الإمارات توظف الذكاء الاصطناعي لمواجهة الأزمات
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
أطلقت دولة الإمارات منذ العام 2017، استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، لتحقيق أهداف “مئوية 2071 ” وتنفيذ البرامج والمشروعات التنموية المستقبلية والاعتماد على تحليل البيانات بنسبة 100% العام 2031، لاسيما في توقع وإدارة وتقليل مضاعفات الأزمات الصحية والمناخية والمجتمعية وغيرها، فيما تعد هذه الاستراتيجية الأولى من نوعها إقليمياً وعالمياً.
وتستهدف دولة الإمارات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بالأداء وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة في جميع القطاعات في الدولة، ومنها: تقليل الحوادث والتكاليف التشغيلية.
وأكد مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” في أبوظبي في دراسة حديثة له ، أن أحد الأسباب التي دفعت إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات هو توقع وإدارة الأزمات وتقليل أضرارها حيث لم تعد الطرق التقليدية مجدية، نفعاً مع فداحة الخسائر المادية والبشرية الناجمة عنها.
طرق متطورة
وقال المركز إن أهمية البحث عن طرق متطورة وأساليب عملية وسريعة لمجابهة الأزمات والكوارث الطبيعية وغيرها قد تزايدت بقوة خلال السنوات الماضية وأُثيرت تساؤلات عن الأدوار التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعبها في مواجهة تلك الأزمات، ومدى إمكانية توظيفه إمداد صُنَّاع القرار بالأدوات والمعلومات المناسبة للحد من مخاطرها.
حدود الأدوار
وأوضح “إنترريجونال” أن استخدامات الذكاء الاصطناعي في الأزمات تتعدد في دعم عملية صناعة القرار استناداً إلى المعلومات وتطبيق مجموعة من الخوارزميات التي تقلل من الأخطاء، وتزيد من فرصة الوصول إلى القرار المناسب بدقة متناهية.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل أحجاماً هائلةً من المعلومات بدقة متناهية؛ ما يعني تمكين صانع القرار من التعرُّف على الأفكار والتوجهات الشعبية وتحليلها وتوقُّع مساراتها، كما يسهم في توقع بعض الأزمات المحتملة وإمكانية بناء أنظمة إنذار مبكر استباقية ما يُمكِّن من بناء خريطة للمخاطر المحتملة.
وأوضح المركز أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لديها قدرات ضخمة على جمع البيانات ومعالجتها في الوقت الفعلي تمكن فرق العمل من التصدي للأزمة ؛ ما يخفف المخاطر ويسرع في اتخاذ تدابير عاجلة.
و تستطيع نماذج المحاكاة القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي توليد عدد كبير من البيانات وتنفيذ عدد هائل من الأوامر وتحليلها في وقت قياسي، مقارنةً بالتحليلات والاستشارات التقليدية ما يسرع باتخاذ قرارات مستنيرة لصانع القرار ما يرفع من كفاءةً الاستجابة للأزمات حال حدوثها.
التحديات
وأشارت دراسة “إنترريجونال” إلى أن تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات يفرض تحديات عدة من أبرزها : التعامل مع خصوصية وحساسية بعض المعلومات
وعدم القدرة على اتخاذ القرارات باستخدام العاطفة المطلوبة في بعض الحالات بالإضافة إلى توافر حجم وجودة بيانات خالية من التحيز ما يؤدي إلى عيوب و ضبابية وغياب الدقة. في المخرجات النهائية.
وقال “إنترريجونال” : يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأزمات تدريباً وإعادةَ تأهيلِ مختلف أصحاب المصلحة والمؤسسات المعنية بصنع القرار فضلاً عن توفير البيانات الشفافة والصحيحة لضمان اتخاذ القرار المناسب والتنبؤ بالسيناريوهات المحتملة وما يتطلب مدخلات عالية الجودة.
وأضاف المركز أن تحدي استهلاك الطاقة من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي القائمة على مراكز البيانات وأجهزة الاستشعار والروبوتات وإنترنت الأشياء والاتصالات وغيرها تعد من أهم التحديات ما يتطلب اللجوء لاستخدام الطاقة المستدامة لتقليل التأثيرات البيئية الضارة.
وأكد مركز “إنترريجونال” أنه يجب توفير البنية المناسبة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في خلق منصات استباقية للتنبؤ بالأزمات وفهم المخاطر المحتملة لها على نحو أفضل، والتخطيط المسبق للتخفيف من أضرارها المحتملة، وتحديد أفضل طرق الاستجابة في أقل وقت.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي.. أمل اللغات المهددة
بعد عقود من التراجع، تجد لغة الأينو اليابانية القديمة، التي كانت يومًا صوتًا نابضًا لسكان شمال البلاد الأصليين، فرصة جديدة للحياة، لكن هذه المرة عبر الخوارزميات. مشروع بحثي جديد بقيادة جامعة كيوتو يوظّف الذكاء الاصطناعي لتحليل وترميز مئات الساعات من التسجيلات الصوتية النادرة، في محاولة لإعادة بناء هذه اللغة الموشكة على الاندثار.
من الشريط إلى الشيفرة
في غرفة ضيقة داخل أحد المعامل الجامعية، يدير البروفيسور تاتسويا كاواهارا فريقًا من الباحثين وهم يستمعون إلى مقاطع صوتية مهترئة سُجلت قبل عقود على أشرطة كاسيت. تدور البكرات، ويتكرر الطنين، ثم يصدح صوت امرأة مسنة تروي حكاية من التراث الشفهي لشعب الأينو. هذه التسجيلات، التي كانت في طي النسيان، أصبحت اليوم المادة الخام لبناء نظام ذكاء اصطناعي يتعلم كيف «يفهم» لغة الأينو، وينطقها.
يقول كاواهارا: «الكثير من المواد الصوتية تعاني من رداءة واضحة، فهي مسجلة بأجهزة تناظرية قديمة وفي بيئات منزلية مليئة بالتشويش، رغم ذلك استطعنا بفضل أدوات المعالجة الحديثة رقمنة حوالي 400 ساعة من المحتوى وتحويلها إلى بيانات قابلة للتعلم»
بناء نظام لا يعرف اللغة
بخلاف أنظمة التعلم الآلي التقليدية التي تعتمد على قواعد لغوية وهيكل نحوي موثق، يواجه مشروع إحياء لغة الأينو تحديًا فريدًا يتمثل في ندرة البيانات اللغوية وتضاؤل عدد المتحدثين الأصليين.
وبسبب غياب مصادر كافية، اعتمد فريق جامعة كيوتو على نموذج «نهاية إلى نهاية» (end-to-end) يتيح للذكاء الاصطناعي تعلم اللغة مباشرة من التسجيلات الصوتية، دون الحاجة إلى معرفة مسبقة بالبنية اللغوية.
بدأ المشروع بتحليل نحو 40 ساعة من قصص «أويبيكير» النثرية، رواها ثمانية متحدثين وتم الحصول عليها من متحف الأينو الوطني ومؤسسات ثقافية في نيبوتاني. وبحسب كاواهارا، فإن الأرشيف الكامل يضم نحو 700 ساعة من المحتوى الصوتي، معظمها مخزنة على أشرطة كاسيت قديمة.
من التسجيل إلى التحدث
لم يقتصر مشروع جامعة كيوتو على التعرف الآلي على لغة الأينو، بل امتد إلى تطوير نظام لتوليد الكلام، في محاولة لإعادة إحياء النطق الشفهي للغة المهددة بالاندثار.
وباستخدام تسجيلات لأشخاص ناطقين بالأينو قرؤوا نصوصًا بلغتهم لأكثر من عشر ساعات، درّب الباحثون نموذجًا صوتيًا قادرًا على تحويل النصوص إلى كلام منطوق. والنتيجة، بحسب الفريق، كانت صوتًا اصطناعيًا يحاكي نبرة وإيقاع امرأة أينو مسنّة، يروي قصصًا شعبية بإلقاء طبيعي نسبيًا، وإن بدا أسرع من المعتاد.
أكد البروفيسور كاواهارا إن الأطفال أصبحوا قادرين على الاستماع إلى القصص التقليدية بلغة الأينو عبر مساعدين افتراضيين، مضيفًا أن الفريق يسعى لتوسيع نطاق المبادرة لتشمل لهجات مختلفة ومحتوى حديث يعبّر عن الجيل الشاب.
الدقة تحت الاختبار
على الرغم من التقدم التقني، تظل التساؤلات قائمة بشأن دقة أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في إحياء لغة الأينو. ويقول الفريق البحثي إن نظام التعرف على الكلام يحقق دقة تصل إلى 85% في التعرف على الكلمات، وأكثر من 95% في تمييز وحدات الصوت «الفونيمات»، إلا أن هذه النسب تنخفض عند التعامل مع لهجات محلية أو متحدثين غير مدرّبين.
مايا سيكينه، شابة من أصول أينو تدير قناة على يوتيوب لتعليم اللغة، تنظر إلى المشروع بعين متحفّظة. وتقول: «التقنية مثيرة للإعجاب، لكن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه التقاط التفاصيل الدقيقة في نطق الأينو. هناك أخطاء قد تصبح شائعة إذا لم تُراجع بدقة».
وتشير سيكينه إلى أن بعض أفراد المجتمع أعربوا عن قلقهم من المشروع، في ظل تاريخ طويل من الإهمال والتعامل غير المناسب مع الثقافة.
وتقول سيكينه: «هناك خشية من إساءة استخدام اللغة مجددًا».
وأضافت: «لكن مشاركة مراجعين من الأينو داخل المشروع ساعد على تخفيف هذا القلق جزئيًا».
السياق أهم من النطق
وفي السياق ذاته، تقول سارة هوكر، مديرة مؤسسة «Cohere for AI»: «القلق لا يتوقف عند النطق. إن الخطر الحقيقي في تقنيات اللغة النادرة هو فقدان السياق».
وأضافت هوكر: «اللغة ليست فقط أصواتًا أو نصوصًا، بل بيئة وثقافة. عندما يختفي المتحدثون، تفقد اللغة معناها الحقيقي حتى لو تم توليدها تقنيًا».
ويتفق معها فرانسيس تايرز، مستشار علم اللغة الحاسوبي في مشروع «Common Voice» التابع لمؤسسة موزيلا، مشيرًا إلى أن المستقبل الحقيقي لتقنية اللغة يكمن في أن يقودها المجتمع نفسه. في مناطق مثل إسبانيا، طوّر متحدثو الباسك والكاتالان أدوات الترجمة الخاصة بهم بأنفسهم.
الملكية والشفافية
لا تزال مسألة ملكية البيانات الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في إحياء لغة الأينو مثار جدل. ويؤكد البروفيسور تاتسويا كاواهارا أن التسجيلات الصوتية الأصلية تعود ملكيتها إلى المتحف الوطني للأينو، وقد جُمعت بموافقة عائلات المتحدثين، في حين تحتفظ جامعة كيوتو بحقوق النظام التقني المطوّر.
وقال كاواهارا: «النظام ببساطة لا يعمل بدون البيانات، وفي نهاية المطاف، لا يمكن إحياء لغة بصورة حقيقية من دون المتحدثين الأصليين»
ويرى الباحث ديفيد أديلاني، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة ماكغيل الكندية، أن بناء الثقة مع المجتمعات المحلية يجب أن يكون أساس أي مبادرة لغوية.
وقال أديلاني: «غالبًا ما يشعر الناس أن بياناتهم تُؤخذ ثم تُستخدم لتحقيق أرباح، دون إشراكهم الحقيقي في العملية. السبيل الأمثل هو تدريبهم ليكونوا في موقع القيادة بأنفسهم».
في نهاية المطاف، يثبت مشروع جامعة كيوتو أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة فعالة في حماية اللغات المهددة، شرط أن يُستخدم بحذر، وأن يرافقه تمكين حقيقي للمجتمعات الناطقة. هكذا تتحول الأصوات القديمة إلى مستقبل حي، يحافظ على الذاكرة الثقافية ويعزز التنوع اللغوي في عالم سريع التغير.