غازي العالول.. بطل بين ليل حالك ونهار قاهر
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
غازي العالول رسم ملامحا صعبة للحرب وترك زوجته وصغيريه في خيمة النزوح
من أجل القضية الفلسطينية ومن أجل القطاع الذي لا يزال ينزف ألما وقهرا، ومن بين الركام الذي يحضن ذكريات مؤلمة، ومن بين الصور الممتدة إلى أعاصير الذاكرة التي يستحوذ عليها الحنين والحسرة، ومن رحم المعاناة المتجذرة في قلب الفلسطينيين، يخرج مراسل "رؤيا" في القطاع غازي العالول، متحديا القصف الغاشم، متفائلا بنصر قريب بإذن الله تعالى.
اقرأ أيضاً : مراسل "رؤيا" في غزة يفوز بجائزة دولية للمراسلين الحربيين - فيديو
غازي العالول، رجل المهمات الصعبة في الميدان، استمد قوته من روح الفلسطينيين، إلى جانب أنه ترعرع في منزل يعشق فلسطين، كما يعشق الزيتون رحم الأرض، ورضع حليب الإباء، ليأبى الألم ويقف أمام "الكاميرا" متحديا رغم الليل الحالك الذي سيطر أهالي القطاع نتيجة للأحداث المستعرة.
في قلب الحدث، استطاع الصحفي العالول أن يصل صوته إلى بيوت الأردنيين، فضلا عن بيوت الفلسطينيين، بل وصل صوته إلى مختلف أنحاء العالم، ولامس بصوته الجهوري قلوب مناصري القضية الفلسطينية، ومناصري أهالي القطاع، فتحدث بلغة بسيطة مكللة بالكبرياء والعزة.
ورغم صغر سنه، إذ يبلغ من العمر 26 عاما، إلا أنه بات كبيرا بقدره، ومهنيته واقتحم قلوب الفلسطينيين في القطاع الذين فقدوا أحباءهم، ليرسل رسالة إلى العالم مفادها أن القضية بالفطرة باتت عالمية.
غازي العالول "أبو أشرف" حمل شرف المهنة في رسالته الخالدة، ورفض والد تهاني -ابنته- التهاني والتبريكات بقدوم صغيره الذي وُلد في ذروة الحرب المشتعلة إلا بعد تحقيق النصر.
أجواء الحرب، ومخيمات النازحين وأمهات احتضن صغارهن قبل ارتقائهن، ليكونوا مفارقين للحياة غير آبهين لآلة الحرب الواهنة، نقلها العالول بعزيمة الفلسطيني التي لا تنضب.
الشاب العالول أخذ على عاتقه نقل الصورة بحرفية عالية، فمن أسطح المنازل قبل أن تشتد الحرب، إلى الشارع بعد أن قصف الكيان المبنى الذي اعتادت "رؤيا" نقل الحدث خلاله، إلى شوارع القطاع الخاوية، المنهارة إلى مخيمات النازحين ، إلى مستشفيات شهدت مجازر دموية، وحسرات وآهات.
غازي العالول، رسم ملامحا صعبة للحرب، وترك زوجته وصغيريه في خيمة النزوح التي أرضها "طين" بعد أن غسلها المطر، وسماؤها غارات متوحشة، وصغيران لا يعلمان مصيرهما الغامض في ظل البقاء المتلعثم بحب الحياة.
غازي العالول، لم ينقطع عن الاتصالات بالرغم من انقطاعها، وكان الفريق الإخباري لـ"رؤيا" يواصل الليل بالنهار من أجل التغطية الصحفية، ومن أجل مهنتهم التي تحتم عليهم تحمل الألم من أجل العمل.
بين ليل ونهاروبين ليل حالك محصور بالقسوة وبين نهار قاس محصور بالمآسي، يقف "أبو أشرف" وقد تغلب على النوم ليستكمل التغطية المرعبة ومن حوله مشاهد مؤلمة ، وصواريخ فتاكة، غير آبه لموت قد يطاله، فما يهمه أن ينقل الحدث لمن يهمه الحدث.
غازي العالول وفي محياه الإعياء، وفي قلبه حسرة، وفي عينيه أنين، وفي إحدى الخيمات أسرته التي لا تزال تنتظره بالدعاء إلى الله عزوجل أن يعود سالما ويحتضن من كان عنهم بعيدا، ولكنهم في عينيه وروحه.
الصورة كانت تتكلم وصوت غازي المثقل بالتعب كان واضحا، وكان الخوف سيد المشهد، إلا أنه لم يخف أمام مهنة المتاعب.
تهاني وأشرفولنعد إلى "أرشيف" الصحفي المتميز العالول فنجد في الذاكرة صورتين في ذات الصورة ، فقد استقبل صغيرته تهاني بضحكة شهدها العالم فرحا، وفي الصورة الثانية استقبل أشرف بضحكة لكن تملؤها الحسرة والحنين، في حرب لا تزال تحصد المزيد من الفلسطينيين.
جائزة وتكريموفي قسوة الأحداث، باتت الخوذة الواقية و"بزة" العالول شاهدتين على ما يتجرعه هذا الصحفي المتمكن الذي يواصل الأمس باليوم من منطلق واجبه وانتمائه لعمله الذي يسجل له علامات الفخر.
ولأن "الجزاء من جنس العمل" فقد حصد مراسل "رؤيا" غازي العالول جائزة "أفضل عمل صحفي من مناطق النزاع، بعد اختياره من قبل لجنة تحكيم جائزة خالد الخطيب الدولية لعام 2023 بمسابقة "روسيا اليوم الدولية للمراسلين الحربيين لأفضل الأعمال من مناطق النزاع".
وفاز العالول بجائزة "أفضل عمل صحفي من مناطق النزاع: فيديو" لأنه يستحق، في سلسلة تقارير جرى إنتاجها عن الأوضاع في القطاع، تحدثت عن النزوح والحرب والقصف وتدمير أبرز المعالم في القطاع وحياة الفلسطينيين في مخيمات اللجوء إضافة إلى ارتقاء الصحفيين.
مصور المهمات الصعبةوفي هذا المقام، لن ننسى الجندي المجهول "مصور رؤيا" الذي رافق العالول، وكان عين الحدث في قلب الحدث محمد الظاهر
الظاهر نقل الصور والمشاهد بحرفية عالية وتمكن من تحقيق التميز والنجاح، أسوة برفيق دربه العالول، حيث ترافقا على "الحلوة" والمرة" واستطاع بـ"كاميرته" أن يسلط الضوء على مجمل الأحداث.
الظاهر خرج من منزله مودعا فلذات كبده الثلاث، طالبا منهن أن يحرصن على الدعاء له.
الظاهر ظهر بمهنيته في الحرب التي "أكلت الأخضر واليابس" وبثي ثابتا صلبا ليضحي اليوم أيقونة للعمل المتفاني".
لله دركمومن القطاع إلى الضفة الغربية، يقف مراسلو "رؤيا" حافظ أبو صبرا ومحمد العدم وأسيل سليمان وآية الخطيب وقفة رجل واحد لنقل الأحداث والمستجدات أولا بأول، فلا تغيب عنهم المشاهد وإن كانت صعبة، فينقلون الحدث، بمهنية مطلقة.
في شمال وجنوب فلسطين، تتواجد "رؤيا"، بكادرها المتين، ومراسليها الأكفاء، يصافحون البرد والحر، يغطون الاقتحامات والمداهمات، مستبسلين بكرامة وطن وشرف شعب أراد الحياة واستجاب القدر لهم.
أبو صبرا، والعدم وسليمان، والخطيب لله دركم فقد صنتم العهد أمام مهنتكم فصرتم نياشين التضحية، خصوصا في ظل الأحداث المتكالبة نتيجة للحرب في القطاع، وكأن هاماتكم جبالا لا يمكن بسها.
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: فلسطين قطاع غزة حرب غزة رؤيا مجموعة رؤيا الإعلامية فی القطاع من أجل
إقرأ أيضاً:
الحدث السوري وحديث الاستئناف
سقوط النظام السوري كان حدثا مدوّيا ومفاجئا بالنسبة لعموم المراقبين، مع أنه قد يكون منتَظرا بالنسبة للدوائر الفاعلة في المشهد الإقليمي والدولي والتي لها قدرةٌ على صناعة الأحداث أو على توجيهها، أو على الاستفادة منها حتى وإن حصلت دون علمها وتأثيرها.
المفاجأة كانت بسبب سرعة تقدم المسلحين دون وجود مقاومة من جيش النظام، وقد كان بعض المحللين يظنون أن النظام سحب قواته من حلب ودرعا وحمص لتحصين العاصمة، ولكن كانت المفاجأة الكبرى أن العاصمة دمشق كانت مفتوحة وأن الرئيس كان قد غادر البلاد.
هذه السرعة تذكر أيضا بسرعة هروب بن علي وبسرعة سقوط حسني مبارك رغم اختلاف الأساليب، ففي الحالتين الأخيرتين كانت الاحتجاجات سلمية ولم يرفع المتظاهرون السلاح بوجه قوات الأمن والجيش كما هو الحال في سوريا.
ما يعني ضحايا الاستبداد هو سقوط المستبد وانهيار منظومة القمع وعصابات النهب وجلاوزة التعذيب، ولا يعني الضحايا إن كان سقوط المستبدين إنجازا شعبيا ثوريا أم كان إكراها خارجيا لأولئك المتجبرين على ترك الحكم والبلاد
إنّ ما يعني ضحايا الاستبداد هو سقوط المستبد وانهيار منظومة القمع وعصابات النهب وجلاوزة التعذيب، ولا يعني الضحايا إن كان سقوط المستبدين إنجازا شعبيا ثوريا أم كان إكراها خارجيا لأولئك المتجبرين على ترك الحكم والبلاد. وهنا لا يجوز الانشغال بمقارنات إن كانت جرائم النظام السوري أبشع أم ألطف من جرائم أمريكا والكيان الصهيوني، ولا يليق تنغيص فرحة المضطَهدين بطرح الأسئلة المبكرة حول الموقف من التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية وحول ضرب مخازن الأسلحة وترسانة الذخائر، فتلك معركة ليست طارئة إنما هي قديمة مع عدو محتل متوحش لا تقاومه إلا الشعوب المتحررة من القمع والظلم.
لقد كان شنق صدام حسين وقتل القذافي "بحجارة" عملا مهينا للعرب، إذ كان من حق الشعوب العربية المضطهدة محاكمة حكامها المجرمين محاكمات علنية عادلة تتحقق بها العدالة وتعبر بها عن التحضّر والتمدن، غير أن المقهورين لم يروا في ذلك إهانة للعرب بل اعتبروها عدالة إلهية أجراها الله تعالى على أيدي من قدروا على الظالمين وتلك عندهم قاعدة "ضرب الظالمين بالظالمين وإخراج المظلومين سالمين".
العديد من المتابعين للحدث السوري وخاصة من المنتمين إلى التيار الإسلامي، اعتبروا أن اللحظة تفتح على موسم "الاستئناف"، بعد أن أجهضت قوى معادية للربيع العربي مسار التجريب الديمقراطي في كل من تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن. "الاستئناف" يعني زوال مكونات المشهد السياسي الحالي في أكثر من قُطر عربي، واستعادة قوى الربيع العربي حضورها في المشهد لإحياء مسار ديمقراطي بعد أن تعثّر ثم اغتيل.
والسؤال الذي قد يُطرَحُ هو: هل يفتح انتصارٌ مسلّحٌ في قُطر ما مجالا لمسار سلمي ديمقراطي في أقطار أخرى؟ سؤال يُزعج بعض الأنظمة التي تجد نفسها في مدار العواصف القادمة، خاصة وأن مجيء الرئيس الأمريكي المنتخَب أخيرا يُنذر بسنواتِ "بطش" بعدد من الأنظمة؛ لا بسبب كونها غير ديمقراطية وإنما ترامب سيعود بأسلوبه المحقّر للأنظمة العربية وسيعمل على فرض خارطة جديدة تكون فيها للكيان الغاصب "دولة أوسع" ونفوذا أكبر، ويكون فيها حكام العرب مطبعين علانية لا سرّا، ولا يكفي منهم مكاتب علاقات ولا حتى إسداء خدمات استخباراتية ومساعدات ماديةبسبب كونها لم تعد قادرة على الانتظام في "شرق أوسط جديد" تأخر تحقيقُه بسبب صمود المقاومة لحوالي عقدين من الزمن. ولعل ترامب يرى أن اللحظة صارت مناسبة بعد ما ترتب عن معركة الطوفان من أضرار كبيرة ألحقها الأعداء بمحور المقاومة.
ترامب سيعود بأسلوبه المحقّر للأنظمة العربية وسيعمل على فرض خارطة جديدة تكون فيها للكيان الغاصب "دولة أوسع" ونفوذا أكبر، ويكون فيها حكام العرب مطبعين علانية لا سرّا، ولا يكفي منهم مكاتب علاقات ولا حتى إسداء خدمات استخباراتية ومساعدات مادية.
هل معنى هذا أن "الاستئناف" سيكون حتما مقترنا بالتطبيع العلني؟ الإجابة عن هذا السؤال محفوفة بمقدمات "مرنة" تسمح لأصحابها باستعمال قاموس "الإكراهات"، ونظرية "التمكّن قبل التمكين"، وقاعدة "دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر" ونظرية "تسليط الله الكفار على الفجار"، وغيرها من الوَصفات التي "قد" يسهل بها تبريرُ تأجيل حكام "الاستئناف" الاستعصاء بوجه قوى الاستكبار العالمي. وهو ما سيفتح على سؤال آخر حول مدى قدرة أنظمة مطبّعة علانية على تجريع الشعوب "مُستحلب" الصهيونية العالمية؛ علّبته أيادي الخائنين والجبناء من حكام ونخب إعلامية وفكرية وفنية.
x.com/bahriarfaoui1