أجراه بنك إسرائيل بشأن وضع سوق العمل، والبطالة، والإجازة غير مدفوعة الأجر -والذي يشمل المتغيبين لأسباب اقتصادية بسبب حرب غزة- زيادة عالية بمعدلات البطالة بأوساط العمال من فلسطينيي الـ48.
كشف استطلاع سلطة التطوير الاقتصادي بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العربي برئاسة الدكتور سامي ميعاري، النقاب عن معطيات مقلقة بشأن تأثير الحرب على معدلات البطالة وسوق العمل في المجتمع العربي.
ولفهم تأثير الحرب على التوترات بين العرب واليهود، وعلى مختلف جوانب العمالة في المجتمع العربي، قال البروفيسور ميعاري المحاضر في جامعة تل أبيب "أجرينا مسحا حول العمالة في ظل الحرب، وتم إجراء الاستطلاع بين السكان العرب البالغين، وفقا لعينة تمثيلية قوامها 525 مستطلعا".
وبحسب الاستطلاع -الذي أشرف عليه الباحث المتخصص بالسياسات الاقتصادية أرنون باراك- فإن نسبة البطالة الموسعة في صفوف القوة العاملة بالمجتمع العربي وصلت إلى نحو 15% مقابل 5% في صفوف القوة العاملة اليهودية في البلاد، في حين أفاد 5.5% من المشاركين بأنهم فصلوا عن العمل خلال الحرب لأسباب اقتصادية.
أظهر استطلاع ارتفاعا حادا في نسبة العاطلين عن العمل في المجتمع العربي في ظل الحرب الدائرة، إذ قال نحو 55.5% من المشاركين في الاستطلاع إنهم لم يعملوا، ولو لساعة واحدة في الأسبوع السابع من الحرب.
وحول أسباب عدم العمل، أفاد نحو 9.5% من المشاركين في الاستطلاع بأن صاحب العمل قد أخرجهم إلى إجازة غير مدفوعة الأجر، في حين أظهرت بيانات الاستطلاع أن نسبة البطالة الإجمالية في المجتمع العربي وصلت إلى 15%.
وبلغت نسبة البطالة العامة في إسرائيل في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نحو 5% في صفوف مجمل القوة العاملة في سوق العمل الإسرائيلي، وذلك بحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.
واتضح من مسح بنك إسرائيل أن أزمة توظيف العمال من فلسطينيي الـ48 بسبب الحرب تفاقمت، بسبب توقيفهم عن العمل في سوق العمل الإسرائيلي، أو منحهم عطلة غير مدفوعة الأجر حتى إشعار آخر أو بسبب عدم استدعائهم للعمل في ظل تراجع النشاط الاقتصادي.
من جهته، يستعرض مراسل صحيفة "ذا ماركر"، الاقتصادية، ناثانيال جومز أسبابا لفقدان العمل مثل "الغياب بسبب الخدمة العسكرية ضمن قوات الاحتياط، وتعليق الدراسة بالمدارس والجامعات، وتجنب الموظف الحضور إلى العمل بسبب حالة الطوارئ".
وبالنسبة لجميع الفئات السكانية، يقول جومز "كانت هناك زيادة كبيرة في معدل البطالة والتغيب عن مكان العمل في أكتوبر/تشرين الأول مقارنة بشهر سبتمبر/كانون الأول الماضيين، ولعل شريحة العمال والمستخدمين الأكثر تضررا (هي تلك) المنحدرة من المجتمع العربي في إسرائيل".
وأضاف جومز أن تأثير الحرب على سوق العمل الإسرائيلي ليس موحدا على صعيد فروع الاقتصاد، فهناك فروع وصناعات أثرت بشكل ملحوظ على التوظيف أكثر من الصناعات الأخرى، مما عرض العاملين فيها لخطر متزايد لانخفاض التوظيف والتشغيل.
البدلات العربية الأكثر تضررا جرا توقف عجلة الاقتصاد والتشغيل بسبب الحرب، في الصورة مدينة باقة الغربية المتاخمة لحدود الرابع من حزيران.
ويتبين من فحص الفرق في نسبة التغيب عن العمل بحسب المجموعات السكانية، بموجب المسح الذي أجراه بنك إسرائيل، أن نسبة التغيب عن العمل في المجتمع العربي أعلى بنحو 4.5 % مقارنة باليهود.
وتزداد الفجوة إلى 8.4%، عندما يتم استثناء حالات الغياب عن العمل، بسبب الخدمة العسكرية ضمن قوات الاحتياط، وهي بالطبع أكثر شيوعا في المجتمع اليهودي، فيما كانت زيادة بنسبة التغيب عن العمل في المجتمع العربي بين الجنسين أعلى من نظرائهم في المجتمع اليهودي.
بالإضافة إلى فحص التغيير الفعلي في الاهتمام بالعمل والذهاب إلى أماكن العمل في الأسابيع الأولى للحرب خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشير المسح أيضا إلى الفرق في تعرض الصناعات والعمال الحرفيين إلى مخاطر فقدان العمل بين المجتمع العربي والسكان اليهود.
ويميز بنك إسرائيل بين عاملين رئيسيين أديا إلى الإضرار بالنشاط الاقتصادي والعمال بمختلف الفروع:
الأول هو انخفاض الطلب على المنتجات غير الأساسية، وخاصة في الصناعات الترفيهية
الثاني هو انخفاض نشاط بالفروع الاقتصادية بسبب قلة العمال.
ومن الأمثلة الصارخة على العامل الثاني -بحسب بنك إسرائيل- النقص الشديد وقلة العاملين في فرع البناء والتشييد، وذلك بسبب منع دخول العمال الفلسطينيين، ومغادرة آلاف العمال الأجانب البلاد نتيجة الحرب.
وقد أدى هذا النقص في العمال إلى إغلاق جزئي لمواقع البناء، وانخفاض إجمالي في الإنتاجية بهذا الفرع، الأمر الذي يشكل عامل خطر بالنسبة لتوظيف العمال الذين يمكنهم العودة إلى وظائفهم، خاصة العمال العرب الأكثر تضررا، فهم معرضون لخطر فقدان وظائفهم.
وإلى جانب العاملين الرئيسيين السابقين، هناك عامل خطر آخر يؤثر على التوظيف، ويتعلق بتخوف العمال العرب من الوصول إلى أماكن العمل بالبلدات الإسرائيلية، وتفضيل أصحاب العمل لليهود في مقابل عدم إعادة العمال العرب إلى عملهم، بسبب توتر العلاقات بين العرب واليهود.
ويظهر التحليل أن خطر انخفاض التوظيف في المجتمع العربي أعلى بكثير منه في المجتمع اليهودي، إذ يعمل نحو 33% من العاملين في المجتمع العربي في فروع ومهن معرضة لمخاطر عالية، مقارنة بـ14% بين السكان اليهود.
التقديرات والتوقعات التي أوردها بنك إسرائيل في المسح الذي أجراه، انعكست في "تقرير الفقر وانعدام المساواة" في إسرائيل عن عام 2022، الذي صدر عن مؤسسة التأمين الوطني، الخميس الماضي.
التقرير أظهر أن 1.98 مليون شخصا عاشوا تحت خط الفقر، ويشكلون نحو 20% من السكان، علما أن نحو 50% منهم يعملون بالفعل.
ويستدل من التقرير الذي أوردته صحيفة هآرتس أن 30.9% من السكان في إسرائيل والبالغين (18 عاما فما فوق) عاشوا -خلال العام 2022- في ظل انعدام الأمن الغذائي لأسباب اقتصادية، في حين ترتفع النسبة في المجتمع العربي -الذي يبلغ تعداد سكانه نحو مليونين- لتصل إلى 62.7%.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الأکثر تضررا بنک إسرائیل عن العمل فی فی إسرائیل سوق العمل الحرب على
إقرأ أيضاً:
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
بقلم: إبراهيم سليمان
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
عند الحديث عن خسارة أمرٍ ما، لابد من توضيح الحساب بكافة المعطيات، ورصد الناتج والمحصلة النهائية التي لا تقبل الجدل، ورغم ذلك هنالك تقديرات، يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، ولا يحمد السوق إلا من ربح. وقديما قيل، "الجمرة بتحّرق واطيها" وقيل أيضا "من يده في الماء ليس كمن يده في النار"
يبدو أن حكومة بورتسودان، بقيادة الجنرال البرهان، تشمر، للتعري من ثيابها، وتستعد للخروج عن طورها، من خلال اتخاذها عدة إجراءات تعسفية، تنم عن اليأس وعدم المسؤولية الوطنية، منذ اندلاع الحرب الحالية، قطعت خدمات الاتصالات عن أقاليم غرب السودان، وحرمت مواطنين على الهوية من الأوراق الثبوتية، حظرت عليهم خدمات السجل المدني، وأخيراً عمدت الإتلاف الإجمالي للعملة والوطنية في حوالي أكثر من ثلثي أقاليم البلاد، من خلال تغيرها في مناطق سيطرة الجيش على ضآلتها، حرمان الآخرين منها، وأخراً الإصرار على إجراء امتحانات الشهادة السودانية لحوالي مائتي ألف طالب طالبة، وحرمان حوالي أربعمائة آخرين في بقية أرجاء البلاد!
بهذه الخطوات المتهورة، وغير المسؤولة، لم تترك حكومة بورتسودان، للمستهدفين من أبناء الشعب السوداني، الذين يمثلون الغالبية العظمي، سوى المضي قدماً ودون التردد أو الالتفات إلى الوراء، في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش، والمحررة من عنف وظلم دولةـــ 56 لتضلع بمهام توفير الخدمات الضرورية لحياتهم اليومية والملحة لأن يعيشوا بكرامة وعدالة. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للذين يستحقونها، بدلاً من المتاجرة فيها من قبل تجار الحرب في بورتسودان.
لماذا يدفع أبناء الولايات، التي يستهدفها الطيران الحرب لحكومة بورتسوان، وتحرمها من حقوقها الإنسانية والدستورية، تكاليف بقاء السودان موحداً؟ طالما أن هذه الحكومة غير الشرعية تدفع بعنف وإصرار لتمزيق وحدة البلاد!، وما هي قيمة الوحدة الوطنية، التي تزهق أرواح عشرات الملايين من مكونات بعينها؟ وطالما أن هنالك خمس ولايات فقط، بإدارة مواطنيها أو بغيرها، غير مباليين، بهموم وآهات بقية الإقليم، فلينفصلوا هم إن أرادوا ويتركوا الآخرين وشأنهم.
وليس هناك ما هو أغلى من أرواح الأبرياء، والحفاظ عليها، وحقن دماء أبناء الشعب السوداني مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها والوحدة الوطنية القسرية. لذا نرى أن تشكيل حكومة مدنية في المناطق المحررة والتي هي الآن خارج سيطرة الجيش، وهي المناطق التي لا تعني شيئا لحكومة بورتسودان الانقلابية، ضرورة حياتية، ويعتبر التقاعس عنه، أو التردد فيه حماقة، وخذلان في حق عشرات الملايين المستهدفين، من قبل الحكومة العنصرية في بورتسودان، وجيشها القاتل.
المنوط بالحكومة المدنية المرتقبة، توفير خدمات التربية والتعليم، وخدمات السجل المدني والأوراق الثبوتية، وفتح معابر تجارية لتصدير المنتجات واسترداد كافة الضروريات المنقذة للحياة، وطباعة عملة وطنية مبرأة للذمة، استباقاً للكارثة الاقتصادية التي تلح في الأفق، ونزع الشرعية من حكومة بورتسودان التي تصر على استمرار الحرب، وترفض كافة النداءات الوطنية الدولية للجلوس للتفاوض بشأن وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتقول أنها مسعدة لمواصلة الحرب مائة عام!
وطالما أن هنالك صراع بين قوتين عسكريتين، فليكن هنالك تنازع بين حكوميتين، لتتعادل الكفتتين، وربما يسرع ذلك إيجاد حلول للحكومتين، لكن لا ينبغي أن تتوقف حياة أغلبية الشعب السوداني، من أجل خاطر الحفاظ على وحدة البلاد، التي لم يحرص عليها دعاة الحرب.
ولا نظن أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة في الخرطوم، ستضر بوحدة البلاد، أكثر حرب كسر العظام الدائرة حالياً، وتأجيج نيران خطاب الكراهية الممنهجة، من دعاة دويلة النهر والبحر، الذين يعادون كافة مكونات البلاد، يرفضون المساواة بين مكوناتها!
ليس هناك ما يمكن خسارته، من تشكيل حكومة موازية مرتقبة بالخرطوم، حتى إن لم يعترف بها أحد، يكفي أن المأمول منها، فك ارتهان مصير غالبة مكونات الشعب السوداني، لمزاج ورعونة حكومة بورتسودان غير المسؤولة. ومما لا شك فيها أن الأوضاع الإنسانية في ليبيا واليمن، وحتى جمهورية أرض الصومال، أفضل ألف مرة منها في معظم أرجاء البلاد. تمزيق وحدة السودان المسؤول عنه حكومة بورتسودان بإجراءاتها التعسفية وقائد الجيش، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد، استهداف حواضن قوات الدعم السريع، ويظل يمطرهم بالبراميل المتفجرية بشكل يومي.
وفي الحقيقة، فإن حكومة بورتسودان المعزولة دولياً، قد مزّقت وحدة البلاد فعلياً، بالتصعيد المنتظم من قبلها بشأن اتخاذ إجراءات مست جوهر قومية الدولة السودانية، وأن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة ما هو إلا تحصيل حاصل.
والغريق لا يخشى البلل.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 181//