كان عاماً قاسياً لكن التغيير وارد
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
وكأن الأيام الأخيرة من عام 2023، هذا العام شديد الاحتقان سريع الاشتعال القابل للكسر، اتفقت فيما بينها على جعل نهاية العام غارقة فى الدراماتيكية المائلة إلى التراجيديا دون أى مكون كوميدى أو حتى يدعو إلى الابتسام.
«طوفان الأقصى»، ذهبت سكرته، وجاءت فكرته. والفكرة تتجسد منذ أسابيع، لكننا عنها مشغولون بمتابعة أعداد الشهداء والمصابين والمكلومين والمشردين والنازحين.تتواتر الأسئلة كصواريخ «حزب الله» ومسيّرات «الحوثيين». هل تقبل إسرائيل بإيقاف عملية دك غزة وأهلها، وعودة «حماس» إلى الساحة حاكمة؟ هل تصل «فتح» و«حماس» لاتفاق واحد موحد متحد لا يعيد إحياء شبح الحرب الأهلية الدموية؟
هل الجناحان الفلسطينيان قادران على رؤية الهدف الأسمى وهو الإبقاء على الشعب الفلسطينى على قيد الحياة؟
كيف ستتعامل قوى العالم -الضالعة فى حرب القطاع- مع إطالة أمد الحرب وفى ضوء دعمها المطلق لإسرائيل؟
هل «حزب الله» قادر على الإبقاء على جبهته المفتوحة على إسرائيل؟ هل سيستمر الحوثى فى إطلاق مسيّراته؟
هل سيبقى الرأى العام العالمى واقفاً على أطراف أصابعه مترقباً لما ستؤول إليه الأوضاع فى غزة؟
أم سيفتر الاهتمام، وينحسر الاكتراث.
وبهذه المناسبة، أذكر نفسى وإياكم بأن 674 يوماً مرت على حرب روسيا فى أوكرانيا، تلك الحرب التى أبقت العالم ومنظماته ومؤسساته وشعوبه على أطراف أصابعهم لنحو شهرين!
شهور العام المنصرم كانت صعبة بكل المقاييس. إقليمياً، ولا سيما فيما يتعلق بحدودنا المصرية، تجرى أتون الحرب، أو التلويح بإمكانية اندلاع الحرب، بلا هوادة.
الوضع فى ليبيا الشقيقة ليس مستقراً، والاستقرار بمعنى الأمن والأمان وعودة الحياة لإيقاعها وتفاصيلها المعتادة لا يلوح فى الأفق. والوضع فى السودان الشقيق يسير من سيئ لأسوأ، ولا يخفف من حجم السوء تعثر أخبار السودان وما يجرى فيه فى الوصول لصدارة الأخبار.
وعلى مدار العام، تمكنت أخبار مراكب المهاجرين غير النظاميين (غير الشرعيين) فى الوصول لصدارة الأخبار عدداً لا بأس به من المرات، ولكن فقط حين تغرق المركب بحمولتها البشرية من الرجال والنساء والأطفال.
ما زالت الآلاف تتدفق على دول جنوب المتوسط أملاً فى حلم الهجرة شمالاً، وما زالت منظمات أممية وغربية تعقد الاجتماعات والمؤتمرات لبحث أفضل السبل لتطويق أو منع هؤلاء الآلاف القادمين إليها، لكن فى الوقت نفسه، ما زالت الأسباب التى تدفع هؤلاء ليستجيروا من رمضاء الحروب والفقر والبطالة بنيران هجرة غير نظامية احتمالات الغرق خلالها تعادل أو تفوق احتمالات النجاة.
نجاة العالم باتت أمراً فلسفياً أكثر منه فعلياً أو مادياً قابلاً للتخطيط والتدبير.
بالطبع كل دولة تخطط لنفسها قدر المستطاع. وبالطبع أيضاً، فإن حجم الكوارث والأزمات على مدار العام اختلف من دولة لأخرى، لا من حيث الثقل والأثر فقط، ولكن من حيث قدرة الدولة على المواجهة.
الإعصار العاتى حين يضرب ولاية أمريكية يخلف أربعة أو خمسة قتلى، وربما يكتفى بخسائر مادية.
الإعصار المشابه حين يضرب ليبيا مثلاً يخلف 20 ألفاً بين قتيل ومصاب، وأضعاف هذا العدد من النازحين.
يكمن الفرق بين قدرات الدول على الاستعداد والمواجهة، ومدى استقرارها، واستدامة خطط الطوارئ فيها ضمن عوامل أخرى، وليس فى اضطهاد الإعصار لهؤلاء ومجاملته لأولئك.
أولئك الذين يتصورون أن عام 2024 سيطوى صفحة العام السابق، ويبدأ صفحة جديدة مشرقة متلألئة متألقة واهمون. وأولئك الذين يتخيلون أن عام 2024 بالضرورة سيكون أسوأ، أو على الأقل امتداداً لعام مصنف ضمن الأصعب فى التاريخ المعاصر دون أى بارقة تحسن أو تغيير للأفضل هم واهمون أيضاً.
سمة الكون التغير، وسنة الحياة التطور. وكما أن عام 2024 لن يأتى ومعه عصا سحرية أو مصباح علاء الدين للتغيير والتطوير، فإنه أيضاً لن يمنع من لديه رغبة وإرادة وقدرة على التغيير والتطوير.
ولا يصح أن ندع عام 2023 يمضى دون أن نذكر له محاسن. الذكاء الاصطناعى -الذى يبدو لنا وكأنه لا يعنينا أو الذى تتضاءل أهميته أمام الحروب والنزاعات والتشدد الدينى وقصر النظر الثقافى والمعرفى- أغدق على العام المنصرم بالكثير. فمن الجيل السادس للاتصالات إلى معدات وأجهزة واقع افتراضى فى مجالات الطب والبحوث والعلوم إلى «تشات جى بى تى» والآفاق الواسعة التى يفتحها إلى قدرة الذكاء الاصطناعى على تحسين وتسريع تشخيص أمراض السرطان المختلفة بالإضافة إلى وصفها بدقة متناهية وغيرها الكثير، يدفعنا دفعاً إلى تعديل تفسيراتنا قصيرة النظر بالغة التشدد فى الحكم على الأمور.
الذكاء الاصطناعى ليس خيراً مطلقاً أو شراً قطعياً. الذكاء الاصطناعى سيحيل مهناً عدة إلى التقاعد، لكنه سيخلق أخرى، وسيفيد البشرية فى تيسير البحث وإتاحة العلم وتشخيص الأمراض والخروج بعلاجات، إلا الحماقة التى تعيى من يداويها حتى لو كان صنيعة الذكاء الاصطناعى.
عام جديد أكثر سعادة وأمناً وطمأنينة للجميع.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل الذکاء الاصطناعى
إقرأ أيضاً:
ظاهرة المؤثرين: بين التغيير الثقافي وهدم الهوية الوطنية .
#ظاهرة_المؤثرين: بين #التغيير_الثقافي وهدم #الهوية_الوطنية .
#أحمد_طناش_شطناوي
رئيس رابطة الكتاب الأردنيين – إربد
في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قوة رئيسية في تشكيل وعي الأفراد، خاصة النشء الجديد، الذين باتوا أكثر ارتباطًا بالشاشات والمنصات الرقمية من أي وقت مضى، ومع بروز ظاهرة المؤثرين كقادة للرأي العام الافتراضي، أصبح تأثيرهم يتجاوز الإعلام التقليدي، مستغلين قدرتهم على التواصل المباشر والتفاعل اللحظي مع المتابعين، ورغم أن بعضهم يقدم محتوىً هادفًا ومفيدًا، فإن نسبة كبيرة منهم تروج لأنماط ثقافية دخيلة، ما يؤدي إلى تغييرات جوهرية في الفكر والسلوك والقيم، ويؤثر سلبًا على الهوية الوطنية والمجتمعية.
واليوم بات الشباب أكثر عرضة لاستهلاك المحتوى السطحي الذي يكرس مفاهيم خاطئة عن النجاح، حيث يتم ربطه بعدد المتابعين بدلاً من الإنجاز الحقيقي، مما أدى إلى تراجع قيم العمل الجاد والإنتاجية والطموح العلمي والمجتمعي، إن هذا التحول في الأولويات الفكرية للنشء الجديد أوجد جيلاً يسعى إلى الشهرة السريعة عبر التقليد الأعمى، متأثرًا بمؤثرين يروجون للاستهلاك والترف على حساب قيم الانتماء والمسؤولية المجتمعية، وبذلك، أصبح المجتمع يواجه تحديًا جديدًا يتمثل في سيطرة الثقافة الاستهلاكية والبحث عن الإثارة والمتعة السريعة، بدلاً من التفاعل مع القضايا الحقيقية التي تهم الوطن والمجتمع.
إلى جانب ذلك، أدى انتشار المحتوى الذي يعكس ثقافات غربية دون تمحيص إلى تراجع الاهتمام باللغة العربية لصالح استخدام مفرط للغات الأجنبية أو اللهجات الممزوجة، ما ساهم في تآكل الهوية اللغوية، باعتبارها أحد أبرز عناصر الانتماء الثقافي، مما أدى إلى انعكاس هذا التأثير على العادات والتقاليد الأردنية، حيث أصبحت بعض الفئات، خاصة الشباب، تتبنى أنماط حياة بعيدة عن الموروث الثقافي والمجتمعي، ما أدى إلى تغييرات جوهرية في طريقة التفكير والتعاملات الاجتماعية وحتى في القيم الأسرية، التي باتت تواجه تحديات بسبب الانفتاح غير المنضبط على العوالم الافتراضية.
مقالات ذات صلةومع تعاظم هذا التأثير، أصبح من الضروري أن تتدخل الدولة لدعم وإنتاج مؤثرين قادرين على تقديم محتوى متوازن، يعزز الهوية الوطنية ويحافظ على القيم المجتمعية، دون أن يكون ذلك على حساب الانفتاح والتطور.
ولتحقيق ذلك، يمكن تبني عدة استراتيجيات، أبرزها إطلاق منصات وطنية لدعم المبدعين الشباب في مجالات الإعلام الرقمي، وتوفير برامج تدريبية تمكنهم من إنتاج محتوى يجمع بين الإبداع والهوية الوطنية.، كما يمكن تقديم حوافز مالية ومعنوية للمؤثرين الذين يروجون للمحتوى الثقافي والتعليمي والإبداعي، بحيث يتم تحفيزهم على المنافسة الإيجابية بدلاً من الانجراف نحو المحتوى السطحي أو المستورد.
إضافة إلى ذلك، يمكن دمج الإعلام التقليدي مع الرقمي من خلال الشراكات مع المؤثرين الوطنيين، وتوجيههم نحو تقديم محتوى هادف، بحيث يتم تقديم المحتوى الإعلامي بأسلوب يتناسب مع طبيعة المنصات الرقمية الحديثة، مما يسهم في تعزيز الوعي الوطني بأسلوب جذاب ومؤثر.
وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك تنظيم واضح للمحتوى دون فرض قيود صارمة، وذلك بوضع سياسات تشجع على إنتاج محتوى مسؤول ومهني، مع العمل على تعزيز الوعي الإعلامي والتربية الرقمية لدى الشباب، لتمكينهم من التعامل النقدي مع المحتوى الذي يستهلكونه، بدلاً من تلقيه دون تفكير أو تحليل.
وفي السياق نفسه، فإن المناهج الدراسية تلعب دورًا محوريًا في بناء وعي رقمي لدى الأجيال الجديدة، من خلال إدخال التربية الإعلامية ضمن المناهج، بحيث يتعلم الطلاب مهارات تحليل المحتوى الرقمي، والتمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، وفهم أساليب التأثير الرقمي، مما يعزز قدرتهم على حماية هويتهم الثقافية والوطنية من التأثيرات السلبية.
وبينما يُنظر إلى المؤثرين على أنهم مجرد ناقلين للمحتوى، فإن الواقع يؤكد أنهم أصبحوا أدوات قوية في إعادة تشكيل وعي المجتمعات، سواء بوعي منهم أو بدونه، ولهذا فإن مواجهة التأثير السلبي لهذه الظاهرة تستدعي جهودًا متكاملة من الدولة والمؤسسات التعليمية والإعلامية، لدعم صناع المحتوى الهادف، وتحفيز الشباب على الانخراط في مجالات تعزز هويتهم وتبني وعيهم النقدي، فالرهان الحقيقي اليوم لا يقتصر على ضبط المحتوى الرقمي، بل على بناء أجيال قادرة على التفاعل الواعي مع العالم الرقمي، منفتحة على الثقافات الأخرى، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب ثقافتها وهويتها الوطنية.