كيف يتعيّن الرد على إشارات بوتين حول التفاوض؟
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
بعد تقرير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرسل بهدوء إشارات إلى انفتاحه على وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، ارتفعت أصوات تنادي بعدم تفويت هذه الفرصة.
منع روسيا من تحقيق أهدافها والتحول إلى إعادة إعمار أوكرانيا وتحديثها سيمثل تحية دائمة للأوكرانيين
كتب عضو هيئة التحرير في "نيويورك تايمز" سيرج شميمان أن ثمة محاذير كثيرة لهذه الخطوة، منها أن الهدنة ستترك لبوتين السيطرة على نحو خُمس الأراض الأوكرانية، وأن الرئيس الروسي غير جدير بالثقة، وقد يستخدم المفاوضات المطولة لتعزيز قواته من أجل اندفاعة متجددة، أو لتهدئة المشرعين الغربيين، ودفعهم إلى قطع المساعدات عن أوكرانيا.
وربما يماطل على أمل أن يعود دونالد ترامب، خياره المفضل للرئاسة، إلى البيت الأبيض ويقطع المساعدات عن أوكرانيا.
مع ذلك، إذا تبين أن بوتين جاد، فينبغي على أوكرانيا ألا تفوت فرصة إنهاء إراقة الدماء. فالأراضي المستردة ليست المقياس الوحيد للانتصار في هذه الحرب. تكهن قاتم
يُظهر فحص الواقع المؤلم أن الجبهة الأوكرانية الروسية التي يبلغ طولها 600 ميل في حالة تجمد مجازي وحرفي، مما يستنزف الموارد والأرواح الأوكرانية بدون الكثير من احتمالات التغيير في المستقبل المنظور. لقد تسبب الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره خلال الأشهر الستة الماضية بكلفة باهظة من حيث الخسائر البشرية والعتاد، لكنه بالكاد حرك الخطوط الأمامية. وقال القائد العسكري الأعلى في أوكرانيا إن القتال وصل إلى "طريق مسدود"، وهي فكرة اعتبرت من المحرمات منذ وقت ليس ببعيد، ولن يتمكن من كسرها سوى اختراق تكنولوجي غير متوقع من جانب أو آخر. ومع اقتراب السنة من نهايتها، قام مشرعون في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل منفصل بتعليق حزم المساعدات التي تحتاج إليها أوكرانيا بشدة، وليس هناك من يقين بشأن أدائهم في السنة الجديدة.
“Ukraine doesn’t need all its territory to defeat Putin”
This is called redefining success, David. pic.twitter.com/SOOtb6px9V
يضيف الكاتب أنه لا يزال من الممكن أن يتخذ الصراع منحى غير متوقع، كما حدث من قبل. ولكن الاحتمال في هذه المرحلة يتلخص في اندلاع حرب استنزاف طويلة، من شأنها أن تلحق المزيد من الضرر بأوكرانيا، وأن تضحي بالمزيد من الأرواح وتنشر عدم الاستقرار في أوروبا. يقول مايكل كيماج، مؤلف كتاب "صدامات"، وهو كتاب تاريخ جديد عن الحرب، إن الطريقة التي تسير بها الأمور ستؤدي إلى أن "تؤوي أوكرانيا في المستقبل المنظور أخطر خط صدع جيوسياسي في أوروبا". وهو يتوقع صراعاً لا نهاية له من شأنه أن يؤدي إلى تعميق عزلة روسيا عن الغرب وتكريس البوتينية وتأخير اندماج أوكرانيا في أوروبا.
هذا على الأقل هو التكهن القاتم إذا استمر تحديد النصر في الحرب على المستوى الإقليمي، وتحديداً هدف إخراج روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية التي احتلتها سنة 2014 وعلى مدى الأشهر الـ22 الماضية.
إن استعادة الأراضي هي الطريقة الخاطئة لتخيل النتيجة الفضلى وفق الكاتب. إن النصر الحقيقي لأوكرانيا يتلخص في النهوض من جحيم الحرب كدولة قوية ومستقلة ومزدهرة وآمنة وراسخة في الغرب. سيكون هذا بالضبط أكثر ما يخشاه بوتين من دولة مجاورة لها علاقات تاريخية عميقة مع روسيا.
من المفهوم أن أي حديث عن الهدنة هو أمر صعب بالنسبة إلى فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني الجريء الذي سعى بثبات إلى تقديم صورة للنجاحات الثابتة في ساحة المعركة بشكل يعزز المعنويات. وسيكون من المؤلم والصعب جداً على المستوى السياسي بالنسبة إليه أن يوقف القتال من دون معاقبة روسيا وأن يتركها تسيطر على جزء كبير من الأراضي الأوكرانية.
"Ukraine doesn't need all its territory to defeat Putin"
(no idea what level of cope that is)
The New York Times writes:
Taking back territory is the wrong way to imagine a better outcome. The real victory for Ukraine is to rise from the hell of war as a strong, independent,… pic.twitter.com/pHmulAqivY
لكن استكشاف الهدنة لا يعني الابتعاد عن الميدان وفق الكاتب. على العكس من ذلك، يجب أن يستمر القتال حتى عندما تبدأ المحادثات، للحفاظ على الضغوط العسكرية والاقتصادية على روسيا. وينبغي عدم السماح لهؤلاء الأشخاص الذين يقاومون استمرار المساعدات لأوكرانيا، سواء أكانوا بعض الجمهوريين في الكونغرس أو فيكتور أوربان في المجر، بالتخلي عن الأوكرانيين الآن. إذا كان بوتين يبحث جدياً عن وقف إطلاق النار فهو يفعل ذلك على افتراض أن البديل هو استمرار المذبحة لجنوده، وأنه لا يوجد شيء آخر يمكن تحقيقه من خلال التدمير أو العنف أو التهديد.
بدلاً من ذلك، اضطرت روسيا إلى الانسحاب بشكل فوضوي من كييف وانزلقت في حرب باهظة الكلفة مع أوكرانيا قوية ومدعومة بمليارات الدولارات من الأسلحة والأموال الأمريكية والأوروبية. لزم القوات الروسية بقيادة مرتزقة أكثر من عام وخسائر فادحة للسيطرة على مدينة واحدة، باخموت؛ ولا تزال مدينة رئيسية أخرى، وهي أفدييفكا، في أيدي الأوكرانيين بالرغم من موجة تلو الأخرى من الجنود.
تم إرسال آلاف مؤلفة من الجنود الروس إلى مذابحهم، وفر عدد لا يحصى من أفضل وألمع شباب روسيا من البلاد، سواء لتجنب الحرب أو السجن بسبب معارضتها. أدى سوء إدارة الحرب إلى تمرد قصير الأمد من قبل رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، والذي أعقبه مقتله في حادث تحطم طائرة من شبه المؤكد أن الكرملين خطط له.
ووضعت عقوبات قاسية حداً لجميع التعاملات التجارية مع الغرب تقريباً وأدت إلى تفاقم التضخم، بالرغم من أن بوتين وجد طرقاً لإثراء أصدقائه. وبينما حصل الاقتصاد الروسي على دفعة قصيرة المدى من تغذية الآلة العسكرية وسد الفجوات التي خلفتها العقوبات، فإن التوقعات على المدى الطويل قاتمة.
من نواحٍ عدة، حقق بوتين عكس ما كان يعتزم القيام به. لقد خرجت الأمة الأوكرانية التي استهزأ بوجودها أقوى بعد الصعوبات. وفي 14 ديسمبر (كانون الأول)، وافق الاتحاد الأوروبي رسمياً على فتح مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا، وهو التحول نحو الغرب الذي خاض بوتين الحرب من أجل عرقلته. كذلك، انضمت فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتقترب السويد من العضوية. هذه ليست عناصر انتصار.
ليست سبباً للآمال الكاذبة بعد زيارته الأخيرة لواشنطن، ينبغي على زيلينسكي ألا يتوهم أن الصنبور الأمريكي مفتوح، خصوصاً إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض. في مؤتمره الصحافي المشترك مع زيلينسكي، أعاد الرئيس بايدن الذي كان شعاره منذ فترة طويلة دعم أوكرانيا "طالما لزم الأمر"، صياغة التعهد كي يصبح "طالما أمكننا ذلك". وفي الاتحاد الأوروبي، قام أوربان بتقييد الموافقة على مبلغ 50 مليار يورو أخرى لأوكرانيا.
من المفهوم أن احتمال ضخ موارد لا نهاية لها في عملية عسكرية متعثرة سيثير مقاومة. وسيكون من الصعب على المشككين أن يشككوا في المساعدات الإضافية إذا كان هناك احتمال بإنهاء القتال والتحول نحو إعادة إعمار أوكرانيا.
وفق الكاتب، لن يكون من السهل تحقيق الهدنة أو مراقبتها. لكن المحادثات والكتابات حول النماذج المحتملة المختلفة كانت تنتشر بهدوء في الدوائر الحكومية ومراكز الأبحاث. وقد كتب مؤلفا التقرير الأحدث، صامويل شاراب من مؤسسة راند وجيريمي شابيرو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنه مهما كانت احتمالات السلام قاتمة، فإن الحرب "ستنتهي على الأرجح عبر نوع من المفاوضات".
واقترحا أن تركز المرحلة الأولى من المحادثات بالاتفاق على وقف الأعمال العدوانية وفض الاشتباك بين القوات وإنشاء بعثة مراقبة تابعة لطرف ثالث. وتتمثل العقبة التالية في وضع ترتيبات أمنية تمنح أوكرانيا الضمانات التي تحتاج إليها مع الأخذ في الاعتبار معارضة روسيا لعضو في الناتو على حدودها الشرقية. وقد تدخل العديد من القضايا الأخرى هذا المزيج مثل جرائم الحرب الروسية والتعويضات والعقوبات. وأي هدنة ستكون أقل بكثير من التسوية النهائية. تحية لكن الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كان بوتين جاداً بشأن وقف إطلاق النار، وما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق، هو محاولة ذلك.
إن منع روسيا من تحقيق أهدافها والتحول إلى إعادة إعمار أوكرانيا وتحديثها سيمثل تحية دائمة للأوكرانيين الذين قدموا التضحية القصوى للحفاظ على وجود أمتهم. ولن تمنع أي هدنة موقتة أوكرانيا بشكل دائم من استعادة كل أراضيها، ختم شيمان.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية روسیا من إذا کان
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع ترامب إنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية؟
قال أحمد الياسري، رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات، إنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتقد أنه يستطيع إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا وحل هذه الأزمة المعقدة باتصال هاتفي، لكن الصراع في أوكرانيا له أبعاد مختلفة وفي غاية التعقيد، موضحا أنه ليس هناك نوايا من كلا الطرفين بوقف الحرب.
الأهداف الروسية والأوكرانيةوأضاف «الياسري»، خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ سقف الأهداف الروسية والأوكرانية مرتفع، وبالتالي ترامب لا يملك القدرات لتقريب وجهات النظر على الأقل، مشيرا إلى أنّ ترامب يستطيع إيقاف عمليات الضخ المالي والدعم العسكري إلى أوكرانيا، بهدف الضغط على الرئيس الأوكراني.
الحرب الأوكرانية استنزفت روسياوتابع: «ما يقوله ترامب مجرد دعايا وليس واقعا سياسيا»، لافتا إلى أنّ الحرب الأوكرانية استنزفت روسيا كثيرا، بالتالي روسيا تريد أن تقلص حضورها في منطقة الشرق الأوسط بسبب انشغالها بالحرب، بالتالي منذ بدء الحرب وروسيا ترفع يدها عن سوريا بدليل سحب قواتها منها.
عضو بـ«حزب البتريوت»: أوكرانيا تنتظر الدعم من الدول الغربيةجدير بالذكر أن الدكتور رامي أبو شمسية، عضو حزب البتريوت الأوكراني، قال إنّ أوكرانيا تنتظر الدعم الأكبر من حلفاؤها الغرب، موضحا أنّ الأسلحة التي تمتلكها أوكرانيا غير كافية لخوض الحرب ضد روسيا على جبهة كبيرة أكثر من ألف كيلو مترا، بالتالي أوكرانيا أصبحت في حالة الدفاع، ولكن هناك هجوم من جانبها على بعض الأراضي الروسية ما يجعلها تحتاج إلى الدبابات والمدرعات والصواريخ طويلة المدى التي تساعدها على رد العدوان الروسي عن أراضيها.
وأضاف «أبو شمسية»، أنّ قول روسيا بأنّ أوكرانيا تتجاوز الخطوط الحمراء يدفع أوكرانيا إلى الدفاع عن أراضيها، بالتالي لا يوجد حل غير بمطالبة أوكرانيا الدعم الأكثر من الدول الغربية من أجل مساعدتها على الوقوف بهذه الأزمة والحرب غير المبررة على أراضيها من قبل دولة روسيا.
وأردف عضو حزب البتريوت الأوكراني أنّ هناك شروط جرى وضعها من قبل الغرب في حالة استعمال الأسلحة الغربية على الأراضي الأوكرانية وتتمثل في مطالبة الأوكرانيين بعدم استخدام الأسلحة خارج أراضيهم، ولكن الحرب خدعة وانتقلت الحرب من الأراضي الأوكرانية إلى الأراضي الروسية.
وتابع، أنّ انتقال الحرب إلى الأراضي الروسية فرصة كبيرة للغرب من أجل إضعاف روسيا، ولكن أوكرانيا ليس أمامها أي خيار سوى الدفاع عن أراضيها عبر الاستيلاء على أراضي أخرى قد تفيدها في مرحلة السلام.