الإعلام الأسود والرسم التشبيهي للحقيقة
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
كتب وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاّس: هلّ يجروء الإعلام على ملاحقة الحقائق و كشف الفضائح و إعلانها كاملة ، أم ان له خاصية تحرك و قدرة محورية للتحايل على الواقع و تمكنه من تقديم رسم تشبيهي للحقيقة ، رفعاً للعتب و إبعاداً للشبهة ، بما يقرب من وضعية استراتيجية التضليل
؟ انه السؤال العمقي الذي تفرض دقة الظرف طرحه في زمن التضييع و الضياع و تفاقم الأزمات النزاعية الداخلية و الانقسامات الحادة التشظي التي تعصف بالبلد سياسيا و امنياً و اجتماعياً ، مع الملاحق الاقتصادية و الخلافية للأزمة و اثرها على واقع الحال اللبناني .
ميزة بعض الإعلام في لبنان انه يستثمر الحقيقة و يفاخر بها على القطعة و وفق سياسة داخلية خاصة بالمؤسسة ، في حين ان بعض الإعلام يستثمر باللَّاحقيقة فيطمسها و ينتحل صفة المفكِّر ، مدَّعِياً إمتلاك القدرة و الخبرة الإستراتيجية التي تمكنه من قول كلام و إختلاق شائعات لا ترقى إلى ان تكون اخباراً غير مكتملة العناصر ، فيمارس فنونو هندسات التجهيل و التزييف المبطن و المضلِّل لطرق كشف الحقائق و إعلانها . و يترافق ذلك مع ترويج مشروع الذهنية المادية للإعلام التي تجعل من إعلام النزاعات إعلامَ رهانات ، و تحوله إعلاماً هَشَّاً لا يميز بين سلبيات الرذيلة و حسنات الفضيلة . فصلاً عن انه يسهم بقتل المعرفة و يعزز الجهل و يمنع الوصول الى الحقيقة في مستوياتها اللفظية ، المعلومة و المكتومة و المجهولة و المُعْلنة و المكشوفة و المستورة . و لكلّ من هذه اللفظيات مستوياتها و مواصفاتها و تقنيات التعامل معها و فنون التداول بها و أصول استخدامها للإمعان بالأمساكِ بسياسة الالهاء و التزييف و تشويه صورة الحقيقة من خلال تقديم رسم تشبيهي للحقيقة و مكوناتها الرئيسة . فوظيفة الرسم التشبيهي ان يدل إلى الملامح التي يمكن ان توصل إلى معرفة الحقيقة و التأكد من مطابقتها لعلامات الرسم ،
و يتزايد توظيف أنماط التزييف و التجهيل و الإبعاد عن الحقيقة ، مع ظهور وسائل التواصل و انتشار فوضى المنصات و شعبوية المواقع الالكترونية ، و التحوُّل من الرصانة الاعلامية و الأخلاقية المهنية ، إلى المشاعات الخبرية و منصات الحكي الاستعراضي و الإستثماري . و تفرض عملية إنتاج مواد اعلامية معرفية متخصصة و صلبة، مواكبة التغيُّرات في عمليتّي الارسال و التلقي ، و التمييز بين خاصية المنتج كفرد او مؤسسة ، و خاصية المستهلك كجماعة تتطلب اعلاما متخصصا او جمهورا عاما منفتحا على حاجات معرفية متنوعة .
ينتج عن ذلك ان التزايد اللحظي للتحديات و الضغوط على وسائل الإعلام الرصينة و التعديات على خصوصياتها وحقولها المعرفية و مستوجباتها ، فرض التحوُّل من عملية وضع ضوابط مهنيّة و خلقية و سلوكات ميدانية للتعاطي بالشأن الإعلامي ، بحيث ان الأمر يتطلب الاسراع لوضع برنامج تأهيل الجمهور على فن التذوق و تقنيات الاختيار ، قبل الترويج لعملية الاستهلاك و إطلاق الاحكام على مدى جودة الخدمات الاعلامية و نفعيتها . إذاك تبدأ عملية التحصين و التمكين و بناء الذوق عند الجمهور المستهلك الذي تقع عليه مسؤولية اختيار الوسيلة التي يرتاح إلى رصانتها و يتأكد من صدقيتها و موضوعية معالجتها للأمور و كيفية تغطيتها للقضايا الساخنة ، مع وجوب التنبه إلى عدم الوقوع ضحية بيضاء لعملية المنافسة السوداء الحاصلة بين الوسائل و الطرائق الاعلامية و انعكاسها على صدقية العمل و أصول التسابق الشريف بين وسائل المعرفة و ادوات التواصل لتقديم مواد تحكمها ثلاثية الجودة و النوعية و الثقة . و الالتزام بمعايير هذه الثلاثية تؤكد ان تأهيل الجمهور و إعداده لإختيار الوسيلة الإعلامية الأنسب كمصدر موثوق للخبر ، هي أسهلُ من عملية توجيه وسائل الإعلام و ضبط حركية عملها الميداني و دفعه نحو الاستثمار الايجابي للخبر و فنون النقل و الإفهام .
ان عملية التزييف و التجهيل و هندسة التضليل التي يمكن ان تمارس من خلال بعض الاعلام ، من شأنها ان تؤدي إلى الإفلاس المعرفي الذي يجعل المجتمع عرضة للإفلاس و الانهيار ، ما يفرض العمل الهادف إلى بناء مجموعة معارف متماسكة ، و الاتفاق على وضع مفاهيم متنوعة تشكل مدخلاً إلى المعرفة الواسعة و ترشيد إدارة المعرفة المتخصصة ، تماما مثل علمية إدارة الاموال و قانونية ادارة الحكم . مع التأكيد ان وَهْمَ المعرفة هو عدو المعرفة الأكبر . و هذا ما يطرح خطر الإشكاليّة المرافقة لدور الإعلام في تقديم رسم تشبيهي للحقيقة ، في الوقت يملك فيه كل مفاصل الحقيقة و علاماتها الفارقة . فأي مسؤولية للإعلام الأسود في ممارسة سياسة الإبهام و الإمعان بجرم إخفاء الحقائق و قتلها ؟.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
طالب يرتدي النقاب.. والأهالي: بيخطف الأطفال.. الداخلية تكشف الحقيقة
كشفت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية حقيقة ما تم تداوله على إحدى الصفحات بمواقع التواصل الإجتماعى بشأن إدعاء بعض أهالى إحدى القرى بدائرة مركز شرطة القوصية بأسيوط بقيام سيدة ترتدى النقاب باختطاف الأطفال بالقرية.
بالفحص لم يستدل على صحة الواقعة أو ورود بلاغات فى ذات الشأن وأمكن تحديد وضبط مرتدى النقاب (طالب - مقيم بدائرة المركز) وأقر بإرتدائه جلباب أسود اللون ونقاب بقصد اللهو مع أصدقائه بالقرية المشار إليها.
تم اتخاذ الإجراءات القانونية.