مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2022 شاء رئيس النظام السوري بشار الأسد استباق العام الجديد بإصدار قانون «تحديد اعتمادات الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023» بمبلغ إجمالي قدره 16,550 مليار ليرة سورية؛ تعادل 4,5 مليار دولار، طبقاً لسعر الصرف الرسمي. تلك كانت أولى نُذُر عذابات السوريين في استقبال سنة جديدة، ابتداء من حقيقة أنّ سعر صرف العملة الوطنية كان يسجّل نحو 6600 ليرة للدولار الواحد، ولن ينطوي العام 2023 قبل أن يتضاعف بنسبة 100% تقريباً، ليسجّل 12600 ليرة.

وليس انتهاء، في المقابل، بما تقوله إحصائيات الأمم المتحدة (الخجولة عادة، والبروتوكولية غالباً) من أنّ 90% من سكان سوريا باتوا اليوم تحت خطّ الفقر؛ وثمة 12,4 مليون نسمة تعاني من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يزيد عن نصف عدد السكان.

الطبيعة سوف تستكمل مآسي السوريين بالزلزال المدمر الذي ضرب مناطق شتى، شمالاً وغرباً خاصة، في شباط (فبراير)؛ ومنح النظام ومؤسسات الاستبداد والفساد التي يديرها فرصة أخرى ثمينة لاستغلال موجات الإشفاق العالمية وتحويلها إلى مصادر نهب علنية جيّرت ملايين الدولارات لصالح خزائن الحلقة الضيّقة التابعة للنظام وآل بيته. في الآن ذاته، وإذْ تولى الزلزال الإجهاز على أكثر من 5900 سوري وإصابة وتشريد عشرات الآلاف، كانت معطيات الشقاء السوري تشير إلى أنّ 70% من سكان سوريا كانوا بحاجة فعلية إلى مختلف أشكال العون، غذائياً وصحياً وإنسانياً؛ وأكمل «برنامج الغذاء العالمي» مشهد البؤس المعمم بالتحذير من أنّ الجوع بلغ معدلات قصوى لا أمثلة عليها في تاريخ سوريا، مع 2,9 مليون نسمة يقتربون من حافة المجاعة، و12 مليونا لا يعرفون متى سيحصل أيّ منهم على وجبة طعام مقبلة؛ فضلاً عن عواقب الأوبئة والأمراض المتفشية ونقص الأدوية أو انعدامها.

في نيسان (أبريل) توفرت للسوريين فرصة جديدة، بين عشرات سابقات وأخرى لاحقات، للتعرّف على فصل دراماتيكي ومضحك في آن معاً، هو قرار الأسد إقالة عمرو سالم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك؛ في غمرة شائعات (كانت أجهزة استخبارات النظام وراء الترويج لها، أغلب الظنّ) أفادت بأنّ سبب الإقالة كان ارتباط سالم بالمخابرات المركزية الأمريكية، وأنّ الأسد كلّف اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي بالتحقيق شخصياً في الاتهامات. طراز آخر من الشائعات أشار إلى أنّ مفرزة أمنية داهمت مزرعة الوزير المقال في الصبورة على تخوم دمشق، ورشح أنها عثرت على مبالغ بالدولارات والليرة السورية فلكية تماماً، بمئات الملايين، فضلاً عن كيلوغرامات من الذهب عيار 21…
والحال أنّ الوعي الشعبي السوري كان قد تدرّب طويلاً، اعتماداً على فصول النظام أوّلاً، على مزيج من وقائع نهب فعلية وألعاب استخبارات متعددة الأغراض تتقصد الإلهاء تارة أو تجميل صورة النظام كمحارب للفساد تارة أخرى، إضافة إلى إخراس صوت فاضح أو إغلاق «صندوق أسود» هنا وهناك وكلما اقتضت الضرورة. وبذلك فإن حكاية الوزير المقال، أياً كانت مقادير الصحة والتلفيق في عناصرها، لم تكن طارئة على «مآثر» نهب وفساد وسطو رسّخ آل الأسد تقاليدها ابتداء من انقلاب الأسد الأب، خريف 1970؛ وكان أبطالها أعضاء في الهرم الأعلى للنظام، عند مستوى الأشقاء والأعمام والأخوال وأبناء العمومة والخؤولة والزوجات، أمثال رفعت الأسد وماهر الأسد ومحمد مخلوف ورامي مخلوف وأسماء الأسد.

في أيار (مايو) سوف يقوم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة إلى دمشق كانت الأولى لرئيس إيراني منذ 13 سنة، وهذا تفصيل لافت لم تخفَ دلالاته على مراقبي العلاقة بين آل الأسد وآيات الله؛ كذلك لم تغبْ ضرورة استذكار حقيقة رديفة كانت تشير إلى أنّ الأسد سبق أن زار طهران مرّتين، على نحو معلن، في شباط (فبراير) 2019 وكان حسن روحاني رئيساً لإيران، وفي أيار (مايو) 2022 وكان رئيسي قد تولّى الرئاسة؛ كما استقبله، خلال الزيارتَين، المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. وإذا صحّ أنّ زيارات الأسد إلى طهران كانت أقرب إلى هرولة التابع نحو الراعي، فإنّ زيارة رئيسي ارتدت صفة تحصيل الإيرادات الإيرانية عن عقود من الإنفاق المادي على النظام، في ميادين النفط والتسليح والصيرفة والميليشيات المذهبية؛ إذْ لم يغفل الرئيس الإيراني التشديد على ضرورة حضور بلاده في صفقات إعادة إعمار سوريا التي قد تكون على وشك الإبرام، في ضوء مقايضات محتملة مع أنظمة مثل الإمارات والسعودية. وهذا عدا عن توقيع «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الشامل الستراتيجي طويل الأمد» وسلسلة اتفاقيات في ميادين الطاقة والزراعة والنقل والاتصالات والثقافة (والمقصود هنا: تسهيلات الحجّ الإيراني إلى الأماكن الشيعية المقدسة في سوريا)…

في أيار (مايو) أيضاً، سوف يشارك الأسد في القمة العربية التي انعقدت في جدّة، المملكة العربية السعودية؛ وكانت تلك المشاركة هي الأولى منذ آذار (مارس) 2011 حين جرى تعليق عضوية النظام في الجامعة العربية. وإذا كان الأسد لم يُمنح فرصة التفلسف على الجلسة الافتتاحية، فإنه مع ذلك لم يشأ تمرير المنبر دون المحاضرة على أخوته حكام العرب حول تحويل القمة إلى «فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي»؛ هو نفسه رأس نظام أزهق أرواح مئات الآلاف وشرّد الملايين من السوريين، واعتمد خيارات الأرض المحروقة والتدمير الشامل والتطهير المناطقي، واستخدم أسلحة التدمير الشامل التي لا تبدأ من الضربات الكيميائية ولا تنتهي عند البراميل المتفجرة، وسلّم البلد إلى خمسة احتلالات أجنبية، فضلاً عن عشرات الميليشيات المذهبية ومفارز المرتزقة.

ولا يخفى أنّ تسهيل إعادة نظام آل الأسد إلى حظيرة الجامعة العربية كان نتاج جهود متقاطعة بذلتها دول مثل الإمارات ومصر والجزائر والعراق والأردن، إلا أنّ الجهد الأكبر تولته السعودية؛ واتخذ أجندة محددة عبّرت عنها قمّة جدّة ذاتها، في التالي: «تعزيز التعاون العربي المشترك؛ لمعالجة الآثار والتداعيات المرتبطة باللجوء والإرهاب وتهريب المخدرات» و»تأكيد ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة السورية». ولن يطول الوقت حتى أدرك الوسطاء أنفسهم أنّ مطالب النظام (خاصة في ملفات مثل إنتاج الكبتاغون وتهريبه إلى الأردن وبلدان الخليج خصوصاً، أو توفير حلول آمنة وملموسة لإعادة اللاجئين السوريين…) أعلى، ثمناً وطمعاً ومناورة ومخادعة، من أن تتوافق مع النوايا العربية؛ فكان أن تعثر ملفّ «التطبيع» مع النظام، أو كاد أن يُطوى نهائياً.

وهذا ملفّ يرتدّ في كثير من عناصره إلى طبائع العلاقات بين آل الأسد والسعودية، والتي شهدت سيرورات مدّ وجزر، أو دفء وبرودة، أو اتفاق واختلاف؛ بصدد ثلاثة ملفات إقليمية كبرى تقليدية، هي لبنان وفلسطين والعراق؛ أُضيفت إليها ملفات ترتبط بتعاظم المدّ الإيراني في المنطقة، في العراق ولبنان واليمن، دون إغفال مفاعيل النفوذ الإيراني في المناطق السعودية التي تقطنها أغلبية شيعية.

وأمّا في آب (أغسطس) فإنّ بارقة الأمل لم تحتجب عن سوريا والسوريين، وتمثلت في انتفاضة محافظة السويداء أوّلاً، ثمّ اتساع رقعة الاحتجاجات المدنية السلمية إلى مناطق في حوران وأرياف دير الزور وحلب وإدلب، وفي بعض مناطق سيطرة النظام مثل العاصمة دمشق وطرطوس. لكنّ حراك السويداء تميّز بمضامين جذرية شملت رحيل النظام وإطلاق سراح المعتقلين وتطبيق اقرار الأمم المتحدة 2254، وبذلك فإنها تجاوزت الاحتجاج على الأوضاع المعيشية والشعارات المطلبية.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد سوريا المخدرات سوريا الأسد المخدرات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة آل الأسد

إقرأ أيضاً:

العسكرية في سوريا: حكايات رعب وهروب.. وجنون النظام في الساعات الأخيرة

دمشق- لم يكن بلوغ سن الـ18 في سوريا مجرد مرحلة طبيعية في مسيرة الشباب نحو النضج، بل كان لحظة حاسمة، تُحدد مصيرهم بين خيارين أحلاهما مرّ: التجنيد الإجباري الذي قد يمتد لسنوات طويلة في حربٍ قرر الرئيس المخلوع بشار الأسد خوضها ضد شعبه، أو الهروب إلى المجهول، حيث الطرق الوعرة، والغابات المعتمة، والبحار العميقة، والمصير غير المعلوم، أملا في البحث عن وطنٍ بديل.

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحولت الخدمة العسكرية من مجرد "واجب وطني" إلى نفق مظلم لا نهاية له. ولم تعد مدتها سنة ونصف كما كان الحال من قبل، بل أصبحت تمتد إلى 8 أو 10 سنوات، وربما أكثر، وكانت تعني للجنود الموت على الجبهات، أو البقاء أسرى الخدمة لأجل غير مسمى، دون معرفة متى تنتهي هذه الرحلة القسرية.

في السابق، لم يكن التجنيد مجرد التزام عسكري، بل كان عبودية مقنّعة، حيث يتحول الشاب إلى تابع مطيع للضابط المسؤول عنه، يخضع له في كل شيء، ويدفع "الهدايا" والرشاوي لضمان معاملة آدمية وتجنب سوء المعاملة والقهر اليومي الذي يعيشه المجندون. أما في ظل الحرب، فقد بات الأمر أكثر رعبا، حيث أصبح المجند مجرد رقم يُدفع به إلى ساحات المعارك، دون أن يعرف لماذا يقاتل، أو من يقاتل، أو لحساب من تُخاض هذه الحروب.

إعلان

وبينما استطاع البعض شراء حريتهم بدفع بدل نقدي يصل إلى 8 آلاف دولار، لم يكن أمام الغالبية العظمى سوى الاختباء في المنازل، متجنبين الخروج خوفا من الاعتقال والتجنيد القسري، أو الهروب عبر الحدود، متسللين بين الجبال والغابات والأنهار، يلاحقهم شبح الموت أو السجن أو الاختفاء القسري.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع أن إدارته لا تنوي الاستمرار في سياسة التجنيد الإجباري، باستثناء بعض الاختصاصات ولفترات قصيرة.

"الموت أهون من الخدمة في الجيش"

محمد الحلبي، الذي يعمل اليوم بائعا في أحد محال التذكارات القريبة من الجامع الأموي بدمشق، كان واحدا من هؤلاء الشباب الذين عاشوا كابوس التجنيد الإجباري. يتذكر محمد تلك الأيام العصيبة ويقول "كنت على وشك إتمام الـ18 من عمري قبل سقوط النظام. في العادة نُطلب إلى التجنيد في هذا السن. كنتُ أحلم بالخروج، بأي وسيلة وبأي طريق، حتى لو عبر البحر إلى المجهول".

ويضيف "كنا نسمع عن الشباب الذين يذهبون إلى الجيش السوري ولا يعودون. البعض يقضي هناك 9 أو 10 سنوات، والبعض يُقتل، والبعض الآخر يعود في سن الـ30 وقد ضيّع شبابه، فلم يتزوج ولم يعمل ولم يؤسس لنفسه. كنتُ أقول لنفسي: لا مستقبل لي هنا إن دخلت الجيش، لا زواج، لا عمل، لا حياة، فقط انتظار الموت".

الشاب السوري محمد الحلبي يشعر بالراحة بعد إلغاء الإدارة السورية الجديدة للخدمة الإلزامية (الجزيرة)

كان محمد يبحث عن أي فرصة للهروب، كآلاف الشبان الذين كانت رحلتهم تبدأ من دمشق إلى لبنان، ومن هناك إلى بلدان اللجوء في أوروبا، عبر رحلات محفوفة بالمخاطر في البحر المتوسط.

"قبل سقوط النظام، كنتُ مستعدا للموت في الطريق، لكني لن أذهب إلى الجيش. أما الآن، فقد تغيّرت الخطة 180 درجة؛ الآن أنا أعمل والحمد لله وأجمع النقود. الآن أنا سعيد جدا وسأبقى في بلدي وأخطط لمستقبلي بين أهلي وناسي. لست أخشى أي شيء!".

إعلان جنون في الساعات الأخيرة قبل السقوط

شاب آخر يعمل أيضا في أحد محال التذكارات القريبة من الجامع الأموي طلب عدم ذكر اسمه، أكد أنه كان من القلة المحظوظة، فقد كان "وحيدا" لوالديه، ما يعني أنه معفى من الخدمة العسكرية. لكنه رأى بعينيه كيف كان النظام يزجّ بالشباب إلى الجبهات، حتى أولئك الذين لديهم إعفاء رسمي.

"بعد تحرير حلب نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، جن جنون النظام، فبدأ يوقف الشباب على الحواجز ويأخذهم إلى السجن، حتى المعفيين من الوحيدين أو المؤجلين، سمعت من البعض أن أوراق تأجيلهم مُزقت، وتم سوقهم إلى الجبهات. البعض سيق إلى السجن بلا أي سبب. النظام كان بحاجة إلى كل جندي، لكنه ساق بعض الشباب إلى السجن دون سبب منطقي واضح!".

الإقامة القسرية هربا من الخدمة الإلزامية

بينما لجأ البعض للهروب، اختار آخرون التخفي، لكنهم ظلوا يعيشون في خوف دائم، لا يجرؤون على مغادرة منازلهم، متجنبين أي مواجهة مع الجيش أو الأمن.

قيس دكاك، الذي استطاع دفع بدل الخدمة العسكرية كونه عاش خارج سوريا في طفولته، لم يكن مضطرا للهروب، لكنه عاش هذه التجربة من خلال صديقه محمد، الذي كان مطلوبا للخدمة العسكرية، لكنه قرر أن يختبئ بدلا من أن يُساق إلى الجبهات.

"محمد كان شابا من منطقتي، وكان يخشى الالتحاق بالجيش. لم يكن يخرج من الحي أبدا، حتى لا يصادف حاجزا عسكريا يسوقه إلى الخدمة الإلزامية عنوة. كان يعيش في خوف دائم، يخرج من منزله فقط إلى صالة البلياردو التي كانت مشروعا استثماريا صغيرا أديره في حينها. بدأ يعمل معي في الصالة، لكني كنتُ أحذّره دائما: لا تسلّم هويتك لأحد، لا تتعامل مع أي جهة حكومية. إذا جاء أحدهم بغيابي وطلب هويتك، فتواصل معي فورا ولا تسلمهم إياها".

لكن ذات يوم، لم يكن الحذر كافيا.

"كنتُ في عملي الحكومي عندما رنّ هاتفي. محمد يتحدث بصوتٍ مرتجف: جاء الأمن، أخذوا هويتي! وبالطبع، اكتشفوا أنه مطلوب للخدمة. طلبتُ منه أن يتمسك بمكانه، وألا يغادر معهم حتى أصل. انطلقتُ كالمجنون، كنتُ أقود بسرعة جنونية في الشوارع المزدحمة، كأنني أركض في سباق مع الموت. لكن عندما وصلت، كان قد اختفى. سألْتُ الموجودين، فقالوا لي إنهم أخذوه معهم إلى شعبة التجنيد".

قيس دكّاك لم يتمكن من إنقاذ صديقه الذي اختفى بعد أيام من سوقه إلى الخدمة الإلزامية (الجزيرة)

حاول قيس التدخل بكل الطرق، استخدم معارفه، لكن بلا جدوى.

إعلان

"بعد أيام، علمتُ أنه فُرز إلى الرقة، حيث كانت المعارك مشتعلة بين النظام وتنظيم داعش. حاولتُ نقله إلى مكان آخر، لكن لم يكن بيدي شيء. بعد أسابيع، وصلني الخبر.. محمد اختفى. لا أحد يعرف عنه شيئا، وقيل لي إن مجموعته قُتلت بالكامل. لم يكن يريد الحرب، لم يكن مقاتلا، لكنه أُجبر على القتال. لا أعرف حتى اليوم إن كان حيا أم لا، فلم تصلني جثة ولا شهادة وفاة".

"النجاة بمعجزة"

أما سائق التاكسي محمد -وهو اسم غير حقيقي للشاب الذي لم يرحب كثيرا بفكرة الحديث إلى الإعلام-، فعاش بدوره لأكثر من عقد في حالة من الهروب الدائم. لم يكن يجرؤ على ممارسة مهنته، كان يتحرك فقط داخل حيه، ويتجنب الخروج في أوقات النهار خوفا من الحواجز. لكنه في أحد الأيام، وجد نفسه أمام حاجز طيار.

"رأيتهم أمامي، كنتُ أعلم أنني انتهيت. طلبوا الهويات، فقررت أن أراوغ، لم أسلم هويتي، وانتظرتُ أن يكتشفوا نقص الأوراق ويبحثوا عني. لكن فجأة، دوّى صوت إطلاق نار! بدأ اشتباك مع الثوار، سادت الفوضى، ركض الجنود نحو سياراتهم، وانطلقوا مسرعين، وتركوا الهويات مع السائق. هكذا، نَجوتُ بمعجزة".

"أخيرا.. نحن أحياء"

مع تغير المشهد السياسي في سوريا، بدأ الشباب بالخروج من الظل، يستعيدون حياتهم التي سُلبت منهم لسنوات طويلة. أحمد تكريتي، الذي اضطر إلى البقاء في المنزل وإكمال دراسته مرغما فقط لتأجيل التجنيد، يتنفس الصعداء أخيرا.

أحمد تكريتي اضطر لمواصلة الدراسة حتى يتمكن من تأجيل انضمامه إلى الخدمة العسكرية الإلزامية (الجزيرة)

"أنا كنتُ مطلوبا للخدمة العسكرية، كنت جالسا في المنزل بصراحة، وأدرس هندسة تطبيقية من أجل تأجيل خدمة الجيش. أكملت دراستي مُرغما. كنتُ أدرس في الجامعة، لا لشيء سوى لتأجيل الجيش. أما بعد التحرير، فانفرجت الأمور بشكل عام لأنّ الشباب صار بإمكانه الخروج من البيوت والعمل. كما ترى، الازدحام بالشوارع يستمر حتى الساعة الـ12 أو الواحدة ليلا. كان الشباب يلتزمون البيوت هربا من السوق إلى الجيش. أما اليوم، فشباب البلد كلهم خرجوا".

إعلان

كلمات أحمد تلخص معاناة جيل كامل من الشباب السوريين، عاشوا عقدا من الزمن بين المطاردة والخوف والاختباء، قبل أن يجدوا أنفسهم اليوم في واقع جديد، يشبه ولادة ثانية.

مقالات مشابهة

  • في تحول خاطف.. كيف اختفت رموز نظام الأسد من أسواق دمشق وحلّت محلها ألوان الثورة؟
  • العسكرية في سوريا: حكايات رعب وهروب.. وجنون النظام في الساعات الأخيرة
  • سوريا.. القبض على “مجرم” متورط بإلقاء براميل متفجرة على المدنيين / صور
  • المجتمع الدرزي في سوريا يطالب بضمان دور فاعل للأقليات في الحكم الجديد
  • أحمد حسون.. مفتي سوريا في النظام السابق
  • محطة "القدم" للقطارات بدمشق.. إرث عثماني دمره نظام الأسد
  • تل أبيب تزعم أن إحدى الجثث التي تسلمتها بغزة ليست لأسير إسرائيلي
  • مجزرة التضامن يوم قتل نظام الأسد فلسطينيين وسوريين بدمشق وردمهم في حفرة
  • برادة يلتزم بتنفيذ بنود اتفاق 10 و26 دجنبر 2023 ويعد بتفعيل النظام الأساسي لتحسين وضعية التعليم
  • سوريا.. بعد سقوط نظام الأسد هل سترفع العقوبات عنها؟