هل ستتأثر عملية السلام في اليمن بالتصعيد ومَن المستفيد من عسكرة البحر الأحمر؟
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
يتصاعد الجدل حول الدور الأمريكي في البحر الأحمر ومدى استفادته من الوضع الراهن؛ فيما تتحدث وسائل إعلام أوروبية وأمريكية في الأيام القليلة الماضية عن تأثر عملية السلام اليمنية بالتصعيد الراهن هناك؛ وبخاصة التدابير التي تم التوافق بشأنها، والمتعلقة بوقف إطلاق النار ومعالجات إنسانية اقتصادية. وأبرز تلك التحديات التي تواجه عملية السلام تتمثل في موقف واشنطن الرافض لتوقيع الاتفاق قبل إيقاف جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) تصعيدها في جنوب البحر الأحمر؛ وهو أمر يرفضه الحوثيون، الذين يؤكدون أنهم لن يوقفوا عملياتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل أو التي يقولون إنها تتجه صوب إسرائيل، إلا برفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح بدخول الغذاء والدواء.
الباحث السياسي اليمني، عادل دشيلة، قال لـ”القدس العربي”:” مشروع الاتفاق الراهن هو مجرد تفاهمات على معالجات إنسانية اقتصادية، بينما لا اعتقد أنه تم استكمال التفاهم على خارطة طريق واضحة المعالم بشأن الانتقال إلى عملية سياسية انتقالية تضم جميع الاطراف اليمنية. فالانتقالي (الانفصالي) يصعد قبل يومين، ويقول إنه سيستخدم القوة في حال لم يتم التركيز على قضيته. وجماعة الحوثي في الوقت الراهن غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية. ما تزال تحتفظ بالسلاح وتحتفظ بالعاصمة صنعاء. ما يعني أن الوصول إلى تسوية سياسية في ظل الأوضاع الراهنة مازال صعبا”.
تبقى عملية السلام في اليمن محاطة باعتبارات عديدة، وتتطلب تضافر عوامل مختلفة، إلا أن الاتفاق على وقف إطلاق النار والتوافق على تدابير إنسانية واقتصادية، وهو ما تم، يمثل مرحلة مهمة ومتطورة في سبيل التوصل إلى توافق على المرحلتين الثانية والثالثة من خارطة الطريق، التي يأمل المراقبون أن تشهد خطوات للأمام تقطعها الأطراف اليمنية، بالقدر الذي حصلت عليه تدابير المرحلة الأولى؛ وإن كان الطرفان قد أعلنا توافقهما بشأن مجمل ما تضمنته مسودة اتفاق الخارطة، لكنهما لم يصدرا بهذا التوافق تصريحات واضحة وشفافة تعزز بشكل ايجابي ما حمله إعلان المبعوث الأممي، السبت الماضي؛ في إشارة قد يقرأها المراقبون على أنها رغبة لدى كل منهما على إبقاء الوضع على ما هو عليه.
كما أن التصعيد الراهن في المنطقة قد يسهم في تأخير توقيع الاتفاق أو على الأقل تأخير التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وما تُعرف بـ”تدابير بناء الثقة”؛ لأن واشنطن تضع مصالح إسرائيل في المقدمة؛ وموافقة واشنطن على مسار هذا الاتفاق، في ظل الأوضاع الراهنة في الإقليم، سيزعج تل أبيب كما يرى بعض المتابعين. إلا أن الرياض تبذل جهودا مع مسقط لتجاوز الواقع الراهن، والعمل باتجاه الترتيب للتوقيع على الاتفاق المرتقب مع مستهل العام الجديد الذي نولج إليه على احتمالات عديدة.
البحر الأحمر
وشهد البحر الأحمر منذ نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني تصعيدًا من قبل الحوثيين ضد السفن التي يعتقدون أنها مرتبطة بإسرائيليين أو تتجه إلى إسرائيل؛ ونجم عن ذلك تحرك أمريكي أفضى إلى تشكيل قوة دولية متعددة المهام والجنسيات لتأمين الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن؛ وهو ما تم الإعلان عنه رسميًا من قبل وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وعلى الرغم من إعلان بعض الدول تراجعها عن المشاركة، والبعض أعلن حصر مشاركته بعدد من الضباط، فان الدول المتبقية في التحالف كافية لتسيير مهام القوة الجديدة في تعزيز الحضور الغربي الأمريكي (بما فيه الاسرائيلي) لاحقا في البحر الأحمر بشكل أكبر مما كان عليه من قبل، إلا أن تنفيذ الحوثيين عمليات عقب إعلان انشاء القوة الجديدة يمثل تحديًا قد يُفضي إلى تطورات غير متوقعة.
في السياق، أعلن عدد من شركات الملاحة عودة سفنها للعبور في البحر الأحمر.
وقال رئيس الوفد المفاوض للحوثيين، محمد عبدالسلام، الخميس، إن الممرات الدولية في البحر الأحمر والعربي آمنة ومستقرة، وهناك مئات السفن تمر كل يوم من البحر الأحمر.
وبخصوص إعلان واشنطن عن تحالف جديد في البحر الأحمر، قال عبدالسلام لقناة يوريو نيوز: إن التحالف الأمريكي في البحر الأحمر هو لحماية إسرائيل فقط. ولفت إلى أن هذا التحالف فشل في أن يقدم للعالم تصورا بأن هناك مخاطر في البحر الأحمر والبحر العربي.
وأضاف أن “صنعاء أعلنت بشكل واضح أن السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل أو التي لها علاقة بإسرائيل هي فقط المستهدفة، فيما بقية سفن العالم بلا استثناء ليست مستهدفة”.
وقال “لدينا اتصالات مع دول كثيرة أكدت أنها غير موجودة في البحر الأحمر، وهناك دول ممن طُرحت أسماؤها داخل هذا التحالف أبلغتنا أنها فقط ستكون موجودة في البحرين من أجل التواصل والتنسيق مع سفنها ومع بعض البوارج التي تقوم بالحماية كنوع من التنسيق” وفق التصريحات التي أعادت نشرها، الخميس، قناة المسيرة الناطقة باسم الجماعة.
تحديات
فيما قال الباحث، عادل دشيلة: “إن الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على مصالحها ومصالح القوى الغربية الحليفة لها بالإضافة إلى مصالح اسرائيل في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن”.
السؤال: ما أبرز ردود الفعل المتوقعة أمريكيًا تجاه الجماعة في حال استمرار التصعيد؟
يقول دشيلة: “من وجهة نظري الخيار الأول في حال قامت جماعة الحوثي بضرب المصالح الأمريكية في المنطقة لا يستبعد أن توجه الولايات المتحدة ضربات محدودة ضد جماعة الحوثي في الأراضي اليمنية. والخيار الثاني هو دراسة إدراج جماعة الحوثي في قائمة الإرهاب، وهذا الخيار ليس مجديًا في الوقت الراهن من وجهة نظري. والخيار الثالث على ما يبدو أن الادارة الامريكية قد تحاول أن تقدم بعض التنازلات لجماعة الحوثي من أجل تنفيذ الاتفاق بين العربية والحوثيين، وفي هذه الحالة قد تحصل الجماعة على كثير من التنازلات لصالحها في حال أوقفت التصعيد العسكري في البحر الأحمر”.
وفي تدوينة على منصة إكس، قال عضو المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله” (الحوثيونّ)، علي القحوم، مخاطبًا واشنطن:” لا مناص لكم ولا سبيل ولا خيار إلا بوقف عدوانكم وحربكم الإجرامية على غزة فلسطين والشعب الفلسطيني المظلوم ورفع الحصار عليها، وهذا خيار وحيد ولا مهرب ولا مفر من تحقيق ذلك من أجل توقيف العمليات اليمنية الكبرى في ضرب إسرائيل واستهداف سفنها في البحر الأحمر وغير ذلك ليس إلا مضيعة للوقت”.
الإقليم
على صعيد الأقليم؛ هل إنشاء تحالف جديد باسم “حارس الازدهار” بهدف حماية الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن يأتي لصالح الدول المشاطئة والمطلة على البحر الأحمر؟
يقول دشيلة: فيما يخص الإقليم، فالولايات المتحدة من خلال هذه العملية أثبتت أنها لا تراعي أي اعتبار لحلفائها من الدول العربية. على سبيل المثال حينما هوجمت السعودية في 2019 من قبل جماعة الحوثي لم تتحرك الإدارة الامريكية لدعم حليفتها السعودية؛ لكن هذه المرة عندما كانت الهجمات ضد الكيان الاسرائيلي تحركت الولايات المتحدة وشكلت تحالفًا دوليًا، وكانت تطمح إلى أن القوى العربية تنضم إلى هذا التحالف، لكن القوى العربية المهمة في المنطقة وتحديدًا مصر والسعودية رفضتا الانضمام؛ لأنه لا يخدم مصالحهما، بل يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في الإقليم أو في المنطقة.
وتابع: من جانب آخر، ندرك أن القوى العربية التي تطل على البحر الأحمر، ومنها اليمن والجيبوتي والسعودية والأردن ومصر والسودان.. هذه الدول تحركاتها العسكرية أو نفوذها العسكري في البحر الأحمر ضعيف خلال المرحلة الماضية، ورأينا في الوقت الراهن أن تواجد أمريكا وحلفائها كثيف في البحر الأحمر وفي خليج عدن، وهذا سيكون على حساب النفوذ العربي؛ وبالتالي فالتحالف ليس لصالح الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
عسكرة البحر الأحمر
في ورقة (تقدير موقف) بعنوان “حارس الازدهار – التحالف الذي دعت له واشنطن في البحر الأحمر- الدور وحدود التأثير “خلصت القراءة الصادرة، الخميس، عن مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، ومقره إسطنبول، إلى أنه “توجد رغبة لدى الدول الغربية في فرض حضورها العسكري في منطقة البحر الأحمر، نظرًا لأهميَّتها في التجارة والطاقة والاقتصاد العالمي. وقد كانت تترجم ذلك عمليًّا في كلِّ منعطف يسمح لها بذلك. وتتابعت مراحل عسكرة منطقة البحر الأحمر؛ فإلى جانب القوَّات الأمريكية التي تمَّ جلبها قبل عملية “طوفان الأقصى”، وتلك التي جرى جلبها بعدها، يتوافر فيها بشكل دائم ما يقرب مِن (15) قاعدة عسكرية، مِنها (6) قواعد عسكرية كبيرة في جيبوتي. وإلى جانب تلك القواعد هناك عدد مِن العمليات والتحالفات البحرية، ومِنها: عملية أتلانتا التي أنشأتها القوَّة البحرية التابعة للاتِّحاد الأوربِّي في الصومال، وتعمل قبالة القرن الأفريقي، وفي غرب المحيط الهندي، لدعم قرارات الأمم المتَّحدة لحماية البحار مِن القرصنة. ومقرُّها في إسبانيا. عملية أجينور، وهي بقيادة أوروبِّية، وتستهدف ضمان حرِّية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ممرٌّ ملاحي رئيس لصادرات النفط مِن دول الخليج . الفرقة الأمنية (153)، والتي أنشئت عام 2022 لمكافحة أعمال التهريب، والتصدِّي للأنشطة غير المشروعة، خاصَّة الإرهابية، مِنها في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وذهبت الورقة إلى اعتبار أن ما يحصل حاليًا سيسهم في تعزيز حضور إسرائيل في البحر الأحمر، وتزايد مهددات الأمن القومي العربي، حيث تمكنت القوى الغربية من تثبيت وجودها العسكري الكثيف في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن على حساب الدول العربية المشاطئة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر أمريكا اسرائيل الحوثي البحر الأحمر وخلیج عدن فی جنوب البحر الأحمر فی البحر الأحمر جماعة الحوثی عملیة السلام فی المنطقة فی حال من قبل
إقرأ أيضاً: