مع اقترابه من العام.. خطر ينذر بتوسع الصراع في السودان وتحوله لحرب أهلية
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
تفاقم الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ شهدت الأيام القليلة الماضية، أعمال عنف وقتل غير مسبوقة في عدد من الولايات السودانية بعد أن دخلتها مليشيات الدعم السريع مما أثار تخوفات لدى المجتمع الدولي من توسع الصراع إلى حرب أهلية.
أصابت حالة من الإحباط، الشارع السوداني الذي يعاني منذ ما يقرب من عام من قتال محتدم بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، وذلك بعدما تقرر تأجيل مؤتمر دعت له منظمة "إيجاد" فى جيبوتي إلى يناير المقبل.
وأكدت وزارة الخارجية السودانية أن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أبدى موافقته على حضور اللقاء وكان يستعد للذهاب، وأضافت مضيفة، "نتأسف لمماطلة قيادة الدعم السريع في تحكيم صوت العقل".
كذلك قالت إنها تلقت مذكرة من "إيجاد" تؤكد أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لن يتمكن من الحضور إلى جيبوتي.
ومن جانبه قال حميدتي إنه ناقش مع رئيس أوغندا التطورات في السودان، مؤكداً تمسكه بمخرجات قمة إيجاد وتنفيذ ما التزم به لإنهاء الحرب بالسودان. وكانت قمة الهيئة الحكومية للتنمية "إيجاد" قد قالت في خطابها الرسمي، إنه تم تأجيل لقاء البرهان وحميدتي إلى شهر يناير في موعد محدد سيعلن لاحقاً وذلك لأسباب فنية.كما قالت إنها أخطرت البرهان باعتذار حميدتي عن حضور اجتماع جيبوتي.
ويذكر أن "إيجاد" كانت دعت البرهان وحميدتي للاجتماع من أجل الاتفاق على وقف إطلاق النار، وبحث سبل تيسير وصول مواد الإغاثة. بينما تستمر الحرب والاشتباكات في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل ، ما أسفر عن مقتل نحو 10 آلاف ونزوح حوالي سبعة ملايين شخص داخليا، بحسب الأمم المتحدة. كما فر نحو 1.5 مليون شخص آخرين إلى دول مجاورة هرباً من الحرب.
وفي السابق، قال رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، إنه طلب اللقاء بشكل عاجل مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بغرض التشاور حول السبل الكفيلة بوقف الحرب.وذكر حمدوك في حسابه على منصة إكس أنه بعث رسالتين خطيتين إلى البرهان ودقلو يطلب فيهما اللقاء نيابة عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).
وتسبب انتقال الصراع إلى ولايتي الجزيرة وسنارفي فرار أعداد كبيرة من المدنيين بينهم نازحين سبق أن فروا من حرب الخرطوم وكانت تستضيفهم مدن وقرى الجزيرة.
وبدورها شجبت نقابة الصحفيين السودانيين، الجرائم الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين بولاية الجزيرة وسط السودان، وطالبت المنظمات الدولية بالضغط عليها لفتح ممرات آمنة للعالقين من منسوبيها والمدنيين في مناطق الخطر.
وذكرت فى بيان أصدرته نقابة الصحفيين السودانيين ونقله الإعلام السودانى، إنها "تشجب ممارسات قوات الدعم السريع، وتحذر من مغبة إرعاب العزل، إذ باتت سمة مميزة لهذه المليشيات في جل المدن والمناطق التي وصلتها طلائع قواتها".
وناشدت المنظمات الدولية والمجتمع الدولي الضغط على قوات الدعم السريع بغية توفير ممرات آمنة فوراً دون قيد أو شرط لمئات الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن العالقين بمناطق الخطر.
ودعت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والاتحاد الدولي للصحفيين و اتحاد الصحفيين الأفارقة واتحاد الصحفيين العرب ومنظمة مراسلون بلا حدود ومعهد الصحافة الدولية والنقابات الصحفية الشقيقة والصديقة بتدارك ما يمكن إدراكه.
وأكدت فى بيانها "يقيننا الراسخ في نقابة الصحفيين السودانيين أن صد غوائل الحرب ولجم أصوات الكراهية وكل فعال الإجرام إنما يتأتى بكف صوت السلاح ونصب طاولات التفاوض".
وكان اندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج الدعم السريع في الجيش، في الوقت الذي كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دوليًا.
من جانبه، أعرب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن القلق الشديد إزاء التأثير الحاد للصراع في السودان على الوصول إلى الرعاية الصحية، مع استمرار تفشي الكوليرا في جميع أنحاء البلاد.
وقال في بيان إن عدد حالات الاشتباه بالكوليرا ارتفع بأكثر من 100% خلال الشهر الماضي، حيث تم الإبلاغ عن ما يقرب من 8,300 حالة اشتباه وأكثر من 200 حالة وفاة في تسع ولايات حتى 23 ديسمبر، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة السودانية.
وأضاف المكتب أن ذلك يشمل أكثر من 1800 حالة اشتباه بالكوليرا في ولاية جزيرة، حيث تسببت المواجهات العنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في نزوح ما لا يقل عن 300،000 شخص هذا الشهر.
وأشار إلى أن استمرار المعارك يعيق جهود الاستجابة الإنسانية ويعرقل الوصول إلى الخدمات الصحية العامة الأساسية بما في ذلك كشف وعلاج حالات الاصابة بالكوليرا، بالإضافة إلى حملات التطعيم.
وأوضح المكتب في آخر بيان له عن الوضع الصحي في السودان أن حوالي ثلثي سكان السودان يفتقرون إلى الرعاية الصحية، وأن أكثر من 70 في المائة من المستشفيات في المناطق المتضررة من الصراع لم تعد تعمل.
واستقبل رئيس الوزراء الإثيوبي، يوم الخميس، قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في أديس أبابا، وقال آبي أحمد في منشور بمنصة إكس، تويتر سابقا "استقبلت في وقت سابق اليوم محمد حمدان دقلو والوفد المرافق له للتباحث حول تأمين السلام والاستقرار في السودان".
ووصل حميدتي"، صباح الخميس، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وكان في استقباله بمطار بولي الدولي وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، وفقا لوكالة الأنباء الإثيوبية، وتأتي هذه الزيارة في إطار الجهود في إحلال السلام في السودان، بعد الحرب التي أودت بحياة الآلاف من السودانيين وشردت الملايين.
وفي وقت سابق من الأربعاء، استقبل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بمنزله قائد قوات الدعم السريع حيث بحثا تطورات الأوضاع في السودان وجهود وقف الحرب، ووفقا لما نشرته الصفحة الرسمية لهيئة الإذاعة الأوغندية على منصة "أكس" فقد ناقش موسيفيتي مع حميدتي جهود وقف الحرب الحالية المستمرة في السودان منذ 9 اشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ومن جانبه، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير صلاح حليمة، إن الصراع في السودان يزداد خطورة يوم بعد يوم، ويترك دمارًا وأثارًا إنسانية مأساوية في كثير من الولايات خاصة الواقعة في الأطراف.
وأضاف حليمة في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن مصر لعبت دور كبير وبالغ الأهمية في الأزمة السودانية، وتتحرك مصر بشكل نشط وفعال تجاه قضايا وأزمات كافة دول الجوار كما تفعل أيضًا في الحرب المستمرة على قطاع غزة.
ولفت إلى أن ظل الأزمة في السودان تسببت في انقسامات عديدة وتواجدت بعض المليشيات التي تقوم بعمليات تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار وزيادة النزوح لافتًا إلى أن هذه الأحداث جميعها تستوجب ضرورة تكثيف التحركات والجهود من قبل دول جوار السودان لوقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي وإعادة الأوضاع إلى نصابها والتوصل إلى توافق بين كافة مكونات المجتمع المدني السوداني.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السودان الدعم السريع الجيش السوداني البرهان حميدتي البرهان وحميدتي قائد قوات الدعم السریع وقوات الدعم السریع محمد حمدان دقلو الدعم السریع فی فی السودان بین الجیش
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: محاكمة حميدتي بين قانونين
بدأت محكمة الإرهاب في مدينة بورتسودان، الأحد محاكمة قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان “دقلو” وشقيقه عبد الرحيم دقلو وآخرين، غيابيًا بتهمة التورط في اغتيال والي غرب دارفور. وطالبت النيابة العامة، في وقت سابق، وقبل تسليم الدعوى إلى المحكمة، حميدتي وشقيقيه ونائب الوالي تجاني الطاهر كرشوم وآخرين، بالمثول أمامها حيث أعلنتهم متهمين هاربين. وقرر قاضي محكمة الإرهاب المأمون الخواض، استمرار جلسات المحاكمة، لسماع المتحري والمبلّغ على أن يمثل الشهود للإدلاء بشهادتهم في الجلسات القادمة.
في هذه الجلسات، قدّم النائب العام الفاتح طيفور خطبة الادعاء في أولى جلسات المحكمة، مشيرًا إلى أن القضية تشمل كافة البُنى التي بُنيت عليها الدعوى. وقال طيفور الذي بدأ عليه التأثر، إن القضية تكشف وقائع خيانة من قوات كان من المفترض أن تحمي البلاد. بدأ ذلك الهجوم الشرس على مطار مروي شمالي السودان، تلاه الهجوم على مقر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
اغتيل والي غرب دارفور خميس أبكر في 14 يونيو 2023، بعد وقت وجيز من اعتقاله بواسطة مليشيا الدعم السريع التي اقتادته إلى مقرها بحضور قائدها في الولاية عبد الرحمن جمعة بارك الله، قبل أن تظهر مقاطع فيديو توثق مقتل الوالي والتمثيل بجثته. وقبلها، كانت قناة “الحدث” قد وثقت اقتحام مقر إقامته، وأفاد النائب العام بأن الدعم السريع اعتقلت الوالي المقتول وحرسه، بمشاركة جمعة بارك الله وتجاني كرشوم، واقتادته إلى مقرها ثم تمت تصفيته وسحل جثته.
وتتضمن القضية، التي تشمل 16 شخصًا، اتهامات بالتورط في اغتيال خميس ومخالفة 12 مادة من القانون الجنائي، منها المادة 186 الخاصة بالجرائم ضد الإنسانية، بالإضافة إلى مخالفات لقانون مكافحة الإرهاب. كما تم تسمية قائد الدعم السريع متهمًا أول، وشقيقه عبد الرحيم متهمًا ثانيًا، بينما تم تسمية شقيق آخر يُدعى القوني، الذي يشغل منصب مسؤول المشتريات في الدعم السريع، متهمًا ثالثًا.
ومن بين المتهمين كذلك عبد الرحمن جمعة بارك الله والطاهر كرشوم الذي كان نائبًا لخميس أبكر، وبعد اغتياله انفرد بحكم الولاية التي سرعان ما سيطرت عليها المليشيا ، وعيّنت كرشوم رئيسًا للإدارة المدنية، حيث لا يزال يشغل المنصب. وتصل العقوبة في حال الإدانة إلى الإعدام.
إن محاكمة هذه الأسماء البارزة تمثل اختبارًا حاسمًا للعدالة السودانية ومدى قدرتها على مواجهة هذه الجرائم. ولكن يبقى التساؤل قائماً: هل ستكون هذه المحاكمة بداية لفتح ملفات أخرى شائكة مثل الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بحق المدنيين في السريحة والهلالية وود النورة وغيرها، أم ستكون مجرد حلقة إضافية في مسلسل الإفلات من العقاب؟
وبحسب مواثيق القانون الدولي، اتفاقيات جنيف لعام 1949، فإن الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين تُعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستوجب المساءلة الجنائية الفردية، بما في ذلك بحق قادة المليشيا المسلحة.
بالرغم من هذه الإجراءات يظل هناك سؤال محوريا لماذا لا يُحاكم حميدتي وشقيقه وفقًا لقانون القوات المسلحة السودانية بدلا عن القانون الجنائي ؟ في جوهر الأمر، ما قام به محمد حمدان دقلو وقوات الدعم السريع بقيادته، هو انقلاب عسكري صريح على الدولة ومؤسساتها الدستورية، ومحاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة، وهو فعل ينطبق تمامًا على توصيف “الخيانة العظمى” والتمرد المسلّح” في قانون القوات المسلحة السودانية.
لكن عدم محاكمته حتى الآن بموجب هذا القانون يرتبط ربما بعدة عوامل متداخلة: أولاها أن الصفة القانونية لهذه القوات : رغم تبعيتها الشكلية للجيش بموجب قانون الدعم السريع لعام 2017، إلا أنها تمتعت بهامش استقلال تنظيمي وعملياتي، ما أدى إلى تضارب قانوني بشأن مرجعيتها الفعلية، وهو ما تستغله بعض الجهات لتبرير عدم إخضاع قادتها لقانون القوات المسلحة.
كذلك الفراغ الدستوري والمؤسسي: منذ التغير في 2019 وما تلاه من اضطرابات، دخل السودان في حالة سيولة قانونية ودستورية، جعلت من الصعب تفعيل مواد محاسبة الانقلابين التقليدية، خاصة مع غياب برلمان شرعي ومحكمة دستورية عليا فاعلة.
كذاك الحسابات السياسية الإقليمية والدولية: البعض يرى أن هناك تردّدًا دوليًا في تصنيف ما جرى كانقلاب رسمي، رغم وضوح الوقائع، وذلك لتجنّب تصعيد سياسي أو فتح جبهات قانونية. لذلك محاولة احتواء الجريمة ضمن الإطار الجنائي المدني: خطوة مهمة لكنها قد تُبقي الجريمة في حيز “الانتهاكات”، لا في حيز “الخيانة العسكرية والانقلاب” .
إن محاكمة حميدتي بقانون القوات المسلحة لا تعني فقط تصنيف أفعاله كخيانة عظمى، بل تعني أيضًا الاعتراف رسميًا بأن ما حدث كان انقلابًا مسلحًا مكتمل الأركان، ما يستدعي موقفًا سياسيًا وقانونيًا حاسمًا من الدولة السودانية.
اليوم، يقف السودان على أعتاب مفترق مهم: إما أن تُسهم هذه المحاكمة في استعادة الثقة في مؤسساته العدلية، أو أن تتحول إلى حلقة جديدة في مسلسل الإفلات من العقاب. ولئن كان النائب العام قد تعهّد بأن “سيف العدالة سيطال كل هارب”، فإن الشعب السوداني، وخصوصًا أهل دارفور، لا ينتظرون مجرد وعود، بل تطبيقًا صارمًا للقانون، واعترافًا صريحًا بالحقوق.
إن الصمت الدولي حيال هذه الجريمة لن يكون إلا ترخيصًا مستترًا بمزيد من القتل والانتهاكات، في بلد أنهكته الحرب، وتحتاج مؤسساته المدنية والعدلية إلى الدعم ، وبناء مستقبل مختلف، تُصان فيه كرامة الإنسان، ويُحتكم فيه للقانون . وكما قال الفيلسوف بليز باسكال: “العدالة دون قوة عاجزة، والقوة دون عدالة طغيان”.
هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة إذا كانت المواثيق الدولية قد رسّخت الحق في المحاسبة كضمان أساسي لعدم تكرار الجرائم، فإن الواقع الميداني في السودان يشير إلى قيام العدالة وسط سطوة القوة الغاشمة المطلوبة لأنصاف الضحايا. وما بين هذا القيام المنصف وذاك الطغيان، يبقى مستقبل السودان مرهونًا بإرادة حقيقية تضع الإنسان أولًا، وتعيد بناء الدولة على أسس من القانون والعدالة والكرامة.. لأجل استدامة السلام وترسيخ مبدأ العدالة.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 23 أبريل 2025 م