د. مصطفى يوسف اللداوي لا أقصد في مقالي هذا استفزاز أحد، أو الإساءة إلى أي فريق، أو التشهير بأي جهةٍ وادانتها واتهامها، أو لومها وتحميلها المسؤولية، ولست منحازاً إلى طرفٍ ضد آخر، فمقالي كما سيظهر أدناه سيكون عميقاً في محتواه ومحذراً في مضمونه، ومختلفاً عن ظاهر العنوان، فلا يحكم القارئ عليه من عنوانه، ولا يتبادر إلى ذهنه أنني أنتقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو أسيء إليه، فيطوي الصفحة ويصب جام غضبه علي، ظاناً أنني أقصد بما كتبت شخص الرئيس أو قيادة السلطة الفلسطينية بعينها وأشخاصها، والحقيقة أنني أردت أن أثبت هنا بعض الحقائق التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا.

أولاها أن العدو الإسرائيلي لم يعد يريد السلطة الفلسطينية، ولا يرغب في بقاء هيكليتها الحالية، ولن يكون مهتماً بأزمتها المالية الذي هو سبب مباشر فيها، على الرغم من ادعائه أنه يريد المساهمة في حلها، ودفع المجتمع الدولي لتمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة عليها وتجاوزها، ورغم التنسيق الأمني الفاعل بينهما إلا أنه لا يتمنى بقاءها، ويعمل على زوالها، ويبذل أقصى ما يستطيع من جهوده الخبيثة لإحراجها، وإظهارها بمظهر العاجز الضعيف، والخائن العميل، والتابع الأجير، التي تعمل لصالحه ومن أجله، وبأوامر منه وتعليماتٍ من أجهزته الأمنية والسياسية. والثانية أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، المعروفة بأنها الأكثر تشدداً ويمينيةً في تاريخ الكيان الصهيوني، لا تخفي رغبتها في التخلص من السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي ومنظومتها السياسية والتنظيمية القائمة، فهم لا يريدون أن يكون للفلسطينيين رئيسٌ يسافر إلى كل عواصم العالم، وتفتح أمامه أبوابها، وترفع في سمائها الأعلام الفلسطينية، أو تعزف الفرق الموسيقية الرسمية السلام الوطني الفلسطيني، ويلتقي خلالها رئيسها ومساعدوه مع كبار المسؤولين الدوليين، الذين يصغون لهم ويسمعون منهم، ويقدمون لهم العون ويساعدونهم، فهذا أمرٌ يغيظهم ومظهرٌ يزعجهم، ويستفزهم كثيراً ولا يعجبهم، ويتمنون زواله وعدم تكراره، ولعلهم يمارسون في الخفاء أدواراً تدعو المجتمع الدولي لإهمال “القيادة الفلسطينية” وعدم الاعتراف بها أو التعامل معها. والثالثة أن بعض أقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف في الحكومة والكنيست، يرون أنه قد آن الأوان للانتقال إلى المرحلة الأخرى في الاستراتيجية الصهيونية، التي تقوم على قاعدة “أرض أكثر وشعب أقل”، وتحقيق السيطرة الأمنية والعسكرية والسيادة الإسرائيلية الكاملة على الأرض، وتترك إدارة “السكان” الفلسطينيين إلى إدارة مدنية فلسطينية، تفرض فرضاً أو تتقدم طوعاً، تعمل بالوكالة وتعنى بالشؤون الحياتية واليومية للفلسطينيين، ولا يكون لديها طموح السلطة ولا أمل الدولة، ولا تطالب ببسط السيادة ولا تحلم بالاستقلال، ولا يكون لها سفاراتٌ معترفٌ بها ولا مكاتب تتحدث باسمها، وتتوقف عن تقديم الشكاوى أمام المحافل الدولية، وتكف عن دعاوى محاكمة إسرائيل وقادتها، وتسحب طلبات عضويتها في المؤسسات الدولية والهيئات الأممية. أما الحقيقة الرابعة المؤكدة فهي أنه ليس من صالح العدو الإسرائيلي أن تكون للشعب الفلسطيني قيادة موحدة تجمع أشتاته وتوحد أطرافه، وتتمثل فيها كل القوى الفلسطينية وجميع المنظمات والهيئات الوطنية، وتتحدث باسمه وتعبر عنه، وتمثله في المحافل السياسية وعلى الأرض وفي الميدان، وتكون محل إجماع الشعب الفلسطيني وموضع ثقته وتقديره واحترامه، ولهذا فهو يعرقل الوحدة الفلسطينية، ويعمق الخلافات التنظيمية، ويفيده الانقسام الداخلي وينفعه، ويحقق أهدافه الخبيثة ويخدمه، ويحاول بسياسته الأمنية وحملاته العسكرية عزل المناطق واستهدافها، والاستفراد ببعض القوى وضربها، وتحييد أخرى على أمل استهدافها في مراحل أخرى. والحقيقة الخامسة أن العدو الإسرائيلي بات يعتقد أنه بانفتاحه على أغلب الدول العربية، التي قبلت به واعترفت، ورحبت به وطبعت معه، وأنهت حالة الحرب معه وسالمت، لم يعد مضطراً لاسترضاء الفلسطينيين والتنازل لهم والقبول بحلولٍ ترضيهم، ويعتقد بأنه على الفلسطينيين أن يقبلوا بالواقع الجديد والحقائق المثبتة، وأنهم باتوا وحدهم ولا أحد معهم، وأن الدول العربية التي كانت تؤيدهم قد أعلنت البراءة من قضيتهم ولم تعد تهتم بهم أو تقلق بشأنهم، وهي ليست مستعدة للتضحية بمصالحها بسببهم، أو تعطيل برامجها وتجميد خططها المستقبلية إكراماً لهم، والتخلي من أجلهم عن شريكٍ قويٍ في الإقليم، وجارٍ قريبٍ حاضرٍ وفاعلٍ وجاهز للتعاون معهم. أمام هذه القناعات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والمقبولة عربياً وإقليمياً، ينبغي على الفلسطينيين، سلطةً وفصائل ونخباً، أن يردوا كيد العدو إلى نحره ويفشلوا مخططه، وأن يردوا على المتآمرين عليهم والمراهنين على انقسامهم، وأن يتفقوا فيما بينهم على إطارٍ موحدٍ يجمعهم، وقيادة رشيدة توجههم، ومرجعية وطنية تحفظهم، وبرنامجٍ مشترك يحقق أهدافهم ويلبي طموحاتهم، فالشعب الفلسطيني العظيم بتضحياته، والقوي بمقاومته، والباقي بصموده وثباته، جديرٌ بأن يبقى موحداً، وأن يختار بنفسه قيادته التي يثق بها ويفتخر. وهو ليس في حاجةٍ فقط إلى رئيسٍ يتقدمهم ورمزٍ يجمعهم، وإنما هو في حاجةٍ إلى قيادة وطنية موحدة، ومرجعية حكيمة راشدة، صادقة مخلصة أمينة، حرة مستقلة واثقة، تتقدم الركب وتقود الصف، وتضحي مع الشعب وتقف إلى جانبه، وتستمد منه مواقفها، وتكون أمينةً على تضحياته وعطاءاته، ولا تتنازل عن ثوابته وحقوقه، وتكون وفيةً لماضيه وحريصة على مستقبله، لكن الوقت يسابقه، والكون يفرض سننه، والقدر قد يعجل بقضائه ويسبق بحكمه، والعدو يرقبه ويتربص به، وينتهز الفرص ويعد الخطط. بيروت moustafa.leddawi@gmail.com

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

الشعبوية والوعود الاقتصادية المكسورة

ترجمة: نهى مصطفى -

على مدى العقود القليلة الماضية، تولى الشعبويون إلى السلطة في العديد من البلدان. انتخبت إيطاليا سيلفيو برلسكوني، وكان في فنزويلا هوجو شافيز والآن لديهم نيكولاس مادورو؛ بينما جارتها البرازيل، كان يرأسها جايير بولسونارو حتى عام 2023. ومن الواضح أن رئيس الأرجنتين الحالي، الأناركي الرأسمالي خافيير مايلي، هو بالتأكيد شعبوي. صوتت الولايات المتحدة لوصول دونالد ترامب إلى السلطة في عام 2016، وقد تفعل ذلك مرة أخرى.

يتميز القادة الشعبويون، أحيانًا بالإبهار والترفيه وأحيانًا بالغلو والتطرف، ويتواجدون على امتداد الطيف السياسي. شافيز ومادورو اشتراكيان، بينما ميلي وترامب محافظان. في بعض الأحيان، يتجاوز هؤلاء القادة التصنيفات التقليدية لليسار واليمين. القاسم المشترك بينهم جميعًا هو الرغبة في تعزيز السلطة باستخدام نفس الرسالة الغاضبة. يسوق الشعبويون أنفسهم على أنهم غرباء يقاتلون من أجل الجماهير، ويمثلون "الشعب الحقيقي" ضد النخبة الفاسدة.

الشعبوية تتصاعد. ولكن على الرغم من أن تأثيراتها على الأنظمة السياسية في البلدان ومدى تعزيزها للانحلال الديمقراطي كانت موضع نقاش واسع النطاق في السنوات الأخيرة، إلا أن آثارها الاقتصادية لم تُدرس بالقدر الكافي. ما هي السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الشعبويون، وما هي نتائجها؟

لسد هذه الفجوة، أجرينا دراسة شاملة حول القيادة الشعبوية عبر العالم. أنشأنا مجموعة بيانات تغطي 120 عامًا من التاريخ و60 دولة، وحددنا 51 قائدًا شعبويًا، عرّفناهم على أنهم القادة الذين يضعون الصراع بين "الشعب" و"النخب" في قلب حملاتهم الانتخابية أو سياساتهم الحكومية، ثم قمنا بدراسة السياسات الاقتصادية التي انتهجوها والنتائج التي ترتبت على ذلك.

النتائج كانت مقلقة. فعلى الرغم من أن القيادة الشعبوية قد تبدو على السطح ذات تأثيرات اقتصادية متباينة، إلا أننا وجدنا أن معظم الشعبويين يضعفون اقتصاد الدولة، خاصة على المدى الطويل. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تقويضهم لسيادة القانون وإضعاف الضوابط والتوازنات السياسية. توضح دراستنا أن الشعبويين، رغم أنهم يروجون لأنفسهم على أنهم الحل لمشاكل البلاد، يميلون في الواقع إلى جعل الحياة أسوأ. بعبارة أخرى، الشعبويون يضرون "الشعب الحقيقي" الذين يدّعون أنهم ينقذونه.

على مر التاريخ الحديث، شهدت الشعبوية موجتين رئيسيتين. جاءت الموجة الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي خلال فترة الكساد الكبير وما أعقبها من اضطرابات. خلال الحرب الباردة، تراجعت الشعبوية، لكنها عادت بقوة بعد سقوط جدار برلين في عام 1989. واليوم، يعيش العالم مرة أخرى في عصر الشعبوية التي بلغت ذروتها في عام 2018، حيث حكم الشعبويون 16 من أصل 60 دولة شملتها دراستنا، تمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. واليوم، لا يزال الشعبويون يحكمون أكثر من 12 دولة.

على الرغم من أن الشعبويين يتجاوزون الطيف الأيديولوجي، إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين الشعبويين اليساريين واليمينيين. يركز الشعبويون اليمينيون على الانقسامات العرقية والثقافية، متهمين النخب بالتواطؤ مع الأقليات والمهاجرين وتفضيل مصالحهم على مصالح "الشعب الحقيقي". أما اليسار، فيهاجم الشعبويون النخب الاقتصادية والمالية، متهمين إياها بنهب البلاد على حساب السكان المحليين من الطبقة العاملة. شكلت الشعبوية اليسارية ظاهرة أساسية في منتصف القرن العشرين، وعادت لفترة وجيزة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن الشعبوية اليمينية شهدت ازدهارًا كبيرًا في الآونة الأخيرة.

في كلتا الحالتين، الشعبوية تعد ظاهرة متكررة. البلدان التي حُكمت من قبل قادة شعبويين لديها احتمال أعلى لعودة شعبوي آخر إلى السلطة: الأرجنتين، التي تعد موطن أول قائد شعبوي حديث، هيبوليتو يريجوين، حُكمت من قبل شعبويين لنحو 40% من تاريخها منذ عام 1900. إيطاليا شهدت قيادات شعبوية خلال 29% من تلك الفترة. أما سلوفاكيا، فقد حُكمت من قبل الشعبويين لما يقرب من 60% من الوقت منذ استقلالها في عام 1993.

سبب من أسباب هذه الاستمرارية هو أن الشعبويين يتمتعون بقدرة على البقاء في الساحة السياسية. نادرًا ما يختفون بسرعة أو من تلقاء أنفسهم. بدلاً من ذلك، يقومون بكل ما في وسعهم لزيادة فرصهم في الاحتفاظ بالسلطة، سواء من خلال استراتيجيتهم الأساسية المتمثلة في الاستقطاب والتحريض، أو من خلال وسائل أكثر تطرفًا مثل سن قوانين انتخابية جديدة، واحتلال وسائل الإعلام، وتخويف السلطة القضائية والمعارضة.

نتيجة لذلك، يبقى الشعبويون في السلطة لمدة تصل إلى ست سنوات في المتوسط، مقارنةً بثلاث سنوات للحكام غير الشعبويين. وهم أكثر عرضة للانتخاب مرة أخرى، حيث تبلغ احتمالية إعادة انتخابهم 36%، مقارنةً بـ 16% فقط للحكام غير الشعبويين، وهو فارق يمكن تفسيره بشعبيتهم وتفوقهم في عزل أنفسهم عن أدوات الديمقراطية.

لنأخذ على سبيل المثال رئيس الوزراء الإيطالي السابق برلسكوني، قطب الإعلام الملياردير الذي صعد إلى السلطة من خلال التظاهر بأنه سياسي مناهض للمؤسسة في أعقاب فضائح الفساد في البلاد في أوائل التسعينيات. غالبًا ما يشار إليه باسم "المهرج" من قبل المعارضين ووسائل الإعلام الدولية بسبب الفضائح التي لا نهاية لها على ما يبدو والتي حددت فترة وجوده في نظر الجمهور، ومع ذلك احتفظ برلسكوني بالسلطة لفترة أطول من أي رئيس وزراء آخر في تاريخ إيطاليا ما بعد الحرب. وقد ترك منصبه في عام 2011، بعد أن حكم البلاد على فترات متقطعة لما يقرب من عقدين من الزمن، لكن السياسة الإيطالية تظل تتشكل بشكل أساسي من خلال صورته الشعبوية. وكان العديد من خلفائه شعبويين، بما في ذلك رئيسة الوزراء الحالية جيورجيا ميلوني، التي استمدت حملتها المناهضة للمهاجرين والاتحاد الأوروبي بشكل كبير من قواعد اللعبة الشعبوية.

على الرغم من ديمومة الشعبوية، لم يكن هناك سوى القليل من الأبحاث المنهجية حول كيفية تطور الاقتصادات وأدائها عندما يصل الشعبويون إلى السلطة. ولكن من السهل العثور على أمثلة للشعبويين الذين يتسببون في أضرار اقتصادية. أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي كان السياسي الشعبوي بوريس جونسون بطله الرئيسي، إلى تدهور اقتصادي في جميع المجالات. تخلفت "بريطانيا العالمية" التي تصورها أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن نظيراتها منذ ذلك الحين، حيث نما اقتصادها بنسبة أقل بـ 5 % من البلدان المماثلة على مدى السنوات الثماني الماضية. وأدى فصل الاقتصاد البريطاني عن السوق الأوروبية الموحدة إلى انحدار التجارة والاستثمار والاستهلاك.

تستحق السياسات التي انتهجها برلسكوني في إيطاليا علامات سيئة مماثلة. منذ وصوله إلى المشهد السياسي في إيطاليا، ظل الاقتصاد في حالة ركود، مع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية؛ فمنذ عام 2000، ظل متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي عالقًا عند نحو نصف نقطة مئوية. ولا يزال نظام التعليم في أزمة، وقد هاجرت ألمع العقول في البلاد.

ويمكن العثور على أمثلة أكثر جذرية في أمريكا الجنوبية. لقد نجح شافيز ومادورو معًا في تحويل فنزويلا، التي كانت ذات يوم مصدرة ثرية للنفط، إلى ملجأ فقير في غضون عشرين عامًا. خلقت الحمائية والمحسوبية وتأميم صناعات النفط والتعدين والتمويل والاتصالات والزراعة، من بين قطاعات أخرى، كارثة اقتصادية لم يسبق لها مثيل في دولة حديثة في زمن السلم - مما أدى إلى المجاعة والأزمات الطبية والهجرة الجماعية خارج البلاد. وفي الأرجنتين، قام الرئيس نيستور كيرشنر وخليفته وزوجته كريستينا فرنانديز دي كيرشنر أيضًا بقيادة بلادهم من حافة الهاوية المالية. ولكن بعد سنوات قليلة من النمو القائم على التصدير، أعقب ذلك تضخم جامح وإفلاس وطني.

لكن الأداء الاقتصادي للقادة الشعبويين لا يمكن تعميمه بسهولة. شهدت الولايات المتحدة في عهد ترامب معدلات نمو اقتصادي مماثلة لتلك التي شهدتها الرئاسات السابقة. كما حقق آخرون، مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، درجة معينة من النجاح الاقتصادي خلال فترة وجودهم في مناصبهم.

بحثنا في الحكايات ووجدنا خيطًا مشتركًا. وللقيام بذلك، استخدمنا خوارزمية تقارن الاتجاهات في اقتصاد الدولة قبل وبعد صعود الشعبويين مع تلك الموجودة في بلدان مماثلة لا يحكمها الشعبويون. وبشكل عام، وجدنا أن الشعبويين الموجودين في السلطة يتسببون في أضرار اقتصادية كبيرة، وخاصة على المدى المتوسط والطويل. وبعد 15 عاما، أصبح الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط أقل بنسبة 10% في البلدان التي تديرها الشعبوية مقارنة بالدول غير الشعبوية.

هناك تفسيران رئيسيان لتأثير الشعبويين على النمو الاقتصادي: الأول هو الحمائية. يتاجر الشعبويون بالخطاب القومي، وكما هو متوقع، يمارسون القومية الاقتصادية بمجرد وصولهم إلى السلطة. وعلى اليسار واليمين على حد سواء، يفرض الشعبويون التعريفات الجمركية ويتبعون عددًا أقل من الاتفاقيات التجارية، وبالتالي يبطئون تدفق السلع والخدمات، كما أنهم يقيمون حواجز أمام الاستثمار الأجنبي، مما يقوض النمو الاقتصادي.

والسبب الثاني هو أكثر جوهرية: في جهودهم للبقاء في السلطة، يعمل القادة الشعبويون على تقويض سيادة القانون. إنهم لا يخافون من دوس الأعراف والقوانين وإضعاف المؤسسات الديمقراطية، أو إقالة القضاة أو إجراء تحقيقات في الشركات التي تقف في طريقهم. وانخفضت المؤشرات القياسية للحرية القضائية والانتخابية والإعلامية بشكل كبير بعد وصول الشعبويين إلى السلطة. وهذا الضعف الذي تعاني منه المؤسسات يضر بدوره بالنمو الاقتصادي والاستثمار والرخاء، كما أظهرت سنوات من البحث. وذلك لأن المؤسسات الديمقراطية العاملة تقيد السلطة التنفيذية وتحمي المجتمع المدني (بما في ذلك الشركات) من التدخل التعسفي، وهو أمر مهم للاستثمار والإبداع والنمو.

وبالتالي فإن التاريخ الاقتصادي للشعبوية منذ عام 1900 يوضح أن الحكومات الشعبوية تميل إلى إحداث الضرر. قد يعد القادة الشعبويون بحماية ودعم الناس العاديين، لكنهم غالبًا ما يفعلون العكس. وتشهد بلدانهم تراجعًا في النمو الاقتصادي والحريات السياسية. وقد يتمكن الشعبويون من الاحتفاظ بالسلطة على أي حال من خلال استقطاب الناخبين والتلاعب بالنظام السياسي لصالحهم، لكنهم لا يستطيعون الادعاء بأن لديهم حلولاً للمشاكل الاقتصادية.

ـ مانويل فونكي باحث في معهد كيل للاقتصاد العالمي، دكتوراه في الاقتصاد، جامعة برلين الحرة.

ـ كريستوف تريبيش أستاذ بقسم الاقتصاد، جامعة كيل، مدير مجال البحث "التمويل الدولي والاقتصاد الكلي"، معهد كيل للاقتصاد العالمي.

ـ موريتز شولاريك اقتصادي ألماني، وأستاذ الاقتصاد في جامعة ساينس بو باريس وجامعة بون.

ـ المقال نشر في موقع Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • أحداث رواندا وطلاب الجامعات السودانية
  • الرئيس الفلسطيني: نسعى إلى الخلاص من الاحتلال والاستيطان ووقف العدوان الإسرائيلي بغزة
  • ماذا قال مصطفى محمود عن الحياة بعد الموت؟.. أسرار من العلم والإيمان
  • بالصور.. هاجر أحمد تعلن عن حملها للمرة الثانية
  • رد غير متوقع من مصطفى محمود على ملحد حول أسباب الطواف بالكعبة
  • جلسة حكومية في السرايا
  • الشعبوية والوعود الاقتصادية المكسورة
  • الزمالك يُقيد نجم الفريق في القائمة الإفريقية رغم إمكانية رحيله
  • رد قوي من مصطفى محمود على سؤال ملحد.. من خلق الله؟
  • لماذا يكون عمر الذباب قصيراً