د. لينا الموسوي

احتفل العالم الأسبوع الماضي باليوم العالمي للغة العربية، وهي لغة التواصل والتخاطب بين الناس في الدول العربية، وواحدة من أكثر اللغات تأثيرًا في الفنون والأدب، فهي لغة الفنون والعمارة والموسيقى، لغة الإبداع التي وظَفها الكتاب والفنانون والمهندسون المعماريون للتعبير عمّا في دواخلهم بتشكيلها، وذلك بما تحمله الحروف من قوة روحانية كونية محفوظة من الرحمن، وقوة فنية تشكيلية مخطوطة.

وتحظى اللغة العربية بأهمية كبيرة عند العرب والمسلمين؛ فهي لغة القرآن، ومع انتشار الإسلام وحضاراته انتشرت وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب والفن والعمارة في أراضي حكم المسلمين؛ حيث يعد التكلم بها عاملًا مؤثرًا على العقل والخلق والروح والدين للأسرار الكونية التي منح الله تعالى حروفها.

وتمتاز اللغة العربية بقدرتها على التكيف والإبداع في مختلف المجالات والعلوم؛ سواء كانت في معانيها التي تتميز بالفصاحة والترادف أو ترددات الأصوات؛ فظهرت على شكل مؤلفات فقهية ودواوين شعرية ومقالات، أو جمال حروفها وانسيابية تشكيل خطوطها التي شكّلت هيئة مخطوطات وجداريات فنية ومعمارية مبدعة لتظل خالدة في مختلف المجتمعات الإسلامية والعالمية.

وكتابة الحروف العربية من أكثر الفنون جمالًا وإبهارًا من حيث الشكل والمرونة في التشكيل؛ حيث يستطيع الفنان أن يستخرج قطعًا فنية إبداعية من حرف أو كلمات؛ لتكون تُحفًا تشكيلة، إما عن طريق اللوحات الفنية أو الحِرَف بأنواعها، إضافة إلى القماش والمجوهرات. كما نجد أنه تم توظيف الحروف والخط العربي في نقشه على الجدران في الأبنية المدنية والدينية لجمال هذه المخطوطات وزينتها التكوينية.

ولا تزال اللغة العربية لغة العلم والثقافة ووسيلة التواصل في العصر الحديث؛ حيث تم تطوير الحروف والخط العربي ونقلها من مرحلة النقوش والزخارف الجدارية إلى ظهورها كجزء أساسي في تصميم مواد كتل الأبنية المعمارية لتصبح مُشكَّلةً على هيئة شبابيك زجاجية أو خرسانات أو غيرها من مواد الأبنية المُستخدمة؛ فنجدها مرئية في "متحف المستقبل" للمرحومة المعمارية زهاء حديد في دبي؛ حيث أبدعت في تشكيل الحروف العربية من الخارج لتظهر على شكل بناية مخطوطة، ومن الداخل، فتكون جزءًا لا يتجزأ عن التصميم الداخلي؛ كأنها تنطق لتقول أنا اللغة العربية القيِّمة في الشكل والمضمون.

وهناك أمثلة أخرى لاستخدام الحروف العربية في مركز البحث العلمي في قطر، ومعرض الكتاب في الشارقة، وغيرها من الأبنية الحديثة المعاصرة.

وفي هذ العجالة، أحببتُ أن أتكلم قليلا كمهندسة معمارية وكاتبة عاشقة للغتنا العربية مُغتربة في إحدى الدول الغربية، أؤكد على أهمية اللغة العربية وتعليمها وتداولها داخل مجتمعنا الأسري ومع أبناءنا مهما كانت صعبة النطق أو المعنى؛ حيث التعلم في الصغر كالنقش في الحجر، وإذا اعتاد الأطفال على تداول اللغة العربية وحروفها- وإن كانت عامية- يَسهُل عليهم نُطقها نُطقًا صحيحًا، وهذه رسالة أُقدمها من القلب إلى كل أم تتكلم اللغة العربية.. أن تُعلِّم أولادها لغتهم الأم التي هي لغة القرآن والانتماء، وهي الأساس والهوية التي سوف يستند عليها الأبناء في ظل كل تطورات العالم.

لتكن أساليب تعلُّم الحروف العربية مُبسّطة عن طريق رسم الحروف وتشكيلها الفني لتتعود عليها عين القارئ، أو عن طريق الكلام الجميل واللفظ البسيط الصحيح؛ فتتعود عليها الأذن، أو عن طريق زاوية ديكور مخطوطة بآيات قرآنية أو أبيات شعرية عريقة.

أما عنِّي كمهندسة معمارية عاشقة لحروف لغتنا العربية؛ فقد استطعتُ استخدام الحروف العربية في تصاميم معاصرة لأبنية عامة كالمساجد والمكاتب والحدائق إضافة إلى الديكورات الداخلية؛ حيث عكفتُ على توظيف الحروف الجميلة في تصميم الأثاث والستائر وغيرها من أكسسوارات الديكور واللوحات الفنية.

أتمنى الخلود للُغتنا العربية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الخطُّ العربيُّ.. الجماليّاتُ الفلسفيَّة والسحرُ الخفيّ

آخر تحديث: 24 أبريل 2025 - 1:43 مرحيم رزاق الجبوري لا يقتصر جمال الخط العربي على حروفه وكلماته، التي ترسم عبر العديد من أنواعه؛ بل يمتدُّ إلى صفة الإبهار والجذب وذلك باستخدام الرموز والأشكال الهندسيَّة التي تضفي عليه طابعاً فنياً مميزاً! ومن بين هذه الرموز، تبرز أيقونات “الخيول” التي تجسد القوة والجمال في الثقافة العربيَّة، وتراثها العريق. حيث تتداخل خطوطها الرشيقة مع الحروف بانسيابيَّة فريدة. فهذا التزاوج بين الأشكال الهندسيَّة والخط العربي يحول النصوص إلى لوحات فنيَّة مبهرة، تمزج بين التعبير الجمالي والرمزيَّة العميقة، الأمر الذي يعكسُ روحَ التراث العربي الأصيل بلمسة إبداعيَّة معاصرة. في هذا الصدد، يشير الباحث د. جواد الزيدي إلى أنَّ “التكوينات الأيقونيَّة المستوحاة من عناصر خارجيَّة، مثل الخيول، تضيف بعداً دلالياً عميقاً في فنّ الخط العربي، متجاوزة التشابه البصري مع الواقع”. لافتاً إلى أنَّ “هذه التكوينات تعدُّ انعكاساً للفجوات الدلاليَّة التي يتيحها النص، ما يسمح للخطاط بابتكار أعمالٍ تجمعُ بين الأيقونيَّة والرمزيَّة، بعيداً عن حدود النصوص الصارمة”.ويضيف الزيدي: “في هذا السياق، يمكن للخطاط استخدام مهاراته الرسوميَّة لخلق تشكيلاتٍ بصريَّة تستندُ إلى الحروف من دون الاعتماد المباشر على النص. فهو يملأ هذه الأشكال من الداخل، لتتجسد معاني جماليَّة ودلاليَّة في الوقت ذاته. وتعدُّ هذه المقاربة نقلة نوعيَّة في عالم الخط العربي، حيث يتجاوز الفن حدود التشكيل التقليدي نحو تعبيرات بصريَّة أكثر عمقاً ورمزيَّة”.ويختم، بالقول: “إلا أنَّ هذا الاتجاه يواجه بعض الانتقادات، خاصة عند استخدام النصوص القرآنيَّة في هذه التكوينات الأيقونيَّة. فبعض النقاد يرون في ذلك تجاوزاً للرمزيَّة الدينيَّة، ويرفضون التضحية بالجماليات الدقيقة للحرف التقليدي لصالح الأبعاد البصريَّة. ويعتقدون أنَّ التنازل عن الدقة في قياسات الحروف قد يشوّه قيمة العمل الفني ويضعف جماليته التقليديَّة”. بدوره يشير الخطاط والباحث ثائر الأطرقجي، إلى أنَّ “الخط العربي لا يقتصر على كونه وسيلة للكتابة فقط، بل هو فنٌ عميقٌ يحملُ أبعاداً جماليَّة وفلسفيَّة تعكسُ ثراء الثقافة العربيَّة والإسلاميَّة. فالأمر لا يتوقف عند نقل الأفكار، بل يتجاوز ذلك إلى تقديم رؤية فنيَّة تجسد الجمال والروح من خلال تكوين الحروف. ومن أبرز الأمثلة على هذا التجسيد الفني هو استخدام الأشكال الرمزيَّة، مثل الخيول، التي تعدًّ إحدى الصور المميزة لهذا الفن الراقي”.ويضيف الأطرقجي: “أن أصول الخط العربي تعود إلى ما قبل الإسلام، حيث كان يُستخدم في النقوش القديمة، ومع ظهور الإسلام تحول إلى أداة مقدسة لحفظ القرآن الكريم، الأمر الذي أسهم في تطوره ليصبح فناً مميزاً يتمثلُ في أشكالٍ متنوعة مثل الكوفي والنسخ والثلث. وكل نوع من هذه الخطوط يحمل سماتٍ جماليَّة خاصة تعكس روح الخطاط وثقافته، وتمنحه طابعًا فنيًا فريدًا”. ولأنَّ الخطَّ العربيَّ يتمتعُ بعددٍ من الخصائص الجماليَّة التي تميزه عن غيره من الفنون، مثل التناسق والانسجام، حيث يعتمد على قواعد دقيقة تضمن توازن الحروف وتخلق لوحة بصريَّة متناغمة تلفت الأنظار. ولذلك يؤكد الأطرقجي: “أنّ مرونة الحروف وحركتها تعدُّ من سمات الخط العربي الأساسيَّة، فالحروف يمكن مدها وتشكيلها بطرقٍ متنوعة تعبر عن ديناميكيَّة الحياة. كما أن التجريد في الخط العربي يظهر بوضوح، حيث تتحول الحروف إلى أشكالٍ فنيَّة بعيدة عن الماديات وتتجه نحو الروحانيات”. ويجمع ذوو الشأن على أنَّ الخط العربي ليس مجرد فنٍ جمالي، بل يحمل في طياته رؤية فلسفيَّة تجاه الحياة، فالحروف في الخط العربي تمثل الوحدة في التنوع، إذ تعبر عن الوحدة بالرغم من اختلاف أشكالها وأنواعها. ولهذا يرى الأطرقجي، أنَّ “الخط يخلقُ توازناً بين الشكل الخارجي للحروف والمضمون الروحي الذي تحمله، حيث يبرز التوازن بين الجمال الظاهر والمعنى العميق. وتتمثل إحدى أبرز خصائص الخط العربي في قدرة الحروف على تجسيد الزمن، فرغم حركة الحروف التي تشير إلى مرور الوقت، فإنَّ جمال الخط يتجاوز الزمن ليحمل ديمومة وخلوداً”. ويمضي الباحث، بالقول إنَّ “الخيول تلعب دوراً بارزاً في الفن الإسلامي والخط العربي، لما ترمز إليه من قوة وجمال وحريَّة. وعندما يتم دمج أشكال الخيول في الحروف، تتحول هذه الحروف إلى مخلوقاتٍ حيَّة نابضة بالحركة، ما يعكس صفات مثل الحريَّة والانطلاق. وفي الثقافة الإسلاميَّة، ترتبط الخيول بالروحانيَّة والجهاد، ما يضفي على استخدامها في فنون الخط بعداً دينياً وفكرياً عميقاً. وفي ختام حديثه، يشير الأطرقجي، إلى أنَّ “دمج أشكال الخيول مع الحروف في الخط العربي لا يقتصر على مجرد إضافة عنصرٍ فني، بل يعكس قدرة الخط العربي على تجاوز حدود الكتابة التقليديَّة إلى عوالم فنيَّة ورمزيَّة بديعة. فالخط العربي، بما يحمله من أبعادٍ جماليَّة وفلسفيَّة، يعبر عن رؤية شاملة للحياة والروحانيَّة، وتوظيف الرموز مثل الخيول يمنحه سحرًا خاصًا يجذب المتأملين ويجعله إرثًا خالدًا يستمر في إلهام الأجيال القادمة”. بينما يرى جاسم حميد الربيعي (خطاط وفنان تشكيلي ومزخرف) أن “الحرف العربي تحول من مجرد وسيلة للكتابة إلى عنصرٍ فنيٍ بصريٍ يحمل في طياته أبعاداً جماليَّة وتراثيَّة عميقة”. وأوضح أنَّ “الفنان المسلم أولى اهتماماً خاصَّاً بالحرف العربي، مستفيداً من جمالياته وتوظيفه عبر العصور في التشكيلات الفنيَّة”.الربيعي أشار إلى أنَّ “الفنانين استطاعوا تحويل الحروف العربيَّة إلى لوحاتٍ تشكيليَّة تنبضُ بالحياة، حيث تداخلت الحروف مع صور الطيور والحيوانات والخيول، وحتى الأشجار، الأمر الذي أضفى بُعداً بصرياً فريداً على العمل الفني”. وأضاف، أنَّ “الحروف لم تعد مجرد كتابة تُقرأ، بل أصبحت رموزاً بصريَّة تحمل رسائل واضحة منذ النظرة الأولى، مُعتمدة على التكوينات الهندسيَّة والأيقونيَّة التي تتطلب مهارة فنيَّة عالية”. وتحدث الربيعي (المُجاز بفنّ الحُروفيّات) عن الخطوط الأكثر استخداماً في هذا الفن، مثل الجلي ديواني، الديواني، وخط الثلث، التي تُوظف وفق الحاجة البصريَّة من دون الالتزام بالتسلسل الإملائي التقليدي. قائلاً: “إنَّ الأولويَّة في هذه الأعمال للفن التشكيلي والجمال البصري على حساب البعد القرائي للنص”. لافتاً إلى أنَّ “رسم الخيول باستخدام الحروف العربيَّة، وخاصة داخل أبياتٍ شعريَّة، يعكس علاقة تاريخيَّة عميقة بين الحرف ورمزيَّة الخيول في التراث العربي”. مؤكداً أنَّ “هذا التفاعل الإبداعي بين الحرف واللون يُضفي على اللوحة إيحاءً عميقاً بالهويَّة العربيَّة؛ الأمر الذي يمنحُ المتلقي انطباعاً قوياً بأنَّ العمل الفني ينتمي للتراث العربي الأصيل من أول وهلة”.

مقالات مشابهة

  • الخطُّ العربيُّ.. الجماليّاتُ الفلسفيَّة والسحرُ الخفيّ
  • أحمد عبد الوهاب يكتب: اللغة العربية بين العولمة والهوية "تحديات وحلول"
  • خبيرة أسرية: اللغة العربية تتعرض للإهمال وأولياء الأمور يعتبرونه موضع تفاخر
  • الأمم المتحدة تحيي اليوم العالمي للغة الإسبانية
  • ثوابت عقيدتنا.. السيسي: اللغة العربية لغة القرآن ويجب ألا نتركها
  • العلاقي: سفراء ليبيون أوفدوا للخارج لا يجيدون اللغة العربية فما بالك باللغات الأجنبية
  • الرئيس السيسي: يجب الحفاظ على اللغة العربية والدعاة حماة الحرية
  • كيف تستخدم إسرائيل اللغة العربية في طمس الهوية الفلسطينية؟
  • كيف تستغل إسرائيل اللغة العربية من أجل طمس الهوية الفلسطينية؟
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يبدأ برنامجه العلمي (شهر اللغة العربية) في مملكة إسبانيا