قامت مؤسَّسة "نساء من أجل العدالة" -وهي إحدى مؤسسات الدياسبورا المصرية- بعقد حلْقتها التشاورية الأولى، أوائل هذا الشهر، تحت عنوان: "سلسلة حوارية حول تأثير الحرب في غزة على الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في مصر والإقليم". حضر اللقاء 15 مشاركًا؛ تنوّعوا بين عاملين ومديرين لمنظمات حقوق إنسان، وباحثين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.

من المتوقع أن تنتقل هذه الحلقات إلى المستوى الإقليمي العربي؛ تمهيدًا لامتدادها بين المعنيين بهذه المسائل على المستوى الدولي.

جاءت هذه المبادرة اللافتة كمحاولة لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسائل حقوق الإنسان، التي تبعثرت أشلاؤُها، وامتزجت بأشلاء كل طفل ورجل وامرأة من الفلسطينيين، الذين استشهدوا تحت القصف الإسرائيليّ المنفلت من الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، والمدعوم من بعض الحكومات الغربية.

شهدت الديمقراطية وحقوق الإنسان تراجعًا كبيرًا قبل الحرب. وجد تقرير فريدوم هاوس الأخير "الحرية في العالم" أن 80% من سكان العالم لا يعيشون في بيئة حرة. الصراعات الجيوسياسية الآخذة في التوسع، والحروب الأهلية، والتراجع الديمقراطي في الديمقراطيات الكبرى، وتزايد الاستبداد، وكراهية الأجانب، وزيادة العنف السياسي، والتمييز المتزايد ضد الأقليات، وتصاعد اليمين الشعبوي.. كلها أمور تشكل اختبارًا لأهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمبادئ والقيم التي يكرّسها.

جاءت الحرب على الفلسطينيين لتبرز هذه الاتجاهات، وتضيف إليها: ازدواجية المعايير، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، والاستهداف الممنهج للصحفيين والمستشفيات …إلخ؛ ما يجعل العالم مكانًا غير قابل للعيش الآمن فيه، ومرتعًا للفوضى.

أدرك المجتمعون في الندوة التشاورية الأولى هذه التحديات، واقترحوا التعامل معها من مدخلَين: نظري وعملي.

 استعادة لحظة الإنشاء 1948: عالمية حقوق الإنسان

برغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وُلد في أعقاب أهوال الحرب العالمية الثانية؛ فإنه جسّد اللغة المشتركة للإنسانية. كان في منشئه يوصف بأنه يجمع بين حكمة الحضارات الشرقية والغربية. ساهم عددٌ من الفقهاء والخبراء -الذين يمثلون تشكيلات حضارية متنوعة- في صياغته. هناك الآن أكثر من 70 معاهدة سارية لحمايته على المستويَين: العالمي والإقليمي، ويظلّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قلب هذه البنية المعقدة من القواعد والمؤسسات وآليات الحماية.

كان الإعلان بمثابة تطور عميق في السياسة العالمية. أعلن أن الأفراد -وليس مجرد الدول ذات السيادة- هم حاملو الحقوق "غير القابلة للتصرف"، كما أن كيفية تعامل أي حكومة مع سكانها -بعد الآن- ستكون مسألة تدقيق دولي مشروع.

كانت حقوق الإنسان والديمقراطية واحدة من الأسس المعيارية الرئيسية للنظام الليبرالي الدولي القائم على القواعد في مرحلة ما بعد الحرب الثانية (1939-1945). استفادت منه أيضًا حركات التحرّر الوطني من الاستعمار التي تصاعدت في التوقيت نفسه، لكن للأسف تم احتلاله في مرحلة ما بعد الحرب الباردة -أوائل التسعينيات من القرن الماضي- من الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وجرى توظيفه لتحقيق المصالح الغربية.

وإذا كانت مسائل حقوق الإنسان جزءًا من مصالح الدول؛ فالمتوقع أن تصاب بالشلل، كما يظهر في عجز الأمم المتحدة عن أن تصدر قرارًا في مجلس الأمن يوقف الحرب في غزة. الأمر الأكثر إضرارًا بمنظومة حقوق الإنسان هو الترويج الانتقائي لها خارج الدول الغربية؛ الأمر الذي يعرضها لاتهامات بالنفاق والمعايير المزدوجة. تأثرت المنظومة أيضًا بفكرة "الاستثناء الأميركي" الذي امتد لربيبتها إسرائيل.

يفترض هذا الاستثناء أن الولايات المتحدة لديها الكثير لتعلمه للعالم، ولكنها لا تستطيع أن تتعلم منه سوى القليل، وهي بذلك تخضع لقواعدها القانونية والدستورية الداخلية فقط، ولا تلتزم بما هو خارجه. ينتج هذا في النهاية تفلتًا من القواعد والقوانين كما نشهد في الحرب الدائرة على الفلسطينيين الآن.

تعتمد حركة حقوق الإنسان في المنطقة بشكل كبير على التمويل والدعم الأجنبي؛ الذي يأتي جزء كبير منه من البرامج الحكومية الغربية يقوض هذا في أحايين جهود حركات حقوق الإنسان الوطنية في المنطقة التي قامت بتطبيع علاقاتها بالحكومات الغربية

أوصى المشاركون في الورشة بأنه ينبغي بذل جهد على المستويَين: النظري والفكري للتأكيد على عالمية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى لو لم تلتزم بها الحكومات الغربية. أضافوا: "ليس من مصلحتنا تصوير المسألة باعتبارها حربًا ثقافية أو حضارية، أو التخلي عن مرجعية حقوق الإنسان؛ لأننا سنكون بإزاء حالة فوضى". كما أكد المجتمعون: على ضرورة إعادة تقديم المبادئ القانونية الدولية المتعلقة بعدم شرعية الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، وكذلك حق مقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير ، وهي أسس معترف بها في القانون الدولي، لكنها تحت الضغوط الإسرائيلية لا تلقى آذانًا مصغية في الدوائر الغربية.

 نبّه المشاركون على الحركة الدائبة الآن للربط بين معاداة السامية وبين الصهيونية؛ لذا فقد اقترحوا ثلاث توصيات:

جعل معاداة العرب المتصاعدة في الغرب بعد الحرب في قلب معاداة السامية؛ لاشتراكهم في نفس الجذر العرقي. استحضار أفكار وحجج المفكرين اليهود المناهضين للصهيونية، أمثال إلين بابيه وغيره من المؤرخين اليهود الجدد. ضرورة تعميق الخطاب العربي والإسلامي الذي يميز بين اليهود والصهيونية. من المفيد التمييز في يوم 7 أكتوبر/ تشرين أول بين حق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة، وبين ما جرى فيه من تجاوزات في حق المدنيين.

دعت التجاوزات التي جرت يوم 7 أكتوبر المقاومة إلى التبرؤ منها ورفض نسبتها إليها -كما صرح نصر الله أمين عام حزب الله في خطابه- الجمعة 3 نوفمبر، أو التراجع عنها -كما في مسألة قتل رهينة مقابل كل مذبحة تقوم بها إسرائيل، أو إعادة توصيف المدنيين المحتجزين باعتبارهم ضيوفًا.

تصاعد -وإن كان لايزال مرتبكًا- تأسيسُ خطاب المقاومة على مناهضة الصهيونية والاحتلال والانتهاكات في حق الأسرى والمدنيين لا على معاداة اليهود. نحن بإزاء تطور يجب أن يُلتقط، ويُبنى عليه، ويتم التحاور بشأنه، موقنين أن الانتهاكات التي تقوم بها الأطراف المختلفة يغذي بعضها بعضًا، وتقدم مبررًا للطرف الأقوى نحو مزيد من الانتهاكات.

تعلمنا من تراثنا: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"، ويقتضي منا ذلك: "اعدلوا هو أقرب للتقوى".

من الناس إلى الناس.. إستراتيجيات عمل جديدة

برغم نشأة الحركة الحقوقية العربية في الثمانينيات من القرن الماضي بمبادرة ذاتية -ووفقًا لمقتضيات الواقع العربي أساسًا الذي شهد انتهاكات شرسة وتجاوزات كبيرة- فإن قوة الدفع الأساسية كانت في التسعينيات؛ وبالتالي فإنها لم تخلُ من التأثر الدولي الذي كان وقتها يشهد صعودًا لقواعد النظام الليبرالي الدولي.

تعتمد حركة حقوق الإنسان في المنطقة بشكل كبير على التمويل والدعم الأجنبي؛ الذي يأتي جزء كبير منه من البرامج الحكومية الغربية. يقوض هذا في أحايين جهود حركات حقوق الإنسان الوطنية في المنطقة التي قامت بتطبيع علاقاتها بالحكومات الغربية باعتبارها الوسيلة الأكثر فاعلية لممارسة الضغوط على السلطات العربية لتحسين حالة حقوق الإنسان. لا يعني هذا أنّها باتت رهينة للدعم الغربي.

كما اعتمدت عدة إستراتيجيات عمل -مستقلة عن الدعم الدولي- بما في ذلك رفع مستوى الوعي لدى المواطنين، والسعي إلى إقامة تحالفات مع صانعي السياسات ذوي التفكير المماثل في البرلمانات، وتفعيل الآليات الدولية، خاصة التي أتاحتها الأمم المتحدة، واللجوء إلى آليات التقاضي الدولي مثل المحكمة الجنائية الدولية، والحوار مع الأنظمة الحاكمة …إلخ.

فكّ الارتباط بالحكومات الغربية، يستدعي ضرورة مراجعة نظرية التغيير المعتمدة من قبل المنظمات الحقوقية العربية. أشار المجتمعون في الحلقة التشاورية إلى عدد من المقترحات في هذا الصدد، أبرزها:

توجيه جهود المناصرة والتشبيك لقطاعات أخرى كالمجتمع المدني، والحركات الشعبية، وأحزاب الأقلية خارج التحالفات الحكومية، بالإضافة إلى الحكومات التي لم يتلوّن موقفها في هذه الحرب، مثل: النرويج وإسبانيا وبلجيكا وغيرها؛ وهذا لاكتساب مزيد من الحلفاء. ينبغي عدم التخلي عن القانون الدولي الإنساني وآليات العمل الدولية، رغم كونها محل تشكيك اليوم؛ فهي مساحات للحرية موجودة للبحث عن حلفاء في نضالنا الجماعي من أجل العدالة. التمييز في إدراكنا لمختلف الفاعلين وتنويعاتهم الداخلية. هذا التمييز هو خطوة أولى لفهم التباينات، والبدء في بناء خرائط تفصيلية لمختلف الفاعلين. وفي السياق ذاته، ينبغي الالتفات لأدوار الفاعلين من غير الدول التي باتت تلعب دورًا متناميًا في لحظة التحول الدولي الراهن. البحث عن حلفاء غير تقليديين خارج الدوائر الرسمية الغربية. تشمل القائمة المحتملة: منظمات المجتمع المدني، والحركات الشعبية في الغرب، اتحادات الطلاب ذات الميول اليسارية، اليهود غير الصهاينة (Jews for Peace for example)، مجتمعات الـ( LGBTQ)، نشطاء البيئة، ومجموعات الدفاع عن السكان الأصليين، وحركة "حياة السود مهمة"، بخلاف الجاليات العربية والمسلمة وحلفائنا في دول الجنوب. الاستثمار في ربط الحركة والخطاب الحقوقي بحاضنة شعبية جماهيرية تحميها من تقلبات الأنظمة. أما من حيث الاستقلالية؛ فإن الاعتماد الكلي على التمويل الأجنبي للمجتمع الحقوقي يضعه في مأزق حقيقي، خاصة أن بعض الحكومات الغربية تراجعه الآن لتمنحه وفق الموقف من إدانة ما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين أول.
هناك ضرورة للعمل على تعدد مصادر التمويل، والتفكير في أشكال بديلة ومستدامة، مثل: التمويل الذاتي، أو التمويل المحلي، أو زيادة عدد المتطوعين على حساب المحترفين. ضرورة الاستثمار في التشكل التنظيمي للجاليات العربية والمسلمة في العواصم الغربية المؤثرة؛ وهذا لتيسير التنسيق والتعبئة بما يسمح بالتأثير على صانع القرار.

إن الطبيعة الحقيقية لحقوق الإنسان مرتبطة بكفاح الناس العاديين ضد إساءة استخدام السلطة والقوة والثروة، وهذا يستدعي التفكير فيها من أسفل لأعلى وليس من أعلى لأسفل -أيًا كان مَن في الأعلى: حكومات أو نظام دولي ليبرالي أو رجال أعمال؛ حتى لا يساء استخدامها من الأقوياء ضد الناس العاديين.

إن التوحش الإسرائيلي المدعوم من بعض الحكومات الغربية، هو فرصة لإعادة اختراع حقوق الإنسان من داخل المنطقة وبمبادرتها، والتحرر من استعمارية المفهوم. هو اختراع منفتح على العالم؛ لأنه يدرك عالميته لا غربيته، ويعيد بناء تحالفاته في أرض جديدة، ومن مادة جديدة لا ترتكز على الأقوياء؛ ولكن تستند إلى الحركات الشعبية التي انحازت لمفهوم العدالة باتساع معانيه.

سمحت لنا هذه الكارثة بإعادة اكتشاف فاعلية جيل "زد" (z) الذي وُلد آواخر القرن الماضي ومطلع هذا القرن، وهي فرصة للحركة الحقوقية العربية لتجديد شبابها من خلال الانفتاح وتضمين واستدعاء أصوات هذا الجيل، وهو ما يعزز فكرة البدائل والتجديد في الآليات ومراجعاتها.

وأخيرًا؛ فلن يكون لهذا الانفتاح -على العالم والتحالفات الجديدة ومشاركة الأجيال الجديدة- معنى من دون تجذير للحركة برمتها في تربتها المحلية، من خلال حركات شعبية داعمة ومساندة وضاغطة من أجل الإنسان الذي يتمتع بالحقوق غير القابلة للتصرف.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحکومات الغربیة حقوق الإنسان فی وحقوق الإنسان لحقوق الإنسان فی المنطقة الإنسان ا

إقرأ أيضاً:

تورك: انتخاب رئيس الجمهورية يفتح الباب أمام إصلاحات

عقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك مؤتمرا صحافيا في فندق "موفنبيك"، في ختام زيارته الى لبنان. 

وقال في مستهل المؤتمر: "عدت من سوريا بالأمس، وقد جئت إلى هذه المنطقة من بلاد الشام كي أعبر عن تضامني مع الشعبين اللبناني والسوري. وصلت وقلبي مثقل بالأحزان بسبب الأزمات المتراكمة التي امتدت لعقود طويلة في كلا البلدين، وهي أحزان شعرت بها مرارا في هذا الجزء من العالم، لكنني أرى بوادر بدايات جديدة".

اضاف: "في لبنان، وعلى الرغم من التحديات الهائلة، أشعر بأن بالأمل يلوح في الأفق. لا يزال وقف إطلاق النار البالغ الأهمية بين لبنان وإسرائيل صامدا إلى حد كبير، وإن كانت التقارير المقلقة تشير إلى استمرار القوات الإسرائيلية بالتدمير في بلدات وقرى في جنوب لبنان. وقد بدأ سكان البلاد الصامدون والشجعان في إعادة بناء حياتهم، خطوة تلو الأخرى".

وتابع: "في الأيام الأخيرة، تم وضع حد للجمود السياسي الذي استمر عامين، مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس وزراء جديد، ما يفتح الباب أمام إصلاحات من شأنها أن تتيح مستقبلا أفضل لجميع اللبنانيين الذين عانوا سنوات من البؤس الاجتماعي والاقتصادي".

وقال: "مع انتخاب هذه القيادة الجديدة، هناك زخم يدفع نحو تحقيق الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات الحاسمة التي طال انتظارها، بغية معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتعددة وأوجه عدم المساواة التي تهدد لبنان. وتوفر حقوق الإنسان أداة للحوكمة السديدة. كانت هذه رسالة قوية قمت بنقلها".

اضاف: "لقد سلط المجتمع المدني النشط والمتنوع في البلاد الضوء جهارا على أهمية الاحترام الكامل لحرية التعبير وتكوين الجمعيات، من أجل مكافحة التمييز على جميع الأسس، وتحسين مشاركة النساء وتمثيلهن، وضمان المساواة الكاملة بين الجنسين، والاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم، وضمان حماية حقوق الإنسان للأشخاص الأكثر تهميشا والأكثر عرضة للخطر".

وتابع: "يتطلب احترام حقوق الإنسان استثمارا محددا ومستمرا في سيادة القانون. وللبنان تاريخ عريق في مجال القانون، إذ كان في السابق موطنا لكلية حقوق علمت وثقفت طلابا أتوا من جميع أنحاء العالم. ويزعم أن ثلث القوانين الرومانية جاءت من بيروت. وقد كان رئيس الوزراء المكلف يرأس أعلى هيئة قضائية في العالم، أي محكمة العدل الدولية".

واردف: "في مناقشاتي مع الرئيس الجديد ورئيس الوزراء المكلف، عرضت مساعدة مفوضيتنا في دعم التزاماتهما في مجال الإصلاحات الرئيسية اللازمة لتعزيز سيادة القانون واستقلال القضاء وشفافية عمله. وعلى نفس القدر من الأهمية، من الضروري للغاية إصلاح نظام العدالة والسجون بغية معالجة الاكتظاظ والأوضاع المزرية في السجون بأدنى حد".

وقال تورك: "أرحب بالتزام الرئيس العلني بضمان المساواة والعدالة والحماية للجميع واحترام الحريات وحرية الصحافة والتعبير. كما انتهزت الفرصة لأدعو إلى استئناف التحقيق المستقل في الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020، وأودى بحياة أكثر من 218 شخصا وجرح 7000 آخرين، من بينهم 1000 طفل، وتسبب في تشريد مئات الآلاف. وأعيد التأكيد على أنه تجب محاسبة المسؤولين عن هذه المأساة، وأكرر دعم مفوضيتنا في هذا الصدد".

اضاف: "لا يزال لبنان يواجه واحدة من أسوأ حالات التدهور الاقتصادي في التاريخ الحديث، مع انخفاض حاد في قيمة العملة وتضخم من ثلاث خانات يؤثر على الاحتياجات الأساسية في جميع أنحاء البلاد. فوفقا للبنك الدولي، يعيش 44% من السكان تحت خط الفقر. ويحتاج 2,5 مليون شخص تقريبا إلى مساعدات غذائية، منهم 1,26 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد".

وتابع: "كما توقفت العديد من خدمات القطاع العام عن العمل، وتدهورت إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والتعليم، وانخفضت إمدادات الكهرباء بشكل بالغ. وقد أثرت أوجه الحرمان هذه على حياة المواطنين العاديين الذين لم تعد لديهم ثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها".

وقال: "هناك حاجة لتجديد العقد الاجتماعي الذي يعيد بناء النسيج الاجتماعي ويعيد الثقة بمؤسسات الدولة ويوفر مسارات لمستقبل كريم قادر على تسخير إمكانات اللبنانيين وقدراتهم وتحقيق تطلعاتهم. وقد لمست بنفسي دوما ثراء وإبداع الشعب اللبناني، ولا سيما الشابات والشبان الذين أدوا دورا حاسما في الضغط من أجل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وسيستمرون في لعب دور حيوي في المستقبل".

اضاف: "يجب أن تبقى حقوق جميع اللبنانيين، لا سيما الفئات الضعيفة، مترسخة في صميم السياسات الاقتصادية والضريبية والمالية. فهذا ما يعنيه الاقتصاد القائم على حقوق الإنسان. ويجب أن تمنح القرارات المتعلقة بالموازنة والاستثمار الأولوية إلى التعليم والصحة والحماية الاجتماعية".

وتابع: "أعرب عن تعاطفي العميق مع سكان لبنان لمعاناتهم بشكل مروع نتيجة النزاع الأخير. لقد تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان بخسائر فادحة في أرواح المدنيين – بما في ذلك قتل عائلات بأسرها، وتشريد واسع النطاق وتدمير البنية التحتية المدنية، ما يثير مخاوف جدية بشأن احترام مبادئ التناسب والتمييز والاحتياطات".

واردف: "لقد قتل أكثر من 4000 شخص، من بينهم أكثر من 1100 امرأة وطفل، وأكثر من 200 من العاملين في مجال الرعاية الصحية وبعض الصحافيين، فيما أصيب أكثر من 16000 شخص بجروح. كما نزح أكثر من مليون شخص في ذروة النزاع، ولا يزال أكثر من 160 ألف شخص في حالة نزوح. يجب أن يتحول وقف إطلاق النار في لبنان إلى سلام دائم، ويجب أن يتمكن المدنيون من العودة إلى ديارهم بأمان".

وختم: "تبقى مفوضيتنا على استعداد لتعزيز عمل حقوق الإنسان ومرافقة البلاد وهي تمضي قدما في هذا المجال".
 

مقالات مشابهة

  • حمية اطلع من وفد البنك الدولي على نتائج اجتماعاته بشأن اعادة الأعمار
  • عبد العاطي: على المجتمع الدولي تفعيل دوره لإعادة إعمار غزة
  • بريطانيا: دعم المجتمع الدولي ضروري لإعادة إعمار غزة
  • تورك: انتخاب رئيس الجمهورية يفتح الباب أمام إصلاحات
  • حركة حماس تؤكد التزامها باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الوسطاء
  • العربية لحقوق الإنسان: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الاستحقاق الذي يفرضه القانون
  • إدانات واسعة لانتهاكات حقوق الصحفيين في سجون السلطة بالضفة الغربية
  • عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان: الحديث عن جرائم العدوان بدولة فلسطين يوجع القلب
  • محمد الطراونة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد حق الإنسان بالحياة
  • البعثة الأممية تُعرب عن انزعاجها من التعذيب في سجن «قرنادة»