كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: يجوز للمسلم الأكل من ذبيحة أهل الكتاب ولو لَم يسموا عليها؛ وعليه أن يسمي قبل الأكل منها؛ فقد سُئِلَ عن ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «سَمُّوا الله أنتُمْ وكُلُوا».

وأضاف في لقائه الأسبوعي في برنامج "للفتوى حكاية" مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس خلال استكمال الحديث عن الفتوى الترانسفالية للإمام محمد عبده، أن مجيء الآية الكريمة: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5] بعد آية تحريم الميتة وما أُهِلَّ لغير الله به، بمنزلة دفع ما يتوهم من تحريم طعام أهل وقد أطلق القرآن الكريم حِلَّ ذبائح أهل الكتاب لَنَا دُونَ قَيْدٍ؛ فقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: 5].

فالأصلُ حِلُّ ذبائح أهل الكتاب طالما اعتقدوا أنها حِل لهم.

وعن خشية وتشكك البعض في المعلومات المقدمة عن الذبح عندما يكون في دولة غير مسلمة، أكد أنه نَهَى اللهُ تعالى المؤمنين عن التنقيب والتفتيش المُتَكَلَّف.

وأضاف أن هذا فيما يتعلق بالحلال والحرام، أما عن الوَرَعِ فهو واسع، فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أنَّ حَدَّ الوَرَعِ أَوْسَعُ مِن حَدِّ الحكم الفقهي؛ وذلك لأن المسلم قد يَترُكُ كثيرًا مِن المباح تَوَرُّعًا، ولكن هذا لا يعني أنْ يُلزِم غيرَه بذلك على سبيل الوجوب الشرعي فيدخل في باب تحريم الحلال، ولا أن يعامل الظني المختلف فيه معاملة القطعي المجمَع عليه فيدخل في الابتداع بتضييق ما وسَّعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل عليه أنْ يَلْتَزِمَ بِأَدَبِ الخِلَافِ؛ كَمَا هو مَنهَجُ السَّلَفِ الصالح في المسائل الخلافية الاجتهادية.

واستشهد بما قاله الإمام محمد عبده في هذا السياق عند رده على أحد أسئلة الفتوى الترانسفالية نسبة لبلدة ترانسفال بلد السائل قائلًا: " وأما الذبائح، فالذي أراه أن يأخذ المسلمون في تلك الأطراف بنص كتاب الله تعالى في قوله: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5]، وأن يعولوا على ما قاله الإمام الجليل أبو بكر بن العربي المالكي من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب قسيسيهم وعامتهم، ويُعدُّ طعامًا لهم كافة، فمتى كانت العادة عندهم إزهاق روح الحيوان وكان يأكل منه بعد الذبح رؤساءُ دينهم: ساغ للمسلم أكله؛ لأنه يقال له: طعام أهل الكتاب. ولقد كان النصارى في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- على مثل حالهم اليوم".

وأشاد بحصافة وإدراك الإمام محمد عبده للواقع وحثه المسلمين على مد جسور التعاون والعمل على تكامل البناء مع غيرهم وفق سمات الإحسان ومقتضيات الرفق والرعاية ومظاهر العناية، من أجل استقرار المجتمعات الإنسانية وتنظيمها على أسسٍ مستقرةٍ سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، حيث إن هذه المعاني الراقية يجمعها مفهوم "التعايش" المنضبط بأبعاده العميقة ومضامينه الدقيقة.

وأكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة احترموا هذا التعايش والتنوع، ونظروا إليه نظرة تقدير واحترام، وكذلك العلماء والفقهاء فوضعوا قواعد وضوابط كثيرة، منها قاعدة "لا يُنكر المختلف فيه وإنما يُنكر المتفق عليه"، فلا يصح بأي حال من الأحوال أن أعتبر صحة رأيي فقط وخطأ رأي غيري، فكل المجتهدين يجتهدون من أجل الوصول إلى مراد الله عز وجل، وكلٌّ له مقدماته وأدلته وبراهينه بما يغلب على الظن.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: أسعار الذهب كأس العالم للأندية الطقس مخالفات البناء سعر الدولار انقطاع الكهرباء طوفان الأقصى الحرب في السودان فانتازي سعر الفائدة رمضان 2024 مسلسلات رمضان 2024 الدكتور شوقي علام طوفان الأقصى المزيد أهل الکتاب

إقرأ أيضاً:

ما المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج؟ الإفتاء توضح

ما المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج؟، سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية خلال بيانها المعنى الصحيح لقرب النبي عليه الصلاة والسلام من الله تعالى في رحلة المعراج.

المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج

وقالت إن دُنُوُّ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلَّم من ربه سبحانه وتعالى في رحلة المِعراج واختراقه الحجب وبلوغه أعلى المنازل والدرجات، إنَّما هو دنُوُّ تشريف وكرامة، وليس انتقالًا أو قطع مسافة؛ قال الإمام القُشيري في "لطائف الإشارات" (3/ 481، ط. الهيئة العامة): [«فَتَدَلَّى»: تفيد الزيادة في القرب، وأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي دنا من ربّه دنوّ كرامة، وأنّ التدلِّيَ هنا معناها السجود] اهـ.

الرد على من زعم إثبات الجهة لله تعالى مستدلا برحلة المعراج
قد صنَّف العلماء قديمًا وحديثًا في نفي الجهة عن الله سبحانه تعالى، وخصصوا الأبواب والفصول في الرد على من يدَّعي ذلك من الجهمية المُجسمة والمشبهة ومن على شاكلتهم ممن يتعلَّقون بالظواهر التي دلت الأدلة القطعية على أنها غير مرادة على جهة الحقيقة؛ فخصص الإمام البخاري بابًا في "صحيحه" للرد على الجهمية المجسِّمة المتعلقين بظاهر الآيات والأحاديث، فقال: (باب قول الله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ [المعارج: 4]، وقوله جل ذكره: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وقال أبو جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: بلغ أبا ذر رضي الله عنه مبعثُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لأخيه: "اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء"، وقال مجاهد: "العمل الصالح يرفع الكلم الطيب" يقال: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج: 3]: «الملائكة تعرج إلى الله»).

قال العلّامة ابن بطَّال في "شرح صحيح البخاري" (10 /453، ط. مكتبة الرشد): [غرضُه في هذا الباب: رد شبهة الجهمية المجسمة في تعلقها بظاهر قوله تعالى: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 3-4]، وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وما تضمنته أحاديث الباب من هذا المعنى، وقد تقدم الكلام في الرد عليهم؛ وهو: أنَّ الدلائل الواضحة قد قامت على أن الباري تعالى ليس بجسمٍ، ولا محتاجًا إلى مكان يحلُّه ويستقر فيه؛ لأنه تعالى قد كان ولا مكان، وهو على ما كان ثم خلق المكان، فمحال كونه غنيًّا عن المكان قبل خلقه إياه، ثم يحتاج إليه بعد خلقه له، هذا مستحيل، فلا حجة لهم في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾؛ لأنه إنما أضاف المعارج إليه إضافة فعل، وقد كان لا فعل له موجود، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ هو بمعنى: العلو والرفعة. وكذلك لا شبهة لهم في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾؛ لأنَّ صعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضي كونه في جهة العلو؛ لأنَّ الباري تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرفُ هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة، فوجب أن يكون تأويلَ قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ رفعتُه واعتلاؤه على خليقته وتنزيهُه عن الكون في جهة؛ لأنَّ في ذلك ما يوجب كونه جسمًا تعالى الله عن ذلك، وأما وصف الكلام بالصعود إليه فمجاز أيضًا واتساع؛ لأن الكلم عَرَضٌ، والعرض لا يصح أن يَفْعَل؛ لأن من شرط الفاعل كونَه حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا، فوجب صرفُ الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به] اهـ.

وقال العلَّامة ابن المُنيِّر في "المتواري على تراجم أبواب البخاري" (ص: 424، ط. مكتبة المعلا): [وفهم من قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أنَّ العلو الفوقي مضاف إلى الحق على ظاهره، فبيَّن البخاري أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء، والحيز الذي يصدق عليه أنه عرش، كلُّ ذلك مخلوقٌ مربوبٌ محدَث، وقد كان الله ولا مكان ضرورة، وحدثت هذه الأمكنة، وحدوثُها وقِدَمُه جلَّ جلاله يحيل وصفه بالتحيز فيها؛ لأنَّه لو تحيز لاستحال وجوده قبل الحيز، مثل كل متحيز، تعالى الله عن ذلك] اهـ.

وألف الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن جَهْبَل الشافعي رسالة في "نفي الجهة"، قال فيها -فيما نقله عنه الإمام تاج الدين السبكي الشافعي في "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 46-47، ط. هجر)-: [والعروج والصعود شيءٌ واحدٌ، ولا دلالة في الآية على أنَّ العروجَ إلى سماءٍ ولا عرشٍ ولا شيءٍ من الأشياء التي ادَّعاها -يعني: ابن تيمية- بوجه من الوجوه؛ لأنَّ حقيقة العروج المستعملة في لغة العرب في الانتقال في حقِّ الأجسام؛ إذ لا تعرف العرب إلَّا ذلك] اهـ.

وهذا ما تضافر عليه المفسرون عند تعرضهم لبيان النصوص التي يوهم ظاهرها إثبات الجهة؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن"(1/ 430، ط. مؤسسة الرسالة)، في تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 29]: [علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقالٍ وزَوال] اهـ.

وقال الإمام فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 639): [المسألة الثانية: احتج القائلون بأن الله في مكان، إما في العرش أو فوقه بهذه الآية: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ من وجهين: الأول: أن الآية دلت على أن الله تعالى موصوف بأنه ذو المعارج، وهو إنما يكون كذلك لو كان في جهة فوق. والثاني: قوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾، فبين أنَّ عروج الملائكة وصعودهم إليه، وذلك يقتضي كونه تعالى في جهة فوق. والجواب: لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة: ثبت أنه لا بُدَّ من التأويل. فأما وصف الله بأنه ذو المعارج: فقد ذكرنا الوجوه فيه. وأما حرف (إلى) في قوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾: فليس المراد منه المكان؛ بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله: ﴿وَإِلَيِهِ يُرْجَعُ الَأمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود: 123] المراد الانتهاء إلى موضع العز والكرامة كقوله: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: 99] ويكون هذا إشارة إلى أن دار الثواب أعلى الأمكنة وأرفعها] اهـ.

مقالات مشابهة

  • ما المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج؟ الإفتاء توضح
  • ما الفرق بين المعجزة والكرامة؟ الإفتاء تجيب
  • مطروح تحتفل بذكرى الإسراء والمعراج
  • أدب الاختلاف / د. زهير طاهات
  • آخر آية نزلت في القرآن الكريم
  • هل يجوز ترك العمل من أجل الصلاة .. المفتي يوضح | فيديو
  • سنن نبوية في الجمعة الأخيرة من رجب.. اغتنمها
  • معنى الصعود في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾
  • طفل يسأل: هل ستعود فلسطين لأهلها؟ شيخ الأزهر: قطعًا ستعود تنفيذًا للوعد الإلهي والنبوي
  • أمين الفتوى: نشر أسرار البيوت على مواقع التواصل حرام شرعا