الحوار الوطنى يرسم ملامح الجمهورية الجديدة
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
لعب الحوار الوطنى دورا مهما فى تحريك المياه الراكدة داخل الحياة السياسية المصرية، فقد صنع حالة من الزخم بعد سنوات من الجمود الذي أصاب الأغلبية العظمى من الأحزاب، فكانت الأحزاب تتحرك فى مساحات متباينة لا تقاطع فيها، حتى جاءت الدعوة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إفطار الأسرة المصرية فى 2022، لحوار وطنى حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة، ليخلق مجالا للقوى الوطنية المختلفة لإيجاد مساحة مشتركة تكون نقطة انطلاق لمناقشة كافة القضايا النوعية على الساحة الوطنية، مؤكدا أنه حوار للجميع دون تمييز أو إقصاء، انطلاقا من أن الأحلام والآمال التى يتطلع إليها الشعب المصرى تفرض التوافق لا الاختلاف، فبشكل أو بآخر ساهم الحوار الوطنى فى رسم ملامح الجمهورية الجديدة، التى تتسع للجميع.
وربما يرجع الفضل الأول فى المشهد الحضارى للمصريين فى الانتخابات الرئاسية، إلى الحوار الوطنى الذى أعاد الأحزاب إلى الحياة السياسية عبر مناقشات ثرية ومتنوعة حول القضايا الوطنية وأولويات العمل الوطنى خلال الفترة المقبلة، فالجميع يتسابق من أجل المشاركة فى صناعة مستقبل هذا الوطن، وهو الزخم الذى انتقل إلى الاستحقاق الانتخابى الأول بعد شهور من انطلاق توصيات الحوار الوطني، وقرار الرئيس إحالة جميع التوصيات الصادرة عنه إلى الحكومة لدراستها، فى رسالة واضحة ورد قوى على المشككين فى جدية الحوار.
فالحوار الوطنى نجح لأول مرة فى حشد القوى السياسية والوطنية بكل اختلافاتها الأيدولوجية والفكرية على مائدة واحدة، واستثمار هذا الاختلاف والتنوع فى طرح حلول واقعية وغير تقليدية لكل القضايا التى يعانى منها المجتمع المصرى على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما أنه أصبح متنفس للعديد من الأحزاب وأيضا القوى الشعبية والاجتماعية للتعبير عن رؤيتها فيما يتعلق بمشكلات مصر، فالحوار لم يكن محددًا بهدف، وإنما تم تحديد أهدافه بمشاركة شعبية غير مسبوقة، حيث أتيح للجميع من مجتمع مدنى وأحزاب ونقابات وشخصيات عامة وأشخاص عاديين التعبير عن رأيهم وموقفهم من سير الحوار، وأهم القضايا التى ستتم مناقشاتها، لذلك كان حوارا شاملا يجمع كل المصريين، وليس مجرد حوار بين السلطة والمعارضة، كما حاول البعض توجيهه فى البداية.
والحقيقة التى لا يمكن إنكارها هو أن الحوار الوطنى كان ولازال ركيزة أساسية للإصلاح السياسى الذى دعت إليه القيادة السياسية، حيث ساهم فى فتح المجال العام، وخلق حالة من الحراك السياسى، فى إطار متوافق عليه بين القوى الوطنية، ومن خلال مراجعة القوانين المنظمة للحياة السياسية، والتمسك بما نص عليه الدستور المصري، وتوافق تام على استبعاد كل من تلطخت يداه بدماء المصريين، أو تورط فى أعمال عنف، وعلى الرغم من أن الحوار الوطنى جاء كخطوة ضمن خطوات أخرى أحدثت حراكا سياسيا مهما منها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإلغاء مد حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد، وتفعيل لجنة العفو الرئاسى التى ساهمت فى الإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطيًا، حيث وصل العدد الإجمالى إلى أكثر من 1400 شخص الأمر، إلا أنه يظل الفضل للحوار الوطنى فيما تعيشيه مصر من زخم سياسى غير مسبوق، الأمر الذى يعكس امتلاك النظام المصري رؤية متكاملة للإصلاح السياسى، تضح ملامحها مع الوقت.
وتقديرا للدور الذى لعبه الحوار الوطنى فى تعزيز الالتفاف الشعبى والوطنى خلف الدولة المصرية، فقد حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أول خطاب له بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية 2024 أن يعلن عن استكمال الحوار الوطنى الذى عُلقت جلساته حتى الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي، وأن يدخل مرحلة أكثر فاعلية وعملية كما وصفها الرئيس، فى إشارة إلى أن مخرجات الحوار ستدخل مرحلة الدراسة والتنفيذ على أرض الواقع، الأمر الذى يمثل قوة دفع جديدة للأحزاب للتسابق فى تقديم أفضل ما لديها من أجل المصلحة الوطنية العليا، فلا يهم من فى السلطة طالما أن الجميع قادر عن طرح رؤيته واثقا أن القيادة السياسية حريصة على متابعة كل ما يدور على مائدة المناقشات.
فى النهاية.. مصر نجحت فى تقديم نموذج سياسى شامل اسمه الحوار الوطني، بُنى على أسس مؤسسية قوية، تساعده على أن يتحول إلى حالة وطنية دائمة غير مرتبطة بوقت معين، لتستمر متنفسا وساحة سباق بين الأحزاب فى حب مصر.
عضو مجلس الشيوخ
عضو الهيئة العليا لحزب الوفد
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحوار الوطني الحياة السياسية المصرية الحوار الوطنى
إقرأ أيضاً:
فى ندوة "سوريا ومستقبل المنطقة".. الزناتى: الدول العربية تعيش على صفيح ساخن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد حسين الزناتى وكيل نقابة الصحفيين رئيس لجنة الشئون العربية والخارجية أن منطقتنا العربية أصبحت وكأنها قدر مكتوب عليها أن تبقى ومعها حياة شعوبها على صفيح ساخن طوال الوقت، فلا يمضى عام تلو الآخر إلا ونرى المزيد من التحديات فى مواجهتها ، والكثير من الصراعات مستمرة عليها، والمزيد من التوترات والانتهاكات التى وصلت إلى حد سفك الدماء من دولة الاحتلال ضد الأبرياء العرب،فى فلسطين ولبنان وغيرها تحولت أمام العالم وكأنه أمر عادى ومعتاد .
وقال الزناتى على هامش ندوة " سوريا.. ومستقبل المنطقة " التى نظمتها لجنة الشئون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين : كل هذا يأتى فى ظل مجتمع دولى يعيش وكأنه لايسمع ولايرى، أوأنه يسمع ويرى الحقيقة بعينيه، لكن المشهد اصبح رائقا له، بل ورُبما يحث عليه لتحقيق مصالحه فى المنطقة، التى تسعى دولها أن تعيش فى الأمان الذى يكفله لها المواثيق وأهداف المنظمات الدولية، لكنهاعلى المحك تجد وجهاً آخر ليتحول هذا الأمان إلى خوف، والسلام إلى حرب ، والمستقبل إلى ماض بممارساته المستمرة من الظلم والواقع المرير على دول بسبب دول أخرى لاتترك لها سوى فُتات العيش وأدنى مقوماته.
وأشار إلى أنه فى هذا السياق تأتى ندوة لجنة الشئون العربية عن مستقبل المنطقة العربية ، بعد عام مرير من الأحداث عليها ، أنهت أيامها الأخيرة بما جرى فى سوريا وسقوط نظام بشار الأسد، وصعود قوة جديدة، الكثيرون يبحثون فى ماهية وجودها وتداعيات ذلك ليس على سوريا فقط ، ولكن على المنطقة كلها، بعد هذا الصعود السريع والمفاجئ لها .
فكان هذا اللقاء الذى دعونا فيه قامات كبيرة لتقدم رؤاها وتحليلها، فيما حدث خلال العام التى انتهت بماجرى فى سوريا ، وكيف ترى المستقبل فى المنطقة فيما هو قادم ، وفى مقدمة هذه القامات المفكر والسياسى البارع د. مصطفى الفقى ، الأستاذ الذى تعلم على يديه أجيال وأجيال علوم السياسة، مابين النظريات والتطبيق، وصاحبتها التجربة العملية، التى جعلته دائما قريباً من الأحداث، ودائرة صناعة القرارات وبخبرته وحنكته ووطنيته بقى عطائه إلى الآن فينتظره الكثيرون للاستماع إلى رؤيته فى هذا اللقاء الهام، وهو السياسي المصري، الذى شغل سابقا منصب سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات والمتابعة وكان سفيراً لمصر فى النمسا، وسلوفانيا وكرواتيا، ومستشار السفارة المصرية في «الهند» وأستاذ العلوم السياسية ومدير معهد الدراسات الدبلوماسية ، ورئيس الجامعة البريطانية في مصر وعضو لجنة الشرق الأوسط في اتحاد البرلمان الدولي اللجنة الاستشارية لاتحاد البرلمان الدولي الخاصة بالأمم المتحدة ومدير مكتبة الإسكندرية .
وأيضاً فى هذا اللقاء كانت الدعوة للسفير حازم عهدى خيرت سفير مصر الأسبق بدمشق ، فهو صاحب التجربة العملية هناك على مدار أربع سنوات هناك فى الفترة من 2003 إلى 2007 ، وكان سفيرا لمصر فى تشيلى ودولة الاحتلال الإسرائيلى ، غير عمله فى سفارات مصر فى هولندا وواشنطن، ودوره الدبلوماسى على مدار تاريخه بالخارجية المصرية، وهو الآن مستشار وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية للتعاون الدولى .
وكذلك اللواء الدكتور وائل ربيع مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية ، بخبرته العسكرية والعلمية، و رؤاه الاستراتيجية التى نستعين بها فى التحليلات الموضوعية للجانب العسكرى، والمرتبطة بعناصر الأمن القومى ، ونحن فى أشد الاحتياج للإستماع إليها الآن ، فى ظل هذه التوترات العصيبة سياسياً وعسكرياً فى المنطقة.
وأيضاً اللواء أركان حرب أيمن عبد المحسن ، عضو مجلس الشيوخ، المتخصص فى الشأن العسكرى والاستراتيجى بخبرته العلمية والعملية، والسياسية، على الأرض ، لنرى معه تحليله، لواقع الأمن القومى العربى فى ظل هذه التوترات فى سياقه العسكرى.