شوك الكلام: “أدهش ما منيت به مقولة: الصادق المهدي أعجوبة وأنه لا يمرض”
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
9 ديسمبر 2020
(ما أاسمع واحد (سوى أنصاري مسمى) يقول يا حليل الإمام الصادق كان حكيماً في مقاس زمننا المروع)
كان مما يمزق نياط قلبي وأنا أشاهد برامج الجريمة على التلفزيون الأمريكي قول أم القتيلة التي مَثّل القاتل بجثتها: "لا بد أن فرائصها ارتعدت فزعاً". وتقطر الدموع من عيونها. وتمزقت نياط قلبي وأنا أقرأ للإمام الصادق المهدي في مقالة الوداع: "من أدهش ما منيت به مقولة: الصادق أعجوبة! وأنه لا يمرض".
تواقحنا الفظ مع الإمام بينة دامغة على عيبنا المشين مع الديمقراطية. وكان يعرف عنا ذلك. فقال عن المتواقحين معه إنهم جماعة "مودرليها سلطة". وهم البرجوازية الصغيرة المتعلمة في مصطلحي الماركسي. ووصفتها مرة بأنها في حالة "حسد انتخابي" مزمن من الإمام الذي هو في غزارة من الخلق بينما هي فئة قليلة لا تَغلِب. فهي تطلب الديمقراطية بصدق وبتضحيات ببينة أنها الطبقة التي تملك سر إدارة الدولة الحديثة. ولكن ما جاءت الديمقراطية حتى رأت ضآلة كسبها البرلماني وغلبة الطبقة الإرثية من رجال صوفية وزعماء عشائر. فتسقم ويركبها شيطان الانقلاب على الحكومة المنتخبة التي قل ألا يكون الإمام من وجوهها من فوق بسطة من الجماهيرية.
لم تطلب هذه الفئة فتحاً جماهيرياً بعمل سياسي متصل سوى على أيام مؤتمر الخريجين الباكرة أو في بدايات الحركة الشيوعية والإخوان المسلمين. ثم كف مؤتمر الخريجين عن موالاة ذلك الفتح الجماهيري، وتزاوج مع أحزاب الجمهرة التقليدية أو الطائفية. مرة يأمن لها الخريجون ومرة تركبهم حِمية "مقتل القداسة عند أعتاب السياسة" (الوطني الاتحادي من غير الختمية). أما الشيوعيون والإخوان فأجهضوا فتحهم الجماهيري بالانقلاب اليساري تارة واليميني تارة. ومتى اعتلوا دبابته استبدت بهما السلطة فبشعوا بأحزاب الكثرة بالحل والمصادرة بنشاف وجه مرموق. واستعاضوا عن بناء الحزب الجماهيري، الذي بوسعه وحده أن يُثبت مواطنتهم في النظام الديمقراطي، بأحزاب في مقاس المصالح الحكومية تنقضي بانقضاء حكمهم وتتبخر. وتنهض البرجوازية الصغيرة من جديد لاستعادة الديمقراطية وعشمها أن مر السنين تحت ديكتاتورياتها هي نفسها لابد أكسب الناس وعياً يعتزلون به تلك الأحزاب في دورة ديمقراطية جديدة. ولم تصدق حساباتهم لأنها لم تُسبق بعمل سياسي جماهيري يتولد عنه هذا الوعي المنتظر.
وانتهت أحزاب البرجوازية الصغيرة المدينية إلى محاق كما نرى. واعتزلها من أراد التعويض عنها بحمل الأحزاب التقليدية على إصلاح نفسها ب"المؤسسية" ويعنون بها طلاق الحزب من الجماعة الدينية واستبعاد بيت الزعامة الدينية من قيادته. فانطبق عليها سياسياً قولنا "الكديسة أم خيط". وتقال العبارة في الذي بلا دار يتغشى الأبواب. فظلوا طوال عهد الإنقاذ يدعون من غير تفويض وببجاحة أحزاب الغزارة مثل حزب الأمة أن يتحولوا إلى المؤسسية كما مر. وهذه عودة ركيكة لخطة الجيل الأول من البرجوازية الصغيرة. جاء ذلك الجيل لمثل حزب الأمة يطلب الوجاهة في غزارته بغير شروط. أما جيل الكديسة أم خيط فيريد نفس الوجاهة بشروطه يتطفل بها على تكوين تاريخي. وأشفقني دائماً إرخاء الإمام أذنه لدعوتهم الباطلة فيقلل مثلاً من دور الإرث في منازل بناته وأولاده في الحزب. أما السيد محمد عثمان فكلما قالوا "المؤسسية" رد عليهم ب"المرجعية" فشتت شملهم. عاش أبو هاشم.
والإمام شهيد للديمقراطية بوجوه عديدة. فمن سَقط قول من عاشوا فترة رئاسته للوزارة إنه كثير الكلام قليل الفعل: أبو الكلام أزاد. ويفوت عليهم أنهم يحاكمون حاكماً في وضع ديمقراطي بما تعودوه من الديكتاتوريين صاعقة النجم الذين ركبوهم طويلاً. ومنهم من كان يعدمهم الشهادة والنضم، ويفصل الواحد منهم بنشرة الثالثة بالراديو، بل ويلحقه بيده. فالديمقراطية لمن صح اعتقاده فيها كلام في كلام لأن المسؤول فيها تلجمه تحالفات سياسية وبرلمان وقضاء وشارع لا ينضب.
لم يرد الإمام أن يغادرنا إلى دار خير من دارنا بغير أن يطلعنا على أقحوان جراحه من فرط كزازتنا نحسده على صحة الجسد العابد التقي. لقد أمضه بصمت "شوك القول" كما قال الشاعر أسامة تاج السر في رثائه.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء يشهد توقيع بروتوكول لدعم القدرة المؤسسية لمركز تنمية الطفولة المبكرة
شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، مراسم توقيع بروتوكول تعاون بين صندوق تطوير التعليم، التابع لمجلس الوزراء، والمجلس العربي للطفولة والتنمية، بهدف دعم القدرة المؤسسية لمركز تنمية الطفولة المبكرة بالمدينة التعليمية بمدينة السادس من أكتوبر ليكون بمثابة مركز رئيسي لدعم قدرات عددٍ من روضات الأطفال الواقعة في نطاقه.
وذلك بحضور محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، و الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند"، ورئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية، والدكتور ناصر القحطاني، المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند".
ووقّع بروتوكول التعاون كلٌ من الدكتورة رشا شرف، أمين عام "صندوق تطوير التعليم"، والدكتور حسن البيلاوي، أمين عام المجلس العربي للطفولة والتنمية.
وقال رئيس الوزراء إن الحكومة تُولي أهمية قُصوى لإتاحة تعليمٍ على درجةٍ عاليةٍ من الجودة في جميع المراحل التعليمية بدءًا من مرحلة رياض الأطفال، التي تُعد مرحلةً مُهمةً للغاية حيث يتشكل فيها وعي الطفل وشخصيته، لذا ينبغي تأهيل الأطفال في هذه السن وإعدادهم لمرحلة التعليم الأساسي بشكل أكثر كفاءة واحترافية .
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي، في هذا الصدد، إلى مشروع "روضات جيل ألفا" الذي يتبناه "صندوق تطوير التعليم" التابع لمجلس الوزراء، قائلًا إن هذا المشروع يستهدف بناء قدرات النشء وتأهيلهم لمرحلة التعليم الأساسي، وذلك تنفيذًا لرؤية القيادة السياسية نحو بناء مجتمع متقدم ومتكامل يبدأ من الاهتمام بالنشء.
وعلى هامش التوقيع، قالت الدكتورة رشا شرف، أمين عام "صندوق تطوير التعليم"، إن بروتوكول التعاون، الذي يُمثل تعاونًا مصريًا عربيًا، يأتي لدعم مشروع "روضات جيل ألفا"، ويهدف إلى تطوير منظومة الطفولة المبكرة وإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع المهم.
وذلك من خلال دعم القدرة المؤسسية لمركز تنمية الطفولة المبكرة بالمدينة التعليمية بمدينة السادس من أكتوبر، واستحداث نموذج متميز لمراكز التنمية المهنية لرياض الأطفال (M-PDPS)، بحيث يكون مؤهلا لتقديم خدمة التنمية المهنية المستمرة له ولمجموعة من روضات الأطفال المرتبطة به في نفس النطاق الجغرافي Cluster of School.
إضافة إلى العمل وفق مدخل متكامل يشمل تنمية الاستعداد المدرسي والتفكير الناقد والإبداع ومهارات الحياة لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة.
وأضافت "شرف" أن هذا المشروع الطموح لإطلاق "روضات جيل الفا" يعكس التزام الدولة بتطوير منظومة الطفولة المبكرة في مصر، وفقًا لأفضل المعايير التربوية، ويُسهم في تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية لدعم هذا القطاع، بما يساعد في تحقيق التنمية المستدامة وإعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، حيث سيعمل المشروع على توفير بيئة تعليمية متكاملة تواكب أحدث المعايير العالمية، وتساهم في بناء أجيال قادرة على مواكبة تحديات المستقبل.
بدوره، قال الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند"، ورئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية: يتعين بناء أجيال عربية تنشأ في بيئة صحية تربويًا ونفسيًا وتعليميًا، تُمكنهم من مواجهة تحديات المستقبل، ويكونوا لَبِنات صالحة في مجتمعاتهم، في ظل التحديات العالمية المتسارعة؛ لذا من الضروري أن نبدأ من الطفولة المبكرة ليكون لدينا مجتمع أكثر قوة وترابطًا مستقبلًا.
وأشار رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية إلى أن هذا التعاون يأتي إدراكًا لضرورة العمل على تنمية الطفولة المبكرة؛ باعتبارها استثمارًا حقيقيًا للمستقبل، ولتحقيق التنمية المُستدامة، مُبديًا سعادته بالعمل للارتقاء بمركز تنمية الطفولة المبكرة بالمدينة التعليمية ليكون مركزًا متميزًا إقليميًا وعالميًا، حتى يتمكن من مواصلة دوره الإيجابي منذ تأسيسه عام 2003 بمبادرة من الأمير طلال بن عبد العزيز ــ يرحمه الله ــ الرئيس المؤسس لبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند".
وفي غضون ذلك، توجّه الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، بالشكر لمصر قيادةً وحكومةً لحرصهما الشديد على تعزيز التعاون مع المؤسسات التنموية لتسهم في الحراك التنموي الإنساني المتسارع في مصر، مشددًا على أن "أجفند" ومؤسساتها ستواصل للعقد الرابع على التوالي دعم الجهود المشتركة للارتقاء بالمجتمع العربي.