التايمز: حرب في البحر الأحمر تتحدى قدرة أمريكا على القتال وتهدف لإخراجها من الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
نشرت صحيفة “التايمز” مقالا للمعلق روجر بويز، قال فيه إن بناء أول قوات بحرية متقدمة في عصر الإمبراطوريات كان لإبراز الطموح الإمبريالي وتأمين التجارة البحرية وإخافة القراصنة.
أما اليوم، ففي الوقت الذي يطلق فيه المتمردون الحوثيون الصواريخ والطائرات المسيرة على السفن التجارية التي تحاول العبور من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي، تبدو المهمة البحرية مشابهة إلى حد ما.
ففي ظاهر الأمر، كما يقول بويز، يتصرف الحوثيون مثل قراصنة الزمن الماضي، إلى جانب أن القوة المتمردة ضمنت دعما إيرانيا ضمن لرجال القبائل التمتع بالقوة النارية التي يحتاجون إليها لكسر أنف أمريكا وجعله ينزف.
ما يحدث هو بداية لحرب صغيرة ذات آثار عالمية. إنها حرب تتحدى قدرة أمريكا على القتال في البحر ضد قوة عصابات هدفها النهائي، إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط
ويتحدث الكاتب أن الحل بحسب حسابات المجتمع الأمني الأمريكي المستهترة تقوم على أن تسوية النزاع في البحر الأحمر تتم من خلال استخدام الأساليب المعتادة مثل رمي القنابل أو الرشوة. فإما أن تضطر الولايات المتحدة إلى قصف قواعد الحوثيين على طول الساحل اليمني، مما يؤدي إلى استنزاف ترسانتهم من الطائرات المسيرة والصواريخ، أو سيتم شراؤهم. لكن هذا أيضا تفكير قديم الطراز. إنه يقلل من أهمية عمق التخطيط الاستراتيجي الذي يجري في طهران.
ويضيف أن ما يحدث هو بداية لحرب صغيرة ذات آثار عالمية. إنها حرب تتحدى قدرة أمريكا على القتال في البحر ضد قوة عصابات هدفها النهائي، بقيادة إيران، هو إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
والولايات المتحدة ليست مستعدة لذلك. فالطائرات المسيرة الحوثية التي تكلف الواحدة منها حوالي 2000 دولار يتم إسقاطها بواسطة الصواريخ الأمريكية التي يمكن أن تصل تكلفة كل منها إلى 2 مليون دولار. عاجلا وليس آجلا، سيتعين على المدمرات العودة إلى رصيف الأسلحة الأمريكي لإعادة تحميل 90 أنبوبا صاروخيا أو أكثر. وهذا لا يكلف المال فحسب، بل يترك مجموعات حاملات الطائرات مكشوفة عندما تتركها السفن الحربية الداعمة.
ويقول الكاتب إن الحسابات الأمريكية في الوقت الراهن هي أن الأمر يستحق تحمل هذه النفقات. إذا تم إصابة سفينة حاويات مدنية واحدة وفقدت حمولتها، فستكون الفاتورة أعلى. وإذا تم تعطيل سفينة حربية غربية، فسوف تصبح القوة العسكرية الأمريكية موضع شك في جميع أنحاء العالم. ولن تكون الولايات المتحدة قادرة على الوفاء بهدفها الذي أعلنته ذاتيا والمتمثل في حماية حرية الملاحة على طرق التجارة.
ويعتقد بويز أن الأمر لا يقتصر على البحر الأحمر فحسب، بل هناك بحار أخرى بها ممرات ضيقة، من بينها المضيق التركي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود، ومضيق هرمز على الخليج الفارسي، ومضائق ملقا التي تربط الخليج الفارسي بالمناطق الآسيوية، مضيق تايوان المتنازع عليه، وقناة بنما التي تربط آسيا بالغرب والتي تعاني حاليا من الجفاف.
الطائرات المسيرة الحوثية التي تكلف الواحدة منها حوالي 2000 دولار يتم إسقاطها بواسطة الصواريخ الأمريكية التي يمكن أن تصل تكلفة كل منها إلى 2 مليون دولار
وإذا تم إغلاق قناة السويس ومضيق باب المندب لفترة أطول، فسيكون هناك اضطراب خطير في سلسلة التوريد، وستستغرق ناقلات النفط والغاز الطبيعي المسال أسبوعا أطول على الأقل للوصول إلى أوروبا، وستكون حركة الحاويات أكثر عرضة للخطر. وسوف ترتفع الأسعار، وسيتم تحقيق أهداف التضخم، وسيكون هناك نقص عالمي. أقساط التأمين ترتفع. وسيعاني الاقتصاد المصري غير المستقر أصلا من خسارة رسوم العبور عبر القناة.
ويرى الكاتب أن هناك سببا لزيارة إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، إلى القاهرة، وهو أن مصر التي تزداد يأسا يجب أن تبذل المزيد من الجهود من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وبالتالي، تم تجنيد طياري الطائرات المسيرة الحوثيين لزيادة المخاطر. تعمل إيران على خلق “حركة الكماشة”، مع حزب الله في الشمال، والحوثيين في الجنوب، والحرس الثوري في سوريا، مشيرا إلى مقتل أحد كبار مستشاري طهران العسكريين في غارة جوية إسرائيلية على ما يبدو خارج دمشق يوم الإثنين الماضي. حزب الله في هذه اللحظة ليس أكثر من مصدر إزعاج للقوات الإسرائيلية. وقد يتغير ذلك بسرعة، لكن إيران قد ترغب في الاحتفاظ بحزب الله، بجيشه الضخم المدرب على القتال، في الاحتياط حاليا، وهو بمثابة وسادة الأمان لإيران في حالة تعرضها لهجوم مباشر.
ويرى الكاتب أن الحوثيين، الذين كانوا رائدين في هجوم الطائرات المسيرة عام 2019 على منشآت النفط السعودية، يجلبون ثلاث سمات إلى الحرب التي تشنها إيران بالوكالة: هدية للحرب غير المتكافئة؛ وحقيقة أنهم من الشيعة الزيدية وبالتالي يثقون في طهران بطريقة لا تحظى بها حماس السنية؛ وقد أظهروا على مدى ثماني سنوات من الصراع ضد السعودية والإمارات أنهم قادرون على الصمود في موقفهم.
وكثيرا ما تنكر إيران أن الحوثيين هم وكلاؤها، وهو موقف طهران الافتراضي بالنسبة لجميع القوات الأجنبية التي تعمل لصالحها.
ويقول مايكل نايتس، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنه لا يمكن الفصل بين إيران والحوثيين، على الرغم من أنهم لا يزالون يتمتعون ببعض الحرية الذاتية. ويقول إن الحوثيين هم مثل “كوريا شمالية غير نووية، لاعب منعزل وعدواني ومسلح جيدا ومعاد للولايات المتحدة ويجلس على منطقة جغرافية رئيسية”.
ويقول إن المعلومات الاستخباراتية من الحرس الثوري الإيراني هي التي تنبه الحوثيين للسفن المستهدفة وإن كانت لها صلات إسرائيلية.
يعد مسار ملكية السفن معقدا للغاية، لدرجة أنه يتطلب عملاء أذكياء للعمل عليه. وهذا عمل إيران. وكذلك الأمر بالنسبة لتنظيم وتجهيز مراكب التجسس الشراعية. وتقع قاعدة الصواريخ المعروفة للحوثيين بالقرب من صنعاء في اليمن، على بعد حوالي 1800 كيلومتر من ميناء إيلات الإسرائيلي. الصواريخ -جميعها تم اعتراضها- تنطلق باتجاه إيلات وبالقرب منها منذ 19 تشرين الأول/ أكتوبر.
إذا تم إغلاق قناة السويس ومضيق باب المندب لفترة أطول سيعاني الاقتصاد المصري غير المستقر أصلا من خسارة رسوم العبور عبر القناة.
إذن ما هو السلاح الذي يمكن أن يطير إلى هذا الحد؟ وتظهر الصور شيئا يشبه إلى حد كبير صاروخ “قدر” الباليستي الإيراني، الذي يصل مداه الأقصى إلى 1950 كيلومترا.
ويتساءل الكاتب: “هل سيتدخل الإيرانيون لتحسين الاستهداف الحوثي من خلال تعديل أنظمة الملاحة؟ هل سيوفرون رؤوس البحث الكهرو- الضوئية للمسيرات الانتحارية التي تقدمها طهران؟”.
ووفقا للتقييمات الغربية، فإن الأمر يبدو كذلك. تعمل إيران على إشعال حرب على ثلاث جبهات ضد إسرائيل وحماتها. ويقول المتشددون الأمريكيون، مثل جون بولتون، الذي كان يعمل سابقا في إدارة ترامب، إن ضبط النفس الغربي تجاه إيران يفسر في طهران على أنه علامة التدهور الحضاري لأمريكا، وربما كان محقا.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الطائرات المسیرة على القتال فی البحر
إقرأ أيضاً:
ماذا يخطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط؟
من يشاهد الفيلم التسويقي عن غزة والذي يلعب بطولته كل من ترامب وملهمه آيلون ماسك وذراعه التنفيذي نتنياهو، مع ما يتضمنه من مشاهد خيالية عن أبنية مرتفعة بنماذج ناطحات سحاب، أو من مشاهد ولا في الأحلام لمنتجعات سياحية بنماذج غربية، مع مروحة من الصور غير الواقعية يحاول أن يرسمها هذا الفيلم ، لا يمكن إلا أن يتوقف حول الهدف من هذا التسويق، والذي لا يمكن أن يكون فقط للدعابة أو للتسلية، وخاصة في هذا التوقيت الاستثنائي من المشاريع السياسية الصادمة التي يروج لها ترامب، والتي يعمل فعلياً على السير بها وتنفيذها.
فماذا يمكن أن يكون الهدف أو الرسالة من هذا الفيلم التسويقي؟ وأية رسالة أراد إيصالها الرئيس ترامب؟ وما المشاريع الأمريكية الغامضة (حتى الآن) والتي تنتظر منطقة الشرق الأوسط برعاية أمريكية؟
بداية، وبكل موضوعية، لا يمكن إلا النظر بجدية إلى المستوى الحاسم بنسبة كبيرة، والذي يفرضه ترامب في أغلب الملفات التي قاربها حتى الآن، وبفترة قصيرة جداً بعد وصوله إلى البيت الأبيض رئيساً غير عادي.
أول هذه الملفات كان التغيير الفوري لاسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، مع كامل متتمات هذا التغيير في المراجع العلمية والجغرافية المعنية كافة، وذلك حصل خلال رحلة جوية له فوق الخليج المذكور.
ملفات الرسوم الجمركية مع كندا والمكسيك ودول أخرى، والتي دخلت حيز التنفيذ مباشرة بعد توقيعه الأوامر التنفيذية الخاصة بها، بمعزل عما يمكن أن يكون لهذا الملف من ارتدادات سلبية على تجارة الولايات المتحدة نفسها.
ملف التهديد الجدي بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وتداعياته التي ما زالت قائمة، مع ملف التهديد الجدي بالعمل لجعل كندا الولاية 51 للولايات المتحدة الأمريكية.
ملف قناة بنما وفرض انتزاع المميزات التجارية التي كانت الصين قد اكتسبتها من اتفاق رسمي مع سلطات بنما بعد إلغاء الأخيرة الاتفاق.
أهم هذه الملفات أيضًا، والتي فرض الرئيس ترامب تغييرًا دراماتيكيًا فيها بوقت قياسي، هو ملف الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث وضعها على سكة الحل القريب، بعد أن كان البحث في إمكانية إيجاد حل قريب لها مستحيلاً، وذلك بمعزل عن الصفقات التجارية الضخمة (وخاصة في المعادن الحيوية مثل الحديد والصلب أو النادرة مثل الليثيوم) ، والتي يبدو أنه على الطريق لفرضها مع أوكرانيا، واجتماع البيت الأبيض الأخير، العاصف وغير المتوازن مع الرئيس الأوكراني، والذي اضطر مرغمًا لإنهاء زيارته إلى واشنطن بعد أن أهين وهُدّد بعدم العودة إلا بعد إعلان استعداده لقبول الصفقة كما هي، والتي ستكون بديلًا عن استمرار هذه الحرب، ولو على حساب أوكرانيا وأراضيها، وأيضاً ستكون على حساب اقتصاد وموقع الأوروبيين حلفائه التاريخيين في حلف شمال الأطلسي.
أما في ما خص فيلم ترامب التسويقي عن غزة، والمقارنة مع الجدية التي أظهرها في متابعة ومعالجة الملفات الدولية المذكورة أعلاه، فيمكن استنتاج عدة مخططات ومشاريع أمريكية مرتقبة، في غزة بشكل خاص، أو في فلسطين وسورية ولبنان بشكل عام، وذلك على الشكل الآتي:
مشروع تهجير أبناء غزة بحجة تسهيل وتنفيذ إعادة الإعمار، رغم ما واجهه من رفض فلسطيني وعربي وإقليمي،ما زال قائماً بنسبة نجاح مرتفعة، والتسريبات حول دعمه قرارًا مرتقبًا لنتنياهو بالانسحاب من تسوية التبادل قبل اكتمالها، بعد فرض شروط جديدة، تؤكد أن ما يُخطط أمريكياً وإسرائيلياً لغزة هو أمر خطير، ولتكون المعطيات التي خرجت مؤخراً وقصدًا للإعلام، عن موافقة أمريكية سريعة لإسرائيل، لحصولها على صفقة أسلحة وذخائر وقنابل شديدة التدمير على وجه السرعة، تؤشر أيضاً وبقوة، إلى نوايا عدوانية إسرائيلية مبيتة، بدعم أمريكي أكيد.
أما بخصوص ما ينتظر سورية من مخططات، يكفي متابعة التوغل الإسرائيلي الوقح في الجنوب السوري، دون حسيب أو رقيب، لا محلي ولا إقليمي ولا دولي، والمترافق مع استهدافات جوية كاسحة لكل ما يمكن اعتباره موقعًا عسكريًا، أساسيًا أو بديلًا أو احتياط، وكل ذلك في ظل تصريحات صادمة لمسؤولين إسرائيليين، بمنع دخول وحدات الإدارة السورية الجديدة إلى كل محافظات الجنوب، وبحظر كل أنواع الأسلحة والذخائر من مختلف المستويات في جنوب سورية، مع التصريح الواضح بتأمين حماية كاملة لأبناء منطقة السويداء دفعاً لهم لخلق إدارة حكم ذاتي مستقل عن الدولة السورية.
أما بخصوص لبنان، فالعربدة الإسرائيلية مستمرة، في ظل الاحتلال والاستهدافات الواسعة وعلى مساحة الجغرافيا اللبنانية، رغم وجود لجنة مراقبة خماسية عسكرية، برئاسة ضابط أمريكي وعضوية فرنسي وأممي ولبناني وإسرائيلي. وليكتمل المشهد الغامض (الواضح) حول مخططات الرئيس ترامب المرتقبة للمنطقة، يكفي متابعة تصريح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن تفاؤله بشأن الجهود المبذولة لانضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، مرجحًا أيضاً انضمام لبنان وسورية إلى الاتفاق، بعد الكثير من التغييرات العميقة التي حدثت في البلدين المرتبطين بإيران”.