غزة- بعد نحو شهرين ونصف الشهر على قراره بالبقاء في منزله بمدينة غزة، لا يشعر محمد الشوا بالندم على عدم النزوح إلى جنوب قطاع غزة، أسوة بكثير من جيرانه، ومئات الآلاف الآخرين، الذين أجبروا على النزوح من هذه المدينة ومدن وبلدات شمال القطاع نحو جنوبه، بحثا عن أمان مفقود.

ومنذ اللحظة الأولى في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين مارس جيش الاحتلال الإسرائيلي جريمة التهجير الجماعي لسكان مدينة غزة وبلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا في شمال القطاع بالتهديد وارتكاب المجازر المروعة بحقهم، كان قرار محمد حاسما "لن أغادر منزلي".

ويقطن محمد (51 عاما) وأسرته المكونة من 6 أفراد في منطقة "ساحة الشوا" في البلدة القديمة من مدينة غزة، التي تستمد اسمها من هذه العائلة، وهي من أكبر وأعرق العائلات في المدينة، ويقول للجزيرة نت إن "الموت بصاروخ أو قذيفة لمرة واحدة أفضل من الموت كل يوم ألف مرة بالقهر والتشرد".

غزة تمرض ولا تموت

ويضيف محمد، الذي تمتلك عائلته الكثير من الأملاك الخاصة والتجارية في المدينة، إن "الاحتلال أعاد غزة 100 عام إلى الوراء"، غير أنه يستدرك بالقول: "قتلوا ودمروا كل شيء، ولكن غزة تمرض ولا تموت، وإرادة الحياة فيها باقية".

ورغم قساوة الحياة في غزة، كبرى مدن القطاع، جراء العزلة والحصار وضراوة الحرب بالقصف الجوي والمدفعي، وتوغل جيش الاحتلال برا، فإن مئات الآلاف من أمثال محمد وأسرته، لا يزالون يمنحون المدينة "نبض الحياة".

أحد هؤلاء محمود عطا الله، الذي نزحت غالبية عائلته نحو مدن وسط وجنوب القطاع، في حين فضل هذا الشاب الثلاثيني مع بضع مئات من أقاربه وجيرانه الاحتماء بجمعية الشبان المسيحية في شارع الجلاء أحد الشوارع الرئيسية بمدينة غزة، حيث حوصروا بداخلها أياما، لم يجدوا خلالها الماء والطعام.

يقول محمود (30 عاما) للجزيرة نت "قضينا أياما صعبة ومروعة (..) الصواريخ تتساقط حولنا من السماء، والدبابات تحاصرنا وقذائفها دمرت أجزاء من أسوار الجمعية ومرافقها، وسقط من بيننا شهداء وجرحى".

واضطر النازحون في الجمعية إلى دفن الشهداء في ساحاتها الداخلية، لتعذر خروجهم نحو المقابر، تجنبا للموت على يد قناصة الاحتلال الذين يعتلون أسطح البنايات، والدبابات التي تستهدف كل متحرك على الأرض.

ولأيام طويلة، كان زاد محمود ومن معه "بضع حبات من التمر والقليل من الماء"، ويشاطره في ذلك محمد والغالبية ممن بقوا متجذرين في منازلهم، أو في مراكز الإيواء بالمدارس والمستشفيات والمرافق العامة، ويتفقان على أن "الحصول على شربة ماء نظيفة أمنية صعبة المنال".

باقون هنا

ومع تراجع جيش الاحتلال بدباباته وآلياته من محاور توغل في عمق المدينة نحو أطرافها، تمكن محمود للمرة الأولى من العودة إلى مكان منزله، وقد تحوّل إلى أثر بعد عين في منطقة اليرموك، التي شهدت إحدى المجازر المروعة، التي ارتكبتها مقاتلات حربية إسرائيلية شنت غارات عنيفة ومركزة على مربع سكني ودمرته كليا.

ولا يخفي محمود حزنه على منزله الذي كان يؤوي زهاء 30 فردا يعيشون في 6 شقق بطوابقه الثلاثة، إلا أنه يبدي في الوقت نفسه إصرارا على الصمود، ويقول بكلمات لا يعتريها الشك "باقون هنا، وسنعمر بسواعدنا ما دمره الاحتلال".

وبعد لحظات صمت عابرة، قال محمود الذي فقد عددا من أقاربه وأصدقائه وجيرانه شهداء "المال معوض، والحجر سنعيد بناءه، والشجر سنعيد زراعته، لكن خسارتنا كبيرة في أحبتنا، وما يصبرنا على فراقهم أنهم ارتقوا شهداء".

ومن بين شواهد إصرار الفلسطيني على البقاء، يبرز نجاح أطباء في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، ومستشفى العودة في جباليا بشمال القطاع، في استئناف العمل ولو جزئيا، رغم التحديات الكبيرة التي تعترض عملهم.

واستأنف مستشفى العودة عمله على نطاق محدود، إثر انسحاب جيش الاحتلال من محيطه، بعد نحو أسبوعين من الحصار وقصف مبانيه ومرافقه بالمدفعية، وقتل وجرح واعتقال عدد من كوادره الطبية والتمريضية.

ولحق مدير العودة الدكتور أحمد مهنا بمعتقلين آخرين من الكوادر الطبية، أبرزهما مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية، ومدير مستشفى الشهيد كمال عدوان الدكتور أحمد الكحلوت.

 

وكان مستشفى الشفاء، الأكبر في غزة، هدفا لجيش الاحتلال مع بداية المرحلة البرية من حربه الضارية على القطاع، وعاث فيه دمارا وفسادا، وخرج عن الخدمة، قبل أن يتمكن عدد محدود من الأطباء والممرضين من إعادة تشغيله "جزئيا" لتقديم الرعاية الأولية للجرحى والمرضى، في حين لا تزال أقسامه الحيوية خارج الخدمة لعدم توفر المقومات البشرية والطبية.

ويضم المستشفى بين جنباته، وفي مرافقه وأقسامه أكثر من 40 ألف نازح، بينهم أطفال ونساء، عادوا إليه بعد انسحاب جيش الاحتلال منه، وعدم تمكنهم من العودة إلى منازلهم، سواء بسبب دمارها، أو لوجودها في محاور التوغل، وفي مناطق خطرة قريبة من السياج الأمني الإسرائيلي في شمال القطاع وشرقه.

أما في مستشفى العودة، فقد نشرت "جمعية العودة الصحية والمجتمعية" التي تدير المستشفى رسالة صوتية على منصاتها الرسمية، تحدث فيها الدكتور محمد عبيد عن تحديات جمة تواجه عملهم، سواء من حيث قلة الكوادر الطبية أو الأجهزة والمعدات والأدوية، وحذر من أنه "قد لا نستطيع مواصلة تقديم الخدمة الطبية في حال استمرار هذه الحالة".

وقال عبيد -وهو اختصاصي العظام في المستشفى- إن "الكوادر الطبية والتمريضية تعمل بطاقات مستنزفة، وبإمكانات بسيطة، لكنها تصر على مواصلة عملها حتى آخر لحظة"، وبكثير من الألم يضيف الدكتور عبيد أنهم اضطروا إلى بتر أطراف جرحى لتأخر وصولهم إلى المستشفى في الوقت المناسب، بسبب العدوان والحصار. وأضاف أن "العودة" هو المستشفى الوحيد الذي يعمل في الوقت الحالي بعد انهيار المنظومة الصحية في كل مستشفيات شمال القطاع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: جیش الاحتلال شمال القطاع بمدینة غزة

إقرأ أيضاً:

وزارة الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد ضحايا عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ411 على القطاع إلى 43985 شهيداً و104092 جريحاً

2024-11-20najwaسابق رئاسة مجلس الوزراء: عدم قبول أي بطاقة إعلامية غير صادرة عن وزارة الإعلام أو اتحاد الصحفيين انظر ايضاً رئاسة مجلس الوزراء: عدم قبول أي بطاقة إعلامية غير صادرة عن وزارة الإعلام أو اتحاد الصحفيين

دمشق-سانا أصدر رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد الجلالي اليوم بلاغاً يقضي بعدم قبول أي بطاقة …

آخر الأخبار 2024-11-20رئاسة مجلس الوزراء: عدم قبول أي بطاقة إعلامية غير صادرة عن وزارة الإعلام أو اتحاد الصحفيين 2024-11-20القاضي مراد: غداً بدء استقبال طلبات الترشح لعضوية مجلس الشعب عن مقعدين شاغرين في دمشق وآخر في حلب 2024-11-20إصابة فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال في مخيم جنين 2024-11-20إعلان أسماء المقبولين في عدد من معاهد وزارة التربية ‏ 2024-11-20مراسل سانا: أصوات الانفجارات التي سمعت في مدينة تدمر ناجمة عن عدوان إسرائيلي استهدف أبنية سكنية والمدينة الصناعية فيها 2024-11-20هيئة الأسرى ونادي الأسير: وحشية الاحتلال بحق الأطفال وصلت مستويات غير مسبوقة 2024-11-20الأعلاف تحدد سعر شراء الذرة الصفراء من الفلاحين وموعد البدء بالتسويق 2024-11-20في يومهم العالمي… وزارة الخارجية الفلسطينية تطالب بتوفير الحماية الدولية للأطفال 2024-11-20مدير مستشفى كمال عدوان شمال القطاع: الاحتلال لا يسمح بإدخال أي شيء والعالم يتجاهل مناشداتنا 2024-11-20ناريشكين: موسكو لن تترك محاولات الناتو للمشاركة في ضرب العمق الروسي دون رد

مراسيم وقوانين مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02الأحداث على حقيقتها القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18 الجيش يدمر 15 طائرة مسيرة للإرهابيين في أرياف حلب واللاذقية وإدلب 2024-11-18صور من سورية منوعات مركبة الشحن الفضائية الصينية “تيانتشو-8″تلتحم مع محطة الفضاء الصينية تيانقونغ 2024-11-16 انبعاثات الكربون العالمية تصل إلى مستوى قياسي خلال العام الجاري 2024-11-13فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة استكمال المــهــمــة!!! بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-18 المسافة صفر.. مخرز في خاصرة الاحتلال – بقلم : جمال ظريفة 2024-11-16حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل 2024-11-1919 تشرين الثاني 1954 – بدء بث «تلفزيون مونتي كارلو» وهي أقدم قناة تلفزيونية خاصة في أوروبا 2024-11-1717 تشرين الثاني 1969 -مفاوضات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة للحد من عدد الأسلحة الإستراتيجية على كلا الجانبين 2024-11-1616 تشرين الثاني 1970- قيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد 2024-11-1515 تشرين الثاني 1920-عقد أول اجتماع لعصبة الأمم في جنيف 2024-11-1414 تشرين الأول 1908- عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين يعلن عن نظرية كمية الضوء
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2024, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • شهداء في قصف منازل مأهولة وسط وجنوب القطاع.. واستهداف جديد لمشفى كمال عدوان
  • صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة
  • فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيرة تقصف مستشفى العودة شمال غزة
  • الاحتلال يقصف مستشفى كمال عدوان شمال القطاع.. الأوكسجين نفد (شاهد)
  • الجنائية الدولية: جرائم الحرب المنسوبة لنتنياهو وجالانت تشمل القتل والاضطهاد
  • الجبهة: مجازر الاحتلال بغزة واستهداف المستشفيات دليل على إبادة مقومات الحياة بالكامل
  • الصحة الفلسطينية: وصول شهيد برصاص الاحتلال إلى مستشفى رفيديا الحكومي
  • عشرات الشهداء والجرحى بتدمير الاحتلال مربعا سكنيا شمالي القطاع
  • وزارة الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد ضحايا عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ411 على القطاع إلى 43985 شهيداً و104092 جريحاً
  • مدير مستشفى كمال عدوان شمال القطاع: الاحتلال لا يسمح بإدخال أي شيء والعالم يتجاهل مناشداتنا