قلصت اعتمادها الخارجي.. هل تحقق تركيا استقلالية الطاقة؟
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
إسطنبول – واجهت تركيا تزايدا في الطلب على الطاقة منذ بداية الألفية الثانية كنتيجة طبيعية لتصاعد وتيرة التصنيع والاقتصاد النامي والارتفاع الملحوظ في عدد السكان. فبعد أن كان الطلب على الطاقة 51.4 مليون طن من مكافئ النفط في 2002، وصل إلى 117.5 مليونا في عام 2012 حتى بلغ 147 مليونا في عام 2021.
لعبت محدودية الطاقة المنتجة من الموارد المحلية دورا بالغا في تشكيل ضغط كبير على الميزان التجاري للدولة، حيث ارتفع الاعتماد على موارد الطاقة المستوردة مثل النفط والغار الطبيعي، ليبلغ متوسط الإنفاق السنوي على استيراد الطاقة 54.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، خلال مشاركته بمؤتمر حول الطاقة بجامعة "صبنجة" في مدينة إسطنبول التركية الأسبوع الماضي، إن تركيا تخطط للاكتفاء الذاتي في الطاقة خلال 30 عاما، لافتا إلى أن اعتماد بلاده على الخارج في مجال الطاقة انخفض إلى 67.8% عام 2022 مما يجعل واردات تركيا من الطاقة تقدر بـ 95 مليار دولار.
كما نوه إلى أن مشكلة تركيا الرئيسية في جميع قضايا الاقتصاد الكلي هي اعتمادها على الطاقة الأجنبية وواردات الطاقة بنسبة تتجاوز 70% في أغلب السنوات الماضية.
وبينما كانت نسبة اعتماد تركيا على الخارج في مجال الطاقة تبلغ 74% خلال 2021، فقد شهدت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 2023 انخفاضا بنسبة 26.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبالتوازي مع ذلك، تشير التقديرات إلى أن واردات الطاقة ستنخفض بنسبة 26.4% مع نهاية العام لتصل إلى 71 مليار دولار، ومن المتوقع أن تسجل تلك الواردات 77.3 مليار دولار في 2024، و76.3 مليار دولار في 2025.
وأعلنت تركيا عن خطتها الوطنية التي أعدتها وزارة الطاقة والموارد الطبيعية، المرتبطة برؤية "قرن تركيا" التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أواخر 2022، بهدف إنقاذ الدولة من الاعتماد على الخارج في الأعوام الـ30 القادمة وتحويلها إلى بلد خالٍ من الانبعاثات، ومستقل بشكل كامل في مجال الطاقة.
وفي هذا الصدد، تستعد تركيا الشهر المقبل، إلى الإعلان عن خطة العمل الوطنية لكفاءة الطاقة التي تغطي الأعوام 2024-2030، والتي ستعمل فيها تركيا على خفض انبعاثات الكربون بمقدار 100 مليون طن.
وتسعى تركيا إلى التحويل تدريجيا إلى مصادر الطاقة الخضراء والمتجددة، لا سيما أنها تحتل المرتبة 12 في العالم، والمرتبة الخامسة أوروبيا من حيث "القدرة المركبة" على إنتاج الطاقة المتجددة، تماشيا مع خطة الطاقة الوطنية التركية التي تهدف إلى تشغيل ما مجموعه 96.6 غيغاوات من الطاقة الكهربائية في البلاد في الفترة الممتدة بين 2020 و2035 عن طريق الهيدروجين الأخضر.
بيرقدار أكد سعي بلاده لتخفيض اعتمادها على الطاقة من الخارج (الأناضول) التنقيب واكتشافات نفطيةيشار إلى أنه في عام 2017، أعلن عن أن السياسة الوطنية للطاقة والتعدين التركية، تضمنت زيادة استخدام موارد الطاقة المحلية والوطنية، وسن تشريعات من شأنها زيادة معدل الاستفادة من الموارد المحلية والوطنية حتى تصفير نسبة الاعتماد الخارجي على الطاقة بحلول العام 2030، بحسب ما أكده رئيس مجلس الإدارة لمؤسسة النفط التركية مليح خان بلغين.
وتماشيا مع ذلك الهدف، قررت تركيا بناء أسطول ضخم من سفن المسح والتنقيب تقوده طواقم محلية خبيرة ومؤهلة للبحث عن موارد الطاقة الطبيعية تحت مياه البحر الذي يحيط بتركيا من 3 جهات.
ليضم الأسطول التركي للتنقيب العديد من السفن المخصصة والمجهزة للتنقيب بشكل احترافي ودقيق، ومن بينها سفينة "عبد الحميد خان" التي تعتبر أكبر سفينة تنقيب عن النفط والغاز في المتوسط، بجانب سفن التنقيب يافوز والفاتح والقانوني.
ومع استمرار عمليات التنقيب، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ديسمبر/كانون الأول 2022، أن سفينة التنقيب "الفاتح"، اكتشفت أكبر حقل للغاز الطبيعي في تاريخ البلاد بالبحر الأسود، في بئر "تونا-1″، ضمن حقل غاز صقاريا قبالة مدينة زونغولداغ، لتصل احتياطيات تركيا من الغاز الطبيعي المكتشف في البحر الأسود إلى 710 مليارات متر مكعب.
ومن الجدير بالذكر أن 7% من حقول الطاقة التي عثر فيها في تركيا كانت احتياطاتها أكبر من 25 مليون برميل، وأن 93% منها كانت احتياطاتها أقل من 25 مليون برميل، في حين ذكرت مصادر رسمية أن حجم احتياطيات حقل "صقاريا" للغاز الطبيعي في البحر الأسود، قد يتجاوز مستقبلاً 320 مليار متر مكعب.
رئيس جمعية منصة النفط والغاز الطبيعي التركية، مصطفى قلاي، قال إن اكتشاف حقول للغاز الطبيعي في منطقة البحر الأسود بتركيا، يدل في الواقع على وجود موارد هيدروكربونية أخرى في المنطقة، مؤكدا الأهمية البالغة التي توليها الدولة لقطاع التنقيب والإنتاج المحلي بهدف خلق قيمة اقتصادية كبيرة في البلاد.
عامل تركي يفحص صمامات تروس الأنابيب المرتبطة بخزانات النفط على البحر المتوسط (رويترز) توطين الطاقةالباحثة في الشأن التركي بشرى أوزدمير، نوهت في حديثها للجزيرة نت، إلى إصرار الحكومة التركية على تحقيق استقلالية الطاقة والتخلص من التبعية للدول المصدرة للنفط، لا سيما بعد الآثار التي لحقت بها نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية.
ولفتت إلى أن نتائج انخفاض الاعتماد الخارجي لتركيا على الطاقة، لن تقتصر على انخفاض الطلب على الطاقة مما سيحسن اقتصاد الدولة، بل ستكون لديها أيضًا ميزة تفاوضية قوية فيما يتعلق بتسعير عقودها المستمرة، إذ بدأت تركيا بالتحول من دولة تعتمد بشكل كبير على استيراد ما يقرب من 99% من استهلاكها من الغاز الطبيعي إلى دولة قادرة على تلبية احتياجاتها الطاقية الخاصة بفضل الاكتشافات البحرية الكبيرة التي تم القيام بها مؤخرًا.
وهذا سيخلق وضعاً مناسباً في مفاوضاتها مع دول مثل روسيا وإيران وأذربيجان، التي تشتري منها غاز خطوط الأنابيب بعقود طويلة الأجل، وكذلك الجزائر ونيجيريا ومصر، التي تستورد منها الغاز الطبيعي المسال.
كما ذكرت أوزدمير أن طموحات تركيا لا تقف عند تلبية احتياجاتها الذاتية من الطاقة، بل تسعى لأن تكون إحدى الدول المصدرة لها مما يكسبها نفوذا سياسيا وإستراتيجيا أكبر في المنطقة، لا سيما أنها قد تكون الخيار الأفضل لدول أوروبا الشرقية والبلقان التي تبحث عن بديل لروسيا بعد حرب أوكرانيا.
وشهدت تركيا أعمالا واستثمارات كبيرة قام بها القطاعان العام والخاص في مجال الطاقة في السنوات الأخيرة، لكن منذ عام 2022، بلغ استهلاكها من الغاز الطبيعي ما يقرب من 53.5 مليار متر مكعب سنويا، في حين أنها تنتج ما يقرب من 380 مليون متر مكعب سنويا، وتؤكد الحكومة التركية أن الإنتاج سيبدأ بالارتفاع بشكل تدريجي ومنسجم خلال السنوات القادمة.
وعلى صعيد الكهرباء، زادت قدرة الكهرباء المركبة في تركيا بأكثر من 17 ألف ميغاوات في السنوات الخمس الماضية، لتصل إلى 104 آلاف و695 ميغاوات، وبحسب الوعود الانتخابية لـحزب العدالة والتنمية تهدف القدرة المركبة إلى تجاوز 135 ألف ميغاوات في 2028.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی مجال الطاقة الغاز الطبیعی البحر الأسود ملیار دولار على الطاقة متر مکعب إلى أن
إقرأ أيضاً:
أبوظبي تحقق تقدماً كبيراً في تنفيذ استراتيجيتها للتغير المناخي
أعلنت دائرة الطاقة وهيئة البيئة في أبوظبي، تحقيق تقدم كبير في تنفيذ استراتيجية التغير المناخي لإمارة أبوظبي، التي تهدف إلى مواجهة مخاطر التغير المناخي، ودعم الوصول إلى الحياد المناخي، ومخرجات "اتفاق الإمارات" التاريخي الصادر عن مؤتمر الأطراف (كوب 28)، وترسيخ الدور الريادي العالمي لدولة الإمارات في مجال الاستدامة، وضمان تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
وجاء الإعلان المشترك على هامش المشاركة في الدورة التاسعة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 29"، المنعقدة في باكو، أذربيجان، من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. ويمثِّل المؤتمر فرصة محورية لتسريع العمل من أجل معالجة أزمة المناخ، ويجمع قادة الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني لإيجاد حلول ملموسة لتغيُّر المناخ الذي ظهر في ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، وتأثير الظواهر الجوية في الإنسان عبر العالم.
تركز الاستراتيجية على تحقيق الريادة المناخية، عن طريق تحسين القدرة على التكيُّف مع التأثيرات المتوقَّعة مع الحفاظ على جذب الاستثمارات وخفض الانبعاثات الكربونية من القطاعات الرئيسية، والدفع نحو اقتصاد منخفض الكربون وتعزيز الابتكار.
وتعد الاستراتيجية الأولى من نوعها في المنطقة، وهي قائمة على خفض انبعاثات الإمارة، والتكيُّف مع آثار التغيُّر المناخي، من خلال حماية جميع القطاعات الأكثر تعرُّضاً لتداعيات تغيُّر المناخ، وتعادل كمية الخفض المستهدفة اختزان انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 500 مليون شجرة خلال 10 أعوام. وتشكل الاستراتيجية خطة إمارة أبوظبي للوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050، وتنفذ على فترة زمنية تمتد خمسة أعوام، وتشمل 77 مشروعاً استراتيجياً تنفذها 14 جهة حكومية وغير حكومية.
وتستند الاستراتيجية إلى ركيزتين رئيسيتين؛ هما التكيُّف مع تغيُّر المناخ، من خلال تعزيز مرونة القطاعات الرئيسية الأربعة التي تشمل الطاقة والصحة والبنية التحتية والبيئة، وتستند الركيزة الثانية إلى التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة عن طريق تقليل الانبعاثات في القطاعات الرئيسية، وتوسيع نطاق التقنيات المبتكرة في مجال التقاط الكربون وتخزينه.
وتتولى لجنة متابعة تنفيذ استراتيجية التغير المناخي لإمارة أبوظبي، التي تقودها دائرة الطاقة – أبوظبي، وتضم في عضويتها هيئة البيئة – أبوظبي، ودائرة البلديات والنقل، ودائرة التنمية الاقتصادية – أبوظبي، ودائرة الصحة – أبوظبي، وهيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، مسؤولية متابعة تنفيذ المشاريع الواردة في الاستراتيجية، واقتراح وتنفيذ مشاريع جديدة، ومواءمتها مع مبادرات استراتيجية أبوظبي الصناعية، وخطتي العاصمة والظفرة 2040، وغيرها من الخطط والاستراتيجيات طويلة الأمد، والتنسيق مع الشركاء الاستراتيجيين لتحديد خطة عمل بشأن التحديات والفرص المستقبلية، والإشراف على آلية تنفيذ المبادرات المشتركة، وجدوى الحدّ من الانبعاثات، ونظام التجارة، إضافةً إلى مبادرات أخرى.
ووفقاً للتقرير الصادر عن اللجنة، الذي يرصد الإنجازات التي تحققت في العام الأول من إطلاق الاستراتيجية منذ يوليو (تموز) 2023، يتوقع أن تنجح الإمارة في خفض نحو 26 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون حتى نهاية 2024، ويعد هذا إنجازاً مهماً نحو تحقيق الهدف النهائي للاستراتيجية المتمثل في خفض 22% من انبعاثات الإمارة بحلول عام 2027، مقارنةً بسنة الأساس 2016. وخلال عام 2024، أنجزت العديد من المشاريع، منها استكمال مشروع توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة النووية، الذي أدَّى إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة في الإمارة بقيمة 22 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وإنجاز مشروع محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية الذي أسهم في الحدِّ من الانبعاثات بقيمة 2.4 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وتطوير الإطار التنظيمي الذي يُعَدُّ أحد البرامج التحويلية الستة لاستراتيجية أبوظبي الصناعية، إضافةً إلى تطوير قرار للإبلاغ عن البيانات البيئية، الذي يُسهم في تطوير برنامج القياس والإبلاغ والتحقُّق وِفقَ متطلبات اتفاق باريس.
وتنفذ متابعة التغير في انبعاثات غازات الدفيئة من خلال الجرد الذي تنفّذه هيئة البيئة – أبوظبي لتحديد كميات وأماكن تلك الانبعاثات باستخدام أفضل برامج الجرد المعتمدة، حيث أكملت الهيئة الجرد الخامس للانبعاثات لإمارة أبوظبي.
ومن ناحية خطط التكيف مع آثار التغير المناخي في القطاعات الأكثر هشاشة مثل الطاقة والبيئة والبنية التحتية والصحة، فقد بلغ التقدم حتى تاريخ إصدار التقرير نحو 30%، في إطار السعي لتحقيق الهدف المتمثل في وضع خطط تكيف كاملة لجميع القطاعات الرئيسية بنسبة 100% بحلول عام 2027.
دائرة الطاقة – أبوظبي وهيئة البيئة – أبوظبي تعلنان أبرز نتائج تنفيذ استراتيجية التغيُّر المناخي لإمارة #أبوظبي، التي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 22% بحلول 2027. الإعلان جاء خلال المشاركة في مؤتمر الأطراف (كوب 29)، المنعقد في باكو، أذربيجان، حتى 22 نوفمبر 2024. pic.twitter.com/OM8JmKuUVn
— مكتب أبوظبي الإعلامي (@ADMediaOffice) November 22, 2024 المشاريع المنجزةورصد التقرير سير العمل بـمشاريع الاستراتيجية التي تضم 77 مشروعاً وتدعم أربعة محاور رئيسية تشمل التكيُّف والتخفيف والتنوُّع الاقتصادي ومواضيع متقاطعة، حيث بلغت نسبة المشاريع المُنجَزة 26% من إجمالي المشاريع المُخطَّط لها خلال فترة الاستراتيجية. وتضمُّ هذه المشاريع 20 مشروعاً رئيسياً مُنجزاً، من بينها دراسة جدوى للحدِّ من انبعاثات الكربون وتداولها، وتطوير محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية.
وتضم هذه المشاريع 43 مشروعاً قيد التنفيذ، منها مشاريع رئيسية مثل نظام الإنذار لارتفاع درجات الحرارة، وخفض البصمة الكربونية لقطاع النفط والغاز، والحماية الخضراء من العواصف الطبيعية، وحكومة خضراء لدعم الاقتصاد الأخضر المحلي، وإعادة النظر في المخططات العمرانية، والانتقال إلى منظومة النقل الذكي قليل الكربون. إضافةً إلى ذلك، يوجد 14 مشروعاً قيد الإعداد للبدء بتنفيذها، وتشمل إنشاء مراكز إيواء لمواجهة الكوارث الطبيعية، وتحصين البنية التحتية القائمة، وتطوير تقنيات خفض انبعاثات الكربون.