موسكو- لا تبدو أصداء الاحتجاجات في صربيا بعيدة عن مسامع موسكو المنهمكة في الصراع مع الغرب عبر بوابة الحرب مع أوكرانيا، لا سيما أن هذه الاحتجاجات اندلعت فجأة في بلد لطالما حاول أن يتخذ مسافة "آمنة" من حلبة الصراع الغربي مع روسيا تجنبه التورط في حرب ضدها.

ومن حيث الشكل، تعد الاضطرابات التي اندلعت في صربيا إثر إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية ومطالبة المحتجين بإعادة عملية نتائج التصويت أمرا مألوفا يحدث في كل مرة تثير فيها نتائج الانتخابات جدلا ومعارضة لدى شرائح من المجتمع.

لكن المسيرات التي تحولت بسرعة إلى أعمال شغب قرأها المسؤولون الرسميون والمراقبون في موسكو-على حد سواء- من زاوية أخرى، باعتبارها أمرا يعني صناع القرار في الكرملين بشكل مباشر.

ويبدو ذلك واضحا في تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، التي قالت إن "الغرب الجماعي أعطى صربيا الخيار نفسه الذي منحه في السابق لأوكرانيا"، والخيار -حسب رأيها- صعب: فإما أن تكون صربيا مع الغرب أو مع روسيا.

بدوره، أكد السفير الروسي في بلغراد ألكسندر بوتسان خارشينكو وجود أدلة على تورط دول غربية في الاضطرابات في صربيا.

مراقبون روس يرون أن الغرب وراء الاحتجاجات بسبب موقف الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش من حرب أوكرانيا (غيتي)

وصربيا هي واحدة من 3 دول أوروبية (إلى جانب سلوفاكيا والمجر) تعارض العقوبات الغربية على موسكو، وتعد روسيا دولة صديقة لها، فضلا عن ارتباطهما بعلاقات اقتصادية وتجارية مهمة.

ويرى مراقبون روس أن اندلاع الاحتجاجات في البلد البلقاني على هذا النحو لا يعدو كونه محاولة من قبل واشنطن غير الراضية عن الموقف المستقل للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، وذلك لإحداث تغيير جديد في البلاد بعد إخفاق ائتلاف المعارضة (الموالي للغرب) في الحصول على الأغلبية في الانتخابات.

ملامح ثورة ملونة

وحسب محلل شؤون البلقان فاسيلي بابوف، فإن الاحتجاجات في صربيا تحمل سمات "الثورات الملونة" وفقا لما يصفه بـ"دليل الاحتجاجات" الأميركي، موضحا أن واشنطن غير راضية عن موقف الرئيس الصربي، لذلك، عندما لم يتمكن ائتلاف المعارضة الموالي للغرب من الحصول على الدعم في الانتخابات، بدأت واشنطن بتحريك أعمال شغب جماعية، حسب وصفه.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن الاحتجاجات في كل من جورجيا وأوكرانيا تطورت وفقا لهذا السيناريو، فصناع القرار في الإدارة الأميركية لا يهتمون برأي غالبية المواطنين الصرب الذين دعموا حزب فوتشيتش في الانتخابات، كما أنهم لا يشعرون بالقلق إزاء الخسائر المحتملة في الأرواح أو الوضع الاقتصادي.

الآلاف يحتجون على نتيجة الانتخابات في صربيا (الفرنسية)

ويصف بابوف الاحتجاجات في صربيا بأنها عمل مدروس ومخطط له من قبل مؤسسات جادة تعمل لصالح الغرب، لكنه -في المقابل- يؤكد أن رئيس البلاد ألكسندر فوتشيتش لديه كل الموارد اللازمة للتعامل مع الاحتجاجات.

ويستبعد بوبوف أن تقدم روسيا دعما ماليا للصرب إذا استمرت الاضطرابات، متابعا أن موسكو تنتهج سياسة تقوم على المنفعة المتبادلة، وأن صربيا تحصل بالفعل على الغاز وعدد من الأفضليات التجارية من روسيا.

ويضيف أن هذا "طريق ذو اتجاهين"، خاتما بأنه لن يكون هناك "حل قوي" من جانب روسيا، كما حدث العام الماضي في كازاخستان، لأن بلغراد ليست عضوا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

بدوره، لا يرى المحلل السياسي فلاديمير أولتشينكو أي مخاطر بعيدة المدى على روسيا جراء الأوضاع الحالية في صربيا، لأن المسار السياسي الحالي فيها سيبقى كما هو تحت أي قيادة ستأتي، وذلك لأسباب تاريخية واقتصادية.

ويستبعد أن يذهب "شركاء صربيا الغربيين" إلى القيام بـ"ثورة ملونة" أو إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية، لأن المعارضة الليبرالية الموالية للغرب لا تملك الموارد الكافية لتوطيد حضورها على الساحة السياسية، ولا يمكن الرهان عليها إلا بهدف زعزعة الجمهورية.

مسيرة لأنصار المعارضة خلال احتجاج في بلغراد (الفرنسية) ورقة التناقضات

ويعبر أولتشينكو عن قناعته بأن تناقضات صربيا مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) مفيدة لروسيا، وعلى موسكو تعميقها.

وقال إن الاحتجاجات تحدث في صربيا عادة بعد كل انتخابات، لكنه من الصعب الحديث عن أي تغييرات على النهج السياسي في البلاد، إذ لا تسعى أي من الجهات الخارجية إلى مراجعة نتائج التصويت، إلا في حال تمكنت المعارضة من تحقيق إعادة الانتخابات.

لكنه يحذر من أنه في حال فشل الرئيس الصربي في التعامل مع الاحتجاجات، فإن العواقب ستكون بعيدة المدى، كحدوث تغيير في المسار السياسي العام لصربيا في حال أُخْرِج الرئيس من المشهد السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يمهد لأن تصبح البوسنة والهرسك قريبا عضوا آخر في الناتو، وتتخذ مواقف مناهضة لروسيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاحتجاجات فی فی صربیا

إقرأ أيضاً:

لهذا السبب أطلقت روسيا صاروخها العابر للقارات على أوكرانيا

من خلال إطلاق صاروخ باليستي جديد متوسط المدى على أوكرانيا يوم الخميس، كشفت روسيا عن تهديدات جديدة لكييف وحلفائها الغربيين بهدف وقف الضربات الأوكرانية بالأسلحة التي يوفرها الغرب على الأراضي الروسية، والاستسلام في المعركة المستمرة بين البلدين منذ أكثر من سنتين.

الهجوم على مدينة دنيبرو الشرقية أثار مخاوف في الغرب بشأن تصعيد كبير في الحرب المستمرة، ودفع أوكرانيا إلى طلب قدرات دفاع جوي جديدة من واشنطن للمساعدة في اعتراض هذا النوع من الصواريخ. رسالة تخويف

لكن محللين ومسؤولين في أوكرانيا والغرب قالوا إنه على الرغم من أن الهجوم صاحبه زيادة كبيرة في تصريحات التهديد، إلا أنه في النهاية كان مجرد تبجح أكبر للكرملين، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".

وقالت المتحدثة باسم حلف شمال الأطلسي فرح دخل الله خلال رسالة عبر الإيميل، إن موسكو تهدف إلى "تخويف من يدعمون أوكرانيا.. إن نشر هذه القدرة لن يغير مسار الصراع ولن يردع حلفاء الناتو عن دعم أوكرانيا".

ونشرت وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تفاصيل جديدة بشأن الصاروخ يوم الجمعة، حيث طار بسرعة 11 ضعف سرعة الصوت واستغرق حوالي 15 دقيقة للوصول إلى دنيبرو من منطقة أستراخان الساحلية الروسية. وقالت الوكالة إنه مزود بستة رؤوس حربية، كل منها يحتوي على 6 ذخائر صغيرة.
وقال رئيس حكومة غور كيريلو بودانوف، إن الصاروخ تجريبي وإن أوكرانيا تعلم أنه من المقرر إجراء نسختين تجريبيتين على الأقل. وقال الجمعة إن الصاروخ لم يدخل بعد "سلسلة الإنتاج، والحمد لله".
وأضاف، "حقيقة أنهم استخدموها في نسخة خالية من الأسلحة النووية هي، كما يقولون، تحذير منهم، بأنهم ليسوا مجانين تماماً".
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس، إن روسيا ضربت دنيبرو بصاروخ باليستي متوسط المدى "غير نووي تفوق سرعته سرعة الصوت يطلق عليه اسم أوريشنيك"، وهو ما يعني عسلي باللغة الروسية.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إن الصاروخ الذي كان مسلحاً برأس حربي تقليدي هو نسخة تجريبية من الصاروخ الباليستي الروسي "آر إس-26 روبيج" متوسط المدى. 

Putin threatens the West and fires a new hypersonic ballistic missile at Ukraine. Our latest @BBCNews report from Moscow. Producer @BenTavener pic.twitter.com/ReOY59yNo0

— Steve Rosenberg (@BBCSteveR) November 21, 2024 اختبارات ولم تكشف أوكرانيا بشكل كامل عن حجم الأضرار الناجمة عن الضربة الصاروخية الروسية، باستثناء القول إنها ضربت منطقة صناعية في المدينة. لا تعلق كييف عادة على الأضرار التي لحقت بالمواقع العسكرية.
وقال بوتين، إن الهجوم على دنيبرو كان "اختباراً" للسلاح، رداً على قرار إدارة بايدن الأخير الذي سمح لأوكرانيا بإطلاق نظام الصواريخ التكتيكية التابع للجيش الذي زودته الولايات المتحدة، والذي يصل مداه إلى 190 ميلاً، على أهداف داخل روسيا.
وفي يوم الثلاثاء، أطلقت القوات الأوكرانية النار لأول مرة داخل روسيا، مستهدفة مستودع أسلحة في منطقة بريانسك. في اليوم التالي، استخدموا صواريخ ستورم شادو التي قدمتها المملكة المتحدة لمهاجمة منطقة كورسك الروسية، في عملية وصفها مسؤول أوكراني يوم الجمعة بأنها "ناجحة”.

وفي أعقاب الهجمات، كانت هناك مخاوف واضحة بشأن الانتقام الروسي، بما في ذلك إغلاق البعثات الدبلوماسية الأجنبية في كييف لمدة يوم، بما في ذلك السفارة الأمريكية، التي استشهدت بمعلومات استخباراتية حول هجوم روسي محتمل. يوم الجمعة، تم إلغاء جلسة برلمانية، مرة أخرى بسبب مخاوف من هجوم.
وأكد بيسكوف، أن "الجانب الروسي أظهر بوضوح قدراته"، مضيفاً أن "ملامح المزيد من الإجراءات الانتقامية تم تحديدها بوضوح أيضاً". 

Ukrainian President Zelensky:

"Today, there was a new Russian missile. All the characteristics – speed, altitude – are of an intercontinental ballistic missile. Analysis is currently underway. It is obvious that Putin is using Ukraine as a testing ground."… pic.twitter.com/mkmEX15Twl

— Status-6 (Military & Conflict News) (BlueSky too) (@Archer83Able) November 21, 2024 ذعر بوتين

لكن المراقبين شككوا فيما إذا كان لدى روسيا ما يكفي من الصواريخ لشن مثل هذه الضربات بانتظام، وقالوا إن الهجوم ربما كان مدفوعاً بمخاوف حقيقية في روسيا بشأن كيفية الاستمرار في تزويد الخطوط الأمامية إذا كانت أوكرانيا قادرة على استهداف مستودعات الأسلحة الرئيسية ومواقع الدعم الخلفية الأخرى بالصواريخ الغربية. 

By launching a new nuclear-capable intermediate-range ballistic missile at Ukraine on Thursday, Russia was threatening Kyiv and its Western allies with the aim of stopping Ukrainian strikes with Western-supplied weapons on Russian territory — or else. https://t.co/WL7QQk8PF0

— The Washington Post (@washingtonpost) November 22, 2024

 "هذه بالتأكيد محاولة لتخويف الغرب ومحاولة لإجبار الغرب على عدم مساعدة أوكرانيا. لكن من ناحية أخرى، هذا أيضاً مظهر من مظاهر الذعر المطلق لبوتين نفسه"، بحسب ميخايلو بودولياك، مستشار المكتب الرئاسي الأوكراني.

وأضاف، أن استراتيجية روسيا كانت دائماً اختبار الرد العالمي على تصعيداتها المختلفة، مشيراً إلى كيف انتظرت موسكو لترى كيف سيرد الغرب على غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022، والضربات الصاروخية المتكررة على المدنيين، والهجمات على شبكة الكهرباء، ومؤخراً، نشر القوات الكورية الشمالية والإعدام المنتظم للسجناء في ساحة المعركة. 

Russia launched a new intermediate-range ballistic missile on Thursday toward Dnipro in Ukraine, an attack that officials in Kyiv initially said was an intercontinental ballistic missile. https://t.co/hvBEPq0ZmT pic.twitter.com/M6ozEW6VPf

— ABC News (@ABC) November 22, 2024

وتابع بودولياك: "هذا كله اختبار... والآن هناك محاولة جديدة.. هجوم عابر للقارات على السكان المدنيين. ماذا بعد؟".

وفي روسيا، تم تقديم الهجوم الصاروخي على أنه انتصار كبير ورسالة قوية لأعداء البلاد.

مقالات مشابهة

  • شاهد | التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب.. الصواريخ الأحدث تدخل المعركة
  • هل تتجه تركيا نحو انتخابات مبكرة؟
  • الحزب الحاكم في السنغال يكتسح الانتخابات التشريعية
  • روسيا تتحدى الغرب بصاروخ «أوريشنيك»
  • ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
  • ليبيا.. انتخابات بلدية بلا نتائج ومفوضية تفاقم الانقسام السياسي
  • روسيا تكشر عن أنيابها.. تهديدات بتصعيد حرب هجينة ضد الغرب
  • ماذا بقي من المعارضة في تونس بعد إعادة انتخاب قيس سعيد؟
  • لهذا السبب أطلقت روسيا صاروخها العابر للقارات على أوكرانيا
  • موسكو تهدد الغرب بصاروخ جديد وتتسبب في انفجارات كييف