9 ديسمبر 2020

(ما أاسمع واحد (سوى أنصاري مسمى) يقول يا حليل الإمام الصادق كان حكيماً في مقاس زمننا المروع)

كان مما يمزق نياط قلبي وأنا أشاهد برامج الجريمة على التلفزيون الأمريكي قول أم القتيلة التي مَثّل القاتل بجثتها: "لا بد أن فرائصها ارتعدت فزعاً". وتقطر الدموع من عيونها. وتمزقت نياط قلبي وأنا أقرأ للإمام الصادق المهدي في مقالة الوداع: "من أدهش ما منيت به مقولة: الصادق أعجوبة! وأنه لا يمرض".

ولا أقول إن فرائصه ارتعدت فزعاً، حاشاه، ولكنه أطلعنا على جراح ارعابنا الطويل الشقي له وهو في براثن مرض ظننا أن لن يطاله.

تواقحنا الفظ مع الإمام بينة دامغة على عيبنا المشين مع الديمقراطية. وكان يعرف عنا ذلك. فقال عن المتواقحين معه إنهم جماعة "مودرليها سلطة". وهم البرجوازية الصغيرة المتعلمة في مصطلحي الماركسي. ووصفتها مرة بأنها في حالة "حسد انتخابي" مزمن من الإمام الذي هو في غزارة من الخلق بينما هي فئة قليلة لا تَغلِب. فهي تطلب الديمقراطية بصدق وبتضحيات ببينة أنها الطبقة التي تملك سر إدارة الدولة الحديثة. ولكن ما جاءت الديمقراطية حتى رأت ضآلة كسبها البرلماني وغلبة الطبقة الإرثية من رجال صوفية وزعماء عشائر. فتسقم ويركبها شيطان الانقلاب على الحكومة المنتخبة التي قل ألا يكون الإمام من وجوهها من فوق بسطة من الجماهيرية.

لم تطلب هذه الفئة فتحاً جماهيرياً بعمل سياسي متصل سوى على أيام مؤتمر الخريجين الباكرة أو في بدايات الحركة الشيوعية والإخوان المسلمين. ثم كف مؤتمر الخريجين عن موالاة ذلك الفتح الجماهيري، وتزاوج مع أحزاب الجمهرة التقليدية أو الطائفية. مرة يأمن لها الخريجون ومرة تركبهم حِمية "مقتل القداسة عند أعتاب السياسة" (الوطني الاتحادي من غير الختمية). أما الشيوعيون والإخوان فأجهضوا فتحهم الجماهيري بالانقلاب اليساري تارة واليميني تارة. ومتى اعتلوا دبابته استبدت بهما السلطة فبشعوا بأحزاب الكثرة بالحل والمصادرة بنشاف وجه مرموق. واستعاضوا عن بناء الحزب الجماهيري، الذي بوسعه وحده أن يُثبت مواطنتهم في النظام الديمقراطي، بأحزاب في مقاس المصالح الحكومية تنقضي بانقضاء حكمهم وتتبخر. وتنهض البرجوازية الصغيرة من جديد لاستعادة الديمقراطية وعشمها أن مر السنين تحت ديكتاتورياتها هي نفسها لابد أكسب الناس وعياً يعتزلون به تلك الأحزاب في دورة ديمقراطية جديدة. ولم تصدق حساباتهم لأنها لم تُسبق بعمل سياسي جماهيري يتولد عنه هذا الوعي المنتظر.

وانتهت أحزاب البرجوازية الصغيرة المدينية إلى محاق كما نرى. واعتزلها من أراد التعويض عنها بحمل الأحزاب التقليدية على إصلاح نفسها ب"المؤسسية" ويعنون بها طلاق الحزب من الجماعة الدينية واستبعاد بيت الزعامة الدينية من قيادته. فانطبق عليها سياسياً قولنا "الكديسة أم خيط". وتقال العبارة في الذي بلا دار يتغشى الأبواب. فظلوا طوال عهد الإنقاذ يدعون من غير تفويض وببجاحة أحزاب الغزارة مثل حزب الأمة أن يتحولوا إلى المؤسسية كما مر. وهذه عودة ركيكة لخطة الجيل الأول من البرجوازية الصغيرة. جاء ذلك الجيل لمثل حزب الأمة يطلب الوجاهة في غزارته بغير شروط. أما جيل الكديسة أم خيط فيريد نفس الوجاهة بشروطه يتطفل بها على تكوين تاريخي. وأشفقني دائماً إرخاء الإمام أذنه لدعوتهم الباطلة فيقلل مثلاً من دور الإرث في منازل بناته وأولاده في الحزب. أما السيد محمد عثمان فكلما قالوا "المؤسسية" رد عليهم ب"المرجعية" فشتت شملهم. عاش أبو هاشم.

والإمام شهيد للديمقراطية بوجوه عديدة. فمن سَقط قول من عاشوا فترة رئاسته للوزارة إنه كثير الكلام قليل الفعل: أبو الكلام أزاد. ويفوت عليهم أنهم يحاكمون حاكماً في وضع ديمقراطي بما تعودوه من الديكتاتوريين صاعقة النجم الذين ركبوهم طويلاً. ومنهم من كان يعدمهم الشهادة والنضم، ويفصل الواحد منهم بنشرة الثالثة بالراديو، بل ويلحقه بيده. فالديمقراطية لمن صح اعتقاده فيها كلام في كلام لأن المسؤول فيها تلجمه تحالفات سياسية وبرلمان وقضاء وشارع لا ينضب.

لم يرد الإمام أن يغادرنا إلى دار خير من دارنا بغير أن يطلعنا على أقحوان جراحه من فرط كزازتنا نحسده على صحة الجسد العابد التقي. لقد أمضه بصمت "شوك القول" كما قال الشاعر أسامة تاج السر في رثائه.

 

 

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

المهدي سليمان: "مصطفى شوبير بمثابة أخي الصغير"

أكد المهدي سليمان، حارس مرمى الفريق الأول لكرة القدم بنادي الاتحاد السكندري، على أن مصطفى شوبير، لاعب الأهلي، بمثابة أخيه الصغير، وذلك بعد الأنباء التي ترددت حول توتر علاقة الثنائي خلال الفترة الأخيرة.


وشهدت مباراة الأهلي أمام الاتحاد السكندري تألق كبير للمهدي سليمان، مما جعل الفريق يحصد نقطة غالية.
وقال المهدي سليمان في لقاء تلفزيوني عبر قناة "أون تايم سبورتس": "الحمد لله على التعادل الذي كان بطعم المكسب، لعبنا في القاهرة ضد الأهلي، وهو فريق كبير، هذا التعادل يمنحنا الصدارة مع الأحمر، أداء اللاعبين كان مميزًا، والجميع كانوا على مستوى عالٍ من التركيز، وربنا كلل مجهودنا في الدقيقة الـ90 بهدف التعادل".
وتابع: "بالنسبة لما أثير عن وجود خلافات بسبب مشاركة مصطفى شوبير، فهو بمثابة أخي الصغير، كنت سعيدًا له بعد أول مشاركة مع المنتخب، وكنت أول من دعمه وهو يعلم ذلك جيدًا؛ قبل مباراة اليوم جلسنا معًا وتحدثنا كثيرًا، قبل أن يلعب مع الأهلي كنت دائمًا أسانده وأطلب منه الصبر، وأخبره أن الفرصة ستأتي له، كل ما قيل عن وجود خلافات بيننا لا أساس له من الصحة".

الجدير بالذكر أن التعادل الإيجابي بهدف لمثله، حسم مواجهة الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي أمام نظيره الاتحاد السكندري، ضمن منافسات الدوري المصري الممتاز للموسم الحالي 2024/202

مقالات مشابهة

  • أبراج تمتلك مهارة «الكلام الحلو».. «بيعرفوا يكسبوا اللي قدامهم»
  • “السمكة الصغيرة التهمت الكبيرة”.. صحيفة إسبانية تعلّق على خسارة النصر أمام القادسية
  • 9 معلومات عن كهف الديدان المضيئة في نيوزيلندا.. أعجوبة جيولوجية
  • المهدي سليمان: "مصطفى شوبير بمثابة أخي الصغير"
  • عرض رابع لفيلم "أبو زعبل" نظرا للإقبال الجماهيري
  • شاهد بالصورة والفيديو.. “شايقية” حسناء تشعل مواقع التواصل بالغزل في قبيلتها (شوايقة والبلد رايقة) وساخرون: (دا الكلام البجنن البعاتي)
  • الجبال الطائرة في الصين.. أعجوبة طبيعية ألهمت أشهر أفلام هوليوود
  • عفريت الماء.. أعجوبة الخلق الذي يملك ما يحلم به البشر
  • الأمام الصادق المهدي: فالعنقاء أكبر أن تصادا
  • «موارد الشارقة» تناقش الثقافة المؤسسية الوظيفية