عبدالله الرشيد

لم تكن علاقة شيخ المحدثين في الزمن المعاصر محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- بحركات الإسلام السياسي ودودة أو وطيدة، بل كان يوجه لهم سهام النقد التي تضرب في أصل مشروعهم ومبرر وجودهم، وفي أحيان كثيرة يرفض طريقة فهمهم لمبادئ الإسلام وغاياته. لأجل ذلك كان يفرد المناظرات الطويلة والمساجلات مع مخالفيه، يحاججهم بأدلته وآرائه لساعات طوال، حتى يقتنعوا أو يكلوا ويتعبوا.

خدمه في ذلك كثيرا طلاب مخلصون حرصوا على توثيق هذه المناظرات، وحفظها، ونشرها نصاً وصوتاً. قد تتفق مع الألباني أو تختلف، لكن ما يميزه هو صراحته، ولغته المباشرة التي لا تعرف العبارات المنمقة، أو الأساليب الدبلوماسية، أو محاولات مسك العصا من الوسط واللعب على إرضاء جميع الأطراف، بل على العكس من ذلك قد يفاجئ طلابه بموقف فقهي يخالف فيه السائد السلفي، ثم لا يجد في نفسه غضاضة أن يستمع لآراء المعترضين عليه فيجادلهم، وإذا بدأ صبره ينفد أو طال الوقت ازداد حدة وشراسة في النضال من أجل موقفه. هذه الصراحة تلمسها بوضوح في موقف الألباني من الحركات الإسلامية، وبالأخص الفلسطينية منها، فعلى الرغم من أن بعض الناقدين أو المتحفظين قد يتحاشون التعرض للفصائل الإسلامية الفلسطينية بحكم طبيعة القضية، وارتباطها بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه كان مختلفا، لم يراوغ أو يجامل. سئل ذات مرة قبل عدة عقود عن موقفه من دعم إيران لحركة حماس، فقال: «هذه الحكومات الضالة لا تقدم المساعدات لوجه الله، بل مقابل شيء يوطدون له، ويمهدون له، ولو للمستقبل البعيد». وحين سئل في موضع آخر عن رأيه من حركة حماس بالمجمل، رفض الاعتراف بها أو إعطاءها مشروعية، وقال بكل صراحة: «هذه الحركة ليست إسلامية شئتم أو أبيتم، لأنهم لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته، أين العدة؟ العالم الإسلامي كله يتفرج وهؤلاء يقتلون ويذبحون ذبح النعاج والأغنام، ثم نريد أن نبني أحكاما كأنها صادرة من خليفة المسلمين! ومن قائد الجيش الذي أمَّره هذا الخليفة، لجماعة مثل جماعة حماس هذه، نعطيهم الأحكام الإسلامية، ما ينبغي هذا، نحن نرى أن هؤلاء الشباب يجب أن يحتفظوا بدمائهم ليوم الساعة، مش الآن». يؤمن الألباني بعصمة النفس، وقدسية الحياة، يرفض بشدة إزهاق الأرواح من أجل أسباب يرى أنها واهية، حتى لو كان ذلك في مواضع يسميها الآخرون بأنها «ثغور للجهاد في سبيل الله»، فهو يقول بكل جزم أن ما يحدث في العالم الإسلامي لا يصح أن يطلق عليه «جهاد»، و«اليوم لايوجد شيء اسمه جهاد في البلاد الإسلامية إطلاقا»، ولذلك جاء موقفه متسقاً حين حرم العمليات الانتحارية، فهو يرى أن هذه العمليات في الزمن المعاصر «كلها غير مشروعة، وكلها محرمة، وقد تكون من النوع الذي يخلد صاحبه في النار.. فكيف تكون عملية الانتحار قربة يتقرب بها إلى الله! هذه العمليات الانتحارية ليست إسلامية إطلاقا»، يضيف الألباني معللا ومؤكدا: «بل أنا أقول اليوم ما يمثل الحقيقة الإسلامية، وليس الحقيقة التي يريدها بعض المسلمين المتحمسين أقول: اليوم لا جهاد في الأرض الإسلامية إطلاقا، هناك قتال، نعم هناك اقتتال في كثير من البلاد، وليس جهادا». ويختتم كلامه بعد ذلك برسالة مهمة لهذا «الشباب المتحمس»، فيقول: «نحن نقول للشباب المسلم حافظوا على حياتكم، ادرسوا دينكم وإسلامكم، وتعرفوا عليه تعرفا صحيحا، واعملوا به في حدود استطاعتكم، هذا العمل ولو كان بطيئا ولو كان وئيدا، فهو الذي يثمر الثمرة المرجوة، التي يطمع فيها كل مسلم اليوم مهما كانت الخلافات الفكرية أو المنهجية قائمة بينهم». موقف الألباني الناقد والرافض للحركات الجهادية، والحركات الإسلامية التي تسعى للوصول للحكم ينطلق من عقديته التي تؤمن بأن المنهج الصحيح لإقامة المجتمع الإسلامي يقوم على «التصفية والتربية»، بمعنى تزكية النفوس، وإصلاح العقائد والسلوك، وتربية الناس على القيم الإسلامية، وحين يتعرف الناس على دينهم بالشكل الصحيح ويطبقونه واقعاً على أنفسهم فإن الدولة الإسلامية ستقوم بنفسها تلقائياً، «أما حين تقوم حركة إسلامية بانقلاب عسكري، أو انقلاب أبيض – كما يزعمون- فإن الذي يحدث هو تغيير الواجهة فقط، تغيير الرجال السابقين بآخرين جدد يقولون بأنهم سيقيمون الدولة الإسلامية لكنهم في الحقيقة لن يقيموا شيئا لأن فاقد الشيء لا يعطيه»، يضرب الألباني على ذلك مثلا بتجربة الحركة الإسلامية في الجزائر، حين جاءه مجموعة من الإسلاميين الجزائريين فقالوا له نحن مستعدون لإقامة الدولة الإسلامية، وخلفنا من الأتباع قرابة خمسة ملايين، رد عليهم فقال: «هؤلاء الخمسة ملايين إذا مرضوا مرضا ماديا كم طبيب يا ترى تقدرون هم بحاجة إليهم؟ يكفي خمسة؟ عشرة؟ مئة؟ وإلا تحتاجون إلى ألوف مؤلفة؟ قالوا وهو كذلك نحتاج إلى ألوف مؤلفة من الأطباء الذين يعالجون الأمراض المادية، قلت لهم: هؤلاء الخمسة ملايين، كم عالم منهم؟ ما في جواب، وهذا الذي نعرفه، إذن من الذي يقيم الدولة المسلمة! من الذي يضع الدستور! من الذي يفسر الدستور بالقوانين؟! العلماء أم الجهلاء». الألباني في جل مشروعه وحياته كان منشغلا بذات الإسلام، بفهم أصوله، ودراسة مصادره، ومحاولة تمثل قيمه ومبادئه، بخلاف الحركات الإسلامية التي انشغلت باستخدام الإسلام للوصول إلى الحكم، وبسبب هذا الأمر افترق الألباني عنهم واشتد عليهم نقدا وتقريعا، لأنهم كما يقول: «أهملوا فهم الإسلام الصحيح، ولم نجن منهم سوى الكلام والوهم». في هذا الصدد يتهكم الألباني من جماعة الإخوان المسلمين، فيقول: «هؤلاء الإخوان المسلمون الذين يصيحون بأعلى أصواتهم ويقولون الجهاد أسمى أمانينا، ونحوه من هذه الشعارات، نحن نقول لهم لقد مضى على دعوتكم قرابة قرن من الزمان وأنتم لا تزالون في مكانكم تراوحون، ذلك لأنكم لا عملتم ولا تعلمتم ولا جاهدتم، فأنتم متخلفون علما وعملا». يصف الألباني التيارات والأحزاب المنشغلة بإقامة الدولة الإسلامية بأنها منشغلة بالفراغ، وتركت الأهم وهو تزكية النفوس والأخلاق، وهنا ترد مقولته الشهيرة: «من السياسة نبذ السياسة، فلا ينبغي للمسلم الانشغال بالسياسة، والعمل السياسي عن تعلم أمور الدين الصحيح»، فموقف الألباني من الأحزاب والحركات الإسلامية مطرد على أن «أكثرهم لا يهتمون بإصلاح عبادتهم ولا صلاتهم وصيامهم ومناسك حجهم، بل كل حزب بما لديهم فرحون.. هذه الجماعات تهتم فقط بالكلام، لا تهتم بمعرفة الإسلام، وفهمه فهما صحيحا أولا، ثم تطبيق هذا الإسلام على أنفسهم وعلى ذويهم وأهليهم ثانيا، وإن وجد ذلك فإنه نادر جدا». باحث وكاتب سعودينقلاً عن: okaz.com.sa أخبار قد تهمك فتح القبول للعمل في “الأمن العام وكلية الملك فهد الأمنية وقوات الأمن والحماية” 28 ديسمبر 2023 - 9:08 مساءً وكيل إمارة حائل يستقبل الرحالة الإيطالي ماتيو بارساني 28 ديسمبر 2023 - 8:45 مساءً28 ديسمبر 2023 - 9:12 مساءً شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد28 ديسمبر 2023 - 8:34 مساءًتنفيذ حكم القتل قصاصًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية أبرز المواد28 ديسمبر 2023 - 8:27 مساءًأمير منطقة مكة المكرمة يستقبل نائب أمير المنطقة أبرز المواد28 ديسمبر 2023 - 7:53 مساءً“وقاء” يُسهم بتمكين القطاع الخاص عبر برنامج الدعم الفني في مجالات الصحة الحيوانية بالجوف أبرز المواد28 ديسمبر 2023 - 7:52 مساءً“الالتزام البيئي” يعالج أكثر من 1100 بلاغ بيئي خلال 60 يوماً أبرز المواد28 ديسمبر 2023 - 7:52 مساءًالمركز الوطني للتعليم الإلكتروني يطلق “إطار الذكاء الاصطناعي في التعليم الرقمي”28 ديسمبر 2023 - 8:34 مساءًتنفيذ حكم القتل قصاصًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية28 ديسمبر 2023 - 8:27 مساءًأمير منطقة مكة المكرمة يستقبل نائب أمير المنطقة28 ديسمبر 2023 - 7:53 مساءً“وقاء” يُسهم بتمكين القطاع الخاص عبر برنامج الدعم الفني في مجالات الصحة الحيوانية بالجوف28 ديسمبر 2023 - 7:52 مساءً“الالتزام البيئي” يعالج أكثر من 1100 بلاغ بيئي خلال 60 يوماً28 ديسمبر 2023 - 7:52 مساءًالمركز الوطني للتعليم الإلكتروني يطلق “إطار الذكاء الاصطناعي في التعليم الرقمي” فتح القبول للعمل في "الأمن العام وكلية الملك فهد الأمنية وقوات الأمن والحماية" تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2023   |   تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXيوتيوبانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXيوتيوبانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن

المصدر: صحيفة المناطق السعودية

كلمات دلالية: أبرز المواد28 دیسمبر 2023 الدولة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

تعليقًا على قصف إيران أهدافا إسرائيلية.. حماس: رسالة قوية للعدو الصهيوني وحكومته الفاشية

قالت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، تعليقًا على قصف إيران الأهداف الإسرائيلية والأراضي الفلسطينية المحتلة: «نبارك عمليات إطلاق الصواريخ الإيرانية والتي جاءت ردًا على العدوان الصهيوني ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني».

وتابعت حماس في بيان لها اليوم الثلاثاء، أن: «عملية إطلاق الصواريخ البطولية التي نفذها حرس الثورة الإسلامية في إيران، على مناطق واسعة من أراضينا المحتلة، ردًا على جرائم الاحتلال المتواصلة بحق شعوب المنطقة، وانتقامًا لدماء شهداء أمتنا الأبطال، الشهيد إسماعيل هنية، والشهيد حسن نصر الله، والشهيد اللواء عبَّاس نيلفوروشان».

صواريخ إيرانية تهز تل أبيب

وأضافت: «هذا الرد الإيراني المشرف هو رسالة قوية للعدو الصهيوني وحكومته الفاشية، على طريق ردعهم وكبح جماح إرهابهم، فقد تجاوزت جرائمهم وغطرستهم وانتهاكاتهم للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية كل الحدود».

اقرأ أيضاًوسائل إعلام إيرانية: دفعة جديدة من الصواريخ في طريقها إلى إسرائيل

واستكملت: «نسجل اعتزازنا بالإخوة في الجمهورية الإسلامية في إيران، وتقديرنا لوقوفهم في وجه الغطرسة الصهيونية المنفلتة، وانحيازهم إلى قيم العدالة ومظلومية شعبنا الفلسطيني، والشعب اللبناني ومصالح الأمَّة العليا المتمثّلة بإنهاء الاحتلال وردع العدو الصهيوني الفاشي».

الهجوم الإيراني على إسرائيل

ودعت «كافة الدول والشعوب والأحزاب وكل قوى أمتنا العربية والإسلامية إلى الوقوف صفًا واحدًا، والتصدي للجرائم الصهيونية والمشروع الصهيوني العدواني التوسعي، الذي يستهدف الجميع، والعمل بكافة السبل لتحرير أرضنا ومقدساتنا من دنس الاحتلال الفاشي».

اقرأ أيضاًباحث في الشأن الإيراني لـ «الأسبوع»: من المستبعد أن تشن إيران هجوما أكبر على إسرائيل

الرئيس الإيراني لـ الإسرائيليين: هذا مجرد جزء من قدراتنا ولا تدخلوا بمواجهة معنا

مقالات مشابهة

  • حماس: النار التي تشعلها إسرائيل ستحرقها
  • وكيل إمارة حائل يستقبل الملحق الثقافي بالسفارة الأمريكية لدى المملكة
  • حماس: المجازر الصهيونية التي تدعمها أمريكا لن تضعف عزيمة وصمود ‏شعبنا
  • الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الأمة الإسلامية
  • هجوم إيران الباليستي.. الرد المتأخر الذي حمل رسالة لم تكُ لإسرائيل
  • هجوم إيران الباليستي.. الرد المتأخر الذي حمل رسالة لم تكُ لإسرائيل- عاجل
  • الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: الأزهر هو المكون الفكري الذي يسير على منهاج الوسطية
  • تعليقًا على قصف إيران أهدافا إسرائيلية.. حماس: رسالة قوية للعدو الصهيوني وحكومته الفاشية
  • الجماعة الإسلامية في لبنان تنعى قائدها دحروج الذي استهدفه الاحتلال (شاهد)
  • من هي صفاء أحمد المذيعة السورية التي اغتالتها إسرائيل؟