أحبك يا أمي..كيف ساعد جراح طفلة في استعادة صوتها المفقود؟
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لم تستخدم ديلايزا دياز صوتها حتى بلغت التاسعة من عمرها.
وخلال غالبية فترات حياتها، كانت تتواصل عن طريق اهتزاز البطانة الداخلية لخديها لتكوين الكلمات، الأمر الذي وصفته والدتها لوسيرو دياز بالصوت الحاد.
وقالت دياز، البالغة من العمر 34 عاماً وتعيش مع ابنتها في مدينة سايلم بولاية أوريغون الأمريكية: "يتطلب الأمر الانتباه بشكل وثيق للغاية لترى ما كانت تقوله".
ويستطيع فقط أفراد الأسرة فهم ما تعنيه ديلايزا جيدًا.
وقالت دياز: "كان لديها جهاز لوحي تتحدث من خلاله، لكنها لم تحب استخدامه لأنها تقول إن لديها صوتها الخاص الذي يمكنها استخدامه".
وتعاني ديلايزا من حالة نادرة تسبب مجموعة من العيوب الخلقية التي يمكن أن تؤثر على العمود الفقري، والمجرى الهوائي العلوي، والمريء. ويقدّر الأطباء أن هذه الحالة تحدث لدى واحد لكل 10 آلاف إلى 40 ألف مولود.
وكما هو الحال مع العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة، كان لدى ديلايزا اتصالا غير طبيعيا بين مجرى الهواء والمريء، يُعرف في الطب باسم النّاسور.
وأوضح طبيب الأنف والأذن والحنجرة لدى الأطفال في جامعة أوريغون للصحة والعلوم، الدكتور ديريك لام، وهو طبيب ديلايزا منذ 10 أعوام، أنها ولدت "بشكل أساسي بدون فتحة بالحنجرة الصوتية والجزء العلوي من قصبتها الهوائية أيضًا".
وشرح أنه في الأساس، كان هناك غضروف صلب في المكان الذي من المفترض أن تكون فيه فتحة القصبة الهوائية، مضيفًا أن "غالبية الأطفال الذين يولدون بهذه الحالة لا يبقون على قيد الحياة".
وفي اليوم الثاني فقط من حياتها، أجرى لام عملية جراحية لديلايزا لتثبيت مجرى الهواء لديها.
وقال لام: "لقد كانت حالتها غير مستقرة إلى حدٍ ما، إذ لبعض الوقت، توقف قلبها ورئتاها عن العمل بشكل شبه يومي، وكانت بحاجة إلى الإنعاش"، موضحًا: "لذلك لم أكن متأكداً من أنها ستنجو".
وفي نهاية المطاف، تمكن من إصلاح الاتصال غير الطبيعي، وتمكنت الطفلة أخيرًا من العودة إلى منزل عائلتها عندما كان عمرها 5 أشهر.
واستطاعت ديلايزا التنفس بمساعدة أنبوب موجود في حلقها، لكن الغضروف منع أيضًا أحبالها الصوتية من الاهتزاز والكلام، إذ لم يكن هناك فتحة من خلال أحبالها الصوتية.
وأشار لام إلى أنه "كان من الممكن أن تعيش حياتها بسهولة" بمساعدة أنبوب التنفس ولكن بدون صوت. ولكنه كان مصمماً على منحها خياراً أفضل، إذ كان يعلم أن الأشخاص الذين يفقدون صندوق الصوت الخاص بهم بسبب السرطان يمكنهم تعلم التحدث باستخدام المريء.
وأوضح أن الأمر أشبه بتوليد الصوت عن طريق التجشؤ المستمر. وهو ما يُسمى بخطاب المريء.
وقد كان بمثابة خيار غير جراحي لتجنب مخاطر الجراحة، لكنه لم يتمكن من العثور على أي شخص يعرف كيفية تعليم الكلام المريئي للأطفال.
وبدلاً من ذلك، قرروا إجراء عملية جراحية نادرة ومعقدة لإعادة بناء صندوق الصوت الخاص بديلايزا. وأكدّ لام أنه كان قرارًا صعبًا، بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر.
بالإضافة إلى إنتاج الكلام، تُعد الحبال الصوتية الحامي الرئيسي للممرات الهوائية أثناء البلع. وإذا لم تتم الجراحة بشكل صحيح، فقد ينتهي الأمر بتعريض مجرى الهواء للخطر، والتدخل في قدرتها على البلع. وهذا من شأنه أن يزيد من خطر وصول الطعام أو السوائل إلى رئتيها والتسبب في العدوى.
وقال لام إنه تحدث مع عائلة ديلايزا لسنوات حول ما إذا كان هذا هو القرار الصحيح وما هو التوقيت المناسب. وقد حددوا هدفًا للقيام بذلك قبل أن تبدأ ديلايزا المدرسة، لكنها كانت في حالة جيدة لدرجة أنهم قرروا في النهاية تأجيل العملية.
وقالت دياز إن ابنتها عانت حقًا عندما انتقلت إلى التعلم عن بعد خلال جائحة "كوفيد-19"، إذ تكره ديلايزا الجلوس ساكنة، وقد جعلت الفصول الافتراضية التواصل أكثر صعوبة بالنسبة لها.
وقد أجريت الجراحة أخيرًا في خريف عام 2022، قبل يوم ميلاد ديلايزا التاسع مباشرةً.
واستغرقت العملية حوالي ثماني ساعات، قام لام خلاها بإزالة الغضروف غير الطبيعي الموجود في الجزء العلوي من القصبة الهوائية لديه، وحفر ثقبًا بين أحبالها الصوتية لتتمكن من التحرك، واستخدم غضروفًا إضافيًا من أحد أضلاعها لبناء صندوق صوت جديد أكبر لها، وربطه بالجزء العلوي من القصبة الهوائية لديها.
كما قام أيضًا بإدخال أنبوب دائري يُسمى الدعامة لإبقاء صندوق الصوت الجديد مفتوحًا. وبقيت الدعامة في مكانها لمدة تسعة أشهر لضمان عدم تشكل أي ندبة وإغلاق حلقها.
وتعمل إحدى حبال ديليزا الصوتية الآن بشكل كاف، حيث يمكنها - لأول مرة - تعلم التحدث بشكل طبيعي.
وقال لام: "لديها حبل صوتي واحد يعمل بشكل جيد الآن وآخر لا يعمل، ولكن يبدو أنها قادرة على التعويض بدرجة كافية بالحبل الذي يعمل بشكل جيد، حيث لا يزال بإمكاننا تحقيق الأهداف التي نريدها".
وأشار لام إلى أن ديلايزا تخضع لإشراف معالجي الصوت لمدة شهرين قبل أن يعاينها مرة أخرى ويسمعها تتحدث للمرة الأولى.
وقال: "لقد كانت تلك لحظة رائعة حقًا، ومثيرة حقًا بالنسبة لي".
أما إحدى العبارات الأولى التي تعلمت ديلايزا قولها كانت: "أحبك يا أمي".
وتتذكر دياز أن طفلتها كانت تستخدم يديها لتقول "أنا أحبك". ولكن عندما قامت بنطقها، كان الأمر مثيرًا بالنسبة لها.
مع ذلك، صوت ديلايزا لا يزال منخفضًا وخشنًا.
ولا تزال والدتها تتفاجأ عندما تسمع صوتها في جميع أنحاء المنزل. وأضافت أن ابنتها تتمتع بصوت قوي "مثل صوت شخص كبير السن".
ويأمل لام أن يتحسن صوت ديلايزا مع الممارسة، قائلاً: "أعتقد أنها تستطيع التواصل بوضوح بشكل أفضل عندما تستخدم صوتها الجديد مقارنة بالطريقة التي كانت تتحدث بها من قبل".
وبفضل الجراحة، قد يتم إخراج الأنبوب البلاستيكي، الذي يساعدها على التنفس، من حلقها في يوم من الأيام.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: صحة الأطفال
إقرأ أيضاً:
عطش غزة.. كارثة مائية تُفاقم جراح الحرب وتُهدد الحياة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعيش غزة اليوم مأساة مركبة من العطش والجوع والانهيار الكامل للبنية التحتية، في ظل حصار إسرائيلي خانق وعدوان متواصل منذ السابع من أكتوبر 2023. ومع اقتراب صيف قائظ، تتفاقم أزمة المياه، لتُضاف إلى معاناة إنسانية غير مسبوقة يعيشها سكان القطاع والنازحون، الذين يتكبدون يوميًا مشاق الحصول على مياه الشرب والاستخدام اليومي.
تعود جذور الأزمة إلى سياسة التجويع والتعطيش المتعمدة من قبل الاحتلال، الذي دمر أكثر من 85% من البنية التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي، وأغلق المعابر ومنع دخول الوقود والمعدات، مما عطّل تشغيل الآبار ومحطات التحلية. أكثر من 330,000 متر من شبكات المياه و719 بئرًا خرجت عن الخدمة، ما أدى إلى انعدام شبه كامل للمياه الصالحة للاستهلاك.
معاناة يومية
يروي المواطنون معاناتهم اليومية، فالمياه باتت تُشترى بأسعار باهظة، تنقل في دلاء لمسافات طويلة، وغالبًا تكون غير صالحة للشرب بسبب تلوثها واختلاطها بالصرف الصحي. النساء، والأطفال، والمرضى يعانون من نقص النظافة والمخاوف الصحية كأمراض الكلى والجلد. أما من ينجح بالحصول على الماء، فغالبًا ما يكون ذلك عبر شاحنات خيرية محدودة أو عربات تجرها الحيوانات.
صحفيون وناشطون يؤكدون أن الحصول على كوب ماء أصبح يتطلب الحجز المسبق والدفع بالشيكل في ظل ارتفاع كبير في أسعار "الكاش" وشبه انعدام للسيولة، مما يُحوّل أبسط مقومات الحياة إلى معاناة يومية.
تراكم النفايات
التحذيرات تتوالى من الجهات المحلية، وعلى رأسها اتحاد بلديات غزة، من كارثة بيئية وصحية وشيكة قد تنجم عن اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، مع تراكم النفايات وتعطل شبكات المعالجة. ويطالب الاتحاد بضغط دولي عاجل لإعادة تأهيل البنية التحتية قبل تفشي الأوبئة بشكل واسع.
أزمة المياه في غزة لم تعد مجرد مشكلة خدماتية، بل تحولت إلى أداة قهر جماعي تُستخدم ضد المدنيين. إن استمرار تدمير المصادر الحيوية للمياه وتجاهل احتياجات السكان يُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويُنذر بكارثة صحية وبيئية ستدفع المنطقة والعالم ثمنها ما لم يُتخذ إجراء فوري لرفع الحصار وإعادة إعمار القطاع.