إيران 2023.. تحديات مع القوى الشرقية وتقارب مع الدول العربية
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
طهران- مع انتهاء سنة 2023، تودع إيران عاما مثقلا بالتحديات في علاقاتها مع الجوار والقوى الشرقية، إلا أنها تمكنت من تحييد أخطار عدة كانت محدقة بها.
رغم توقيع إيران والصين في مارس/آذار 2021 اتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي مدتها 25 عاما، فإن طهران بدأت عام 2023 وهي تحمل عتبا كبيرا على بكين إثر زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى السعودية.
واستدعت طهران السفير تشانغ هوا للتعبير عن "الاستياء الشديد" مما ورد في بيان القمة الخليجية-الصينية وقبول بكين بإدراج موضوع الجزر الثلاث المتنازع عليها مع الإمارات ومفاوضات الاتفاق النووي ودعوتها طهران إلى "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".
ومنذ بداية يناير/كانون الثاني المنصرم، عملت كل من طهران وبكين على تذليل العقبات في علاقاتهما الثنائية، وأدى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي -في منتصف فبراير/شباط 2023- زيارة رسمية إلى الصين التقى خلالها نظيره شي جين بينغ وبحث معه تنفيذ الوثيقة الإستراتيجية الموقعة بين بلديهما.
ويری مراقبون في طهران أن بلادهم لم تجن منافع اقتصادية ملموسة جراء شراكتها الإستراتيجية مع الصين، بيد أن مصالحهما الاقتصادية المشتركة ساهمت في خفض وطأة الضغوط الغربية على الجمهورية الإسلامية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) في اجتماع سابق بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في الكرملين بموسكو (سبوتنيك) إيران وروسياعملت طهران وموسكو خلال 2023 على تعزيز العلاقات الثنائية من خلال وضع اللمسات الأخيرة على معاهدة التعاون الإستراتيجي طويل الأمد بينهما، إلا أن ملف الجزر الثلاث المتنازع عليها بين طهران والإمارات عكّر صفو الشراكة الإيرانية الروسية مرتين.
فقد أثار دعم موسكو للموقف الخليجي -بشأن الجزر الثلاث- حفيظة طهران، وذلك خلال الاجتماع الوزاري السادس للحوار الإستراتيجي بين روسيا ودول الخليج الذي استضافته موسكو في يوليو/تموز الماضي، وكذلك الموقف ذاته في البيان الختامي للمنتدى العربي الروسي السادس الذي عُقد الأسبوع الماضي في مراكش المغربية.
ونجحت طهران في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من إكمال ترتيبات شراء طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي-35" ومروحيات روسية الصنع، وذلك بعد مضي 3 أشهر من تسلمها مجموعة من طائرات روسية متطورة للتدريب على القتال من طراز ياك-130.
كما وقّع البلدان اتفاقا على تمويل وإنشاء خط للسكك الحديدية بطول 162 كيلومترا بين مدينتي رشت وآستارا شمال غربي إيران بقيمة 1.6 مليار دولار، ليكون جزءا من ممر نقل يهدف إلى ربط الموانئ الروسية بالإيرانية المطلة على المياه الخليجية.
أذربيجان وحرب قره باغ
وتدهورت علاقات إيران مع أذربيجان في يناير/كانون الثاني الماضي، إثر هجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران، أسفر عن وفاة حارس أمن وإصابة موظفيْن آخريْن بجروح، حيث ردت باكو بإغلاق المكتب التمثيلي للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي لديها وطرد 4 دبلوماسيين إيرانيين وردت طهران بالمثل.
وفضلا عن توقيف السلطات الأذرية عشرات الأشخاص بتهمة التجسس لصالح طهران وانتقادات الأخيرة جارتها الشمالية بسبب تقاربها مع إسرائيل، فإن حرب قره باغ الثالثة التي استعادت خلالها باكو، في سبتمبر/أيلول الماضي، السيادة على إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه مع أرمينيا، أثارت خشية إيران من شق باكو -بمساعدة أنقرة– ممر زنغزور.
وتعتبر طهران أن المشروع يهدف لخلق "عالم تركي" بإنشاء ممر يمتد من تركيا فإقليم نخجوان عبر محافظة سيونيك الأرمينية المحاذية للأراضي الإيرانية، حتى تركمانستان وإحدى المقاطعات الصينية ذات الأغلبية الإيغورية، مما يهدد بقطع الطريق الواصل بين إيران وأوروبا الشرقية عبر أرمينيا، الأمر الذي عدته طهران "خطا أحمر"، رافضة "أي تغيير جيوسياسي في المنطقة".
ورغم أن هاجس طهران من الممر ألقى بظلاله على علاقاتها مع باكو وأنقرة وعزز موقفها الداعم ليريفان، لكن اتفاقها وأذربيجان، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على إنشاء ممر يربط بين زنغزور الشرقية ونخجوان مرورا بإيران، ساهم في نزع فتيل التوتر بينهما.
طهران استهدفت سابقا قواعد للمعارضة الإيرانية في قرية زركيز خارج مدينة السليمانية العراقية (الفرنسية) طهران وبغداددأب الحرس الثوري الإيراني خلال السنوات الماضية على تنفيذ ضربات صاروخية وغارات بطائرات مسيرة ضد مقار تابعة للمعارضة الكردية الإيرانية داخل إقليم كردستان العراق.
وفي نهاية أغسطس/آب الماضي، أعلنت بغداد وطهران توقيع اتفاقية أمنية لتفكيك تجمعات تلك المعارضة وإبعادها عن الحدود مع إيران، وتسليمها المطلوبين منهم. وبحلول 19 سبتمبر/أيلول الماضي أعلن الجانب العراقي تنفيذ الاتفاق.
اقتصاديا، توصلت لجان فنية من طهران وبغداد، في يوليو/تموز الماضي، إلى اتفاق لمقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني، لضمان تشغيل محطات إنتاج الكهرباء العراقية من جهة ومواجهة مشكلة العقوبات الأميركية على إيران من جهة أخرى.
كما وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني -خلال زيارته محافظة خوزستان جنوب غربي إيران في سبتمبر/أيلول الماضي ومحمد مخبر النائب الأول للرئيس الإيراني- حجر الأساس لمشروع الربط السككي بين منطقة شلمجة الإيرانية ومدينة البصرة العراقية.
ولعل الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية في مارس/آذار الماضي واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما شكل منعطفا في علاقات طهران والدول العربية. فعقب إعادة افتتاح سفارتي البلدين وتبادل وزيري خارجيتهما الزيارات، شهدت العلاقات الثنائية مباحثات هاتفية بين رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وعقب عملية "طوفان الأقصى"، شارك رئيسي في اجتماع رؤساء دول منظمة التعاون الإسلامي الخاص بمناقشة الحرب على قطاع غزة، والتقى بابن سلمان في الرياض، حيث وُصف اللقاء في طهران بالتاريخي.
وزار وفد برلماني إيراني العاصمة البحرينية المنامة وعقد مباحثات ثنائية لإعادة العلاقات بين البلدين، مؤكدا رغبة الجانبين في فتح المزيد من آفاق التعاون. وبينما رحبت الأوساط الإيرانية بهذه المساعي، فإنها لم تنجح بعد في إذابة الجليد بين البلدين.
الوساطة القطرية نجحت في عقد اتفاق تاريخي بين طهران وواشنطن لتبادل السجناء (رويترز) طهران والدوحةفي المقابل، تعززت العلاقات الإيرانية القطرية خلال عام 2023 وتُوجت وساطة الدوحة بين طهران وواشنطن في العاشر من أغسطس/آب الماضي، باتفاق يقضي بتبادل سجناء من الطرفين مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية.
كما أن طهران والدوحة تقودان منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي مساعي دبلوماسية حثيثة لوقف الحرب على قطاع غزة.
وشهدت علاقات طهران مع مسقط تطورا لافتا، لا سيما عقب زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق لإيران أواخر مايو/أيار الماضي، ولقائه خامنئي، حيث تم الإعلان عن تفاهم بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن موقع "آباده" الخلافي في قضية كشف جزيئات اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%.
أما العلاقات الإيرانية الإماراتية فحافظت على متانتها رغم خلاف الجانبين بشأن الجزر الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) في المياه الخليجية وتطبيع أبو ظبي علاقاتها مع إسرائيل.
وبعد تأكيد قائد القوات البحرية في الحرس الثوري علي رضا تنغسيري، في أبريل/نيسان الماضي، أن بلاده تعتزم إنشاء مساكن في الجزر الثلاث وخلق فرص عمل فيها، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي، -الصيف الماضي- إن طهران "لا تجامل أي طرف في مسألة الجزر، مؤكدا سيادة بلاده عليها".
كما شكّل حقل الدرة (آرش) للغاز الطبيعي عاملا خلافيا في علاقات إيران والكويت لا سيما بعد الاتفاق الكويتي السعودي -الصيف الماضي- على الإنتاج المشترك فيه بوصفه ثروة طبيعية خالصة لهما، وهو ما رفضته طهران وأكدت تمسكها بحقوقها فيه.
من ناحية أخرى، احتدم التوتر الحدودي بين إيران وأفغانستان منذ الأشهر الأولى من عام 2023 مخلفا قتلى وجرحى في تبادل لإطلاق النار عدة مرات، بيد أن أزمة المياه في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران مع انقطاع مياه نهر هلمند الذي ينبع من أفغانستان، فاقما الخلافات بينهما.
وازدادت العلاقات الثنائية توترا إثر تحذير الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 18 مايو/أيار الماضي، السلطات الأفغانية وتحديده مهلة شهر لإطلاق كابل حصة بلاده من مياه نهر هلمند، وهو ما ردت عليه حركة طالبان بإصدار بيان انتقدت فيه موقف طهران وأكدت أن المياه غير كافية لتسييرها إلى داخل الأراضي الإيرانية.
وما زال الملف مفتوحا وتتصاعد انتقادات الأوساط الإيرانية للبرلمان لعدم محاسبة الحكومة بهذا الشأن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الجزر الثلاث بین طهران فی علاقات
إقرأ أيضاً:
هل تعدل سوريا مسار العلاقات التركية- الإيرانية؟
يتعدى تأثير المتغيرات الأخيرة في سوريا الشأن السوري الداخلي لتلقي بظلالها الكثيفة على المنطقة برمتها، من حيث مساحات التنافس الإقليمي في سوريا نفسها، وخارجها، ثم العلاقات البينية بين القوى الإقليمية الأساسية، وفي مقدمتها تركيا وإيران.
ذلك أن سوريا كانت في مقدمة البلاد والقضايا التي تتنافس فيها الدولتان، ومع سقوط نظام الأسد حليف طهران وموسكو وسيطرة الإدارة الجديدة الحريصة على علاقات مميزة مع أنقرة، انقلبت المعادلات الإقليمية في المسألة السورية بشكل جذري وكبير وسريع.
ما قبل سقوط النظام، كانت الولايات المتحدة تستأثر مع قوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على مناطق شرق نهر الفرات، والتي هي "سوريا المفيدة" عمليا وليس حسب تسمية النظام، حيث الثروات المائية والزراعية ومصادر الطاقة. وفيما تبقى من سوريا، أدارت روسيا، الحليف الرئيس والأقوى للنظام وذات النفوذ الأكبر في سوريا، العلاقات بين الأطراف الأخرى، حيث تتواجد القوات التركية في الشمال، والمجموعات المحسوبة على إيران في عدة مناطق، بينما تنسق "إسرائيل" هجماتها في سوريا ضد حزب الله وإيران معها.
تنقلب هذه المعادلة رأسا على عقب، فإيران خارج المعادلة تماما تقريبا، وروسيا مكتفية بضمانات أولية بخصوص قواعدها العسكرية، فيما يُنظر لتركيا على أنها أكبر الكاسبين من سقوط النظام سياسيا واقتصاديا وأمنيا واستراتيجيا، بينما استغلت دولة الاحتلال الفترة الانتقالية لتوسيع احتلالها وفرض أمر واقع جديد وتقويض قدرات الدولة السورية الجديدة، في محاولة لوضعها أمام عدة خيارات صعبة
اليوم، تنقلب هذه المعادلة رأسا على عقب، فإيران خارج المعادلة تماما تقريبا، وروسيا مكتفية بضمانات أولية بخصوص قواعدها العسكرية، فيما يُنظر لتركيا على أنها أكبر الكاسبين من سقوط النظام سياسيا واقتصاديا وأمنيا واستراتيجيا، بينما استغلت دولة الاحتلال الفترة الانتقالية لتوسيع احتلالها وفرض أمر واقع جديد وتقويض قدرات الدولة السورية الجديدة، في محاولة لوضعها أمام عدة خيارات صعبة؛ في مقدمتها التطبيع أو المواجهة أو البقاء ضعيفة وتحت ضغط "إسرائيل" التي تتواجد قواتها على مسافة قريبة من العاصمة.
فكيف تنعكس هذه المتغيرات الجوهرية على العلاقات التركية- الإيرانية؟
يشكل التنافس السمة الرئيسة للعلاقات بين القوتين الإقليميتين، لعدة عوامل في مقدمتها الخلفية التاريخية وبنية الدولة وطبيعة نظام الحكم ومنظومة التحالفات وغيرها، حيث تتلاقى مصالحهما في بعض القضايا والملفات وتتعارض في بعضها الآخر.
تتعارض مصالح الجانبين في كل من سوريا والعراق والبحر الأسود وكذلك في جنوب القوقاز والبلقان وآسيا الوسطى، بينما تتلاقى مصالحهما في القضية الفلسطينية والتعاون الاقتصادي ورفض التدخلات الخارجية في المنطقة ومواجهة منطق العقوبات. ولذلك لطالما كانت تركيا متنفسا لإيران في ظل العقوبات الأمريكية، كما ساهمت مع البرازيل في بلورة الاتفاق الثلاثي بخصوص الملف النووي الإيراني عام 2010.
ساعد كل ذلك على إبقاء المساحة الأساسية في العلاقات في مستوى التنافس وليس الصدام المباشر، بما يتناغم مع كون البلدين يملكان الحدود المشتركة الأهدأ في المنطقة في التاريخ الحديث، على ما افتخر به أحمد داود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي". ورغم أن سوريا تحديدا شكلت مساحة للمواجهة غير المباشرة والتصعيد السياسي والإعلامي، إلا أن ذلك لم يصل لدرجة المواجهة المباشرة، والتي استطاع الطرفان بإرادة سياسية مشتركة تجنبها، ثم أتى مسار أستانا ليشكل ضمانة لعدم حصولها.
الآن، يأتي المتغير السوري بعد تطورات إقليمية ودولية مهمة تغذّي نفس السياق. فقد تجنبت تركيا التماهي مع الموقف الغربي في الحرب الروسية- الأوكرانية، مبقية على علاقات أكثر من جيدة مع روسيا، فضلا عن أن انشغال الأخيرة في الحرب الأوكرانية مضافا للمتغير السوري؛ يعني أنها ستنكفئ مرحليا عن المنطقة بما يسهم في اختلال موازين القوى فيها.
كما أن الحرب الأذربيجانية- الأرمينية انتهت أو تكاد بعد المواجهة الأخيرة، وثمة أطروحات يمكن أن يساهم في تعزيز ليس فقط الأمن والاستقرار، وإنما كذلك التعاون الإقليمي الذي يشمل إلى جانب البلدين كلا من روسيا وتركيا وإيران وجورجيا، كالإطار السداسي الذي اقترحته أنقرة.
الأهم أن العدوان الأخير على غزة والذي امتدت نيرانه نحو كامل المنطقة نقل أنقرة من موقع المتضامن مع الفلسطينيين إلى مربع الشعور بالتهديد الذاتي من دولة الاحتلال ومشاريعها الإقليمية، ما يجمعها مع طهران في هذا السياق. فأردوغان نفسه أشار إلى قرب قوات الاحتلال نسبيا من حدود بلاده (على بعد ساعتين ونصف)، ووزير دفاعه أجاب بالإيجاب على سؤال بخصوص احتمال استهداف "إسرائيل" تركيا بشكل مباشر، ونظّم البرلمان التركي جلسة سرية لمناقشة المخاطر التي تتهدد تركيا بسبب السياسات "الإسرائيلية" وسبل مواجهتها. في المقابل، هددت "إسرائيل" الرئيس التركي بمصير الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بعد تلميحه باحتمال استخدام القوة لحماية الفلسطينيين مستقبلا، كما نصحت لجنة "ناجل" المكلّفة من حكومة نتنياهو بالاستعداد لحرب محتملة مع أنقرة.
بعد كل ما سبق، يأتي الزلزال السوري ليخرج سوريا من مساحة المواجهة بين تركيا وإيران إلى حد كبير، فما هي البدائل المتاحة والممكنة؟
إما نقل المنافسة المحتدمة إلى ساحات أخرى واحتمال رفعها لمستوى المواجهة وبالتالي استنزاف الطرفين فيها، وهو سيناريو محتمل جدا وسيكون العراق هو الساحة المرشحة له، وإما التخلي عن منطق الفترة السابقة والتعامل وفق المعطيات الجديدة والتغيرات الجذرية في المنطقة والبحث عن مساحات التعاون
إما نقل المنافسة المحتدمة إلى ساحات أخرى واحتمال رفعها لمستوى المواجهة وبالتالي استنزاف الطرفين فيها، وهو سيناريو محتمل جدا وسيكون العراق هو الساحة المرشحة له، وإما التخلي عن منطق الفترة السابقة والتعامل وفق المعطيات الجديدة والتغيرات الجذرية في المنطقة والبحث عن مساحات التعاون.
لقد كسبت أنقرة كثيرا في الملف السوري لكنها سعت منذ اللحظة الأولى لطمأنة مختلف الأطراف، المساندة والمعارضة، إلى أنها لن تستأثر بالمشهد وبأن التغيير هناك لن يكون على حساب أحد أو للانتقام من أحد، وقد عضّدت تصريحات رئيس الإدارة الجديدة أحمد الشرع هذا التوجه.
كما أن تركيا تسعى في السنوات الأخيرة لتخفيف حدة الخلاف وتدوير زواياه مع مختلف الدول والأطراف، وإيران قد لا تكون استثناء هنا، لا سيما وأن أنقرة لا تتماهى تماما مع المواقف الأمريكية والغربية وتحديدا حلف الناتو الذي تتمتع بعضويته. كما أن لديها هواجسها بخصوص الموقف الأمريكي من قوات سوريا الديمقراطية، وفرضية التدخل الخارجي لخلط الأوراق في سوريا، وهو ما يمكن أن يلتقي مع هواجس طهران بخصوص إمكانية استهدافها من قبل "إسرائيل" و/أو الولايات المتحدة، ما يعني أن الأخيرة ستستشعر الحاجة لدور تركيا في فتح مسار حوار مع واشنطن، وشيء شبيه لتأسيس علاقة مستقبلية مع سوريا الجديدة.
في الخلاصة، تُوفِّرُ التطورات والمتغيرات الكبيرة إقليميا ودوليا في السنوات الأخيرة دوافع ملموسة لإحداث تغير جذري في طبيعة ودينامية العلاقات بين تركيا وإيران، بما يخفف من مساحات الاحتكاك والاستنزاف ويقوّي الطرفين في مواجهة التحديات الكثيرة التي بات بعضها مشتركا. فهل يمكن أن تتشكل قناعة لدى صانع القرار في العاصمتين بضرورة اعتماد توجه من هذا القبيل؟ لأن توفر الإرادة السياسية سيكون كفيلا بوضع الأسس السليمة والأرضية القوية لتغير كبير من هذا النوع، وما دون ذلك يبقى استحقاقات وأدوات يسهل تأمينها.
x.com/saidelhaj