ألمانيا: سياسات محلية تعرقل زيادة المساعدات لأوكرانيا
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
تواجه الجهود الأوروبية لتعزيز المساعدات العسكرية لأوكرانيا في حربها مع روسيا، عقبة غير متوقعة تتمثّل في سلطة محلية في مدينة ألمانية يقطنها نحو 80 ألف نسمة.
ويعرقل مجلس مدينة ترويزدورف مشاريع قدمتها شركة كبرى لتصنيع الأسلحة بهدف توسيع الإنتاج محلياً.
وأشارت بلدية المدينة الواقعة بغرب البلاد قرب كولونيا، إلى ضرورات التنمية لتبرير رفضها على خلفية تساؤلات بشأن قدرة الاتحاد الأوروبي على تصنيع المزيد من الأسلحة في فترة حرجة.
وفي وقت سابق هذا العام تعهد الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، تعزيز إمدادات قذائف المدفعية التي تحتاج لها أوكرانيا بشدة، في وقت تواجه قوات كييف نقصاً في الكميات.
وقلما يكون لرئيس بلدية ترويزدورف دوراً ما في السياسة الدولية، لكن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس حمّله المسؤولية أمام البرلمان مطلع ديسمبر (كانون الأول) لتعطيله المشروع.
ومدركاً بالمخاطر، حض الوزير الذي يحظى بشعبية السلطات المحلية والإقليمية على العمل لتسريع وتيرة إنتاج الأسلحة.
وقال بيستوريوس أمام نواب البرلمان إن "الضغط هائل لأن في أوروبا وألمانيا أزمة فيما يتعلق بالذخائر".
ويدور خلاف منذ أسابيع بين ترويزدوف وشركة ديل ديفنس العملاقة لتصنيع الأسلحة، والتي ينتج مصنعها المحلي أجهزة الإشعال اللازمة لكميات كبيرة من المتفجرات مثل الصواريخ وعبوات الصواريخ.
وتستخدم هذه القطع في تصنيع نظام الدفاع الجوي ايريس-تي، وسلمت الحكومة الألمانية 3 منها إلى أوكرانيا.
In Germany, Local Politics Holds Up Weapons for Ukraine https://t.co/5ZFFRd3wuX
— Ukraine News???????? (@UaNews_online) December 28, 2023 منازل ومكاتبويعد المصنع في ترويزدورف حلقة مهمة في مساعي أوروبا لدعم أوكرانيا، فيما تحث كييف حلفاءها على تزويدها بمزيد من الذخائر في وقت تواجه صعوبات في صد الهجوم الروسي.
وتعهد الاتحاد الأوروبي تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية بحلول مارس (آذار) 2024 لمساعدة كييف في معركتها ضد روسيا.
وحتى الآن سلم التكتل قرابة 300 ألف قذيفة من مخزوناته، وقد استُنفدت.
ويُفترض أن تبلغ حصة الصناعة الألمانية من خطة الاتحاد الأوروبي ما بين 300 ألف إلى 400 ألف قذيفة سنوياً، أي أكثر بـ3 مرات عن إنتاجها لدى بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا مطلع 2022، على ما أفادت مصادر قريبة من القطاع وكالة "فرانس برس".
ولكن شركة ديل ديفنس ترى الآن مستقبل منشأتها في ترويزدورف في خطر بعد أن قررت سلطات المدينة استخدام جزء من المجمع التجاري، حيث يقع مقر الشركة المتفرعة عن المجموعة داينيتيك.
وتريد شركة تصنيع الأسلحة شراء قطعة الأرض المعروضة للبيع من شركة داينمايت نوبل السابقة للأسلحة، كي تتمكن من توسيع قدرتها الإنتاجية.
ومن جانبها، تعتزم السلطة المحلية تحويل الموقع الذي يوازي 50 ملعب كرة قدم ويقع في وسط المدينة، إلى منازل ومكاتب.
ورداً على ذلك اعتبر عضو مجلس إدارة ديل ديفنس توماس بودنمولر أن "من خلال التشكيك في موقع ترويزدورف، يتم تقويض القدرة الدفاعية لجمهورية ألمانيا الاتحادية".
مقاومةورفضت شريحة واسعة من أعضاء مجلس المدينة، التضحية بمثل هذا المساحة الكبيرة في وسط المدينة.
ويعود ذلك الرفض إلى أن تصنيع المتفجرات والوسائل القتالية، بحسب السلطات المحلية، يتطلب مناطق حماية كبيرة حول المصنع لا يمكن البناء عليها لأسباب تتعلق بالسلامة.
وبالنسبة لرئيسة لجنة الدفاع في مجلس النواب الألماني والداعمة القوية لأوكرانيا ماري أغنيس ستراك زيمرمان، فإن موقف رئيس بلدية ترويزدورف "غير مسؤول بكل بساطة".
وقالت لوكالة "فرانس برس": "الأمر يتعلق بأوكرانيا، لكنه يتعلق أيضاً وقبل كل شيء بأمن ألمانيا".
وفي الوقت الحاضر، لا يزال بيبر على موقفه.
ورغم اجتماعات وساطة في الفترة التي سبقت عطلة عيد الميلاد، لم يتم التوصل إلى حل وسط حتى الآن، وبيبر ليس وحيداً في معارضته.
وفي وقت سابق من هذا العام، قالت مجموعة راينميتال، وهي شركة رائدة أخرى في صناعة الأسلحة الألمانية، إنها لن تقوم ببناء مصنع جديد لبارود الذخيرة في منطقة ساكسونيا بشرق ألمانيا.
وأثار المشروع قلقاً بين السكان المحليين، ووسط رفض عام نقلت راينميتال المشروع إلى موقع آخر في بافاريا.
وبينما يقول الخبراء إن كييف تحتاج إلى 3 ملايين طلقة ذخيرة سنوياً، حذر بيستوريوس الشهر الماضي من أن الاتحاد الأوروبي قد يفشل في تحقيق هدفه في مارس (آذار) المتمثل في تسليم ولو حتى مليون من قذائف مدافع هاويتزر التي تشتد الحاجة إليها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة ألمانيا أوكرانيا الحرب في أوكرانيا الاتحاد الأوروبی فی وقت
إقرأ أيضاً:
على الاتحاد الأوروبي البناء على نجاحاته السابقة
ترجمة ـ قاسم مكي -
يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات هائلة. تشمل هذه التحديات تسريع الابتكار وتعميق التكامل المالي وحماية أمنه والحفاظ على قيم الحرية والديمقراطية والرفاه الاجتماعي التي بُنِي عليها مجتمعه منذ الحرب العالمية الثانية.
لن يكون أي من هذه التحديات يسيرا بالنظر إلى التحولات غير المواتية التي تواجهها الكتلة الأوروبية الآن وليس أقلها الفوضى السياسية في فرنسا وألمانيا. مع ذلك يمكن للاتحاد الأوروبي وهو يواجه مستقبله البناء على نجاحات تاريخية عظيمة. فالاتحاد بعد كل شيء تمكَّن من التوسع والتمدد خلال ما يقرب من سبعة عقود (بل أطول من ذلك إذا عدنا به إلى فترة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب والتي تأسست في عام 1951) .
هذا التوسع انتقل بالاتحاد من عضوية 6 دول فقط في البداية هي بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا إلى 27 دولة الآن (تراجعا من جملة 28 دولة للأسف بعد خروج بريطانيا منه).
توسع الاتحاد ليس هو اللافت فقط ولكن مدى التقارب الاقتصادي بين بلدانه الأعضاء. في عام 2013 ذكرت آنيت بونجاردت ومعها آخرون أن بالإمكان عموما «التمييز بين ثلاث مراحل للتقارب في الاتحاد الأوروبي على مستوى بلدانه. شهدت المرحلة الأولى من 1950 وحتى 1973 تقارب غرب أوروبا مع مستويات المعيشة في الولايات المتحدة، والمرحلة الثانية من 1974 إلى 1993 هي مرحلة تقارب شمال وجنوب أوروبا مع أوروبا القارية. أما الثالثة بين 1994 و2010 فهي مرحلة تقارب أوروبا الشرقية مع أوروبا الغربية.
عملية التقارب هذه كانت عريضة القاعدة ومتينة. إيطاليا فقط هي التي بدأت تتباعد في المرحلة الثالثة. ويعود ذلك إلى ناتجها المحلي الإجمالي الأقل نموا. ثم بعد عام 2013 حدثت صدمة الأزمة المالية في منطقة اليورو والتي أوجدت تباعدا كبيرا لفترة من الوقت، كما كان هنالك أيضا النمو الأسرع في إنتاجية الولايات المتحدة مؤخرا.
كل البلدان التسعة التي انضمت للاتحاد الأوروبي في الفترة بين 1973 و2000 باستثناء اليونان رفعت الناتج المحلي الإجمالي للفرد (على أساس تعادل القوة الشرائية) مقارنة بمتوسط البلدان الست المؤسسة للاتحاد بحلول عام 2023، وكانت إيرلندا هي الفائزة بهامش ضخم. لكن بالنظر إلى دور الاستثمار الأجنبي المباشر كان الناتج المحلي الإجمالي أعلى بنسبة 30% من الدخل القومي الإجمالي في عام 2023.
أيضا كل البلدان الـ 13 التي انضمت للاتحاد في الفترة بين 2004 و2013 ومعظمها من وسط وشرق أوروبا رفعت ناتجها المحلي الإجمالي للفرد مقارنة بالبلدان الأعضاء الستة المؤسسة وبعضها بنِسَبٍ ضخمة، فالناتج المحلي الإجمالي للفرد في بولندا على سبيل المثال ارتفع من 40% من مستواه في بلدان الاتحاد الأوروبي الست في عام 2004 إلى 73% في عام 2023.
عند المقارنة مع بلد بحجم شبيه لكن خارج الاتحاد الأوروبي سنجد أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد في أوكرانيا ارتفع من 28% من متوسط هذا الناتج في البلدان الست المؤسسة للاتحاد في عام 2003 إلى 31% فقط في عام 2021. ثم تراجع إلى 28% في عام 2023 بعد الحرب مع روسي، وتركيا رغم أنها خارج الاتحاد إلا أن أداءها كان جيدا وثمة سبب لذلك. إنه الأمل (المتلاشي) في عضوية الاتحاد والذي كان محركا لسياساتها حتى منتصف العشرية الثانية.
ما حدث لجيران الولايات المتحدة لا يماثل ما حدث داخل الاتحاد الأوروبي الموسَّع؟ فالمكسيك وهي الأهم إلى حد بعيد تراجعت إلى الخلف. لقد هبط ناتجها المحلي الحقيقي للفرد من 35% الى29% من مستويات الولايات المتحدة في الفترة بين 2004 و2023 على الرغم من الفرص التي أتيحت لها بواسطة اتفاقيات التجارة الحرة.
الاختلاف الجذري بين توسيع الاتحاد الأوروبي واتفاقيات المكسيك مع الولايات المتحدة أن توسيع الاتحاد مؤسسي ومعياري أيضا (بمعنى إنه يقوم على مؤسسات مثل المفوضية والبرلمان الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية. كما يرتكز أيضا على قيم معيارية مثل تداول السلطة وحقوق الإنسان وسيادة القانون واقتصاد السوق - المترجم). فالاتحاد يتيح مسارا لأن تكون الدولة العضو أوروبية. أما الولايات المتحدة فلا يمكنها إتاحة شيء من هذا القبيل. بل بالعكس الأمراض الاجتماعية في الولايات المتحدة والتي تناولتها في مقال لي مؤخرا تتدفق عبر حدودها حيث تصدر الأسلحة وتستورد المخدرات، وهذا يغذي جرائم العصابات وينسف حكم القانون.
بالنظر إلى الانزعاج من قدوم المهاجرين عبر الحدود لماذا لا يحاول الأمريكيون بذل مزيد من الجهد لجعل البلدان الهشة في تلك المنطقة أكثر ازدهارا؟ وعلى نحو مماثل لذلك لم يفعل الأوروبيون شيئا يذكر للشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
نجاح الاتحاد الأوروبي كان في أغلبه محليا. حتى أزمة منطقة اليورو في سنوات العشرية الثانية تم التغلب عليها بنجاح على الرغم من الأخطاء التي ارتكبت في إيجاد اتحاد العملة وإدارته اللاحقة، ومنذ عام 2020 كان أداء كل البلدان التي تضررت من الأزمة أفضل من أداء ألمانيا بما في ذلك اليونان وإسبانيا.
لم يكن التكامل الاقتصادي لأوروبا أو التقارب بين الدول الأعضاء في الاتحاد حتميا. لقد كان نتاج مقاربة سياسية حصيفة. وللمفارقة، يعود ذلك في جزء منه إلى ترويج رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر لفكرة السوق الموحدة في ثمانينات القرن الماضي.
لكن الآن هنالك تحديات جديدة بل أكبر. فالأمن الذي تقدمه الولايات المتحدة يصبح في أفضل الأحوال باهظ التكلفة وفي أسوأ الأحوال يختفي كليا. وروسيا بدعمٍ من الصين تشكل تهديدا لأوروبا في الشرق. وأوكرانيا التي تتطلع بشدة إلى التمتع ببركات عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تتعرض لخطر التخلي عنها من جانب أولئك الذين ينبغي أن يكونوا أفضل إدراكا للتحدي الأمني.
إلى ذلك، مجتمعات بلدان الاتحاد الأوروبي التي تشيخ تزيد الأعباء المالية لحكوماتها. والعداء للهجرة يشتد فيما تتعاظم الحاجة إليها. إلى ذلك، ضرورة زيادة الإنتاجية ببناء اقتصاد رقمي وتحرير وتعميق التكامل ليست أقل أهمية، كما يوضح تقرير ماريو دراغي.
أيضا يجب إيجاد طريقة ما لتشكيل وتطبيق سياسة خارجية وأمنية مشتركة. وهنالك أيضا حاجة للاتفاق على زيادة كبيرة للموارد المالية الخاصة بالاتحاد الأوروبي عبر قدراته في التحصيل الضريبي والاقتراض. ذلك بدوره سيعيد الاتحاد الأوروبي إلى المجادلات التي دارت في أوائل التسعينات حول الاتحاد السياسي.
كما سيكون من الضروري أيضا إضعاف قدرة الدول الأعضاء المتعنتة مثل المجر تحت قيادة فيكتور أوربان في الحيلولة دون سريان السياسات المشتركة الضرورية. سيقول عديدون أن كل ذلك مستحيل. لكن لا بد أن تتحقق بعض الفوائد من إزالة التعنت البريطاني.
على أوروبا ألا تتبنى نموذجا اجتماعيا يخاطر بإنتاج الأمراض الأمريكية من موتٍ مبكر وحوادثِ قتل جماعي ومعدلات فلكية للحبس في السجون. لكن التحولات الجذرية ضرورية. وبقاء أوروبا الموحَّدة والحرة والهشة يعتمد على ما إذا كانت لدى الأوروبيين الشجاعة والحكمة لمواجهة تحديات حقبتنا الحالية.
مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز
الترجمة خاصة لـ عمان