عودة حذرة لبعض شركات الشحن إلى باب المندب
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
قفز "باب المندب"، المنفذ اليمني الاستراتيجي على البحر الأحمر، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إلى واجهة الأحداث المتصاعدة في المنطقة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد إعلان الحوثيين استهداف جميع أنواع السفن الإسرائيلية والتي تعمل لصالحها، داعية شركات الشحن العالمية إلى سحب مواطنيها العاملين عليها وتجنب التعامل معها.
إضافة إلى استهداف الحوثي جميع السفن التي تحمل علم إسرائيل، والسفن التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية، داعيةً دول العالم لسحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن، وتجنب الشحن على متنها أو التعامل معها، وإبلاغ سفنها بالابتعاد عنها، حيث استهدفت منذ ذلك الوقت مجموعة من السفن التجارية تؤكد سلطة صنعاء أنها تابعة لإسرائيل أو لدول تتعامل معها.
وأكدت مصادر مسؤولة في صنعاء أن الولايات المتحدة الأميركية فشلت في عسكرة البحر الأحمر في محاولة للسيطرة على الممر المائي اليمني باب المندب، الذي تلتزم بحمايته الدول المشاطئة للبحر الأحمر وفي المقدمة اليمن المخول له قانوناً بحماية أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب.
وأضافت أن الملاحة في البحرين الأحمر والعربي آمنة إلى كل الوجهات باستثناء الكيان الإسرائيلي، وأن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية في البحرين الأحمر والعربي موجهة فقط ضد سفن إسرائيل والسفن المتوجهة إلى موانئها.
من جانبه، اتهم الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام في منشور كتبه على موقع "إكس" أميركا وشركائها بتهديد الملاحة الدولية بسبب محاولتها عسكرة البحر الأحمر لتوفير خدمة الأمان للسفن الإسرائيلية.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد الشركات العالمية التي قررت عدم الإبحار في البحر الأحمر تفاديا لضربات الحوثي، أشار الخبير في الملاحة البحرية علي هزاع في حديثة لـ"العربي الجديد"، إلى خطورة الأحداث المتصاعدة في باب المندب والاضطراب الحاصل في أهم الممرات التجارية الدولية في البحر الأحمر، لافتاً إلى تأثر التجارة الدولية واقتصادات الدول ليس فقط إسرائيل بل والدول والشركات التي تسهل مهامها في التجارة الدولية والنقل البحري.
وتؤكد جماعة الحوثي أنها مستمرة في مساندة الشعب الفلسطيني واستهداف السفن الإسرائيلية وسفن الشركات والدول المتعاونة معها بالرغم من محاولة البعض التقليل من عمليات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب.
إلا أن شركات شحن عالمية غيرت مسار سفنها حتى إشعار آخر، تماشياً مع الواقع الذي تم فرضه في منع مرور السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية ما لم يتم السماح بدخول الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني وتحديداً إلى قطاع غزة، رغم أن بعض هذه الشركات عاد إلى العمل عبر المضيق وإن على حذر، على غرار ما قررت في اليومين الأخيرين "ميرسك" و"سي إم إيه - سي جي إم".
بينما تصر شركات أُخرى، مثل العملاقة "هاباغ لويد إيه جي" الألمانية الأميركية على أنها ستُبقي سفنها بعيدة عن البحر الأحمر، ليبرز أمس الخميس، حظر الأردن تصدير وإعادة تصدير الأرز والسكر والزيوت النباتية بفعل ارتفاع كلفة الشحن جراء هذه الأزمة.
ويقول هزاع إن تبعات ما يحصل في باب المندب والبحر الأحمر يمثل حدثا مفصليا في تطورات الأوضاع والصراع الدولي في المنطقة حيث ستستمر تبعات ذلك بالتصاعد الخطير والواسع حتى بعد توقف الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ قد يشهد العالم صراعا واسعا بين الأقطاب الدولية الكبرى التي ستدفع بالمزيد من الحشود العسكرية والقوات والقطع البحرية والتي ستدفع صراعا خفيا منذ أعوام إلى العلن في ظل ما سترافقه من تحالفات واستقطابات متعددة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير جذري في التجارة الدولية والاتفاقيات البحرية وارتفاع قياسي في تكاليف التأمين والشحن التجاري والذي سينعكس على الأسواق المحلية في كل دولة.
وجددت سلطة صنعاء أكثر من مرة تحذيرها لكافة السفن الإسرائيلية بأنها سوف تصبح هدفاً مشروعاً في حال مخالفتها لما جاء في البيانات التحذيرية الصادرة عن سلطة صنعاء.
في المقابل، اتهمت واشنطن الحوثيين بتلقي دعم مالي من إيران لتنفيذ هجمات ترى أنها غير مبررة على البنية التحتية المدنية والشحن التجاري، وتعطيل الأمن البحري وتهديد التجارة الدولية.
وأعلنت فرض عقوبات على 13 شخصاً وشركة زعمت أنهم يقدمون عشرات الملايين من الدولارات من بيع وشحن السلع الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن. وتمنع العقوبات الوصول إلى الممتلكات والحسابات المصرفية الأميركية وتمنع الأشخاص والشركات المستهدفة من التعامل مع الأميركيين.
كما تسعى لتوسيع الشراكة البحرية بعد استهداف عدد من السفن التجارية وإصابة عدد منها في باب المندب والبحر الأحمر، حيث دعت واشنطن حلفاءها للانضمام إلى القوات البحرية المشتركة التي تعمل على تشكيلها.
الباحث الاقتصادي عصام مقبل يوضح لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن التي عطلت مشروع القرار العربي الأخير في مجلس الأمن لإيقاف الحرب في غزة، وضعت باب المندب والبحر الأحمر في طليعة اهتمامها في ظل تربص دول منافسة أخرى مثل الصين وروسيا بمسار الأحداث المتصاعدة في أهم الممرات المائية الدولية.
وسخر الحوثيون من توجهات واشنطن بإنشاء قوة دولية لمواجهة الهجمات المتواصلة على السفن، قائلين إنه "قرار لا قيمة ولا أهمية له"، لكن بالمقابل تعتبر سلطة صنعاء مثل هذه الخطوة تهديدا لأمن واستقرار المنطقة.
ويشير مقبل إلى قيام الولايات المتحدة الأميركية بإرسال مبعوثها الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ في إطار مساعيها لتشكيل تحالف دولي في البحر الأحمر، حيث تتركز مهمة ليندركينغ بحشد جهود الحكومة اليمنية في عدن ضمن إطار هذا التحالف الدولي الذي أعلنت واشنطن عن تشكيله، حيث لم تجد أي تجاوب من دول عديدة، من ضمنها السعودية.
وناقش المبعوث الأميركي إلى اليمن في وقت سابق، مطلع ديسمبر/ كانون الأول، مع مسؤولين في الحكومة اليمنية التهديدات التي يتعرض لها أمن الملاحة الدولية جراء هجمات الحوثيين على السفن التجارية وتأثيراتها على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
في السياق، يؤكد خبراء اقتصاد ومراقبون أن الجغرافيا اليمنية هي المطمع الأول لعدد من الدول في المنطقة ولكثير من القوى الاستعمارية بشكل عام لتأمين مصالحها وتجارتها، ومنهم الباحث الاقتصادي والأكاديمي سفيان جامل الذي يشدد لـ"العربي الجديد" على نقطة محورية في هذا الخصوص تتعلق بتبعية باب المندب لليمن واستغلال العديد من الدول التي الحرب في اليمن لتكثيف وجودها بالقرب من هذا الممر الاستراتيجي.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: التجارة الدولیة فی البحر الأحمر باب المندب سلطة صنعاء
إقرأ أيضاً:
3 رسائل وجهها ترامب من خلال قصف مواقع للحوثيين باليمن
واشنطن- تطبيقا لمبدأ "السلام من خلال القوة"، أجمع مسؤولون أميركيون على أن هجمات بلادهم ضد جماعة أنصار الله الحوثيين باليمن تأتي لتحقيق السلام ومعالجة فشل إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وعجزها عن وقف تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر.
وفي حين أن هجمات الحوثيين على السفن لم تستأنف حتى الآن، حتى بعد تعقد سير مفاوضات تمديد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ذكر الحوثيون الأسبوع الماضي أنهم أسقطوا طائرة دون طيار أميركية من طراز "إم كيو 9 ريبر" فوق البحر الأحمر.
كما ذكر بيان للحوثيين أنهم سيستهدفون أي سفن تنتهك الحظر المفروض على مرور السفن الإسرائيلية عبر البحر الأحمر وبحر العرب وباب المندب وخليج عدن حال معاودة إسرائيل لعدوانها على قطاع غزة، وهو ما دفع بالكثير شركات الشحن الدولي عدم إرسال سفنها إلى البحر الأحمر.
ورد مسؤول عسكري أميركي على هذا التطور بالقول إن تعهد الحوثيين باستئناف الهجمات على الملاحة حفز على تجدد العمل العسكري الأميركي ضد الحوثيين.
أهداف ثلاثة
وأشارت تقارير أميركية إلى 3 أهداف سعت إدارة الرئيس دونالد ترامب لتحقيقها من وراء شن موجة من الهجمات الصاروخية والجوية على أهداف متعددة داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن.
إعلانويمكن تلخيص هذه الأهداف على النحو التالي:
تدمير قاذفات الصواريخ الحوثية التي كانت تتحرك من مناطق جبلية إلى مناطق ساحلية، وهو ما اعتبرته إدارة ترامب استعدادا لشن هجمات جديدة على السفن المارة من مضيق المندب والبحر الأحمر أحد أهم الأهداف العاجلة. استهدفت الهجمات لبعض قيادة جماعة الحوثيين التي اختبأت على مدار أكثر من عام بعد بدء الجماعة هجماتها في البحر الأحمر وإسرائيل. ترسل الضربات رسالة إلى إيران مفادها أنها يمكن أن تكون التالية، واستخدمت إدارة ترامب في هجماتها قوة نيران أكبر مما سبق واستخدمتها إدارة جو بايدن في هجماتها على الحوثيين على مدار العام الماضي. السلام من خلال القوةوفي حديث لشبكة فوكس، قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، إن إدارة ترامب تبعث برسالة واضحة للحوثيين بعدم التساهل أو السماح بشن هجمات على السفن العابرة في البحر الأحمر، محذرا إيران من التدخل في هذا الشأن.
وقال هيغسيث "عاد عصر السلام من خلال القوة، هذه الحملة تدور حول حرية الملاحة واستعادة الردع، في اللحظة التي يقول فيها الحوثيون سنتوقف عن إطلاق النار على سفنكم، سنتوقف عن إطلاق النار على طائراتكم دون طيار، ستنتهي هذه الحملة، لكن حتى ذلك الحين، سيكون الأمر لا هوادة فيه".
وبدوره، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لبرنامج "واجه الأمة" على شبكة "سي بي إس"، إنه "خلال الأشهر الـ18 الماضية، ضرب الحوثيون أو هاجموا سفنا بحرية عسكرية أميركية 174 مرة، وهاجموا 145 مرة سفن الشحن التجاري، لذلك، هم مجموعة من عصابات القراصنة لديهم أسلحة دقيقة موجهة مضادة السفن في أحد أهم ممرات الشحن في العالم، هذا لا يمكن له أن يستمر".
سياسة الضغوط القصوىوفي حديث للجزيرة نت، اعتبر خبير الشؤون الإيرانية جودت بهجت، المحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أن "الهجمات على الحوثيين قصد بها أن تكون رسالة إلى إيران أكثر من كونها تهدف لوقف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر".
إعلانوقال بهجت "لقد توقف الحوثيون عن مهاجمة السفن منذ أن اتفقت حركة حماس وإسرائيل على وقف إطلاق النار، صحيح أنهم هددوا باستئناف الهجمات إذا لم يصمد وقف إطلاق النار، لكن هذا لم يحدث بعد".
ووضع الخبير في الشؤون الإيرانية "الهجمات في إطار التفاعلات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن"، وقال إنه "قبل بضعة أيام، بعث ترامب برسالة إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، ويظهر التردد الإيراني من التفاوض مع واشنطن تحت التهديدات والترهيب، من هنا يبدو أن الهجوم على الحوثيين كان يهدف إلى إظهار أن الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام القوة".
وأضاف أنه من غير المرجح أن يردع هذا الهجوم إيران، إلا أنه يبدو أن ترامب يسعى في فترة ما قبل التفاوض، إلى الحصول على بعض النفوذ وإخافة الإيرانيين.
ومن جانبه، قال ترامب إن الضربات كانت أيضا رسالة إلى إيران مفادها أنها بحاجة إلى وقف الدعم لجماعة الحوثيين على الفور.
وكتب ترامب على منصة "تروث سوشيال" (Truth Social) "إذا هددت إيران الولايات المتحدة، ستحملك أميركا المسؤولية الكاملة ولن نكون لطيفين حيال ذلك".
أما خبيرة الشؤون الدولية بمعهد ستيمسون في واشنطن باربرا سلافين، فقالت للجزيرة نت إنها تعتبر ما جرى "أكثر من صورة الضغط الأقصى التي يستخدمها ترامب ضد إيران"، مشككة في أن يكون لهذه الهجمات تأثير كبير على الإيرانيين.
وأضافت سلافين أن الحوثيين يقاتلون إلى الأبد وسيستمرون في ذلك، "إذا اعتقد ترامب أن هذا يجعل الولايات المتحدة تبدو قوية، فعليه أن يحاول أن يكون أكثر صرامة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلاف ذلك فالهجمات لا تعد أكثر من محاولة لتشتيت الانتباه بعيدا عن روسيا".
حروب لا تنتهي
يذكر أن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أكد أن بلاده لا تهدف للتورط في حروب لا تنتهي في الشرق الأوسط، وهو ما لم يتوقف ترامب عن تكراره من خلال مهاجمة سجل إدارات البيت الأبيض، الجمهورية والديمقراطية، لتدخلها العسكري في العراق وأفغانستان لما يقرب من الـ20 عاما.
إعلانوكانت الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا قد قصفت في السابق المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن لكن عملية يوم السبت نفذتها الولايات المتحدة وحدها، وكانت هذه أول ضربة على الحوثيين في ظل إدارة ترامب الثانية.
وتتهم واشنطن إيران منذ فترة طويلة بتقديم مساعدات عسكرية للحوثيين وصادرت البحرية الأميركية أجزاء صواريخ إيرانية الصنع وأسلحة أخرى قالت إنها كانت متجهة إلى جماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء وشمال البلاد، وهو ما تنفيه إيران.
وجاءت هذه الهجمات بعد أسبوعين من إرسال ترامب رسالة إلى المرشد الأعلى في إيران يعرض فيها مسارا لاستئناف المحادثات الثنائية بين البلدين حول تقدم البرنامج النووي الإيراني، وهو ما ترفضه إيران حتى الآن.