"يمن الثورة والديمقراطية والحرب: التحولات السياسية وآمال بناء الدولة".. كتاب جديد يرصد التحولات في اليمن
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
((عدن الغد )) خاص
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "يمن الثورة والديمقراطية والحرب: التحولات السياسية وآمال بناء الدولة"، ويشتمل هذا الكتاب على ثلاث عشرة دراسة لثلاثة عشر باحثًا من اليمن والأردن ومصر، متخصصين في مجالات الاقتصاد، والحوكمة، والإدارة العامة، وإدارة الأزمات، وإدارة المنظمات غير الحكومية، وعلم الاجتماع، وعلم الاجتماع السياسي، والعلوم السياسية، وفلسفة العلوم السياسية، وعلم النظم السياسية، والعلاقات الدولية، والدراسات العسكرية والأمنية والاستراتيجية، والأنثروبولوجيا، والتحول السياسي في اليمن، وأمن البحر الأحمر، والتنمية الدولية، والحركات الإسلامية.
ويقع الكتاب في 560 صفحة، من الحجم المتوسط شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
مع اندلاع ثورات الربيع العربي وانتعاش الآمال بالانتقال الديمقراطي والإصلاحات، جاءت استحالة الربيع خريفًا قاسيًا متمثّلًا في الحروب الأهلية، والتدخلات الخارجية، والثورات المضادة، لتَئِدَ تلك الآمال، التي حاول اليمن تحقيقها بثورة سلمية، ولكنّ الصراع على مضمون التغيير وحدوده أدى إلى انقسام حادٍّ في النخب فَرَض حالةَ عدمِ توازنٍ سياسي وعسكري استدعت القوى الإقليميةَ وسيطًا للحل، فقامت "مبادرة مجلس التعاون الخليجي" التي وقّعتها القوى السياسية في الرياض، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، بتأسيس مسار سياسيّ جديد نَقَلَ السلطة من الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح إلى الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي، في 27 شباط/ فبراير 2012، على أن تكون الحكومة بالتساوي بين حزب المؤتمر وتكتل اللقاء المشترك، ثم عُقد مؤتمر حوار وطني شامل للخروج بدستور جديد صدرت في ختام مداولاته وثيقة أُوكلت مسؤوليةُ تنفيذها إلى النخب، غير أنّ "حركة أنصار الله" (جماعة الحوثي) رفضت مخرجات الحوار، ولجأت إلى السلاح، لتنزلق البلاد في أيلول/ سبتمبر 2014 إلى حرب أهلية، تبعها في آذار/ مارس 2015 تدخّل عسكري عربي تحت مسمى "عاصفة الحزم"، لدعم شرعية هادي المعترف به دوليًّا، فسيطرت "أنصار الله" على الشمال اليمني، واستمرت حالة عدم الاستقرار في المناطق الجنوبية والشرقية.
فهل ستستمر طويلًا حالة عدم اليقين التي تكتنف اليمن؟ وهل من سبيل إلى تجديد مسار سياسي يوقف الحرب ويستعيد الانتقال السلمي بين اليمنيين؟
تنبع أهمية هذا الكتاب الجماعي مِن جمْعِه بين تساؤلات الانتقال الديمقراطي وتساؤلات الدولة وبنائها؛ فاليمن في هذا الخصوص حالة استثنائية يتداخل فيها الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمحلي والإقليمي بقوة. ويحاول الكتاب الإجابة عن مثل هذه التساؤلات، وتبيان العوامل التي أدت إلى وضع اللااستقرار في اليمن، والكشف عن أدوار أطرافه، والبحث في أحداث سنوات العقد 2011-2021 وتحليلها، ويركز على عوامل إعاقة التغيير في اليمن، ويضيف إلى مساهمة الدورَين الإقليمي والدولي في هذه الإعاقة قضايا داخلية؛ مثل الهوية والانتماء وتوزع الانتماءات في إطار المؤسسة العسكرية والعسكرة والانقسام الاجتماعي والبيروقراطية ومنظومة الإدارة العامة. ويهتمّ الكتاب أيضًا بالعمق التاريخي للتغيير السياسي في اليمن منذ تأسيس الجمهورية اليمنية الموحَّدة في عام 1990 حتى بداية انقلاب جماعة الحوثيين.
إشكالية القبيلة
مع وجاهة القول إن قبول القطاعات الشعبية مسار التغيير الديمقراطي في اليمن يبقى أمرًا مرهونًا بإزالة معوِّقات "القبلية"، فإنّ الكتاب يعارض هذا التعميم، مفرِّقًا بين مواضع تدعم القبيلة فيها التحولات ولا تخشى المضي في مسار الديمقراطية من جهة، ومواضع أخرى تكون القبيلة فيها "مِعْوَل" تحطيم لهذا المسار من جهة أخرى. ولفهم هذه الظاهرة يرسم الكتاب حدود هذا التكيّف من عدمه فيما يلي: أولًا، إنّ ضمَّ النخب القبلية إلى السلطة، كما هو الشأن في حالة مؤتمر الحوار الوطني، يؤثر في توجهات قبائلها بوضوح ويعيد تشكيل قناعاتها. ثانيًا، إنّ تستُّر الحزبية السلطوية بالقبيلة يدفعها إلى معاداة الديمقراطية، فالدولة في اليمن – كما يرى عزمي بشارة - ظلت منغمسةً في صناعة المخيال الطائفي وفرض الطائفية السياسية باسم القبيلة وبُناها الموروثة والمهيمنة على المجتمع؛ ما جعل الصراع قبائليًّا، فضلًا عن مذهبيته.
ويعارض الكتاب فكرةً مفادها أن الهويات الأولية تواجه الهويةَ الوطنيةَ بسبب القبلية، وينحو إلى أن العامل المساعد في هذا هو السلطة التي توظف التكوين القبلي اليمني في مشاريع للسيطرة، ويصل إلى نتيجة متمثلة في أن القبيلة في اليمن تصلح واسطةً سياسيةً للتغيير مثلما تصلح وسيلةً عنفية وعسكرية، وذلك على الرغم من تشديد الكتاب على أن اليمن ليس كله قبليًّا، وعلى وجوب الرهان على مكوناته الحداثية؛ مثل المثقفين، والمهنيين، وغيرهم، وهذه المكونات هي العنصر المهم في دفع المسار الديمقراطي.
ويبرز الكتاب، أيضًا، تعلُّقَ بطء التنمية السياسية في اليمن بالاقتصاد، وبقيم النخب، وضعف دولة القانون والمؤسسات، وخيبة أمل اليمنيين في إمكان إيجاد الديمقراطية حلولًا سلمية لمشكلاتهم، وإزاحة نموذج الوحدة الطوعية لمصلحة نموذج الوحدة بالقوة التي ثبّطتهم عن فكرة ضرورة تطوير الديمقراطية، ودفعتهم إلى الزجّ بالدين والمذهبيات لتغذية الانقسامات، وأبقت الأجهزة الحكومية في بيروقراطية قاتلة منذ الوحدة، والعجزَ متمكّنًا حتى بعد الثورة، وتحطمت كل الآمال التي عُقدت على مؤتمر الحوار الوطني في الإصلاح الإداري، بل إنّ الأمر على عكس ذلك؛ إذ لم يسلم المؤتمرُ نفسه من الانعكاسات السلبية، فقد تشرذم وجَمد عن تقديم أيّ برامج إصلاح وانحسرت ثقة اليمنيين به.
المجتمع المدني وسلبية العامل الخارجي
أما منظمات المجتمع المدني في اليمن، فقد سرت فيها أيضًا تيارات من المآزق البنيوية؛ من جرّاء الضعف المؤسسي، وغياب الحوكمة والرقابة، وتأثرها بتوجهات محافِظة، وارتباطها بهويات أولية واستقطابات جهوية ومذهبية، ثم جاءت الحرب لتقضي على كل مقدراتها المحدودة أصلًا.
وعلى الرغم من تبيان الكتاب أهمية العامل الخارجي المتمثل في دور الأمم المتحدة والمجتمع الأهلي، فقد أوضح أنّ أثر هذا العامل في الحالة اليمنية كان سلبيًّا، وذلك عندما طغت إرادة الخارج واستراتيجياته على تطلعات القوى المحلية وقوى الثورة نحو التغيير، ورسمت مسارًا ألحق الدولة الجديدة بإرادة أقوى منها ولا تعير الديمقراطية اهتمامًا، وفككت تماسك النسيج الوطني، حتى انتهت إلى الصورة الأسوأ للتدخل، وهو العسكري، وتكريس حروب الوكالات في اليمن.
الجنوب: مكسب يضيع
يُظهر الكتاب كيفية تطور المطالب المشروعة - كما حدث في قضية جنوب اليمن - إلى تهديد لوحدة الدولة، اتّخذ من التمييز الاجتماعي وقودًا لمطالب مناطقية بالتوزيع العادل، انقلبت خيارات انفصالية تمثلت في صيغة فدرالية تضمن استفادة الجنوب العادلة من الموارد. وبعد سلمية قوى الجنوب خلال المراحل الأولى للثورة، اعتمدت الفعل العسكري الهادف إلى إنهاء الوحدة حين أسست مجلسًا انتقاليًّا يعبّر عن سلطة الجنوب.
تأثير الاقتصاد
يبين الكتاب التأثير التفاعلي بين الاقتصاد والتغيير السياسي في اليمن، وكيف أنّ الأزمة الاقتصادية الخانقة عجّلت، خلال حرب 1994، بتبنّي برامج صندوق النقد الدولي، على الرغم مما فرضته من إدارة سلطوية للاقتصاد قوامها التوزيع الريعي الزبائني. ومع ذلك، أدى الصراع إلى إفشال الإصلاحات المرجوّة من تلك البرامج، ولم يصل اليمن إلى أي تنمية حقيقية، أو أي عدالة اجتماعية؛ ما أدى إلى اندلاع ثورة الشباب، وتكريس سلطتين في اليمن لإدارة الاقتصاد إثر حرب 2014.
يشكّل الكتاب إضافة مهمة إلى المكتبة العربية، والأمل قائم في أن يسد ثغرة في الأدبيات عن اليمن، وأن يشكّل مقدمةً لعمل بحثي وأكاديمي عربي أكبر، والأمل كذلك معقود بمساهمة رؤاه وزوايا نظره في الدفع ببحوث جديدة عن المجتمع اليمني تتسم بالأصالة والجدة وتفسر مآلات ثورته السلمية، وأبعاد أزماته الديمقراطية، وكل ذلك للوصول إلى غاية ذات أهمية قصوى؛ هي إخراج اليمن من عثرته.
المصدر: عدن الغد
إقرأ أيضاً:
حول المقارنة بين الثورة السورية والثورة الليبية
استمعت إلى مقارنة عقدها أحد المهتمين بالشأن العربي والإسلامي بين الثورة السورة والثورة السورية والتي كان ملخصها أن الثورة السورية نضجت فيما كان التطور السريع في مسار الثورة الليبية سببا في عدم نضوجها، وقد يفهم من هذه المقارنة المتعجلة أن فرص نجاح الثورة السورية أكبر في مقابل إخفاقات ماتزال تواجهها الثورة الليبية.
الحكم بنضج الثورة السورية لأنها استمرت نحو 13 عاما يحتاج إلى وقفة، والبداية بالسؤال عن مفهوم النضج، وهل بالفعل توفر في الحالة السورية، إذ لا يكفي أن نعتبر الزمن وحده عاملا لتقعيد أساسات الانتقال من الثورة إلى الدولة، ومفهوم وشكل الدولة، وفق ما هو قائم ومعلوم، مفروض على أي مسعى للتغير.
بالمثل قد يكون من قبيل التسرع الحكم بأن تجربة المعارضة في إدارة المناطق التي كانت تخضع لها قبل سقوط نظام بشار أساس متين وناجع لإدارة الدولة السورية بعد الثامن من ديسمبر، فالفروقات كبيرة والظروف مختلفة على كافة الصعد المحلية والدولية.
السيطرة على دمشق والتحكم في مفاصل الدولة نقل المعارضة من الظل والزوايا المحدودة التي لا تشكل أهتماما كبيرا لكثيرين، إقليميا ودوليا، إلى دائرة الضوء وإلى التدافع والضغوط والاحتواء، وهذا أمر ليس باليسير، ويتطلب حالة فردية وجماعية قوية لمجابهته، واللقاء الذي جمع ساسة أمريكيون مع الشرع يوم أمس هو مثال للظروف المختلفة، والضغوط الكبيرة التي ستواجهها المعارضة والتي قد تكون على حساب رؤيتها ومشروعها ومواقفها.
الانتقال الصحيح والتحول الراشد من الثورة إلى الدولة له اشتراطاته ومتطلباته ومقوماته، في مقدمتها وضع المجموع القائم على الثورة ومدى استعداده لإدارة عملية الانتقال بكفاءة، وهنا يبرز عامل الاتفاق على المشروع ومضامينه التي في حال غيابه تصبح الحالة الثورية مرشحة للاستمرار وقابلة للتشظي، والأهم أنها ستكون عرضة للتدخل وربما مساعي التوظيف من قبل المتربصين. أؤكد أن نقاشي هدفه التنبيه إلى حالة التفاؤل التي أرى أنها مفرطة في تقييم الثورة السورية وأنها قد تكون مختلفة عما واجهه غيرها من الثورات خاصة الحالة الليبية، والتنبيه إلى أن التحديات كبيرة وكبيرة جدا، وأن ما هو متاح ومرئ يجعل حالة التفاؤل غير واقعية وقد تكون من بين أسباب الفشل.
الانتقال الصحيح والتحول الراشد من الثورة إلى الدولة له اشتراطاته ومتطلباته ومقوماته، في مقدمتها وضع المجموع القائم على الثورة ومدى استعداده لإدارة عملية الانتقال بكفاءة، وهنا يبرز عامل الاتفاق على المشروع ومضامينه التي في حال غيابه تصبح الحالة الثورية مرشحة للاستمرار وقابلة للتشظي، والأهم أنها ستكون عرضة للتدخل وربما مساعي التوظيف من قبل المتربصين.
قد يكون من المبكر تقييم المجموع القائم على إدارة عملية الانتقال، وبرغم التقدير لمواقف وتصريحات الشخصية الأبرز في هذا المجموع وهو الشرع، إلا إن ملامح المشروع الذي ستدار على أساسه عملية الانتقال والتحول في سوريا ما تزال غير واضحة، وهناك بعض المؤشرات على أنه لن يكون مشروعا يضم الجميع، أو أهم القوى السياسية والفكرية والمجتمعية، وهذا تحدي قد يصعب تجاوزه.
التعدد العرقي والديني والسياسي وحتى الجهوي في سوريا حاضر وتم اللعب عليه خلال العقود الماضية بشكل خلف أثار كبيرة وخطيرة في المجتمع السوري، والانتقال من الحالة السلبية إلى التعايش الحقيقي يتطلب عملا جبارا ورؤية واستراتيجية، وشرط ذلك أن تعبر سوريا عنق الزجاجة على المسار السياسي وعلى مستوى تحديد شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم والعدالة الانتقالية وغيرها من أسياسات الانتقال الراشد، وفي حال تعثر المسار السياسي فستعمل الاختلافات العرقية والدينية والعرقية والجهوية في اتجاه مضاد، ويتيسر توظيفها من قبل المتربضين.
ملف العسف والقهر والعنف الذي استخدمه النظام السابق يمثل تحدي كبير لسوريا الجديدة، وبرغم وجود مؤشرات على ضبط النفس واحتواء ردود الفعل التي كان من المتوقع أن تكون حادة، إلا إن هذا الملف قد يشكل بؤرة توتير كبيرة في ثنايا السير والانتقال، وأقصد هنا عودة بقايا النظام السابق للواجهة من جديد إما لدوافع نبيلة من المتصدرين للثورة، أو خوفا من تهميش هذه الفئة التي تنتسب إلى قطاع واسع من المجتمع السوري، أو تحت ضغوط المجتمع الخارجي الذي له فلسفته أو حتى أغراضه التي لا تتوائم مع المشروع الذي قد تتبناه قوى الثورة السورية، وبالتالي فإن عودة هؤلاء إلى الواجهة ستكون سببا لخلاف حاد بين مكونات الثورة.
البوصلة عندي في تقييم الثورة السورية بعد سقوط النظام هو في مدى تماسك مجموعها واتفاقه، فهذا هو الضمانة الحقيقة لتطورها والسد المنيع أمام التحديات الداخلية والخارجية، أما إذا ظهرت بوادر الخلاف بين مكوناتها الرئيسية، فإن العوامل السابقة الذكر ستعمل بشكل سريع إلى نقل الخلاف إلى نزاع ثم صراع. الجيوبولتيك السوري ربما يمثل أكبر تحدي لسوريا الثورة ولمشروع الانتقال إلى الدولة المستقرة والقوية التي تتماهي مع النفس العربي والإسلامي والقضايا الكبرى للأمة العربية والإسلامية، ولنتذكر أن سوريا تشاطر الكيان الصهيوني الحدود، هذا الكيان الذي يمر بلحظة تاريخية وفق مشروعه، وواجه تحدي لم يعرفه منذ عقود، ولديه من الكيد والخبث والأدوات ما يمكنه من إفساد المشروع الثوري السوري من خلال اللعب على بذور الاختلاف والتناقض، ويقف خلف الكيان الصهيوني دول كبرى.
مفهوم الانتقال من الثورة إلى الدولة في سوريا بالنسبه للكيان وحلفائه من الغرب والعرب أن يتخلى السوريون، وفي مقدمتهم قادة الثورة، عن النفس الثوري والايديولوجي، والقيم العليا والمبادئ الرئيسية، ويكونون براغماتيون شأنهم منحصر في التنمية والاعمار والعيش المادي الرغيد والذي يستلزم التطبيع مع دولة إسرائيل وتحول السلطة الجديدة إلى ذراع إضافي لتأمينها.
البوصلة عندي في تقييم الثورة السورية بعد سقوط النظام هو في مدى تماسك مجموعها واتفاقه، فهذا هو الضمانة الحقيقة لتطورها والسد المنيع أمام التحديات الداخلية والخارجية، أما إذا ظهرت بوادر الخلاف بين مكوناتها الرئيسية، فإن العوامل السابقة الذكر ستعمل بشكل سريع إلى نقل الخلاف إلى نزاع ثم صراع.