لا تختلف عن مدافن نياندرتال.. كشف أسرار أصحاب الكهف الـ 11 في العراق
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
بغداد اليوم - متابعة
ما وجده العلماء في كهف "شاندر" الفريد الواقع على جبال زاكروس بشمال العراق في منطقة كردستان الحالية، غير مفاهيم أساسية عن أحد الأجناس البشرية المنقرضة.
كهف شاندر هو موقع دفن فريد من نوعه من العصر الحجري. علماء الأجناس البشرية كانوا عثروا منذ منتصف القرن العشرين، تاريخ بدء الحفريات بهذه المنطقة، على بقايا 11 فردا من جنس نياندرتال، منهم 8 بالغين و3 أطفال، دفنوا في فترات متعاقبة، ويعود تاريخ هذا النوع من القبور إلى ما بين 46 إلى 60 ألف عام.
توصف مدافن شاندر بأنها لا تختلف في مظهرها الخارجي عن مدافن إنسان نياندرتال التي عثر عليها في مناطق أخرى. وهي عبارة عن قبور ضحلة بعمق بين 30 إلى 40 سنتمتر، وتوضع الجثة على جانبها فيما يوصف بوضع الطفل، وذلك لعدم وجود معدات دفن لدى النياندرتال.
التقارير تفيد بأن معظم الهياكل العظمية التي عثر عليها في الكهف اندثرت أثناء القتال في هذه المنطقة الواقعة بشمال العراق، ولم يتبق إلا صور فوتوغرافية وقوالب لها وبقايا صغيرة بقيت في حوزة العلماء.
عقب انتهاء العمليات العسكرية بشمال العراق، استؤنفت عمليات التنقيب في المنطقة، وقد عثر على آخر "إنسان شاندر" في عام 2020، ولم تكشف حتى الآن معلومات عنه.
من بين الهياكل العظمية الـ 11 في هذا الكهف التاريخي الفريد، يوجد ذكران متميزان لإنسان نياندرتال يعرفان باسمي، شاندرر – 1"، و"شاندر – 4".
شاندر – 1، ذكر يقدر عمره ما بين 45 – 50 عاما، ما يعني أنه بمقياس هذا النوع من الأنواع البشرية السابقة في سن متقدمة جدا تعادل ما بين 70 إلى 80 عاما بالنسبة للإنسان الحديث.
الخبراء المختصون وجدوا أن "شاندر – 1" عاش حياة بائسة وقد تعرضت أطرافه لإصابات وكسور عديدة جدا في حياته، وبعضها كان التأم، كما كانت يده اليمنى مقطوعة إلى الكوع، وقد فقدها قبل ووقت طويل من موته، وربما يكون ذلك في فترة الطفولة. كما وجدت اثار تدل على كسور في الكتف الأيمن وفي القدم والأضلاع وحتى في العمود الفقري، وكانت أسنانه مهترئة وكان عانى من التهاب مفاصل حاد في الركبة اليمنى والكاحل، والكثير من العواض الصحية المشابهة.
لم تتوقف مصائبه عند هذا الحد، وكان "شاندر – 1" أيضا أعمى لا يرى بعينه اليسرى، ووجدت دلائل على أنه كان أصم تماما أو أنه عانى في حياته من صعوبة شديدة في السمع.
هذا الرجل "النياندرتالي" كان توفى من انهيار كهف وسقوط على رأسه، إلا أنه عاش عمر مديدا بالنسبة لأبناء جلدته، وفي هذه المجموعة لم يعش أطول منه عمرا إلا إنسان نياندرتال آخر أطلق عليه الرمز"شاندر – 5"، والاثنان يعدان الأطول عمرا بين جميع من عثر على بقاياهم من هذا النوع الإنساني المنقرض.
ما لفت انتباه العلماء والخبراء أن ""شاندر – 1" كان عاجزا تقريبا عن الحركة ولا يستطيع تأمين حاجته من الطعام، لمنه تمكن من العيش ما يعني أن المحيطين به تولوا إطعامه ورعايته لسنوات عديدة، ما يجعلهم بطريقة ما قريبي الشبه بالإنسان الحديث الذي خالطهم فترة في أوروبا قبل انقراضهم قبل حوالي 40 ألف عام.
أما بالنسبة لـ"شاندر – 4"، فقد عثر بجانبه على ما أدهش المختصين. في عام 1972 اكتشف عالم آثار فرنسي متخصص في حبوب اللقاح، وجود تراكم لجبوب اللقاح في عينات التربة حيث كان يرقد هيكل "شاندر – 4".
البعض اعتقد أن ذلك يعني أن زهورا برية لا تزال تنبت في العراق حتى الآن وهي تستخدم أيضا في الطب الشعبي قد وضعت على جثته بعد موته في شكل طقوس جنائزية، وهذا إن صح يعني الكثير بالنسبة لقدرة نياندرتال العقلية والعاطفية ومدى شبهه بالإنسان المعاصر.
دراسات أخرى في وقت لاحق أفسدت هذه الفكرة المتفائلة عن "نياندرتال"، ورأت أن حبوب اللقاح في مرقد "شاندر – 4" قد تكون الجردان الفارسية قد جمعته كعادتها حين استوطنت الكهف، كما رأى خبير آخر أن حبوب اللقاح ترسبت حول "شاندر – 4" بشكل طبيعي بالعموم ولم تكن في إطار طقوس جنائزية.
أما دفن الموتى لدى النياندرتال، والذي ظن أنه علامة على تطوره الحضاري والعاطفي، فقد عزاه بعض الخبراء ببساطة إلى رغبة هذا النوع الإنسان القديم في إبعاد الحيوانات المفترسة عن أماكن تواجده، وأنه لم يكن طقسا جنائزيا أو علامة على الرحمة والتعاطف، لكن الجدل على كل حال حول هذه المسألة لا يزال دائرا ولم يحسم بعد.
المصدر: روسيا اليوم
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: هذا النوع
إقرأ أيضاً:
الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي
الدوحة – نظّمت مكتبة قطر الوطنية ندوة تحت عنوان "الوِراقة المغربية وصناعة المخطوط.. مقاربات في المواد والتقاليد والوظائف"، جمعت نخبة من الباحثين والخبراء في مجال المخطوطات العربية، وذلك ضمن فعاليات العام الثقافي قطر-المغرب وبالتزامن مع يوم المخطوط العربي 2025.
على مدى يومين، تتناول الندوة محاور متنوعة تسلط الضوء على التقاليد العريقة لصناعة المخطوطات المغربية، بدايةً من دور الوراقين والنساخ في حفظ المعرفة وتدوينها، وصولاً إلى الإمكانات المستقبلية التي توفرها التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والإنسانيات الرقمية.
وقال منظم الفعالية الدكتور محمود زكي للجزيرة نت إن الندوة تعكس التزامًا ثقافيا مشتركًا بصون التراث العربي المكتوب وإعادة قراءته، وتشكل جسرًا بين الماضي والحاضر لرسم آفاق مستقبلية لدراسات المخطوطات، مشيرا إلى انعقادها في مناسبة يوم المخطوط العربي وضمن فعاليات العام الثقافي قطر-المغرب.
تراث الوراقة بين النسّاخ والمبدعينواستعرض الباحثون الدور المحوري الذي اضطلع به الوراقون والنساخ في نقل المعارف وتداولها، مركزين على التقاليد المغربية التي أسهمت في إشعاع الكتاب المخطوط غربًا وشرقًا.
وأكد أخصائي المخطوطات بمكتبة قطر الوطنية الدكتور محمود زكي أن "المخزون الوراقي المغربي يحمل طابعًا فريدا من حيث المواد والأساليب، وهو ليس فقط إرثًا معرفيا، بل هو شاهد على تطور مفاهيم التأليف والنقل والتحقيق في سياق حضاري متنوع"، مضيفًا أن "الندوة تسعى لبناء جسر بين الماضي التليد للمخطوط، والمستقبل الرقمي الذي تُتاح فيه فرص بحث غير مسبوقة".
إعلانوفي كلمته الافتتاحية، قدّم الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش الدكتور محمد الطبراني قراءة تأصيلية لما وصفها بـ"المنتسخات المحققة" في المغرب والأندلس، عارضًا نموذجا مميزًا لنسخة مغربية من كتاب الشفا للقاضي عياض، وواصفًا إياها بأنها "أمثولةٌ على تَمهُّرِ المحدّثين في إرساء قواعد التحقيق منذ قرون خلت".
أما الدكتور رشيد العفاقي، فتناول في ورقته الموسّعة تاريخ خزائن الكتب والمكتبات في المغرب من القرن الثالث الهجري حتى العصر الحديث، مستعرضًا تنوع أنماطها بين الرسمية والخاصة، والزوايا والمساجد والمكتبات العامة، مقدّمًا لائحة تفصيلية لـ11 نوعًا من هذه الخزائن، ومبرزًا دور التحبيس والطباعة الحجرية في تنمية هذا التراث.
وفي عرض بعنوان "الخزانة الزيدانية من المغرب إلى الإسكوريال.. رحلة مكتبة مغربية سلطانية"، قدّم الدكتور البشير التهالي قراءة مختلفة في خزانة السلطان زيدان السعدي، التي آلت إلى دير الإسكوريال بإسبانيا، مبرزًا أهمية دراستها من داخل المخطوط نفسه، ومشيرًا إلى أنها تشكل "نموذجًا لفهم الذاكرة المادية والمعرفية للمكتبة السلطانية في المغرب".
تطرق الدكتور أحمد الصديقي من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إلى تطور مهن الوراقة بالمغرب في سياق التحضر وانتعاش الحياة العلمية، موضحًا كيف أثرت العوامل الاقتصادية والسياسية في رواج صناعة الكتاب وتوزيعه خاصة خلال فترات السلم واستقرار الدولة.
من جهته، تناول الباحث بالخزانة الحسنية بالرباط الدكتور محمد سعيد حنشي خصائص الحوامل المادية للكتاب المخطوط في الغرب الإسلامي، من الورق المغربي المصبوغ إلى الورق الشاطبي الذائع الصيت، ثم تتبع تاريخ الأحبار المغربية التي "كان يُسقى بعضها بالمسك والورد، ويُنشَّف بمسحوق الذهب"، بحسب وصفه.
إعلانأما الدكتور محمد عبد الحفيظ خبطة الحسني، فقدّم تصنيفًا علميا لتطور الخطوط المغربية والأندلسية، من "الكوفي القيرواني" إلى "الخط الزمامي" و"الثلث المغربي"، مستعرضًا المدارس الكبرى لتعليم الخط مثل مدرسة ابن الخصال ومدرسة أبي بكر بن خير، ومبرزًا خصوصية الخط المغربي بعد سقوط الأندلس واستقلال المغرب عن الهيمنة العثمانية.
من هوامش المخطوط إلى زواياه الخفيةقدّم الدكتور خالد زهري من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، بحثًا متميزا بعنوان "النصوص المصاحبة للمخطوط.. مفاتيح جديدة لفهم التاريخ المغربي"، عرض فيه كيف يمكن لخوارج النصوص، من تقميشات وإجازات وتحبيسات وهوامش، أن تعيد صياغة بعض المسلمات التاريخية وتصحيحها.
وسرد زهري اكتشافات مثيرة، منها "تفنيد الادعاء بأن السلطان محمد بن عبد الله حظرَ تدريس كتب الكلام عبر تحبيسات بخط يده على كتب معقولة"، إضافة إلى رصد تراجم لأعلام مغاربة ظلوا مجهولين لولا ما خطّته أياديهم في حواشي النسخ التي اشتغلوا عليها.
في الجلسة الثانية، انتقل النقاش إلى المستقبل من خلال استعراض إمكانات الذكاء الاصطناعي والإنسانيات الرقمية في دراسة وتحقيق المخطوطات.
وقال الدكتور محمود زكي في هذا السياق إن "الرقمنة لم تعد كافية، فنحن ننتقل اليوم إلى تحليل النصوص آليًا، واستخلاص البيانات من الهوامش، والتعرف على الخطوط بأنواعها"، مؤكدًا أن هذه التقنيات "لا تستبدل الدراسة التقليدية بل تعززها، وتفتح آفاقًا متعددة التخصصات".
وشهدت الجلسات التطبيقية في مكتبة قطر الوطنية تفاعلا حيًّا من المشاركين الذين عاينوا مخطوطات مغربية نادرة، وشارك بعضهم في ورش تحليلها أحيانا عبر أدوات خوارزمية، في تجربة تُعد من أوائل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على مخطوطات المغرب العربي.
إعلان جماليات الفن المخطوطواختتمت الجلسة بمحاضرة ثرية لأستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة حلوان الدكتور تامر مختار حول الزخرفة وفنون تذهيب وتجليد المخطوط المغربي. وأكد المحاضر أن "المخطوط المغربي جمع بين الرقة والجمال ومزج بين ثراء الخط وإبداع الزخرفة"، مشيرًا إلى ضرورة إيلاء مزيد من الاهتمام البحثي لهذا المجال.
أما الباحث خالد بن محمد المختار البداوي السباعي، فاستعرض نماذج من أعلام الوراقين والعلماء الذين طبعوا مسار الوراقة المغربية من أبي الحسن الشاري إلى عبد الحي الكتاني، مع الإشادة الخاصة بدور الدكتور أحمد شوقي بنبين في توثيق هذا التراث.
أكدت الندوة أن تاريخ الوراقة المغربية ليس مجرد إرث معرفي، بل هو تجسيد لرحلة طويلة من الإبداع، من الوراقين والنسّاخ في الحواضر العتيقة إلى الباحثين والمبرمجين في مختبرات الذكاء الاصطناعي، وأشارت إلى أن أفقا جديدا لدراسات المخطوط العربي يتشكل حاليا بين رفوف المخطوطات العتيقة وخوارزميات المستقبل.
ومن بين المواضيع الأخرى التي ناقشتها الندوة تقاليد التأليف والنسخ والتحقيق في المغرب، وجماليات المخطوطات المغربية، وتاريخ خزائن الكتب والمكتبات ودورها في حفظ المخطوطات والتراث. وقدَّم الخبراء رؤى قيمة حول الدور الحيوي الذي يؤديه النساخون والورّاقون والممارسات المتبعة في تحقيق المخطوطات.
وقد سلطت الندوة الضوء على الخصائص المميزة للمخطوطات الإسلامية المغربية والغربية، وأوضحت أوجه الاتفاق والاختلاف مع التقاليد الإسلامية المشرقية، واستكشفت كيفية انتقال المعرفة من النساخين والوراقين الأوائل وجامعي الكتب إلى الباحثين المعاصرين.
ويتناول اليوم الثاني من الندوة غدا الثلاثاء إمكانات التقنيات الحديثة في دراسة المخطوطات، حيث يستعرض المشاركون كيفية مساعدة أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل المخطوطات وصيانتها مع الحفاظ على مرجعياتها التاريخية والتراثية.
يقول الدكتور زكي في هذا الصدد:
"لا تعدّ الأدوات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي والمقاربات المعتمدة على البيانات مجرد إضافات حديثة، بل إنها تتيح رؤى قيّمة حول كيفية قراءة المخطوطات وتحليلها وفهمها. ولا يكمن الهدف في استبدال الدراسة التقليدية، بل في إثرائها من خلال تعاون منضبط متعدد التخصصات"
وتشمل فعاليات اليوم الثاني من الندوة حلقتين تطبيقيتين تتيحان للمشاركين فرصة تحليل المخطوطات المغربية النادرة من مجموعات مكتبة قطر الوطنية، والمشاركة في مناقشات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل المخطوطات.
إعلان