تواجه بلدان منطقة اليورو نوعين من الأزمات المالية: أزمة ميزان المدفوعات أو أزمة الدين العام الزائد، وتتجلى أزمة ميزان المدفوعات في عدم القدرة على تمويل العجز الخارجى للبلاد - عجز الحساب الجاري، وإذا لم يتم تمويل هذا العجز بشكل تلقائى من خلال تدفقات رأس المال من غير المقيمين، فسوف تنشأ أزمة: ارتفاع حاد للغاية في أسعار الفائدة إلى النقطة التى يختفى عندها العجز الخارجي.

وحسب مجلة لو بوان الفرنسية، فإن أزمة الدين العام هى الحالة التى يتجاوز فيها العجز العام أو معدل الدين العام المستوى الذي يمكن تمويله بسعر فائدة معقول، ومن ثم يظهر ارتفاع حاد في أسعار الفائدة طويلة الأجل، وإذا تفاقمت الأزمة، تبرز الحاجة إلى إعادة هيكلة الدين العام أو إلغاء جزء منه.

فائض الادخار
خلال أزمة منطقة اليورو من عام ٢٠١٠ إلى عام ٢٠١٣، كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التى تأثرت بأزمة الدين العام هى اليونان، وقد ارتفعت أسعار الفائدة لعشر سنوات في اليونان إلى ٣٥٪ في عام ٢٠١١، وكان العامل الذي أشعل شرارة الأزمة هو المراجعات التصاعدية الحادة للعجز العام، الذي وصل في نهاية المطاف إلى ١٠.٢٪ من الناتج المحلى الإجمالى في عام ٢٠٠٨، ثم إلى ١٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى في عام ٢٠٠٩، واضطرت إلى تنفيذ إلغاء جزء من دينها العام «١٠٠ مليار يورو» وبرنامج تقشف عنيف في الميزانية.

وتضررت دول أخرى في منطقة اليورو من أزمة ميزان المدفوعات. كان عجز الحساب الجارى هائلًا في عام ٢٠١١ في إيطاليا «٤.٥٪ من الناتج المحلى الإجمالي»، وإسبانيا «١٢٪ من الناتج المحلى الإجمالي»، والبرتغال «١٣٪ من الناتج المحلى الإجمالي»، في وقت كانت بلدان الفائض في منطقة اليورو ــ ألمانيا وهولندا ــ قرروا إقراض مدخراتهم الفائضة لبقية العالم والمزيد لدول أخرى في منطقة اليورو.

وأدى ذلك إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة طويلة الأجل في إيطاليا «٤٥٠ نقطة أساس فوق أسعار الفائدة طويلة الأجل في ألمانيا»، وإسبانيا «٤٠٠ نقطة أساس فوق ألمانيا»، والبرتغال «١٤٥٠ نقطة أساس فوق ألمانيا»، مما تسبب في ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل وسيتراجع النشاط الاقتصادى لهذه البلدان، وفى غضون ثلاث سنوات، سيختفى العجز الخارجى لهذه البلدان على حساب انخفاض الناتج المحلى الإجمالى في عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣.

السؤال الذي يطرح نفسه هو طبيعة الأزمة المالية التى ربما تهدد اليوم فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال. وبعض هذه البلدان هشة: فقد ارتفع الفارق في أسعار الفائدة لعشر سنوات في مقابل ألمانيا، بسبب الأزمات الجيوسياسية الأخيرة، بمقدار عشر نقاط أساس في فرنسا، وبواقع ثلاثين نقطة أساس في إيطاليا وإسبانيا. وما طبيعة هشاشتهم المالية؟ لم يعد هناك خطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات.

وتتمتع إسبانيا وإيطاليا والبرتغال بفائض في الحساب الجاري: ما بين ٣ إلى ٦ مليارات يورو شهريًا في إسبانيا؛ وفى إيطاليا، فائض صغير جدًا؛ وفى البرتغال حوالى مليار يورو فائض شهري؛ ولن تشهد فرنسا، في عام ٢٠٢٣، سوى عجز طفيف للغاية في الحساب الجارى «بين ١ و٢ مليار يورو شهريًا».

ومن ناحية أخرى، قد تنشأ أزمة الدين العام والعجز العام في عدة دول، وفى عام ٢٠٢٢، يبلغ معدل الدين العام لفرنسا ١١٢٪ من الناتج المحلى الإجمالي، وإيطاليا ١٤٥٪، والبرتغال ١١٦٪، وإسبانيا ١١٢٪، ولكن قبل كل شيء، إذا كان لدى البرتغال فائض في الميزانية في عام ٢٠٢٣ وربما في عام ٢٠٢٤، فإن فرنسا لديها عجز عام بنسبة ٤.٩٪ من الناتج المحلى الإجمالى في عام ٢٠٢٣، وإيطاليا ٥.٣٪ من الناتج المحلى الإجمالى في عام ٢٠٢٣، وإسبانيا ٤.١٪ من الناتج المحلى الإجمالي، وإذا كان النمو في إسبانيا والبرتغال ربما يقترب من ٢٪ في عام ٢٠٢٤، فإن النمو في إيطاليا وفرنسا يجب أن يكون أقل من ١٪، وهو رقم غير كاف لخفض العجز العام بشكل واضح.

أزمة الدين العام أقل خطورة من أزمة ميزان المدفوعات. إذا لم يكن لدى أى بلد عجز خارجي، فسيكون لديه مدخرات إضافية لتمويل استثماراته وعجزه العام، وبطبيعة الحال، يمكننا أن نخشى تدفقات رأس المال إلى الخارج، ولكنها أقل احتمالًا من توقف تدفقات رأس المال إلى الخارج من غير المقيمين.

وبالإضافة إلى ذلك، يمتلك البنك المركزى الأوروبى أداة «أداة حماية النقل» يمكنه استخدامها في حالة حدوث أزمة دين عام. هذا هو إمكانية شراء الدين العام لدولة تعرضت للهجوم في الأسواق المالية لتحقيق استقرار انتشار أسعار الفائدة مقابل ألمانيا، وبالتالى فإن حقيقة أننا لم نعد نخشى حدوث أزمة في ميزان المدفوعات في منطقة اليورو أمر مطمئن حقًا.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: منطقة اليورو ميزان المدفوعات أزمة الدین العام فی أسعار الفائدة فی منطقة الیورو فی عام ٢٠٢٣ فی إیطالیا نقطة أساس

إقرأ أيضاً:

تحول ميزان القوى البحثية والمعرفية عالمياً وتأثيراتها

إن الصين ليست الدولة الوحيدة التي نجحت في تحسين قدرتها العلمية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ولكن صعود الصين كان دراماتيكياً بشكل خاص. وقد ترك هذا خبراء السياسة والمسؤولين الحكوميين الأميركيين قلقين بشأن الكيفية التي قد تؤدي بها التفوق العلمي للصين إلى تحويل ميزان القوى العالمي. والواقع أن صعود الصين الأخير نتاج سنوات من السياسة الحكومية الرامية إلى أن تكون في صدارة العلوم والتكنولوجيا. لقد اتخذت البلاد خطوات واضحة للوصول إلى ما هي عليه اليوم، والآن يتعين على الولايات المتحدة أن تختار كيفية الاستجابة للصين التنافسية علمياً.

في عام 1977، قدم الزعيم الصيني دينج شياو بينج “التحديثات الأربعة”، وكان أحدها تعزيز قطاع العلوم والتقدم التكنولوجي في الصين. وحتى عام 2000، أنتجت الولايات المتحدة أضعاف عدد الأوراق العلمية التي تنتجها الصين سنوياً. ومع ذلك، على مدى العقود الثلاثة الماضية أو نحو ذلك، استثمرت الصين أموالاً لتنمية قدرات البحث المحلية، وإرسال الطلاب والباحثين إلى الخارج للدراسة، وتشجيع الشركات الصينية على التحول إلى تصنيع المنتجات عالية التقنية.

منذ عام 2000، أرسلت الصين ما يقدر بنحو 5.2 مليون طالب وباحث للدراسة في الخارج. درس أغلبهم العلوم أو الهندسة. وظل العديد من هؤلاء الطلاب حيث درسوا، لكن عدداً متزايداً منهم يعودون إلى الصين للعمل في مختبرات ذات موارد جيدة وشركات عالية التقنية.

بفضل كل هذا الاستثمار والقوى العاملة المتنامية القادرة، زاد الناتج العلمي للصين كما يقاس بعدد الأوراق المنشورة الإجمالية بشكل مطرد على مر السنين. في عام 2017، نشر العلماء الصينيون أوراقاً علمية أكثر من الباحثين الأميركيين لأول مرة.

وفقاً لتقرير نشرته وزارة العلوم والتكنولوجيا اليابانية، تجاوزت الصين الولايات المتحدة كقائدة عالمية في كل من الناتج البحثي العلمي والدراسات “عالية التأثير”. وجد التقرير، الذي نشره المعهد الوطني لسياسة العلوم والتكنولوجيا في اليابان (NISTP – Japan’s National Institute of Science and Technology Policy)، أن الصين تنشر الآن أعلى عدد من الأوراق البحثية العلمية سنوياً، تليها الولايات المتحدة وألمانيا.

 

استندت الأرقام إلى متوسطات سنوية بين عامي 2018 و2020، واستُخلصت من البيانات التي جمعتها شركة التحليلات Clarivate.

وجد تقرير NISTP الياباني أيضاً أن الأبحاث الصينية تشكل 27.2% من أفضل 1% من الأوراق البحثية الأكثر استشهاداً في العالم. يعد عدد الاستشهادات التي تتلقاها ورقة بحثية مقياساً شائع الاستخدام في الأوساط الأكاديمية. كلما زاد عدد مرات الاستشهاد بدراسة في أوراق لاحقة من قبل باحثين آخرين، زاد “تأثير الاستشهاد”.

وشكلت الولايات المتحدة 24.9% من أعلى 1% من الدراسات البحثية الأكثر استشهاداً، بينما احتلت الأبحاث في المملكة المتحدة المرتبة الثالثة بنسبة 5.5%.

ووجد التقرير أن الصين نشرت في المتوسط ​​السنوي 407,181 ورقة علمية، متقدمة على الولايات المتحدة التي نشرت 293,434 مقالة في مجلات وتمثل 23.4% من الناتج البحثي العالمي.

ونُشر التقرير في اليوم الذي وقع فيه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن على قانون الرقائق والعلوم، وهو التشريع الذي من شأنه أن يجيز 200 مليار دولار لتمويل الأبحاث على مدى 10 سنوات لجعل البحث العلمي الأمريكي أكثر قدرة على المنافسة مع الصين.

وسط توترات متزايدة بين الولايات المتحدة والصين، وقعت الدولتان اتفاقية ثنائية للعلوم والتكنولوجيا في 13 ديسمبر 2024. وقد تم الإعلان عن الحدث باعتباره “تجديداً” لاتفاقية عمرها 45 عاماً لتشجيع التعاون. يضيق الاتفاق المنقح بشكل كبير نطاق الاتفاق الأصلي، ويحد من الموضوعات المسموح بدراستها بشكل مشترك، ويغلق فرص التعاون ويدرج آلية جديدة لحل النزاعات. يتماشى هذا التحول مع القلق العالمي المتزايد بشأن أمن البحوث. تشعر الحكومات بالقلق من حصول المنافسين الدوليين على مزايا عسكرية أو تجارية أو أسرار أمنية من خلال التعاون العلمي عبر الحدود.

كشف الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان والولايات المتحدة عن تدابير جديدة شاملة في غضون أشهر من بعضها البعض لحماية الأبحاث الحساسة من التدخل الخارجي. ولكن هناك مشكلة والتي يمكن أن يؤدي الكثير من الأمن إلى خنق التعاون الدولي الذي يقود التقدم العلمي.

فالكتاب المصدر مؤخراً “الأبحاث العلمية قوة صامتة” سلط الضوء بشكل مكثف على النطاق الجغرافي الشرقي، وقد كررت في عده مناسبات ك مقالات متعددة المواضيع عن الأبحاث العلمية لما تحمله من أهمية قصوى لتطور وتوسع إدراك البشرية. ومن هذا المنطلق، أشجع الجميع على القراءة والكتابة وحفظ المعلومات بشكل مكتوب والتي تكون قابلة للتطوير والبحث من ذوي الخبرة وأهل الاختصاص. ومحاولة استبدال النقد العشوائي بالبناء المعرفي التراكمي.

واليوم، نحن أمام خطوة واحدة من شهر الخير والعطاء، أعظم شهور السنة الكونية. والتي يتطلب فيه إعادة النظر وتقييم حالتك مع مدبر وخالق هذا الكون العظيم. فرصة ذهبية منحها الخالق لنا لبذل المزيد من الطاعات والاعتراف بالأخطاء وتعديلها على وجه السرعة. فنحن أمام شهر عظيم وفرصة ذهبية قد لا تتكرر، مغزى ومعنى الحياة الحقيقي تفتح أبوابها أمامكم.

جذبني كتاب اسمه “الراهب الذي باع سيارته الفيراري” بشكل مبسط يقوم على حوار بين شخصيتين – جوليان مانتل وجون، يروي جوليان على صديقه تجاربه في رحلته الروحانية إلى جبال الهملايا التي بدأها بعد أن باع منزله وسيارته الفيراري. فهي قصة خيالية وصفت من البعض:

كارلوس ديلجادو – نجم دوري البيسبول الأمريكي: كتاب رائع من وجهة نظر روحانية
برايان تراسي – مؤلف كتاب Maximum Achievement: هذه مغامرة ممتعة، وعجيبة وخيالية في عوالم تنمية الذات، والفعالية الشخصية والسعادة الفردية. وهي تشمل كنوز من الحكمة من شأنها إثراء وتحسين حياة كل البشر
فهذه بعض المقولات البشرية تتكلم عن الروحانية والسعادة … الخ، فكيف أن يكون الوقت وعمل الطاعات والادعية ومناجاه الخالق العظيم في هذا الشهر الكريم؟ ومن هنا نهنى الجميع بقدوم شهر رمضان المبارك، ونأمل من الله العلى القدير قبول أعمالنا وحسن خاتمتنا.

رائد محمد ال شهاب

المصادر:

* China now publishes more high-quality science than any other nation, Should the US be worried? Quoted by The Conversation Jan 10 2023
* China overtakes the US in scientific research output, Quoted by Guardian
* Can science be both open & secure? Nations grapple with tightening research security as China’s dominance grows, Quoted by The Conversation, 01 2025
* كتاب: الراهب الذي باع سيارته الفيراري – روبن شارما The Monk Who Sold His Ferrari, Robin S. Sharma

مقالات مشابهة

  • تباطؤ التضخم في منطقة اليورو إلى 2.4%
  • التضخم ينخفض في منطقة اليورو إلى 2.4% في فبراير
  • رئيس برلمانية الشعب الجمهوري بالشيوخ: الطاقة المتجددة تنهي أزمة رفع أسعار الكهرباء
  • حزب الله تقبل التعازي باستشهاد نصرالله وصفي الدين في النبطية
  • النقد الدولي يسجل نمواً ملحوظاً في الناتج المحلي العراقي غير النفطي بنسبة 5% خلال 2024
  • البرلمان الإيراني يقيل وزير المالية جراء طريقة معالجته أزمة التضخم
  • أزمة حادة في المواصلات والغاز المنزلي في عدن مع أول أيام شهر رمضان
  • Visa وMDP تعلنان شراكة استراتيجية لدعم التكنولوجيا المالية في مصر
  • تحول ميزان القوى البحثية والمعرفية عالمياً وتأثيراتها
  • مؤشرات الأسهم الأمريكية تتعافى بختام تعاملات فبراير