عام كامل من الفراغ لبنانيًا.. رئاسة مجمّدة وأمن مترنّح!
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
مع بدء العدّ العكسي لانتهاء عام واستقبال آخر، تُستعاد في العادة أبرز محطّات العام المنصرم ضمن ما تُعرَف بـ"جردة العام"، جردة لا يُراد منها الكشف عن "حصاد العام" فحسب، واستذكار أهمّ الأحداث التي طبعته على مختلف الصعد، وربما حدّدت وجهته وبوصلته، ولكن أيضًا استشراف المرحلة، عبر قراءة معمّقة للعناوين التي طبعت العام، والتي يمكن أن ترسم ملامح أولية لصورة العام الجديد، وما "سيرثه" من ذلك الذي سبقه.
لكنّ "جردة العام" في لبنان لا تحمل بين طيّاتها الكثير من التشويق، ولو بدت في الظاهر مليئة بالأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي أخذت طابعًا "دراماتيكيًا" في بعض الأحيان، إلا أنّها لم تُفضِ إلى أيّ "خرق حقيقي" على المستوى العملي، ليبقى "الفراغ" عنوان العام 2023 بامتياز، بدءًا من الرئاسة "الشاغرة" منذ العام 2022، وصولاً إلى مختلف القطاعات والاستحقاقات التي أضحت "رهينة" للفراغ الرئاسي، بشكل أو بآخر.
ولا يبدو أنّ "الفراغ" بقي حكرًا على قصر بعبدا، الشاغر منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، من دون تسليم المشعل لأيّ "خَلَف"، فالاقتصاد بقي على "تعثّره" المستمرّ منذ ما سُمّيت بـ"ثورة 17 تشرين"، ليتصدّر الأمن المشهد مرّة أخرى، من البوابتين الفلسطينية واللبنانية، ويُظهِر "هشاشة" مرشّحة للانفجار في أيّ لحظة، ولكن أيضًا من بوابة الانقسام السياسي الفاقع، الذي كاد يفجّر الشارع في أكثر من محطّة ومناسبة...
فراغ الرئاسة "القاتل"
كما بدأ العام 2023، بفراغ رئاسي "ورِثه" من العام الذي سبقه، على وعود بـ"انفراج قريب"، وتفاؤل بحركة داخلية وخارجية، ها هو ينتهي على الفراغ نفسه، والوعود نفسها، وكأنّ كلّ الأشهر الـ12 المنصرمة لم تكن كافية ليتحقّق شيء من الوعود، رغم حركة الموفدين الإقليميين والدوليين التي رُصِدت خلال العام، ولا سيما عبر الزيارات المتكرّرة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، والتي لم تنجح في تحقيق أيّ إنجاز "نوعيّ" يُذكَر.
وكما منيت المبادرات والوساطات الخارجية بالفشل خلال العام 2023، ولو أنّ المراهنين عليها لم يفقدوا الأمل، بدليل موجات التفاؤل التي روّج لها البعض في الأيام الأخيرة، فإنّ أبواب المبادرات الداخلية بقيت "مسدودة"، حتى أنّها لم تفتح أيّ نوافذ "أمل"، لدرجة أنّ المساعي لجمع اللبنانيين حول طاولة حوار اصطدمت بـ"فيتوهات" من هذا الفريق وذاك، وكأنّ محاولات التوافق والتفاهم أضحت "جريمة" في مكانٍ ما، في نظر بعض الأوساط.
مع ذلك، ثمّة "متغيّر وحيد" طرأ هذا العام على مستوى الملف الرئاسي، يتمثّل في "نضوج" الخيارات، فالورقة البيضاء لم تعد "المرشح الأوفر حظًا"، إذ أعلن "حزب الله" وحلفاؤه تبنّيه ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي بقي "ثابتًا" في موقعه، بخلاف مرشح المعارضة ميشال معوض، الذي استُبدِل بمرشح التقاطع جهاد أزعور، وربما قائد الجيش العماد جوزيف عون، وسط حديث عن "خيار ثالث" بعيد عن كل الأسماء المتداولة.
مراوحة في كلّ القطاعات
أمام كلّ ما تقدّم، لم يكن مستغرَبًا أن تطبع "المراوحة" عناوين العام على مختلف الصعد، فالحركة السياسية "جُمّدت" بشكل أو بآخر نتيجة الفراغ الرئاسي، ورفض بعض الأفرقاء ما يسمّونه "تطبيعًا" معه، على الرغم من محاولة الحكومة أن تلعب دورها على أكمل وجه، وتتصدّى لمسؤولياتها التاريخية، وكذلك مجلس النواب، وإن بدا في مكانٍ ما "مُحاصَرًا" برفض شرائح واسعة أن يقوم بأيّ دور "تشريعي"، في ظلّ الفراغ الرئاسي.
وطبعت هذه "المراوحة" الواقع الاقتصادي في البلاد خلال العام 2023، ولو استقرّ سعر الصرف نسبيًا بعد مرحلة من "الجنون" طبعت السنتين السابقتين، وسط مخاوف من "فلتانه" من جديد، على وقع الأزمات السياسية والأمنية، فضلاً عن إلغاء منصّة "صيرفة"، علمًا أنّ "القطوع الأبرز" للعام، أي انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، مرّ على خير، مع انتقال الدفة بسلاسة إلى نائبه وسيم منصوري، بلا آثار تُذكَر.
أما الوضع الأمني فتفوّق على كلّ العناوين الأخرى، خصوصًا في الأسابيع الأخيرة من العام، مع "اشتعال" الجبهة الجنوبية، التي تحوّلت إلى "جبهة إسناد" للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذي يتعرّض لحربٍ وحشيّة وهمجية، وقبل ذلك مع اشتباكات مخيم عين الحلوة، الذي تحوّل بدوره إلى "نار تحت الرماد"، من دون أن ننسى حادثة الكحالة الشهيرة، التي أضحت "نقطة مفصلية" من محطّات العام، بعدما كادت تأخذ البلاد إلى مجهول "الفتنة"، أو ربما "معلومها".
كثيرة هي الأزمات التي حملها العام 2023 بين طيّاته، كما الاستحقاقات التي طبعته، والتي انتهت بأغلبها على طريقة "تفادي المشكل أو تأجيله"، بانتظار فرَج لا يعرف أحد متى سيأتي، وإن كان سيأتي أصلاً. هكذا، بدت كلّ هذه الاستحقاقات في جانب أساسيّ منها، "أسيرة" الفراغ الرئاسي، الذي يمضي بثبات إلى الأمام، ولو أنّ القاصي والداني يدرك أنّ إنهاءه هو "كلمة السرّ"، التي تتيح بالحدّ الأدنى انتظام الحياة الدستورية في البلاد، وهنا بيت القصيد! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: العام 2023
إقرأ أيضاً:
من سيملأ الفراغ شمال شرق سوريا في حال انسحبت القوات الأمريكية؟
أثارت الأنباء عن احتمال اتخاذ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قرار سحب قوات بلاده من سوريا، تساؤلات عن الجهة التي ستملأ الفراغ في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية أداة واشنطن المحلية.
وتسيطر "قسد" التي يشكل الأكراد عمودها الفقري على مساحات واسعة من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، وهي المناطق الغنية بالثروات النفطية والزراعية والحيوانية.
من سيملأ الفراغ؟
الأكاديمي والباحث في مركز "الحوار السوري" أحمد القربي، أشار إلى سيناريوهات عديدة لمستقبل مناطق "قسد".
وفي حديثه لـ"عربي21" أشار إلى ما جرى في العام 2019، عندما اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته السابقة قرار الانسحاب من سوريا، قبل أن يتراجع عنه، وقال قربي: "حينها استفادت روسيا والنظام السوري من قرار الانسحاب، في حين أن تركيا لم تستطع إلا السيطرة على منطقة صغيرة عند حدودها في ريفي الحسكة والرقة (نبع السلام)".
وأضاف قربي: "بالتالي فإن أي انسحاب للولايات المتحدة اليوم يعزز السيناريو السابق ذاته، لأن روسيا تتمتع بعلاقة جيدة مع ترامب، ولأنها تمتلك أوراق قوة أكثر من تركيا، التي لا تمانع عودة النظام إلى حدودها".
وبحسب الباحث، فإن ثمة سيناريو آخر، يتحكم فيه القرار الأمريكي، بمعنى طريقة انسحاب واشنطن، وهل سيتم بالتنسيق مع تركيا التي أعلنت عن استعدادها تولي مهمة القضاء على بقايا تنظيم الدولة (داعش).
بذلك، يؤكد القربي، أن القرار الأمريكي هو المتحكم الأول بالطرف الذي سيملأ الفراغ، روسيا والنظام، أو تركيا.
وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، قد كشفت الأسبوع الماضي، عن اقتراح تركيا على واشنطن أن يتولى الجيش التركي مسؤولية قتال تنظيم "داعش" في سوريا، في حال سحب الولايات المتحدة لقواتها وقطعها لدعمها العسكري عن "قسد".
"قسد" وتحالف عشائري
الكاتب والسياسي والكردي، علي تمي، يرى أن تركيا هي الجهة الأقدر على ملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي، نظراً لانشغال روسيا بما يجري في أوكرانيا، وعدم قدرة النظام السوري على سد الفراغ، غير أنه استبعد أن تُعهد المهمة لتركيا.
وأشار لـ"عربي21" إلى فشل تجربة تركيا مع فصائل "الجيش الوطني" في مناطق الشمال السوري، وقال: "باعتقادي ستعتمد الولايات المتحدة على فصائل التنف والعشائر السورية والذين هم من أبناء المنطقة".
وبحسب تمي، فإن الولايات المتحدة لن تنسحب من كامل سوريا، بل من الشريط الحدودي مع تركيا، والأخيرة ستتولى حماية حدودها.
النظام السوري
أما رديف مصطفى نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين، فشكك في احتمال انسحاب واشنطن من سوريا، واستدرك في حديثه لـ"عربي21" بقوله: " لكن في حال حدوث هذا الانسحاب فإن نظام الأسد هو الذي سيملأ هذا الفراغ".
وأرجع ذلك إلى "العلاقة التي تربط حزب "العمال" الكردستاني الذي يهيمن على قرار "قسد"، بالنظام السوري"، وقال إن "قسد مستعدة للاتفاق مع النظام في حال جرى الانسحاب، وربما تركيا تسد الفراغات في بعض المناطق الحدودية".
تركيا
من جهته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي أن تسحب الولايات المتحدة قريباً قواتها من سوريا، وقال لـ"عربي21": "واشنطن اليوم بحاجة في معركتها مع المحور الإيراني-الروسي في المنطقة إلى تركيا الحليف القديم في حلف "ناتو".
وأضاف أن "واشنطن سمحت لتركيا بضرب قوات قسد، وعلاقة أنقرة بواشنطن قد تتحسن أكثر في عهد ترامب، ولم يخف ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما قال إنه سيبحث مع ترامب إكمال الحلقات المفقودة من الحزام الأمني على طول الحدود التركية السورية".
فوضى وسباق
أما محمد صالح الباحث في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" فتحدث لموقع "بيزنس إنسايدر" عن عواقب انسحاب أمريكي غير مدروس على غرار ما جرى في أفغانستان.
وقال إن "أي انسحاب أمريكي يتم على عجل سيقلب توازن القوى المتقلقل في المنطقة، وقد يفضي ذلك إلى ظهور "سباق محموم" بين إيران وروسيا والنظام السوري وتركيا على مناطق سيطرة "قسد" الغنية بالموارد".
وتحتفظ أمريكا بنحو 900 جندي في سوريا، يتوزعون على المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" في شمال شرق سوريا، وقاعدة "التنف" عند المثلث الحدودي العراقي الأردني.