لحل أزمة التعليم ينبغي معالجة أزمة الثقة أولا
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
أزمة التعليم الجارية في المغرب اليوم تقدم نموذجا حيا ومقلقا عن خطورة ضعف الثقة بين الأطراف الفاعلة في الأزمات. فأحد العوامل الرئيسية التي تفسر استمرار الأساتذة في مسلسل إضراباتهم الوطنية، يتعلق بضعف الثقة لديهم في الجهات الرسمية والنقابية معا.
وتكشف الأدبيات المختلفة التي تعبر عن مواقف الأساتذة والتنسيقيات المنظمة لنضالاتهم، سواء تعلق الأمر ببياناتهم الرسمية أو تصريحاتهم للصحافة، أو شعاراتهم في الوقفات والمسيرات، أو نقاشاتهم على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، عن رصيد مقلق من التعبير عن ضعف الثقة في مخاطبيهم.
ومن خلال رصد عام للمؤشرات التي تكشف المستوى الخطير الذي بلغه عامل ضعف الثقة في أزمة التعليم اليوم، نجد أنه مس جميع المستويات الحيوية تقريبا. فالأساتذة والتنسيقيات المؤطرة لنضالاتهم لا يثقون في الخطاب الرسمي حتى حين يكون موثقا في محاضر رسمية ومعلن عنه في الجريدة الرسمية وفي وسائل الإعلام العمومية. ولا يثقون في المؤسسات الرسمية، سواء تعلق الأمر بالحكومة أو بالوزارة الوصية. ولا يثقون في المسؤولين الحكوميين سواء تعلق الأمر برئيس الحكومة أو بالوزير الوصي على القطاع. كما لا يثقون بالمسؤولين في القطاع. وأكثر من هذا أنهم لا يثقون أيضا في النقابات التي يفترض أنها تدافع عن مصالحهم وتمثلهم في الحوار الرسمي مع الحكومة.
وضعف الثقة الذي يرهن أزمة التعليم القائمة اليوم، وبالشكل الذي حاولنا تقريب صورته بشكل مركز، يرجع إلى عدة أسباب. يرجع بعضها إلى التجارب الحكومية السابقة. لكن أكثرها قوة وفاعلية اليوم يتعلق بأخطاء تدبير ملف الأزمة في ظل الحكومة الحالية. وكما قاربنا تلك الأخطاء في مقالات سابقة، يمكن إجمال التي لها علاقة مباشرة بضعف الثقة في أربعة أخطاء كبيرة. أخطاء في التواصل (كثرة المتدخلين، التناقض، الغموض، “الصمم” بحيث يفهم فاقد الثقة أنك لا تنصت له، …)، وأخطاء في تدبير الحوار الاجتماعي (مثلا، انفراد الحكومة بوضع النظام الأساسي دون إشراك النقابات التي وقعت معها من قبل اتفاقا حول توجهاته العامة، مما جعلها في الأوساط الأستاذية وثيقة مريبة)، وأخطاء في التعامل مع معطى التنسيقيات كشل من الأشكال التنظيمية الطارئة في الوسط الأستاذي (الهجوم المباشر من طرف وزراء، التهديدات، الاتهامات، الشيطنة، الارتباك في الإشراك في الحوار غير المباشر بعد التأخر المخل فيه …).
وخطورة ضعف أو انعدام الثقة تكمن في أمور، أهمها:
أولا، أنه يجعل الوعود المستقبلية غير ذات قيمة مهما كانت كبيرة، ومهما كان شكل توثيقها، ومهما كانت الجهة التي صدرت عنها. ذلك أن فاقد الثقة يعتبرها مجرد أسلوب للتلاعب وربح الوقت، ووسيلة للالتفاف على أوراق الضغط التفاوضية (الإضراب في الحالة التي نناقشها) …
ثانيا، أنه يجعل التعليلات التي تقدمها الحكومة في تفسير استحالة أو صعوبة الاستجابة لبعض المطالب فاقدة للمصداقية، وأنها مجرد أكاذيب للتهرب من الاستجابة وتحمل المسؤولية.
ثالثا، يمنع الطرف الفاقد للثقة من تقديم تنازلات، وهذا وحده عامل خطير يضفي على المواقف نوعا من التصلب، ويحكم على دينامية الحلحلة بالجمود. والأخطر أنه قد يؤدي إلى العدمية وتبخيس كل العروض المقدمة.
رابعا، فقدان الثقة يفقد الكلام مصداقيته، ويركز فاقد الثقة على المكتسبات الفعلية وعلى الأعمال والإنجازات الضخمة لتأكيد حسن النية واستعادة الثقة في الوعود. أو يتطلب ضمانات أقوى، مثل تدخل جهة تتمتع بالمصداقية ولها رصيد من الثقة كاف لتشكيل ضمانة تملأ الفراغ الحاصل فيها.
إنه في مثل هذه الوضعية المتأزمة، التي تكون فيها الثقة بين أطرافها مفقودة، تكون مقاربة الحلول غير تقليدية. بحيث ينبغي أن تكون شاملة.
إن أولى الأولويات في مقاربة حل الأزمة الحالية بشكل ناجع، هي العمل الجاد والواقعي والعلمي والعملي على إعادة بناء الثقة، والاستعانة في ذلك بكل ما أمكن من العناصر ذات الأثر الإيجابي الكبير في استعادة القدر الكافي من الثقة أو تقويتها. وعدم استحضار ضعف الثقة أو الاستخفاف به يجعل محاولات الحكومة، مهما بلغت وتنوعت، فاشلة وغير ذات جدوى.
ورغم البعد المقلق الذي اتخذته أزمة التعليم الراهنة وما تمثله من تهديد، فهي رغم ذلك تتيح إمكانية تحويل ذلك التهديد إلى فرصة لاستدامة الاستقرار في قطاع التعليم. والأمر يتطلب أولا التعامل معها على أنها كذلك. ويتطلب ثانيا الاستجابة الشاملة لمطالب الأساتذة مما يجعلهم يعودون إلى الأقسام على أسس متينة قد تعمر سنين. ويمكن تدبير كلفة هذا العرض الشامل على مدى زمني متفاوض عليه، وتتوفر له الضمانات الأساسية لتحقيقه. ذلك أن المشكلة التي لا تستطيع حلها دفعة واحدة يمكن حلها بدفعات مترابطة تقبل بها الأطراف الفاعلة على أساس من الثقة والمصداقية.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: أزمة التعلیم الثقة فی لا یثقون
إقرأ أيضاً:
«المواطنون أولاً».. قرارات لضبط منظومة الدعم والتوسع في أسواق اليوم الواحد وتفعيل بطاقات ممارسي الكهرباء
رصدت وزارة التموين والتجارة الداخلية أبرز جهودها على مدار عام 2024، وقرارات الدكتور شريف فاروق، وزير التموين، التى أدت إلى تأمين الغذاء للمواطنين واستدامة مظلة الحماية الاجتماعية، وتلبية احتياجات المواطنين، وأحدثها التوسع فى تدشين أسواق اليوم الواحد التى وصلت إلى 15 محافظة مع استعدادات الوزارة لتجهيزها بالمحافظات بمشاركة 50 شركة فى كل سوق وبإجمالى 24 سوقاً، أدت إلى تقليل حلقات التداول الوسيطة مع توفير وإتاحة السلع بالتجمعات السكنية من خلال تشغيل الطاقات الفائضة بالمصانع التابعة للوزارة.
وأكدت وزارة التموين أنه على مدى 2024 تم الاستمرار فى تقديم الخبز البلدى المدعم على البطاقات التموينية بمعدل من 250 إلى 270 مليون رغيف يومياً لحوالى 69.5 مليون مواطن، مع توفير أكثر من 30 سلعة أساسية على البطاقات التموينية لحوالى 61.5 مليون مستفيد وتوفير السلع الحرة فى المنافذ الثابتة والمتحركة التى تبلغ 40 ألف منفذ وتوفير وبيع اللحوم بالمجمعات الاستهلاكية بأسعار تنافسية على مدار العام، خاصة خلال فترة الأعياد والمواسم، مع استدامة تنظيم المعارض الموسمية الرسمية (أهلاً مدارس- أهلاً رمضان- عيد الفطر- عيد الأضحى) لتوفير احتياجات المواطنين بأسعار مناسبة تخفيفاً عن كاهل المواطنين ولمجابهة أية محاولات للاحتكار والتلاعب بالأسعار.
وكان من أبرز قرارات الوزارة عودة تفعيل البطاقات التموينية للمسجلين بنظام ممارسة الكهرباء، حرصاً على مصلحة المواطنين والاهتمام باحتياجاتهم.
وعملت الوزارة على توفير احتياطى استراتيجى آمن من السلع الاستراتيجية والأساسية، فى ظل توجيهات القيادة السياسية الدائمة بتوفير احتياطى استراتيجى آمن من السلع الأساسية والاستراتيجية لمدة لا تقل عن 6 شهور من خلال التعاقدات التى تقوم بها كل من الهيئة العامة للسلع التموينية، والشركة القابضة للصناعات الغذائية بما يضمن توفير وإتاحة السلع والخدمات لمستحقى الدعم للفئات الأولى بالرعاية، وتحقيق الأمن الغذائى، واستمرار تدفق الإمدادات للمقررات التموينية من الخبز المدعم والسلع الأساسية.
وأكدت الوزارة، فى تقرير إنجازات 2024، أن المتوسط العام لمدى الكفاية لجميع السلع الأساسية من (القمح، السكر التموينى، الزيت التموينى، اللحوم الحية السودانى، اللحوم المجمدة، الدواجن المجمدة، المكرونة (توريدات محلية) بلغ 6 أشهر، وحجم توريد القمح فى موسم 2024 بلغ حوالى 3.43 مليون طن، مع تنويع منشأ شراء الأقماح لتقليل مخاطر صعوبة أو عدم إمكانية التدبير فى ضوء المتغيرات الجيوسياسية المحيطة بالمنطقة، وبلغ عدد المناشئ المدرَجة بالهيئة العامة للسلع التموينية 22 منشأ معتمدة لدى الحجر الزراعى المصرى.
وبالنسبة للمشروع القومى للصوامع، اعتمدت الوزارة خطة للتوسع فى زيادة الطاقات التخزينية والانتقال بنشاط التخزين فى مجال الحبوب للحفاظ على المخزون والوصول لأقل نسبة فاقد ممكنة واحتفاظ البلاد برصيد استراتيجى آمن من القمح لا يتعرض لعوامل التلف بما يحقق زيادة القدرة التخزينية لتصل إلى 6 ملايين طن بدلاً من 3.4 مليون طن والحفاظ على جودة المخزون وتقليل نسبة الفاقد والتالف، مع تنفيذ الخطة القومية لبناء الصوامع من خلال استهداف زيادة السعات التخزينية للصوامع من 3.4 مليون طن إلى 6 ملايين طن، والتوسع فى تجهيز الصوامع للاستقبال والصرف من خلال النقل النهرى وزيادتها من موقع واحد إلى 4 مواقع، والتوسع فى تجهيز الصوامع للاستقبال والصرف من خلال خطوط السكك الحديدية وزيادتها من 4 إلى 8 مواقع، واستكمال برنامج توطين صناعة الصوامع فى مصر، والاعتماد على المنتج المحلى توفيراً للعملة الصعبة، من خلال الانتهاء من تأسيس شركة مصرية بالتعاون مع القطاع الخاص لإنتاج مكونات الصوامع بالكامل، ويجرى زيادة السعة التخزينية لصومعة طهطا من 60 إلى 90 ألف طن بتكلفة 124 مليون جنيه.
واستحدثت الوزارة منظومة الابتكار التكنولوجى فى إدارة السلع والمخزون، فقامت بالتشغيل التجريبى لمنظومة حوكمة تداول الأقماح المحلية والمستوردة فى 28 موقعاً، وسيتم تعميمها تدريجياً لتغطى كافة المواقع، بجانب ميكنة بيانات شركتى الجملة وشركات المجمعات الاستهلاكية لتتبع حركة السلع ومراقبة المخزون.
وتوسعت الوزارة فى توريد اللحوم بالتعاون مع الشركة المصرية السودانية، حيث يتم توريد 120 ألف رأس سنوياً وتكوين مخزون شهرى بكميات تتخطى 20 ألف رأس أبقار داخل المحاجر، ويتم استعاضة أى كميات يتم استهلاكها بالسوق المحلية ليُصبح بصفة دائمة الرصيد داخل المحاجر 20 ألف رأس من الأبقار الحية. وتهتم «التموين» بميكنة قواعد بيانات الشركة القابضة للصناعات الغذائية وشركات السلع، مؤكدة أنه تم الانتهاء من الإجراءات التنفيذية لمشروع تطوير الشركات وميكنة وربط نظم المعلومات للشركة القابضة والشركات التابعة فى مجال تجارة السلع الغذائية بمبلغ 750 مليون جنيه لـ6 شركات بإجمالى 1401 موقع بهدف زيادة القدرة التفاوضية لعمليات شراء السلع فى الشركة القابضة وتحسين عمليات التخطيط لضمان وصول السلع الغذائية بجودة عالية وأسعار مناسبة ورفع كفاءة عمليات تداول السلع وإدارة المخزون بفاعلية. ونوهت الوزارة بافتتاح 259 منفذاً بالمحافظات ضمن المرحلة الخامسة من مشروع جمعيتى ليصل إجمالى المنافذ لـ8474 منفذاً توفر 25422 فرصة عمل.