الهجرة والتنمية في 2023.. ما الذي تخبرنا به الأرقام؟
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
شغلت قضية الهجرة الدول خلال الفترات الماضية بشكل كبير، سواء كانت هذه الهجرة قسرية أم بناء على رغبة المهاجرين، خاصة في ضوء أعباء هذه الهجرة ومردودها على مشاريع التنمية في الدول المضيفة.
ففي فترات معينة -حيث شكلت الهجرة من الجنوب إلى الشمال ومن الدول الفقيرة إلى الدول الغنية ملمحًا مهمًا- تم استدعاء قضية هجرة العقول من الدول الفقيرة، ورسخ ذلك لبقاء هذه الدول في حضن التخلف.
وزاد حضور قضية الهجرة مؤخرًا على الصعيد العالمي، بعد عمليات الهجرة القسرية، بسبب النزاعات المسلحة -خاصة في منطقة الشرق الأوسط- أو بسبب الهاجس الديمغرافي بالدول المتقدمة، التي قلت فيها معدلات الإنجاب، وزيادة المساحة التي شغلها كبار السن بالهرم السكاني.
وأولى تقرير البنك الدولي لعام 2023، قضية الهجرة اهتماما خاصا، وأتى التقرير تحت عنوان "تقرير عن التنمية في العالم: المهاجرون واللاجئون والمجتمعات" مبينًا حجم الظاهرة كالتالي:
يوجد نحو 184 مليون فرد في عداد المهاجرين على مستوى العالم، من بينهم 37 مليون لاجئ، وهؤلاء المهاجرون يمثلون نسبة 2.3% من إجمالي سكان العالم. 40% من إجمالي المهاجرين على مستوى العالم تستوعبهم البلدان المرتفعة الدخل، منهم 64 مليون مهاجر لأسباب اقتصادية، ونحو 10 ملايين لاجئ. عن وضع منطقة الخليج وطبيعة المهاجرين إليها، أوضح التقرير أنها تستوعب نسبة 17% من إجمالي المهاجرين على مستوى العالم، حيث تضم 31 مليون مهاجر، في حين ترجع الهجرة إلى منطقة الخليج لأسباب اقتصادية. أما الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل فقد كان نصيبهما معًا 43% من إجمالي المهاجرين على مستوى العالم. هاجس التغير الديمغرافي في الغربيعد المورد البشري العنصر الأهم من بين مكونات الموارد الاقتصادية، وباتت الدول الأوروبية تعيش مشكلة كبيرة على هذا المستوى، بسبب ارتفاع نسبة عدد سكانها من كبار السن في العقود الأخيرة، مما دفعها بقوة إلى الاعتماد على المهاجرين في تسيير نشاطها الاقتصادي.
وتبين قاعدة بيانات البنك الدولي حجم المشكلة من خلال مؤشرين مهمين: الأول معدل الخصوبة، والثاني عدد السكان في سن 65 وما فوقها، وتظهر الأرقام أن الاتحاد الأوروبي لديه أقل معدل خصوبة مقارنة بباقي دول العالم.
في عام 2021 كان معدل الخصوبة بالاتحاد الأوروبي 1.5%، ويقل بشكل ملحوظ عن المتوسط العالمي الذي كان عند معدل 2.3%. وصل هذا المعدل في الدول الفقيرة المثقلة بالديون إلى 4.6% في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغ معدل الخصوبة 2.6% أما في العالم العربي فكان عند 3.1%,أما عدد السكان في سن 65 عاما فما فوقها فتبين أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي أن:
الاتحاد الأوربي يتقدم باقي مناطق العالم وفق هذا المؤشر بنسبة تصل إلى 21% المتوسط بالعالم يصل 10% هذا المعدل يبلغ 5% في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا المعدل يبلغ 3% في البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.ولأسباب اقتصادية تمارس الدول المرتفعة الدخل -الدول الأوروبية ودول الخليج- ما يسمى بالهجرة الانتقائية، كونها تضم 64 مليون مهاجرا، مقابل 10 ملايين لاجئ فقط، وهي سياسة تتوافق مع احتياجاتها من جهة، ومن جهة أخرى حسب الإمكانيات والكفاءات التي يتمتع بها المهاجرون من الدول الفقيرة، أو تلك التي تعاني من نزاعات مسلحة.
ومن خلال مقارنة نصيب كل من الدول المرتفعة الدخل بالدول المنخفضة والمتوسطة الدخل من حيث استيعاب اللاجئين، يظهر لنا وجود فجوة كبيرة بين الفريقين، حيث تحتضن الدول المرتفعة الدخل 10 ملايين لاجئ فقط، بينما تستوعب الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل 27 مليون لاجئ، مما يشكل عبئا اقتصاديا عليها.
ومن هنا يجب أن ينظر إلى ظاهرة الهجرة من خلال ما تقدمه من إيجابيات للدول المضيفة، وما تفرضه من أعباء، خاصة في حالة وجود اللاجئين.
إشكالية إدارة الهجرةقد يرى البعض في تدفقات المهاجرين من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية فرصة لتدفقات النقد الأجنبي يمكن أن تساعد في تمويل التنمية وتحسين مستوى معيشة أسر المهاجرين، وينطبق هذا على شريحة المهاجرين لأسباب اقتصادية.
لكن هذه الفرصة البديلة للدول الفقيرة تؤدي إلى فقدان الجهود العلمية لأبنائها، واستمرار مؤسسات التعليم بها في الدفع بالكفاءات للخارج، وهو ما يرسخ لاستمرار التخلف والفقر، بينما تقطف الدول الغنية ثمارا جاهزة، لم تنفق على إعدادها أي شيء.
ونقل تقرير البنك الدولي، عن أكسيل فان، أحد خبرائه قوله "إن الهجرة يمكن أن تصبح قوة دافعة لتحقيق الرخاء والتنمية. فإذا ما أُديرت بشكل سليم فإنها تعود بالفائدة على الجميع، في البلدان الأصلية وبلدان المقصد".
وهنا تكمن الإشكالية، كيف تتحقق مصالح الجميع؟ فالتقرير يطرح مجموعة من المقترحات بشأن ذلك، منها أن تقوم الدول المستقبلة بحماية المهاجرين، والحفاظ على حقوقهم، في حين تقوم الدول المرسلة بتجهيز المهاجرين وتسليحهم بالكفاءات المطلوبة في أسواق الدول المستقبلة، أو أن يتم ذلك وفق اتفاقيات ثنائية، أو أن يكون هذا الشأن في إطار متعدد الأطراف.
وتنقل لنا التجربة العملية أن الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف عادة ما تصاغ لصالح الأقوى، وهنا ستجد الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل المصدرة للقوى العاملة والمهاجرين نفسها أمام نفوذ الدول الغنية، كما أنه في ظل العولمة وحرية السفر والانتقال يمكن أن تركز الدول الغنية فقط على مصالحها، من خلال مخاطبة المهاجرين الذين ترغب في استقاطبهم بشكل مباشر بعيدا عن تدخل الحكومات والدول.
تحديات توجه التوظيف التنموي للهجرةتجربة المهاجرين لأسباب اقتصادية -وهي الغالبة على هيكل المهاجرين على مستوى العالم- تشير إلى أن الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل لم تستفد بشكل أفضل من عوائد عامليها في الخارج، وغالبًا ما تفتقد هذه الدول لإستراتيجية تتعلق بإدارة الهجرة بمحاورها المختلفة.
فلا توجد خطة استثمارية مثلًا تستوعب مدخرات العاملين بالخارج، ولا برامج تأمينية تراعي ظروف من طالت بهم الهجرة، كما أن حكومات الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي تُعد دول تصدير المهاجرين، لا تشارك في عقود عمل المهاجرين، ولا في السعي لاتفاقيات للحفاظ على حقوقهم، من حيث العمل اللائق والأجر الكريم في دول الاستقبال.
وعلى الجانب الآخر، لوحظ خلال الفترة الماضية تزايد ظاهرة العنصرية ضد المهاجرين في الدول الأوروبية، خاصة القادمين من منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعرقل جهود الاستفادة من الكفاءات.
كما ترصد تجربة علاقة الدول الغنية بالدول الفقيرة، أن الدول الغنية عادة ما تستثأر بكل ثمار أي صورة من صور التعاون.
فلا هي تسمح بنقل التكنولوجيا للدول الفقيرة كتعويض عن الاستفادة من جهود أبنائها المهاجرين، ولا هي تضخ استثمارات أجنبية يمكن من خلالها تحسين الأوضاع التنموية في الدول المصدرة للمهاجرين.
وفي الوطن العربي وجدنا أن ظاهرة الهجرة أخذت أبعادا عديدة، حيث أدت هجرة السوريين إلى تركيا إلى إحياء بعض محافظات الجنوب التركي، حيث حولتها إلى مدن تصدير، بسبب ضخ الاستثمارات السورية، أو اليد العاملة الماهرة والرخيصة.
وفي مصر ضخ المهاجرون السوريون واليمنيون استثمارات واضحة في قطاع الصناعة والخدمات والسياحة والعقارات، كما تميزت الجالية السورية في مصر بالاندماج السريع في سوق العمل.
وعلى كل ستظل قضية الهجرة وعلاقاتها بالتنمية واحدة من الإشكاليات المثارة بشكل دائم في إطار العلاقة بين الشمال والجنوب، أو بين الدول الغنية والدول الفقيرة.
فهل ستنجح الجهود المبذولة لتحويل هذه العلاقة لإطار متعدد الأطراف يحقق مصالح الجميع؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من الدول الفقیرة لأسباب اقتصادیة الدول الغنیة الشرق الأوسط البنک الدولی قضیة الهجرة من إجمالی الهجرة ا فی الدول من خلال
إقرأ أيضاً:
غسان سلامة :العالم إلى حروب أوسع... ودول على طريق النووي
كتب ميشال بو نجم في" الشرق الاوسط": مع انقضاء الربع الأول من هذا القرن، تزدحم الأسئلة حول اتجاهات العالم ولجلاء بعض هذا الغموض، حملنا سلَّة من الأسئلة إلى غسان سلامة، البروفسور السابق في معهد العلوم السياسية الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة. في حوار موسَّع، تحدث سلامة عن توقعاته للنظام العالمي وأقطابه، من الفرص المنظورة لـ20 دولة قد تتحول إلى قوى نووية، إلى
قدرة تجمع «البريكس» على منافسة مع الحلف الأطلسي، وصولاً إلى مصير الدولار كقوة مالية عالمية، وانتهاء بحروب المسيرات الجديدة؛ إذ يدخل الذكاء الاصطناعي سلاحاً وازناً في قلب المعادلات على الأرض.
* ما الذي تغيَّر في النظام العالمي خلال الربع الأول من القرن 21؟
الأسوأ أن واشنطن كانت الجهة التي لعبت الدور الأكبر في إنشاء النظام الدولي القائم منذ عام 1945، مثل الأمم المتحدة والصناديق الدولية والمنظمات الأخرى. وإذا كانت هذه الجهة تسمح لنفسها بتجاوز القوانين التي ساهمت بوضعها؛ فكيف يمكن منع الدول الأخرى من اتباع نهجها؟ وهذا ما حصل بالفعل: دخلت روسيا إلى جورجيا ثم إلى مولدوفا ثم إلى أوكرانيا مرة أولى، ثم مرة ثانية، وتبعتها دول أخرى، كبرى أو وسطى، على المنوال نفسه، بحيث برز نزوع نحو اللجوء إلى القوة.
كذلك، فإن عدداً من الدول غير النووية تسعى للتحول إلى دول نووية. هناك 20 دولة قادرة على التحوُّل إلى نووية خلال عام واحد، وأنا أتوقع أن يقوم بعض منها بذلك.
* إلى أين يذهب التنافس الأميركي - الصيني؟ هل السنوات المقبلة ستوصلنا إلى قيام ثنائية قطبية؟
- من الخطأ الكبير برأيي اعتبار أن الثنائية القطبية بين الصين وأميركا موجودة اليوم. هي مشروع، محاولة بدأت منذ نحو 15 سنة لبناء نظام جديد دولي ثنائي القطبية. الولايات المتحدة لا تحب تعدد الأقطاب، وهي تعلم تماماً أنه ليس بإمكانها أن تمسك بعدد كبير من حلفائها إذا كانت هي القطب الأوحد في العالم. والنظام الذي ترتاح إليه واشنطن هو نظام ثنائي القطب تكون لها فيه الأرجحية، مع وجود منافس قوي لكي تجمع الحلفاء إلى جانبها.
* يعيش العالم العربي ارتجاجات «تكتونية» وتراكمات، ومثال ما هو جارٍ في سوريا قائم أمام أعيننا. هل سيبقى العالم العربي بهذا التمزق؟
ثمة عدة تفسيرات لذلك، والرائج يتناول وجود أو غياب دولة القانون، وتمثيل المواطنين وإشراكهم في القرار السياسي. وتوافر هذه العناصر يوفر الاستقرار. هذا هو التفسير الليبرالي. ولكنْ هناك رأي آخر يقول إن القراءة الليبرالية تنطبق على الدول المتقدمة قليلة السكان، وليس على الدول المتخلفة وكثيرة السكان حيث الاستقرار لا يتوفر إلا بفرض القانون فرضاً. أعتقد أن هذين التفسيرين لديهما ما يشرعهما، لكن التفسير غير كافٍ.
في اعتقادي أننا نعيش، في المنطقة العربية، مرحلة من الظواهر التي لا يمكن أن تسمح بالاستقرار. هناك أولاً اللامساواة الهائلة في المداخيل بين الدول المجاورة. هذا الأمر سيدفع الدول الأكثر فقراً إلى الاستمرار، باعتبار أن الدول المحظوظة لا تستحق ما لديها، وأنه يجب، بشكل من الأشكال، أن تشركها في جزء من ثرواتها. فانعدام التوازن بين الدول الثرية والدول الفقيرة في العالم العربي من أكثر الهوات عمقاً في العالم.
* هل تغير الثورة التكنولوجية الجديدة كيفية إدارة شؤون العالم والمجتمع؟
- الثورة التكنولوجية «التي تشمل الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي» هي مِن نوع خاص، لأنها أسرع بكثير في تحققها من الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، كما أنها تحتضن في باطنها ثورات داخلية، على رأسها الثورة الإلكترونية التي أوصلت إلى ثورة الذكاء الاصطناعي. والسؤال: مَن المستفيد منها؟
باختصار، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح التواصل السريع وتعبئة الأشخاص، لكنها لا تتيح تنظيمهم ورصَّهم في برنامج سياسي. والرأي السائد أن الثورة التكنولوجية جاءت على حساب الأنظمة القائمة والسلطات المالية والسياسية والأمنية.
* هل سيبقى الدولار الأميركي عملة المستقبل؟
-الواقع أن الدولار أعلن عن وفاته كالعملة الدولية الأولى باكراً جداً. وتكرر ذلك خلال 20 سنة؛ إذ أتذكر أنه، في مطلع القرن، ظهرت تحليلات حتى في مجلة «فورن أفيرز» أو مجلات المؤسسة الأميركية تتنبأ بنهاية الدولار، خصوصاً بعد ظهور العملة الأوروبية (اليورو). ثم مؤخراً عامل جديد؛ إذ قررت «البريكس» أن تكون لديها عملة موحَّدة.
الدولار الذي لم يزل الدولار العملة الأولى في أكثر من 50 إلى 60 في المائة من المبادلات التجارية الكبرى، ومن ودائع المصارف الكبرى. وهذا الأمر يعطي الولايات المتحدة قدرة سياسية كبيرة، لأن لديها القدرة على طبع هذه العملة من جهة، ويعطيها، من جهة أخرى، قدرة للتأثير على اقتصادات الدول الأخرى، وبالتالي على أمنها.