مجلة عسكرية: لدى روسيا وسائل كثيرة للرد على أطماع الولايات المتحدة في القطب الشمالي
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
ذكرت مجلة ميليتاري واتش الأمريكية أن روسيا لديها ما يكفي من وسائل الرد على المطامع الإقليمية الأمريكية في القطب الشمالي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة لم تحصر طموحاتها بالتوسع في القطب الشمالي انطلاقا من أقصى ولاية في الشمال (ألاسكا)، ولكنها أيضا توسع من أنشطتها العسكرية في المنطقة منذ ما يقرب من 10 سنوات.
وأضافت: "ربما تكون إحدى العلامات الأكثر وضوحا على أولوية هذه المنطقة من حيث الأهمية، هو نشر ما يزيد عن 100 مقاتلة من الجيل الخامس من طائرات "إف ــ 22" و"إف - 35" في ألاسكا".
إقرأ المزيدوحذرت من أن موسكو تمتلك تشكيلات كبيرة من الوحدات العسكرية المنتشرة في هذه المنطقة، والتي سيتعين على واشنطن أن تأخذها بعين الاعتبار. ففي مواقع رئيسية مثل أرخبيل "نوفايا زيمليا" وميناء "تيكسي" في "ياقوتيا"، نصبت روسيا أنظمة دفاع جوي من طراز "إس - 400"، بالإضافة إلى إصدارات خاصة للغاية من أنظمة الدفاع الجوي قصيرة المدى "تور" و "بانتسير"، التي تم تصميمها خصيصا لتتلاءم مع هذه المنطقة.
وأضافت أن روسيا اختبرت في ديسمبر 2021 نظام الدفاع الجوي "إس - 500"، ومن المرجح أن يكون القطب الشمالي من المناطق ذات الأولوية لنشرها.
وتابعت المجلة المتخصصة في الشؤون العسكرية أن الروس "يمكنهم أن يشعروا بالفخر من نطاق التغطية غير المسبوق لهذه المنظومة التي تمتد لـ 600 كلم، مع القدرة على تدمير ليس فقط الطائرات المقاتلة والقاذفات وطائرات الإنذار المبكر (أواكس)، وإنما حتى الأهداف الفضائية، مثل الأقمار الصناعية".
ولفتت الصحيفة إلى أن المكون الأساسي للطيران القتالي الروسي في القطب الشمالي هي مقاتلات ميغ - 31 الاعتراضية، القادرة على حمل صواريخ جو-جو كتسليح رئيسي، بمدى يصل إلى 400 كلم، وسرعة تصل إلى 6 ماخ، ورأس حربي يزن 60 كغم. وهذا يزيد بمقدار الضعف عن مدى نظيراتها الأمريكية، ما يجعل هذه المقاتلات مثالية لتحييد سلاح الجو الأمريكي.
وفي وقت سابق، ذكرت بلومبرغ، نقلا عن بيان من وزارة الخارجية الأميركية، أن الولايات المتحدة أعلنت توسيع الجزء الخاص بها من الجرف القاري في القطب الشمالي. واحتلت منطقة تقع أساسا ضمن القطب الشمالي وحدود بحر بيرينغ، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة تطالب بها أيضا كندا وروسيا.
ووصف رئيس لجنة مجلس الدوما المعنية بالقطب الشمالي، نيكولاي خاريتونوف، هذه الخطوة من جانب واشنطن بأنها غير مقبولة، وحذر من أنها قد تؤدي لزيادة التوتر. مشيرا لضرورة إثبات التبعية الجيولوجية لهذه الأراضي، كما فعلت روسيا في وقت ما.
المصدر: نوفوستي
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أسلحة ومعدات عسكرية القطب الشمالي موسكو واشنطن فی القطب الشمالی
إقرأ أيضاً:
السياسة الأمريكية تجاه السودان: من صراعات الماضي إلى حسابات الجمهوريين الباردة
شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان محطات متباينة عبر التاريخ، حيث تأرجحت بين الانخراط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية، وكان السودان دائمًا في موقع حساس داخل الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا والشرق الأوسط. منذ استقلال السودان، تعاملت واشنطن معه وفق اعتبارات الحرب الباردة، فكانت تدعمه حين يكون في المعسكر الغربي، وتضغط عليه حين يميل نحو المعسكر الشرقي أو يتبنى سياسات معادية لمصالحها. خلال السبعينيات، دعمت إدارة نيكسون والرؤساء الجمهوريون الذين جاؤوا بعده نظام جعفر نميري، خاصة بعد أن طرد الأخير الخبراء السوفييت وتحول إلى التحالف مع الغرب، لكن هذا الدعم لم يكن بلا مقابل، فقد جاء مشروطًا بفتح السودان أمام المصالح الأمريكية، سواء في ملفات الاقتصاد أو الأمن الإقليمي.
مع وصول الإسلاميين إلى السلطة عام 1989 بقيادة عمر البشير، دخل السودان في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، خاصة بعد استضافته لأسامة بن لادن وجماعات إسلامية أخرى، وهو ما أدى إلى تصنيفه دولة راعية للإرهاب في 1993. العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن عزلت السودان دوليًا، لكنها في ذات الوقت لم تمنع النظام من بناء تحالفات بديلة مع الصين وروسيا وإيران، ما جعل السودان يتحول إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوى الكبرى. ومع اشتداد الحرب في جنوب السودان، لعبت الولايات المتحدة دورًا غير مباشر في دعم المتمردين، وهو ما قاد إلى اتفاق السلام في 2005 الذي مهّد لانفصال الجنوب عام 2011. غير أن واشنطن، ورغم دورها الحاسم في تقسيم السودان، لم تفِ بوعودها تجاه الخرطوم، إذ استمر الحصار الاقتصادي لسنوات طويلة بعد الانفصال، ما زاد من تعقيد المشهد الداخلي وأدى إلى أزمات اقتصادية وسياسية عميقة.
خلال فترة حكم دونالد ترامب، تغيرت الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان من المواجهة المباشرة إلى نهج "المقايضة"، حيث تم ربط أي انفتاح أمريكي بمدى استعداد السودان لتقديم تنازلات سياسية وأمنية، وكان أبرز الأمثلة على ذلك اشتراط واشنطن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 2020. هذا النهج عكس طبيعة السياسة الخارجية لإدارة ترامب التي قامت على البراغماتية المطلقة، بعيدًا عن أي التزامات أخلاقية أو ديمقراطية. هذه الواقعية الصارمة قد تعود مجددًا في حال وصول الجمهوريين إلى السلطة مرة أخرى، مما يعني أن تعامل الولايات المتحدة مع السودان سيكون محكومًا باعتبارات المصالح الجيوسياسية وليس بدعم التحول الديمقراطي.
من المرجح أن تعتمد الإدارة الجمهورية القادمة، سواء بقيادة ترامب أو أي بديل آخر، على سياسة المقايضة بدلًا من الدبلوماسية التقليدية. السودان قد يجد نفسه أمام معادلة واضحة: ماذا يمكنه أن يقدم مقابل الدعم الأمريكي؟ في ظل هذه البراغماتية، فإن القوى المدنية التي لا تمتلك أدوات ضغط حقيقية قد يتم تجاهلها، فيما يتم التركيز على الفاعلين العسكريين باعتبارهم الأقدر على فرض الاستقرار، حتى لو كان ذلك على حساب التحول الديمقراطي. كذلك فإن الإدارة الجمهورية قد تستخدم العقوبات بشكل انتقائي، فتضغط على قوات الدعم السريع باعتبارها مرتبطة بروسيا وفاغنر، بينما تغض الطرف عن الانتهاكات التي يرتكبها الجيش السوداني إذا كان ذلك يخدم المصالح الأمريكية في الإقليم.
التحالفات الإقليمية ستكون أيضًا محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان، إذ من المتوقع أن تتعامل واشنطن مع الملف السوداني عبر قنوات غير مباشرة، مثل مصر والإمارات، بدلًا من التدخل المباشر. هذه المقاربة قد تؤدي إلى صفقات سرية تعيد ترتيب الأوضاع بما يخدم القوى العسكرية المدعومة من هذه الدول، وهو ما سيجعل أي حل سياسي محتمل بعيدًا عن التوافق الوطني الحقيقي. في سياق أوسع، فإن السودان قد يتحول إلى ورقة ضغط في الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث قد تسعى واشنطن إلى منع موسكو من توسيع نفوذها في البحر الأحمر عبر قاعدة بورتسودان، كما قد تستخدم الأزمة السودانية للضغط على الصين التي تمتلك استثمارات ضخمة في البلاد.
المسألة الأكثر حساسية في العلاقة بين السودان والإدارة الجمهورية القادمة ستكون ملف إسرائيل، إذ أن واشنطن قد تربط أي دعم سياسي أو اقتصادي بمزيد من التنازلات السودانية تجاه تل أبيب، سواء من حيث التعاون الأمني أو الاقتصادي. ترامب، في ولايته الأولى، استخدم سياسة فرض التطبيع كشرط مسبق للدعم، ومن المرجح أن يعود إلى نفس الأسلوب إذا فاز بولاية ثانية. هذه السياسة قد تضع السودان في مأزق داخلي، حيث أن التطبيع ما زال ملفًا خلافيًا في الساحة السودانية، ما يعني أن أي ضغط أمريكي في هذا الاتجاه قد يفاقم التوترات الداخلية.
في النهاية، فإن مستقبل العلاقة بين السودان والولايات المتحدة في ظل الجمهوريين سيتحدد وفق معادلة المصالح البحتة، بعيدًا عن أي التزام بدعم الديمقراطية أو الاستقرار طويل الأمد. واشنطن قد تدعم حلًا عسكريًا سريعًا للأزمة السودانية إذا كان ذلك يخدم مصالحها الإقليمية، لكنها لن تلتزم بمساعدة السودان على بناء نظام سياسي مستدام. كما أن السودان قد يجد نفسه في قلب صراع بين القوى الكبرى، حيث تسعى واشنطن إلى احتوائه ضمن استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الروسي والصيني، مما قد يعقد الأزمة أكثر بدلًا من حلها. في ظل هذه التعقيدات، فإن السودان سيكون أمام خيارات صعبة، إما الخضوع للضغوط الخارجية وقبول حلول مفروضة، أو مواجهة سيناريو صراع طويل الأمد يعمّق أزماته السياسية والاقتصادية.
zuhair.osman@aol.com