في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الحالي، أعلنت كتائب القسام في قناة تلغرام الخاصة بها عن استهداف مروحيات تابعة لدولة الاحتلال بصاروخ "سام-18" في منطقتين، الأولى هي منطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة، والثانية شرق معسكر جباليا، تُعَدُّ هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها هذا السلاح من قِبل المقاومة، وهو مؤشر على تطور خطير في سياق الحرب القائمة حاليا.

 

ما نظام "سام-18″؟

"سام-18" هو نظام دفاع صاروخي أرض-جو، روسي الصنع، محمول على الكتف، ويمكنه ضرب الأهداف الجوية القريبة نسبيا، بدأت إصداراته الأولى في الثمانينيات من القرن الفائت، ومثل عدد من الأسلحة الشبيهة صنعت روسيا نسخا للتصدير، تُستخدم حاليا في أكثر من 40 دولة حول العالم، بما في ذلك المكسيك وماليزيا وكوريا الجنوبية (1) (2).

يستخدم النظام باحثا موجَّها بالأشعة تحت الحمراء للكشف عن البصمة الحرارية المنبعثة من محركات الطائرات، وعند إطلاق الصاروخ من قاذفة يحملها شخص واحد، يُفعَّل المُحرك الذي يدفعه نحو الهدف. في هذه الأثناء، يقوم باحث الأشعة تحت الحمراء بمسح المجال الجوي باستمرار بحثا عن البصمة الحرارية للهدف، وحينما يستقر الباحث على الهدف، يقوم الصاروخ بتعديل مساره لضربه مباشرة.

(الجزيرة)

 

كيف يفيد "سام-18" المقاومة؟

هناك ميزة مهمة في هذه القطعة التقنية، وهي أنها مجهزة بصمام متقارب (3)، وهو نوع من الصمامات التي تنفجر تلقائيا عندما تقترب على مسافة معينة من هدفها، الذي ترصده عبر مجموعة رادارات صغيرة ترسل إشارات وتستقبل انعكاساتها من الأجسام القريبة. صُمِّمت صمامات التقارب خاصة للأهداف العسكرية المراوغة مثل الطائرات والصواريخ، وهذا يضمن إحداث ضرر فعال للهدف عبر شظايا التفجير الأوّلي، حتى لو لم يتحقق التأثير المباشر بضرب الطائرة.

الصاروخ كذلك قادر على إجراء تصحيحات لمساره أثناء الطيران، مما يسمح له بالاشتباك مع أهداف رشيقة ومراوغة. وإلى جانب ذلك، صُمِّم الصاروخ لمقاومة الإجراءات المضادة التي تستخدمها الطائرة المستهدفة، مثل إطلاقها لشرارات أو مشاعل أو أي إجراءات دفاعية أخرى تهدف إلى إرباك أنظمة التوجيه بالأشعة تحت الحمراء.

تشتهر منظومة "سام-18" بموثوقيتها وسهولة استخدامها، حيث يمكن لرجل واحد فقط أن يتعلم أساسياتها ويشغلها دون وجود مساعدة وفي أي ظروف مناخية ليلا أو نهارا، ويُعَدُّ هذا أمرا بالغ الأهمية في المواقف القتالية التي من الضروري أن يكون فيها رد الفعل سريعا.

ومع وجود التضاريس الحضرية في غزة، فإن سهولة استخدام السلاح ووزنه الخفيف نسبيا يُمكِّنان جنود المقاومة من التموضع بشكل ممتاز في مناطق متعددة، وانتظار أي مروحية (أو مسيرة كذلك) تمر على مسافة قريبة، حيث إنه مُصمَّم للعمل فقط في نطاقات قصيرة.

ويمكن لدخول "سام-18" إلى منظومة المقاومة أن يغير من قواعد الاشتباك بوضوح. وإذا نجحت المقاومة في استخدام المنظومة خلال الفترة القادمة بفاعلية كبيرة، فإن ذلك سيمنع مروحيات الاحتلال من الاقتراب على مسافات قصيرة تمكنها من استهداف جنود المقاومة ونقاط تحصنهم بدقة أكبر، كما سيمنح المقاومة شكلا من أشكال الدفاع الجوي التي تخفف من استباحة الاحتلال لسماء غزة، وخاصة بالمسيرات والمروحيات، وكلتاهما تُعَدُّ هدفا لصواريخ "سام-18".

وإلى جانب سعره الرخيص نسبيا مقابل سعر طائرة مروحية من نوع أباتشي على سبيل المثال، التي تستخدمها دولة الاحتلال، فإن "سام-18" يُمثِّل فرصة ممتازة بالنسبة للجيوش الصغيرة ضعيفة العدد والعتاد (مثل المقاومة الفلسطينية) لتحقيق درجة من التوازن مع عدو متقدم تقنيا ولديه خطوط إمداد لا تتوقف.

 

تطور ترسانة المقاومة شهدت المواجهات الحالية في الحرب على قطاع غزة تطورا في الترسانة العسكرية للمقاومة الفلسطينية (مواقع التواصل)

ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها المقاومة عن استخدام صواريخ أرض جو من هذا النوع، في العام الماضي على سبيل المثال أعلنت كتائب القسام عن استخدامها لصواريخ "سام-7" في استهداف بعض الطائرات الإسرائيلية في أثناء قيامها بغارات على قطاع غزة، لكن تُعَدُّ هذه المرة الأولى التي يعلن فيها عن استخدام "سام-18" في معركة ضد جيش الاحتلال.

يحتوي "سام-18″ على الرأس الحربي نفسه شديد الانفجار الذي يبلغ وزنه كيلوغرامين والموجود في نسخ سابقة من هذا الصاروخ، لكنه مختلف تماما (4) في عدة نطاقات أخرى مقارنة بـ"سام-7" أو أي نسخة سابقة له، وخاصة في رادارات الصاروخ والباحث العامل بالأشعة تحت الحمراء والتحسينات الديناميكية الهوائية، وجميعها عملت على توسيع نطاق فعالية "سام-18" (5200 متر مسافة، و3500 متر ارتفاع)، كما أنها رفعت من سرعته بحيث بات يتمكن من التصدي لأهداف أسرع.

مع الباحث الجديد، تُقدَّر احتمالية إصابة الهدف حال كان غير محمي بأجهزة تشويش إلى 30-48%، ومع هدف يستخدم أجهزة تشويش تقل هذه النسبة إلى 24-30% فقط، لكنها تظل أفضل بفارق واضح من النسخ السابقة. أضف إلى ذلك نقطة مهمة، وهي أن بعض النسخ الأحدث من "سام-18" مجهزة بصاروخين يعملان بشكل متتالٍ ويمكن لمشغل واحد أن يطلقهما مباشرة على الهدف، ما يرفع احتمالات إصابته.

يعطينا ما سبق فكرة مهمة عن أثر تطوير المقاومة الفلسطينية لترسانتها العسكرية في الحرب الحالية، والأمر لا يتوقف فقط عند تطوير منظومة سام للصواريخ المحمولة، ولكنه يجري على كل شيء، بداية من صواريخ "الياسين-105" التي تُعَدُّ نسخة مطورة مضادة للدروع من صواريخ "آر بي جي" المعتادة، ومرورا ببنادق الغول القناصة التي باتت فعالة للغاية في المعركة الحالية، ووصولا إلى مدى صواريخ المقاومة التي باتت تصل إلى عمق دولة الاحتلال، ولهذا كله دور بالغ الأثر في الحرب الحالية، فقد رفع من خسائر الاحتلال إلى حدٍّ غير مسبوق، ولا متوقع من قِبَل حكومة نتنياهو.

 

إستراتيجية حماس

أضف إلى ذلك ملاحظة مهمة، وهي أن المقاومة كما يبدو من البداية تعرف أن هذه معركة طويلة الأمد، ولذا لم تضع كل أوراق اللعب على الطاولة مرة واحدة، فالمخططون الإستراتيجيون لها يعرفون أن العدو سيلعب على طول زمن المعركة ظنًّا منه أن عزم المقاومة سيضعف مع الوقت، ولذا اختاروا إظهار أسلحتهم الجديدة بالتدريج، وكلما مر أسبوعان إلى ثلاثة ظهر سلاح يُستخدم لأول مرة، شاهدنا ذلك مع طوربيد العاصف، ومنظومة رجوم الصاروخية، وصواريخ "سام-18″، وغيرها.

هذه النقطة مهمة جدا في سياق إحباط العدو، الذي لا يخوض حربا مع حماس والمقاومة فقط، ولكنها حرب ضد الزمن بالأساس، وكلما رأى جنرالات الحرب في دولة الاحتلال أن المقاومة ليست فقط قادرة على الصد بذكاء وثبات في عدد من الجبهات، بل وما زالت قادرة على استهداف مناطق خارج غزة بضربات صاروخية من حين إلى آخر، فإن هذه إشارة مهمة إلى أنها لا تزال تحتفظ بكامل لياقتها بعد كل تلك الفترة.

الأهم من ذلك أن المقاومة باتت تمتلك القدرة على أداء عمليات أكثر تعقيدا من ذي قبل، وربما سمعت مؤخرا عن تعدد الكمائن داخل غزة وقدرتها على استهداف أعداد أكبر من الجنود الإسرائيليين، ذلك لأن المقاومة باتت قادرة على نصب كمائن معقدة متعددة الأهداف، وهي أصعب أنواع الكمائن، وفيها تستخدم زوايا إطلاق نار متعددة وأسلحة متنوعة لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف العدو.

يجري ذلك على كل أشكال قتال المقاومة في هذه الحرب، فالأمر يتخطى تكتيكات العمليات الفردية والكر والفر وقتال العصابات، ليصل إلى عمليات قتالية معقدة تجري بالتنسيق بين قوات أو وحدات من نوعيات وتخصصات متمايزة وبأسلحة مختلفة، بشكل يشبه عمليات الأسلحة المشتركة في الجيوش النظامية المعاصرة، وهذا هو ما يُمثِّل مفاجأة المقاومة الأساسية بالنسبة للاحتلال.

————————————————————-

مصادر SA-18 Igla 9K38 man-portable air defense missile system IGLA MAN-PORTABLE AIR DEFENSE MISSILE SYSTEM Proximity Fuse SA-18 GROUSE – Igla 9K38 / Igla-S 9K338

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دولة الاحتلال تحت الحمراء أن المقاومة التی ت

إقرأ أيضاً:

حماس غير معنية بانتقال إسرائيل الى المرحلة الثالثة للحرب: جبهات الإسناد مستمرّة


كتب محمد علوش في" الديار": توضح مصادر متابعة أن ما يرشح عن المرحلة الثالثة من الحرب على غزة يوحي وكأن الاسرائيليين يريدون السعي لفصل جبهات المساندة عن الحرب، من خلال الإيحاء بأن الحرب انتهت ولكن بالنسبة الى محور المقاومة على جبهات الاسناد فإن هذا الأمر لن يخدع أحدا، والانتقال الى المرحلة الثالثة لن يؤدي الى وقف المساندة، بل يمكن أن يرفع الوتيرة للضغط على اسرائيل لإنهاء الحرب، بحسب مصلحة كل جبهة، علماً أن مصادر حركة حماس تؤكد لـ "الديار" أن المرحلة الثالثة لن تجعل الحركة تتخلى عن مطلبها الأساسي بإنهاء العدوان لأجل الدخول في صفقة تبادل أسرى، وانهاء العدوان يعني وقف الحرب بشكل كامل والانسحاب الكامل من غزة والبدء بإغاثة النازحين ليعودوا الى مناطقهم والبدء أيضاً بمسار إعادة الإعمار، لذلك بالنسبة للحركة فإن المرحلة الثالثة لن تُثني المقاومين عن استمرار مقاومتهم وبشكل أكبر.
في اسرائيل تعويل على تبدل المجريات في حرب غزة لتخفيف الاحتقان على الجبهة الشمالية، وقد ظهر ذلك من خلال تصريحات للمعارض الاسرائيلي لابيد، كذلك في اسرائيل يتحدثون عن أن مرحلة ما قبل زيارة الوزير الاسرائيلي غالانت الى أميركا ليس كما بعدها، فالأميركيين نجحوا في تبديل خطاب المسؤولين الاسرائيليين من التهديد اليومي بالحرب على لبنان، وإعادته الى العصر الحجري، الى الحديث عن التسوية والحل الدبلوماسي، كذلك يعتبرون في اسرائيل أن زيارة رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي الى مدينة صور وكلامه على عدم رغبة لبنان بالحرب كان أيضاً نتاج طلب وجهد أميركي.
بحسب مصادر مقربة من المقاومة فإن الانتقال الى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة لا يعني تحقيق هدف جبهات الاسناد، فالهدف كان ولا يزال وقف الحرب، وبالتالي من المبكر الحديث عن كيفية انعكاس هذه المرحلة على مسار الحرب، خاصة في الجنوب كونها الجبهة الأكثر حساسية، ولكن الأساس سيبقى بالنسبة لمحور المقاومة هو أن جبهات المساندة مستمرة في عملها.
 

مقالات مشابهة

  • رفض عشائري لإدارة قطاع غزة.. وعجز إسرائيلي عن إيجاد بديل لحماس
  • نتنياهو ضد الجنرالات.. المعركة على مستقبل إسرائيل.. قراءة في كتاب
  • الدويري: عمليات المقاومة بالضفة تمثل تحولا إستراتيجيا في إدارة المعركة
  • حماس غير معنية بانتقال إسرائيل الى المرحلة الثالثة للحرب: جبهات الإسناد مستمرّة
  • التصنيع في زمن الحرب..المقاومة تصنع المعجزات
  • خبير أمني فلسطيني للجزيرة نت: إسرائيل فشلت في القضاء على حماس وستعجز عن احتلال غزة
  • الدويري: المقاومة تعيد بناء قوتها وتدير المعركة بكفاءة رغم التحديات
  • ‏القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني: المقاومة في لبنان ستكبد إسرائيل ثمنا باهظا ردا على أي اعتداء
  • ماذا يعني انتقال إسرائيل إلى امرحلة الثالثة من الحرب على غزة؟
  • حيّ الشجاعية بقطاع غزة.. تاريخٌ من البطولة يحول أهداف الاحتلال الصهيوني إلى أوهام