تصعيد خطير في بنت جبيل.. لماذا تستهدف إسرائيل المدنيين اللبنانيين؟
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
بيروت- شكّل استهداف إسرائيل منزلا مدنيا في "بنت جبيل" -ليلة الثلاثاء الماضي- رسالة خطيرة وبليغة تلقاها حزب الله وأبناء الجنوب اللبناني، ليس لأن الغارة أسفرت عن استشهاد 3 لبنانيين فحسب؛ بل لأن القصف في عمق هذه المدينة للمرة الأولى منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أحيا في أذهان كثيرين رمزية "بنت جبيل" التاريخية في الصراع اللبناني الإسرائيلي.
ومن ملعبها، أدلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بخطاب تحرير الجنوب من الاحتلال سنة 2000، قائلا جملته الشهيرة "إسرائيل أهون من بيت العنكبوت"، لتكون المدينة الوحيدة التي دمرتها إسرائيل بالكامل في حرب يوليو/تموز 2006، بعدما باءت محاولة احتلالها بالإخفاق.
تشييع مهيبوشيّع المئات في "بنت جبيل" الشهداء الذين لُفّوا بأعلام الحزب، حيث يتحدرون من بيت يُعرف بولائه للمقاومة، وهم الشقيقان: علي بزي (37 عاما)، وإبراهيم (26 عاما)، وشروق حمود زوجة إبراهيم، وجاء الأخير من أستراليا قبل أيام لتمضية نهاية العام مع أسرته، ومن ثم السفر مع زوجته إلى هناك.
وبينما ضجّ لبنان بقصة الشهداء وملأت صورهم منصات التواصل الاجتماعي، نعى حزب الله علي بزي كونه "مجاهدا" لديه، في قت يعيش أهالي المدينة صدمة هذا الاستهداف الذي دمر المنزل بالكامل فوق إبراهيم وشروق اللذين كانا نائمين بالطابق العلوي.
وكان علي مع والده وصديقه بالطابق السفلي، وفق تصريح الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي -للجزيرة نت- الذي تربطه صلة قرابة بعائلة الشهداء.
وبهذا الاستهداف، ارتفعت حصيلة الشهداء المدنيين جنوب لبنان لأكثر من 25 شهيدا، علما أن قواعد الاشتباك المعمول بها بين حزب الله وإسرائيل، تقوم على مبدأ الضربات العسكرية المتبادلة، ما يجعل ضرب المدنيين تجاوزا كبيرا للخطوط الحمراء التي سبق أن تحدث عنها حسن نصر الله.
وردا على ذلك، استهدف حزب الله -أمس الأربعاء- مستوطنة كريات شمونة بـ30 صاروخا، وقال مسؤولوه، إن كل جريمة ضد المدنيين في لبنان "لن تمر دون أن يدفع العدو الثمن".
كما استهدف الحزب تموضعا قياديا مستحدثا في محيط الموقع البحري في الناقورة، ومواقع الضهيرة وحدب البستان وخربة ماعر وغيرها، وشنّ هجوما بالمسيّرات الهجومية الانقضاضية والأسلحة الصاروخية على تجمعات إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
عمليا، يلحظ مراقبون أن إسرائيل تكثف من عمليات استهدافها للمنازل بالقرى الحدودية، وغالبا ما تكون بيوتا تابعة لقياديين أو مسؤولين بالمقاومة أو مرتبطين بها، مثلما حصل الشهر الماضي، عندما استهدفت منزلا أدى لاستشهاد نجل النائب في حزب الله محمد رعد مع 3 آخرين.
مؤشر تصعيدييقول وسيم بزي، إن إسرائيل منذ نحو أسبوع، اعتمدت قواعد اشتباك وتعاطيا جديدا بميدان ما يسمى "قرى الواجهة". لكن التطور الكبير، سجلته بالضرب الأول من نوعه "لبنت جبيل"، "بعدما كانت هذه المدينة بمنأى عن العمليات؛ لأنها ضمن معادلة الحرب تعني مؤشرا تصعيديا، حيث يقابلها صفد بالجليل".
ويشير وسيم -للجزيرة نت- إلى أن "بنت جبيل" حافظت على طمأنينتها عاصمة للمنطقة، مسترجعا رمزيتها التاريخية -وهي تبعد نحو 3 كيلومترات عن الحدود مع إسرائيل فحسب- حين قال قائد المنطقة الشمالية أودي آدم في حرب تموز 2006، وبعدما عجز عن تنفيذ مخطط احتلالها، إن إسرائيل دمرتها بالانتقام من الحجر والذاكرة.
ويضيف "في حرب تموز، سمّتها إسرائيل بـ"المدينة الملعونة"، نظرا لحجم الكمائن والضربات التي تعرضوا لها على تلالها، وأشهرها معركة كرم الزيتون في مثلث التحرير، والكمين في تلة مسعود، وكمين آخر قرب مهنية بنت جبيل، وكان لها نتيجة حاسمة بهزيمة إسرائيل، فشكلت لها عقدة نفسية وعسكرية".
لذا، يجد وسيم أن استهداف "بنت جبيل" أخذ منحى تصعيديا خطيرا، خاصة بعدما كان يحيدها عن الضربات على قاعدة أنها تقطع ما بعد الحافة الحدودية، وأمامها قريتا يارون وعيترون.
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي أسعد بشارة، أن استهداف المدنيين يعني أن إسرائيل وبتوقيت يخصها هي، دخلت مرحلة السعي لاستدراج حزب الله إلى المبادرة بإشعال الحرب في لبنان.
وأمس، قال عضو مجلس الحرب في الحكومة الإسرائيلية، بيني غانتس، إن "وقت الحل الدبلوماسي بدأ ينفد، وإذا لم يتحرك العالم ولبنان لمنع إطلاق النار على سكان شمال إسرائيل، وإبعاد حزب الله عن الحدود، فسيفعل الجيش الإسرائيلي ذلك".
وانطلاقا من كلامه، يقول أسعد -للجزيرة نت-، إن ما يعلنه المسؤولون الإسرائيليون لجهة تطبيق القرار الأممي 1701، عبر الضغط لانسحاب حزب الله من جنوب الليطاني سلما أو حربا، يعني أنهم جاهزون لإشعال الحرب في حال استحالة تحقيق ذلك راهنا.
ويعود إلى ما ذكرته صحف أميركية عن منع واشنطن إسرائيل في مطلع العدوان على قطاع غزة توجيه ضربة استباقية لحزب الله، بوصفه مؤشرا إلى قرار ضمني لدى تل أبيب بأن شن حرب على لبنان مسألة وقت فحسب.
ويضيف "استهداف المدنيين يعكس نيات الاستدراج لحرب كبرى، علما أن التوقيت الآن غير ملائم لإسرائيل".
ويرجّح أسعد أن تتصاعد وتيرة النزوح من القرى الحدودية اللبنانية، بينما يشير وسيم إلى أن نسبة كبيرة من أهلها تركوا منازلهم واستأجروا منازل بالعمق الجنوبي، أو في صيدا وبيروت وسواهما.
سيناريوهات التصعيد
ورغم أن حزب الله يواصل عملياته العسكرية بوتيرة مكثفة، يتساءل كثيرون عن سيناريوهات التصعيد، حيث يرجّح أسعد أن يؤدي انسداد الحلول السياسية والدبلوماسية، وتعثر مساعي المفاوضات لتجنيب لبنان الحرب، إلى تدحرج كبير للجبهة.
ويقول "قد يضطر حزب الله لضرب أبناء المستوطنات المدنيين، إذا ما واصلت إسرائيل ضرب المدنيين اللبنانيين، ما يعني مزيدا من ردود الفعل، التي ستكون فيها إسرائيل أكثر تدهورا".
كما يرجح أن تواصل واشنطن وباريس سعيهما لضبط التوتر جنوبا، وتسويق تصورهما، ومنع اشتعال الحرب؛ نظرا لخطر توسعها لحرب إقليمية لا تريدها إيران أيضا.
ويوم أمس، وجّه وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، رسالة إلى أمين عام حزب الله، قائلا "على نصر الله أن يفهم أنه التالي، وعليه أن ينفذ القرار 1701، وأن ينسحب حزب الله إلى الشمال من الليطاني، سنعمل على استنفاد الخيار الدبلوماسي، وإذا لم ينجح، فإن جميع الخيارات مطروحة".
وأضاف "حزب الله الذي يخدم الحكومة الإرهابية بإيران، يعرّض لبنان والمنطقة بأسرها للخطر".
ويعدّ وسيم بزي أن عبث إسرائيل بقواعد الاشتباك مع حزب الله بات واضحا، و"كأن الجبهة تتدحرج بمعايير فيها كثير من العبثية والفوضى"، لكنه يجد أن الحزب يواصل بعث رسائله، وكان أبرزها الضربة التي وجهها أثناء وجود وفد مع كوهين على الحدود الشمالية يوم أمس.
لكن مؤشرات المنطقة برأيه تنذر بالتشاؤم، من ضربات الحوثيين ومواجهة باب المندب، إلى اغتيال مسؤول إيراني في سوريا، وقصف أميركا قواعد حزب الله في العراق، ناهيك عن مواصلة إسرائيل حرب الإبادة في غزة.
ويختم بالقول، إن حزب الله "قد يواصل السلوك المنضبط، لكن ذلك يحتاج لتقييم دائم بفعل تصعيب إسرائيل امتحان الحفاظ على قواعد الاشتباك موسعة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بنت جبیل حزب الله
إقرأ أيضاً:
حزب الله المهزوم يعرض عضلاته في تشييع نصرالله
يستعد حزب الله لإظهار قوته اليوم بجنازة معقدة لزعيمه الراحل حسن نصر الله، وهو الحدث الذي تأمل الجماعة المسلحة أن يحيي صورتها المحطمة في لبنان بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
جنازة نصر الله ستعكس صراع القوة الدائر في لبنان
ومن المتوقع أن يحضر عشرات الآلاف من لبنان والمنطقة المراسم بعد ظهر يوم الأحد، بما في ذلك كبار الشخصيات من إيران. وسيبدأ الحفل في أكبر ملعب رياضي في لبنان على المشارف الجنوبية للعاصمة بيروت، والذي تزين بملصقين طويلين لنصر الله، وبشعارات تعد بمواصلة "المقاومة" التي قادها ضد إسرائيل. بيروت في جمودوتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن بيروت في جمود صباح اليوم، حيث ازدحمت الطرق بآلاف المعزين في طريقهم إلى مكان التشييع. وحمل بعضهم صور نصر الله، وأعلام حزب الله، بينما أمسك آخرون بصور ضحايا قتلوا في الحرب.
وقال حسين الحاج حسن، عضو البرلمان عن حزب الله، في حفل أقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم السبت، إن جنازة نصر الله "ليست يوماً للحزن أو يوم وداع، بل يوم ولاء وتجديد عهودنا وتعهداتنا لزعيمنا".
There are massive crowds in Beirut for Hassan Nasrallah’s funeral. People were lining up to get in last night.
This is a major challenge to anyone who thinks Hezbollah and the resistance are finished or are too weak to carry on bc of the Israeli/US assassinations and… pic.twitter.com/5833LRUlJ3
ولفت إلى إن الجنازة ستكون لحظة تظهر "للحلفاء وكذلك لأعدائنا وخصومنا أننا لم نضعف أو نتراجع ولن نضعف...وإذا زدتم التحدي، فسنرد بحزم".
وتأتي الجنازة بعد خمسة أشهر من مقتل نصر الله، في 27 سبتمبر(أيلول)، بإسقاط 80 قنبلة على مخبئه في جنوب بيروت مباشرة. وبمقتل نصر الله، قضت إسرائيل على زعيم يتمتع بمكانة شبه أسطورية بين الشيعة في لبنان. وكان مقتله إحدى اللحظات المحورية في المواجهة بين وكلاء إيران وإسرائيل، والتي خرج منها حزب الله ضعيفاً بشكل كبير.
في الأشهر التي تلت ذلك، تعرضت المجموعة لضربات شديدة من القوات الإسرائيلية، وتفككت قبضتها الحديدية على السياسة اللبنانية، حيث لام العديد من اللبنانيين المجموعة على جر البلاد إلى واحدة من أكثر حروبها دموية وتدميراً.
Beirut prepares for the funeral of Hezbollah leaders Nasrallah & Safieddine tomorrow, a key measure of their post-war legitimacy.
Not just Shia but some Christian, Sunni, and secular groups will attend, and supporters are arriving from abroad as well, including from Turkey. pic.twitter.com/krLdKiaQIq
ووافق حزب الله وإسرائيل على وقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني)، ما أجبر الحزب على الانسحاب من جنوب لبنان، والتخلي عن معاقله على طول الحدود مع إسرائيل. ورغم موافقة إسرائيل على الانسحاب من لبنان عملاً بالهدنة، ظلت القوات الإسرائيلية في أجزاء من جنوب لبنان بعد الموعد النهائي للانسحاب.
وبعد عقود من تعزيز قوتها، دخل حزب الله الحرب باعتباره القوة السياسية والعسكرية الأكثر هيمنة في البلاد. لكنه أصبح ظلاً لما كان عليه في السابق.
وتقول الصحيفة إنه للمرة الأولى منذ عشرين عاماً، هناك زخم متزايد بين المعارضين السياسيين لحزب الله داخل لبنان لاستعادة السلطة من الجماعة. وتعهد الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، بنزع سلاح حزب الله، وإعادة احتكار القوة العسكرية إلى الدولة.
وفي الأسبوع الماضي، تبنت الحكومة اللبنانية الجديدة بياناً سياسياً وجه ضربة مباشرة لحزب الله، حيث أكدت أن للدولة وحدها حق الدفاع عن أراضي لبنان. وكان هذا أول بيان سياسي منذ انتهاء الحرب الأهلية في البلاد في 1990 لم يذكر حق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو الخط الذي ساعد لفترة طويلة في إضفاء الشرعية على وجود حزب الله.
ويبدو أن جنازة نصر الله ستعكس صراع القوة في لبنان، حيث ينتهز حزب الله هذه الفرصة لإعادة تأكيد نفسه قوة سياسية. ويسعى الحزب إلى توجيه رسالة مفادها أنه رغم مقتل قادته، واستنزاف خزائنه، والإطاحة بحليفه السوري بشار الأسد، وإضعاف راعيته إيران، فإن الحزب في لبنان سيبقى.
وقال مهند حاج علي، وهو زميل بارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "الجنازة هي منصة إطلاق. إنهم يحاولون إعادة اختراع أنفسهم" واستخدام وفاة نصر الله "أداة تعبئة لحشد الناس حول قضيتهم، التي تعرضت إلى ضربة كبيرة".