كـتـــارا تناقش مكانة الخط الكوفي في الحضارة الإسلامية
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
استضاف ملتقى كتارا للخط العربي بالقاعة «15» في الحي الثقافي كتارا مساء أمس، حلقة نقاشية تحت عنوان «الخط الكوفي بين الأصالة والمعاصرة»، شارك فيها الخطاط والفنان التشكيلي عمار الدسوقي، وحاوره المهندس محمد عزمي توكل، وذلك بحضور عدد من الخطاطين والفنانين التشكيليين وحشد من عشاق الخط العربي والمهتمين بالفنون الإسلامية.
وبدأ الخطاط والفنان التشكيلي عمار الدسوقي حديثه عن الخط الكوفي بوصفه أحد أقدم الخطوط التي وصلت الى مكانة عالية ومميزة في الحضارة الإسلامية، وذلك نتيجة الاهتمام الكبير الذي حظي به والابداع الباهر في تجميله ورسمه وإدخال الكثير من فنون الزخرفة عليه، لافتا الى أن الخط الكوفي يمثل أحد أبرز المظاهر التي تعكس جماليات الفنون العربية، حيث تسابق الفنانون المسلمون في تطويره والتفنن في زخرفة حروفه، ووجدوا فيه المرونة والتطويع والتمكن من الوصول إلى إبداع أشكال غاية في الجمال والروعة.
وتناول الخطاط والفنان الدسوقي أصالة الخط الكوفي ومكوناته الحضارية وتطوير هيكليته، وابداعاته الخلاقة وطاقاته التعبيرية الملهمة، وامتلاكه للحرية الكاملة والاستقامة لحروفه وطواعيتها واحتفاظها بجماليتها والاستفادة من الاشكال المستحدثة التي يستلهمها الخطاط الذي يمتلك قدرا من الحرية والجرأة فيما يخص الالتزام بجوهر القواعد المنصوص عليها، وينطلق بها نحو تحرير طاقات الفكر والخيال والتعبير، للوصول الى ابتكار جديد يطل من خلاله على آفاق مشرقة في الفن والابداع، منوها بأن ظهور الخط العربي وتنوع أشكاله جاء نتيجة مرونة الحروف العربية وسهولة انسيابها، واختلاف اقلامها، ووضوح اشكالها، حيث تعددت أساليب الخطوط العربية وأصبح لكل واحد منها قواعده التي تتحكم به، مما جعل المبدعين في هذا المجال يتسابقون في ابتكار اشكال الحروف وتكوين خطوط جديدة، لافتا إلى أن أنواع الخط الكوفي تصل إلى نحو 12 نوعا مثل:» الخط الكوفي المصحفي، الفاطمي، المربع، القيرواني، المورق أو المزهر، الأندلسي، المشرقي، المرابطي، المضفور، النيسابوري، المملوكي، الأيوبي».
واستعرض الدسوقي مراحل صناعة اللوحة بالخط الكوفي ضمن القواعد والضوابط والاوزان، والمحافظة على عناصر مهمة في تشكيل اللوحة الخطية مثل التركيب القوي والجذاب الذي يراعي قوة الحروف والاتزان وعلاقة الخط والفراغ، والايقاع الذي يعتمد على التماثل والتناظر وتوزيع الوحدات وتعدد المساحات، الى جانب اختيار التقنية المناسبة للعمل الفني. موضحا أن الخط العربي يعد من أبرز الفنون التشكيلية لأنه يتمتع بصفات خاصة تميزه عن غيره من الفنون وأهمها التجريد في الحروف واستقلاليتها، حيث يقول الفنان بيكاسو:» إن اقصى نقطة أردت الوصول اليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني اليها منذ أمد بعيد».
الجدير بالذكر أن المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» أطلقت ملتقى كتارا للخط العربي بهدف إثراء المشهد الحضاري والثقافي، وتكريس الهوية الثقافية والابداعية، حيث سيعقد الملتقى شهريا لمناقشة جملة من الموضوعات المتعلقة بفن الخط العربي والفنون الإسلامية المرتبطة به، ومن أجل تسليط الضوء على الإبداعات والأفكار والابتكارات التي تتعلق بهذا الفن الأصيل، وابرازه بوصفه فنا قائما بذاته يعكس ثراء الثقافة العربية والإسلامية، ويرمز الى هويتنا وإرثنا الثقافي والحضاري، ويرتبط بشكل وثيق بلغتنا العربية.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر ملتقى كتارا للخط الخط الكوفي الفنون الإسلامية الخط العربی
إقرأ أيضاً:
د.نجلاء شمس تكتب: بسواعدهم تُبنى الحضارات
تخيل معي، لو استيقظنا يومًا فلم نجد عمالًا!
لن نجد مدارس تُبنى، ولا مستشفيات تُجهز، ولا مصانع تدور، ولا جسور تمتد، ولا حقول تُثمر، ولا مدن تنهض ، ستتحول الحياة إلى ركام، وستغدو الطرقات مهجورة، والمزارع جرداء، والمرافق بلا حياة، وستكون الحضارة مجرد حبرٍ على ورق، لا يسنده ساعدٌ، ولا يرفعه جهدٌ هكذا، ببساطة، تنهار الحياة عندما يغيب عنها عرقُ العامل ،والعمل في جوهره رسالة سامية، اختص الله بها الإنسان، فقال تعالى:
{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، أي طلب منكم أن تعمروها بالعمل والبناء والإنتاج ،فالعمل ليس مجرد وسيلة للرزق، بل هو عبادة وشكر لله على نعمة الحياة والوجود،
وقد كانت سيرة الأنبياء عليهم السلام خير شاهد على شرف العمل؛ فقد عمل نبي الله داود عليه السلام حدادًا يصنع الدروع، قال تعالى:
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80].
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم في صغره، ويشارك في التجارة، ويساهم بنفسه في البناء، وقد رفع مع أصحابه أحجار بناء المسجد النبوي بيديه الشريفتين، وحين نتصفح صفحات التاريخ، نرى أن وراء كل حضارة عظيمة أيادي عمال مخلصة صنعت المجد بصبرٍ وإتقان ،ففي مصر القديمة، لم تكن الأهرامات مجرد أحجار ضخمة رُصت فوق بعضها، بل كانت ثمرة سواعد آلاف العمال المصريين الذين حملوا الحجارة على ظهورهم، ورصفوا بها مداميك الخلود التي ما تزال تقاوم عوادي الزمن، شاهدة على أن البناء الأعظم لا تصنعه الحجارة بل تصنعه الأيدي المؤمنة بالعمل، وفي بغداد العباسية، كانت قصور الخلافة وأسواقها المزدحمة تشيَّد بحرفية أيدٍ عاملة تفننت في نقش الجمال على جدران الزمن ،وفي الأندلس، حيث ازدهرت الحضارة الإسلامية، كان العمال المهرة يبنون القصور والمدارس والمساجد بروحٍ فنية أذهلت العالم، وكما كان العمال أساس حضارات الأمس، فإنهم اليوم يشيدون صروح العلم الحديثة، والمصانع العملاقة، والجسور المعلقة، والمدن الذكية؛ فلا يُكتب اسمهم على الواجهات، لكن آثار أيديهم باقية تروي قصة المجد لكل من يفهم أن الحضارة تبنى بالعرق قبل أن تدون في الكتب
لقد أدرك الإسلام مكانة العامل فرفع قدره وأعلى منزلته؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده" [رواه البخاري].
أيها العامل: لست ترسًا خفيًا في آلة كبرى، بل أنت نبضها الحقيقي، وقلبها النابض بالحياة،
أنت الذي تبني المدارس لتُعلّم الأجيال، وتُعمر المستشفيات لتداوي المرضى، وتُشيّد الجسور لتربط بين المدن، وتزرع الحقول لتُطعم الأمم ،
كل قطرة عرق تذرفها على أديم الأرض، تُنبت مجدًا، وتُزهِر حضارةً، وتُخلّد اسم الإنسان،
وفي يوم العمال، نقف لك إجلالًا واحترامًا، اعترافًا بأنك أنت العمود الفقري الذي يشد أوتاد الحياة إلى الأرض؛ فتنهض عليها الحضارة سامقة، لا تهزها العواصف.